لماذا هاجم ترامب لأول مرة المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر، وهل يمهِّد لمعاقبتها على صفقاتها مع روسيا؟
موقع عربى بوست / مرفق الرابط
تبدو الدوافع التي تقف وراء اعتراض ترامب على المساعدات الأمريكية العسكرية لمصر بسبب شرائها أسلحة روسية غامضة، وغير مسبوقة على هذا المستوى من السلطة في أمريكا.
فرغم أن انتقادات أمريكية رسمية وتحذيرات وجهت للقاهرة بسبب صفقات الأسلحة المصرية مع روسيا، إلا أنه لأول مرة يصدر هذا النقد من الرئيس الأمريكي الذي يصف الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بديكتاتوره المفضل.
واتهم الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب الجيش المصري باستخدام الأموال الأمريكية في شراء أسلحة روسية، وهو ما دفعه إلى التلويح برفض مشروع قانون الميزانية الجديد لإنعاش الاقتصاد لمواجهة جائحة كورونا.
ولكن ما سر هذا الانتقاد النادر من قبل ترامب الموجة إلى المساعدات الأمريكية العسكرية لمصر ويعد نقداً ضمنيا للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.
ولطالما، اتهم منتقدو السيسي إدارة ترامب بغض النظر عن انتهاكاته لحقوق الإنسان، وظلت مصر تتلقى 1.3 مليار دولار من المساعدات العسكرية الأمريكية سنوياً، رغم أنه في عام 2017 تم تعليق جزء صغير من هذه المساعدة بسبب مخاوف تتعلق بحقوق الإنسان ولكن تم الإفراج عنها في العام التالي.
ماذا قال ترامب تحديداً عن المساعدات الأمريكية العسكرية لمصر؟
كان الكونغرس الأمريكي قد مرر أمس الثلاثاء في قانون ميزانية الإنفاق الحكومي للعام المقبل، المساعدات العسكرية المعتادة إلى مصر والتي تبلغ نحو 1.3 مليار دولار.
ونص بند في القانون على تجميد 75 مليون دولار من المساعدات الأمريكية العسكرية لمصر إلى حين أن يرفع وزير الخارجية الأمريكي تقريراً لإطلاع المشرعين على التقدم المحقق من قبل القاهرة في مجال الإفراج عن السجناء.
كما ربط بند آخر الإفراج عن 225 مليون دولار من المنحة بتعزيز مبدأ سيادة القانون ودعم المؤسسات الديمقراطية وحقوق الإنسان، بما يشمل حماية الأقليات الدينية.
وقد اعتبر موقع مبادرة الحرية أن المشرعين الأمريكيين وجهوا رسالة قوية إلى مصر مفادها أن استخدامها المنهجي للاحتجاز لإسكات النشطاء والصحفيين لا يخدم مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة.
ولكن ترامب انتقد- في مقطع مصور على تويتر- بند المساعدات الخارجية في الميزانية الجديدة البالغة 892 مليار دولار، وقال إنه يبدد أموال الأمريكيين، وضرب ترامب مثالاً على ذلك بالمساعدات الأمريكية التي تذهب كل عام إلى مصر.
ماذا قال ترامب عن الجيش المصري؟
تطرق ترامب إلى المساعدات الخارجية العسكرية وركز على المساعدات الأمريكية العسكرية لمصر وربط بين انتقاده للإنفاق على مواجهة الجائحة وبين المساعدات الخارجية، مطالباً بزيادة الأموال الموزعة على الأمريكيين.
إذ قال إن "الخطة تشمل مساعدات بقيمة مليون دولار لكمبوديا، و134 مليون دولار لميانمار،
و1.3 مليار دولار لمصر حيث يستخدمها الجيش المصري بشكل شبه حصري لشراء معدات عسكرية من روسيا".
وفيما بدا أنه اتهام للكونغرس بالرضوخ للوبيات الخارجية، قال الرئيس الأمريكي مستنكراً: "مشروع القرار يسمى قانون الإغاثة من كورونا، لكن ليس له علاقة بالفيروس"، مضيفاً أن "الكونغرس يرسل الكثير من الأموال إلى الدول الأجنبية وجماعات الضغط والمصالح الخاصة، بينما يعطي الحد الأدنى من المساعدات إلى الشعب الأمريكي، والذي يحتاج حقاً إلى الدعم في مواجهة الجائحة".
كان من المتوقع أن يوقع ترامب الذي من المفترض أن يترك منصبه في 20 يناير/كانون الثاني 2021، على مشروع القرار الجديد الذي أقره الكونغرس، إلا أنه رفض المشروع ووصفه بأنه "وصمة عار".
ما السر وراء اعتراض ترامب على المساعدات الأمريكية العسكرية لمصر فجأة؟
ترامب فاجأ الجميع ويعتقد المعلقون أن ذلك يأتي ضمن نهجه الذي يسعى من خلاله للبقاء في الواجهة السياسية والإعلامية، ولتقويض إدارة خلفه جو بايدن، حسبما ورد في تقرير لموقع الجزيرة.
ويأتي ذلك في الوقت الذي يتهم فيه مسؤولون في الحزبين الجمهوري والديمقراطي، روسيا بالضلوع في عمليات اختراق مؤسسات الدولة، في حين يخفف ترامب من لهجة الاتهام لروسيا ويقول إن الاختراق ربما تم من قبل الصين.
