"هيومن رايتس ووتش":
الغزو الروسي لأوكرانيا يُفاقم الجوع في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ويهدد حصول الناس على الغذاء في لبنان وليبيا وسوريا ومصر واليمن وغيرهم من دول المنطقة؟
على الحكومات التحرك بهِمة لحماية الحق في الغذاء
قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن على الحكومات ضمان عدم تسبب النزاع في أوكرانيا بتفاقم أزمة الغذاء في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وحماية الحق في الغذاء الكافي وميسور التكلفة للجميع. أوكرانيا وروسيا مصدّران رئيسيان للمنتجات الزراعية بالنسبة للعديد من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والاضطرابات المرتبطة بالحرب بدأت بالفعل تفاقم أسعار المواد الغذائية المتصاعدة أصلا وتعميق الفقر.
قالت لما فقيه، مديرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "تتطلب سلاسل الغذاء العالمية تضامنا عالميا في أوقات الأزمات. دون اتخاذ إجراءات متضافرة لمعالجة إمدادات الغذاء والقدرة على تحمل تكاليفها، يهدد النزاع في أوكرانيا بتعميق أزمة الغذاء في العالم، لا سيما في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا".
بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، لكل فرد الحق في الحصول على غذاء كاف ومناسب لحياة صحية ونشيطة. لحماية هذا الحق، الحكومات مُلزمة بسَنّ السياسات وتقديم الدعم المناسب لضمان تمكن جميع الناس من تحمل تكاليف الغذاء الآمن والمغذي في جميع الأوقات. أدى غزو روسيا لأوكرانيا إلى زيادة أسعار الخبز والأطعمة الأساسية الأخرى، لا سيما في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي تعتمد بشكل كبير على الحبوب من أوكرانيا. يتعين على الحكومات التصرف بسرعة لحماية الحق في الغذاء.
تُصدّر منطقة البحر الأسود المتأثرة بالأزمة الأوكرانية ما لا يقل عن 12% من السعرات الحرارية الغذائية المتداولة في العالم. تمتلك أوكرانيا ثلث التربة الأكثر خصوبة في العالم وفقا لـ "منظمة الأغذية والزراعة" (الفاو) التابعة لـ "الأمم المتحدة"، و45 % من صادراتها مرتبطة بالزراعة. أوكرانيا من بين المصدرين الرئيسيين لزيت دوّار الشمس (عبّاد الشمس)، وبذور اللفت، والشعير، والذرة، والقمح والدواجن في العالم. يأتي جزء كبير من إنتاج القمح في البلاد من مناطق شرق أوكرانيا حيث يشتد النزاع الحالي.
في 9 مارس/آذار 2022، حظرت أوكرانيا تصدير الحبوب وغيرها من المنتجات الغذائية لمنع حدوث أزمة إنسانية محلية. حتى لو عولجت هذه الاضطرابات في سلسلة التوريد قريبا، من المرجح أن تستمر المشاكل لأن المزارعين يفرون من القتال، ولأن النزاع يدمر البنية التحتية والمعدات. قد يؤدي القتال أيضا إلى نقصان خطير في المحصول القادم، لا سيما إذا استمر حتى بداية موسم الزرع في أبريل/نيسان.
كانت أسعار المواد الغذائية الأساسية أصلا آخذة في الارتفاع عالميا بسبب اضطرابات سلسلة الإمدادات الغذائية الناجمة عن تفشي فيروس "كورونا"، وفاقم النزاع هذا الوضع، وفقا لـ الفاو. تعتمد العديد من البلدان في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكل خاص على الحبوب وزيت البذور الأوكرانية، وهي عرضة لصدمات في أسعار الغذاء.
جاء نحو 80% من القمح الذي استورده لبنان في 2020، آخر عام تتوافر عنه بيانات، من أوكرانيا، بحسب موقع الجمارك التابع للحكومة اللبنانية. لبنان لديه القدرة على تخزين الاحتياطيات لمدة شهر واحد فقط نتيجة انفجار أغسطس/آب 2020 في مرفأ بيروت الذي دمر إهراءات القمح في العاصمة. يشكل الخبز ومنتجات الحبوب الأخرى 35 % من السعرات الحرارية التي يستهلكها السكان. تستورد مصر أكثر من نصف وارداتها من زيت دوار الشمس من أوكرانيا، وخفضت الحكومة دعمها لزيت عبّاد الشمس وفول الصويا بـ20% في يونيو/حزيران 2021 إثر زيادة الأسعار.
تُستخدم صادرات الذرة من أوكرانيا إلى بعض الدول الأوروبية والآسيوية كعلف للحيوانات ويمكن أن يكون للاضطرابات آثار ثانوية على أعلاف الدواجن والخنازير. الذرة المستوردة أيضا مصدر مهم للغذاء بالنسبة للعديد من البلدان الأفريقية، وقد تؤدي قيود سلسلة الإمدادات الغذائية إلى زيادة الأسعار في جميع المجالات، ما يُفاقم انعدام الأمن الغذائي، وهو عدم الحصول على ما يكفي من الأغذية المأمونة والمغذية ومناسب للنمو والتطور الطبيعيين.
