سحب مشروع "تجريد الجنسية" الجزائرية.. تبون يحاول تخفيف ضغط الحراك الشعبي على حكم العسكر
في الجزائر، يختلف الحراكيون مع السلطة الحاكمة في رؤية مستقبل البلاد، خاصة في ملفات معقدة وحساسة، منها القضاء على الفساد، ومحاكمة رموز النظام السابق، والموقف من دستور البلاد، فهل يبدأ الرئيس، عبد المجيد تبون، في ردم الهوة بين الرؤيتين؟
تبون كشف، الأحد، أنه أمر بسحب مشروع قانون يقضي بتجريد جزائريين من جنسيته ممن يثبت عليهم "تهديدهم لأمن الدولة والوحدة الوطنية"، وهي خطوة قد ينظر لها بعض الجزائرين في إطار محاولة الاستجابة لمطالب الشارع .
وقالت وكالة الأنباء الجزائرية إن الرئيس برر قراره بـ"سوء الفهم" الذي رافق الإعلان عن المشروع، حيث أن القانون الذي أعلنت عنه وسائل إعلام محلية قبل أسابيع، جوبه بانتقادات اعتبرت أنه يستهدف الناشين والمعارضين السياسيين للسلطة
وكان وزير العدل الجزائري، عبد القادر زغماتي، قد عرض في الرابع من مارس الماضي مشروعا تمهيديا لقانون ينص على استحداث إجراء للتجريد من الجنسية الجزائرية الأصلية أو المكتسبة، يطبق على كل "جزائري يرتكب عمدا أفعالا خارج التراب الوطني من شأنها أن تلحق ضررا جسيما بمصالح الدولة أو تمس بالوحدة الوطنية".
ويعتقد، نوري عبد القادر، أستاذ العلوم السياسية بجامعة قسنطية، شرق الجزائر، أن قرار تبون يدخل في إطار صلاحياته التي تخوله تأجيل أو تجميد أي مقترح .
وفي حديث لموقع "الحرة" اعتبر نوري القرار جزء من مساعي الحكومة الجزائرية في تخفيف الضغط والتشنج الحاصل في أوساط الشعب، في ظل أزمة مالية واقتصادية متصاعدة.
بيد أن الناشط في الحراك الشعبي، نصر الدين بغدادي، يرى بأن السلطة تحاول كسب الوقت إلى حين انتخاب برلمان جديد توكل له مهمة اقتراح قوانين مماثلة في السنوات المقبلة.
وفي اتصال مع موقع "الحرة" قال بغدادي "لا يمكنني أن اثق في كل ما يتم تداوله في أعلى هرم السلطة لأن التجربة علمتني أن الحكومة لا تعطيك شيئا إذا لم تأخذه أنت بنفسك".
وبينما يرى نوري في قرار سحب المشروع تعبيرا عن "حسن نية" الحكومة تجاه مطالب المتظاهرين في إطار الحراك الشعبي، يؤكد بغدادي بأن مطالب الحراك تتعلق بـ "إبعاد المؤسسة العسكرية عن المشهد السياسي وإحداث تغيير جذري للنظام، وليس سحب مشروع قانون لم يصادق عليه أصلا".
لذلك، يرى بغدادي بأن القول إن الحكومة نزلت عند رغبة الشعب بالتراجع عن هذا القانون "غير مبرر ولا يعبر عن حقيقة ما يجر ي في الجزائر".
ويقول إن "الحكومة تعرف جيدا بأن هذا القانون كان سيكون له أثر عكسي".
ويطالب المتظاهرون الجزائريون الذين يخرجون كل أسبوع بعدم تدخل مؤسسة الجيش في السياسة، ويتهونها بتعيين الرؤساء منذ استقلال البلاد عن فرنسا العام 1962.
وأغلب الرؤساء الذين حكموا الجزائر حتى الآن من المؤسسة العسكرية أو كانوا قريبين منها.
فأول رئيس للجزائر، أحمد بن بلة، كان من أوائل مفجري ثورة التحرير (1954-1962)، كما أن الرئيس الراحل، هواري بومدين، (1965-1978) الذي وصل إلى السلطة بعد الانقلاب على بن بلة، ذا خلفية عسكرية كذلك.
الشيء نفسه بالنسبة للرئيس، الشاذلي بن جديد، الذي حكم الجزائر من سنة 1978 وإلى غاية 1991، حيث كان هو الآخر من أبرز وجوه النضال العسكري ضد التواجد الفرنسي.
كما أن الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة، (1999-2019) الذي استقال تحت ضغط الحراك الشعبي، له خلفية عسكرية، ويتهم بأنه وصل إلى الحكم بتزكية الجيش.
يُذكر أنه خلال فترة "موجة الإرهاب" التي أعقبت اغتيال رئيس الدولة، محمد بوضياف، (1992) شهدت البلاد حكما جماعيا (المجلس الأعلى للدولة) أبرز الأسماء فيه من خلفية عسكرية يتقدمهم الجنرال، خالد نزار.
لذلك، يرى بغدادي بأن القول بأن هناك تغيرا في توجه السلطة الجزائرية ونظرتها لآمال الشباب في رؤية دولة مدنية "غير صحيح ".
ويرفع المتظاهرون في الجزائر كل جمعة وثلاثاء، موعد المسيرات الأسبوعية، شعارات مناوئة للمؤسسة العسكرية أبرزها "مدنية ماشي عسكرية" وهو تعبير باللهجة الجزائرية ملخصه "نريد دولة مدنية وليست عسكرية".
الحرة / واشنطن