الأديب علاء الأسواني: تمرد ولو أخطأت.. حتى تتحرر..
إذا بحثنا عن الفضيلة الأولى التي يتربى عليها الإنسان العربي سنجدها فضيلة الطاعة.
منذ نعومة أظافرنا ونحن أطفال يتم تعليمنا ان الطاعة هي طريقنا الوحيد للتمتع بالأخلاق الحسنة. يجب أن نطيع الوالد لأنه يعرف ما لا نعرفه وهو قطعا أدرى الناس بمصلحتنا، ويجب أن نطيع الأم لأن الجنة تحت أقدام الأمهات كما يجب على الزوجة الصالحة أن تطيع زوجها لأن الله سيلعنها إذا عصت أوامره.. في المدرسة يجب أن نطيع المدرس حتى نكون تلاميذ نجبا، ثم إذا التحقنا بالجامعة فان الدراسة ستكون غالبا قائمة على تلقين الطلبة وجهة نظر الأستاذ باعتبارها الحقيقة المطلقة فلا يكون هناك مجال اطلاقا لممارسة التفكير النقدي أو تعدد وجهات النظر.
هناك فقط كتاب الأستاذ الذي يجب أن تحفظه ثم تعيد كتابته في الامتحان والا سوف ترسب. أذكر أنني كنت طالبا في كلية طب الأسنان في جامعة القاهرة وكان عندنا أستاذ للكيمياء الحيوية يدرس لنا مادته ويستشهد بالنكات والطرائف. لم يكن الغرض من القاء النكات أثناء المحاضرة الترفيه عن الطلبة لكنها كانت طريقة ماكرة من الأستاذ لاكتشاف الطلبة الذين لا يحضرون المحاضرات فكان في الامتحان الشفهي يسأل الطالب عن النكات فاذا بدا على الطالب انه يسمع عن النكتة لأول مرة كان يرسب فورا. التحصيل العلمي اذن لم يكن الفيصل في النجاح والرسوب وانما الفيصل كان حضور المحاضرات وطاعة الأستاذ.
تستمر هذه التربية القائمة على الطاعة في البيت والمدرسة والجامعة ثم تنتقل بعد ذلك إلى مجال آخر أخطر تأثيرا وهو طاعة رجال الدين فنحن جميعا ــ مسلمين ومسيحيين ــ نتعلم أن الدين لا يصل الينا من ربنا مباشرة وانما هناك رجال الدين الذين يعرفون أحكام الدين وأسراره وهم ينقلون الينا مايريده الله منا ولا يجوز اطلاقا أن نرفض ما يقوله رجل الدين أو نوجه له النقد، أولا لأننا لا نعرف الدين مثلما يعرفه رجل الدين، وثانيا لأن عصيان رجل الدين هو عصيان لله بكل ما يجلب ذلك من لعنة وعذاب في الدنيا والآخرة.
بعد أن يتم تشكيل عقل الانسان العربي على الطاعة بهذا الشكل تفرض عليه الطاعة السياسية. أنظمة الحكم في العالم العربي كلها ديكتاتورية ولها أنماط ثلاثة:
أولا: الديكتاتورية الملكية حيث يتم معاملة الملك ياعتباره رئيس القبيلة فتكون طاعته مقدسة ومفروضة على الجميع، وقد رأيت رجالا بلغوا أعلى درجات التعليم وشغلوا مناصب مرموقة لكنهم يحتفظون في بيوتهم بصورتهم وهم يقبلون يد الملك لأنهم يفخرون بهذا الشرف العظيم.
النمط الثاني هو الديكتاتورية العسكرية والعسكريون ثقافتهم قائمة على طاعة الأوامر. عندما يلتقي عسكري بعسكري آخر فانه ينظر أولا إلى كتفه ليعرف رتبته فاذا كانت رتبته أعلى منه وجبت طاعته و إذا كانت رتبته أقل وجبت عليه الطاعة، وبالطبع فان الشخص المدني لا يحمل رتبة عسكرية ولا يحق له الاعتراض في عرف العسكريين وانما يجب عليه الطاعة المطلقة.
النمط الثالث هو الديكتاتورية الدينية التي تنشئها جماعات الاسلام السياسي وكلها قائمة على السمع والطاعة المطلقة ففي التنظيمات السلفية لايجرؤ أحد على مخالفة الشيخ أو مناقشته أما في تنظيم الاخوان المسلمين فان العضو الجديد يعطى البيعة حتى يتم قبوله في التنظيم فيقسم على السمع أو الطاعة في السراء والضراء وهناك فيديو شهير يعكس هذه الروح نرى فيه مرشد الاخوان يخرج من المسجد فاذا بشيوخ الجماعة يتزاحمون ويتنافسون من أجل ان يحظوا بشرف تلبيس الحذاء للمرشد. لا يوجد لدى هذه الجماعة الا الطاعة المطلقة.
ثقافة الطاعة المطلقة التي يتم فرضها على الانسان العربي تؤدي إلى نتيجتين:
أولا: انعدام التفكير النقدي
الطاعة المطلقة تعطل قدرتنا على التفكير النقدي التي هي أساس التقدم في أي مجتمع، والدليل على ذلك انه برغم تراكم الثروة النفطية على مدى عقود في بعض البلاد العربية الا أن العرب من أقل الشعوب قراءة واطلاعا وابداعا. صحيح أن هناك علماء عرب كثيرين نوابغ لكن معظمهم أبدعوا عندما تركوا بلادهم وذهبوا إلى الغرب حيث أتيحت لهم حرية التفكير والنقد والبحث بعيدا عن تقديس الطاعة.
ثانيا: السلطة المطلقة
لا يستطيع الديكتاتور أن يفرض سلطته الا بإذعان الشعب وثقافة الطاعة تجعلنا قابلين للاستبداد، فاذا كنت تمارس الطاعة المطلقة في البيت والمدرسة والجامعة والمسجد والكنيسة فلايوجد أي سبب لكي تعترض على الديكتاتور لانك تعودت على الخضوع للسلطة منذ الصغر.
هل يجرؤ شاب سلفي على سؤال شيخه عن مصادر ثروته التي تجعله يعيش كالملوك؟ هل يجرؤ شاب من الاخوان على سؤال مرشد الاخوان عن مصادر تمويل التنظيم وأوجه انفاقها؟ هل يجرؤ شاب قبطي على سؤال البابا عن ميزانية الكنيسة؟
اجابة كل هذه الاسئلة بالنفي وكذلك لن يجرؤ أحد على سؤال الديكتاتور العربي عن انفاقه المليارات من ميزانية الدولة على قصوره وطائراته؟
ان الاستبداد هو المرض الأصلي الذي جعلنا متخلفين عن العالم أما القمع وانعدام حرية التعبير والفقر والجهل والمرض والتطرف الديني فكلها أعراض لمرض الاستبداد وفي حياة الانسان والمجتمعات أيضا، يجب علاج المرض أولا حتى تزول الأعراض..
ان ثقافة الطاعة لا تؤدي إلى الفضيلة ولا تحمينا من الخطأ لكنها تمنعنا من التفكير وتجعلنا مذعنين وقابلين للاستبداد.
ان التاريخ يعلمنا قيمة التمرد. ان التمرد وليس الطاعة هو الذي أدى دائما إلى التقدم الانساني
تمرد ولو أخطأت.. حتى تتحرر
الديمقراطية هي الحل