وقال الرئيس المنتخب جو بايدن إن الرئيس بحاجة إلى إلقاء اللوم على روسيا، وهو أمر لم يفعله حتى الآن رغم توجيه وزير الخارجية مايك بومبيو ووزير العدل وليام بار الاتهام إلى موسكو.
الرسالة التركية وصلت القاهرة
وبصرف النظر عن أسباب ترامب الشخصية، فإن إدارته سبق أن وجهت تحذيراً العام الماضي للقاهرة، بسبب صفقة طائرات سوخوي 35 المتقدمة مع روسيا.
في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، حاول وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو ووزير الدفاع مارك إسبر إقناع وزير الدفاع المصري محمد أحمد زكي محمد بإلغاء الصفقة في خطاب، حسبما ورد في تقرير لمجلة Forbes الأمريكية.
وبحسب ما ورد حذرت الرسالة من أن "صفقات الأسلحة الجديدة الكبرى مع روسيا ستؤدي- على الأقل- إلى تعقيد المعاملات الدفاعية الأمريكية المستقبلية والمساعدة الأمنية لمصر".
ويعتمد الجيش المصري بشكل كبير على الأسلحة الأمريكية منذ اتفاقية السلام مع إسرائيل في نهاية السبعينيات، ولكن منذ إسقاط الرئيس المنتخب محمد مرسي وما أعقبه من فرض عقوبات مؤقتة لمبيعات الأسلحة العسكرية لمصر، أنفقت القاهرة بالفعل مليارات الدولارات على المعدات العسكرية المتطورة من كل من روسيا وفرنسا في السنوات الأخيرة.
وبحسب ما ورد بدأت القاهرة في تسلم أول خمس طائرات من طراز Su-35SE Super Flankers طلبتها من موسكو. كما تم مؤخراً تصوير مقاتلات التفوق الجوي الأنيقة والمتقدمة متعددة المهام في روسيا.
يبدو أن تسليم هذه الدفعة الأولى يؤكد أن القاهرة مضت قدماً في صفقة تبلغ قيمتها ملياري دولار لهذه الطائرات الحربية الجديدة على الرغم من التحذيرات الأمريكية.
في المقابل فقد كانت صفقة شراء تركيا (عضو الناتو) على نظام الدفاع الجوي الروسي إس 400 الروسي أكثر إثارة للجدل في واشنطن أكثر من الصفقات المصرية، حيث تسببت الصفقة التركية في توتر العلاقات مع الولايات المتحدة، وفرض عقوبات على رئاسة مشتريات الدفاع التركية مؤخراً من قبل ترامب قبل نهاية ولايته، رغم اعترافه من قبل بأن تركيا لديها حق في قرارها شراء المنظومة الروسية بسبب رفض سلفه أوباما بيع صواريخ باتريوت لأنقرة.
ولكن نظراً للعقوبات الأمريكية الأخيرة على تركيا رغم أنها أقل من المتوقع بأنها بمثابة رسالة تحذير للدول الأخرى- بما في ذلك الهند ومصر والمملكة العربية السعودية- التي تفكر في شراء أسلحة ومعدات عسكرية أخرى من موسكو.
هل يمكن أن تعاقب أمريكا القاهرة بسبب صفقات السلاح مع روسيا؟
وقد يكون ترامب يسعى لإظهار نفسه أنه أحرص على الشعب الأمريكي من الكونغرس من خلال انتقاد توجيه مساعدات لمصر، بينما هي تشتري أسلحة روسية، وهو بذلك يبدو أنه يستهدف موسكو بطريقة أكثر فاعلية، من الكونغرس ويتجنب في الوقت ذاته مهاجمة موسكو مباشرة.
ومع ذلك لم يقل ترامب على وجه التحديد إنه سيستخدم حق النقض ضد مشروع القانون. حتى لو فعل ذلك تقول وسائل الإعلام الأمريكية إنه قد يكون هناك عدد كافٍ من الأصوات من الديمقراطيين والجمهوريين في الكونغرس لتجاوز حق النقض، حيث تم تمرير مشروع القانون عبر مجلس النواب بنسبة 359-53 ومجلس الشيوخ بنسبة 92-6، رغم احتجاج العديد من المشرعين على عدم منحهم الفرصة لقراءة محتويات المشروع.
ولكن فتح ترامب وهو الرئيس الأمريكي الأقرب للسيسي وحلفائه الخليجيين يشير إلى أن الصفقات المصرية مع روسيا قد تطرح في واشنطن في عهد الرئيس الأمريكي الديمقراطي جو بايدن الذي يقدم نفسه أنه سيكون أكثر حزماً مع روسيا ومستبدي الشرق الأوسط على السواء.
وتتطلع مجموعات حقوق الإنسان في أمريكا إلى أن تمارس الإدارة الأمريكية الجديدة ضغوطاً على الحكومة المصرية لتغيير سياساتها القاسية تجاه المعارضة.
ولكن هذا لا يعني بالضرورة احتمال فرض عقوبات جدية على مصر بسبب صفقاتها مع روسيا.
ولكن القاهرة ستحتاج إلى أن تكون أكثر حذراً في هذا الملف، وهو حذر بدأته بالفعل كما يبدو في غياب أي احتفاء مصري رسمي أو إعلامي بصفقة السوخوي 35 التي يقال إنها تسلمت جزءاً منها، ورغم أن النظام المصري يحتفي بمثل هذه الصفقات عادة.