بالإضافة إلى ذلك، روسيا أكبر مصدّر للقمح في العالم ومن أكبر منتجي الأسمدة، وقد تؤدي الأزمة أيضا إلى تعطيل هذه السلسة. مصر، أكبر مستورد للقمح في العالم، معرضة للخطر بشكل خاص لأن نصف وارداتها تأتي من روسيا و30% من أوكرانيا. في 4 مارس/آذار، أوصى وزير التجارة والصناعة الروسي بوقف صادرات الأسمدة ردا على العقوبات الاقتصادية. حتى البلدان التي لا تعتمد على أوكرانيا أو روسيا للواردات الزراعية قد تشهد ارتفاعا في أسعار المواد الغذائية، مثلا، بسبب زيادة أسعار الوقود التي تؤثر على تكاليف نقل الغذاء، وانخفاض إمدادات الأسمدة، وتقلص الإنتاجية والإمدادات الزراعية العالمية.
الاضطرابات المتصلة بتفشي فيروس كورونا كانت قد ساهمت أصلا في ارتفاع أسعار الغذاء العالمية وتعميق الفقر. كما ألحقت الظواهر المناخية الشديدة الناجمة عن تغير المناخ أضرارا بحصاد بعض المحاصيل في 2021. ارتفعت أسعار المواد الغذائية العالمية بأكثر من 30% العام الماضي، كما أدت الأزمة الأوكرانية إلى زيادة الأسعار لتصل إلى أعلى مستوياتها منذ 1974 عند تعديلها لمراعاة عامل التضخم، بحسب الفاو. واحد من كل ثلاثة أشخاص تقريبا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لم يكن لديه القدرة على الحصول على الغذاء الكافي في 2020، بزيادة 10 ملايين شخص في عام واحد فقط.
بعد غزو روسيا لأوكرانيا، زادت بالفعل العقود الآجلة للحبوب مثل القمح، والذرة، وفول الصويا. أسواق العقود الآجلة هي حيث يتم شراء السلع وبيعها للتسليم في تواريخ مستقبلية، ما يتيح المضاربة في الغذاء، التي وجد خبراء حقوق الإنسان التابعون للأمم المتحدة أنها تؤدي إلى تفاقم الإقصاء وعدم المساواة. لدى العديد من البلدان في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أنظمة حماية اجتماعية غير ملائمة إلى حد كبير ولا تحمي الحقوق الاقتصادية للأفراد لمساعدة الناس على التكيف مع الزيادة في الأسعار. البلدان التي تعاني أصلا من أزمة ومن انعدام الأمن الغذائي على نطاق واسع مثل اليمن، ولبنان، وسوريا معرضة للخطر بشكل خاص.
على جميع الحكومات أن تعمل فورا ومنهجيا لحماية حقوق كل فرد في مستوى معيشي لائق، لا سيما الحق في الغذاء. لا يمكن معالجة أي أزمة غذاء عالمية سوى بالتعاون الدولي. على الحكومات المصدِّرة للغذاء أن تعالج احتياجاتها الوطنية لكن عليها أيضا العمل مع الدول التي تعتمد على الاستيراد لإنشاء سلاسل توريد بديلة في أسرع وقت ممكن. ينبغي أن تراعي العقوبات المفروضة على روسيا أو انسحاب الشركات من البلاد التأثير على الصادرات المتعلقة بالزراعة بقدر ما سيؤثر ذلك على الأمن الغذائي للعديد من السكان. ينبغي أن تتبنى الحكومات ضمانات لتقليل الآثار السلبية، أو تدابير تكميلية لتقليل الأثر المتوقع والملحوظ للعقوبات على الأمن الغذائي.
على الحكومات المستورِدة أن تعمل أيضا على ضمان أن يكون الطعام المغذي ميسور التكلفة وفي متناول الجميع، خاصة وأن أسعار المواد الغذائية آخذة في الارتفاع. ألغت العديد من الحكومات في المنطقة دعم المواد الغذائية والخبز في السنوات الأخيرة، وتلك التي لا تزال تحافظ عليه، مثل مصر وتونس، تفكر، أو شرعت، في رفع الدعم أو تخفيضه. تبيّن الأزمة الحالية المخاطر المتمثلة في أن هذه التغييرات، من خلال رفع أسعار الغذاء، قد تفاقم انعدام الأمن الغذائي، لا سيما إذا لم تقترن بحماية اجتماعية قوية تضمن دخلا كافيا للجميع لشراء الغذاء. أدخلت بعض البلدان، مثل ليبيا، أو عززت ضوابط الأسعار للتعامل مع هذه الأزمة.
في هذا السياق، تُبرز الأزمة في أوكرانيا الحاجة الماسة للحكومات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى إنشاء أو توسيع أو زيادة أنظمة الحماية الاجتماعية حتى يتمكن كل فرد في المنطقة من ممارسة حقوقه في مستوى معيشي لائق، بما فيه الحق في الغذاء والحق في الضمان الاجتماعي.
على الحكومات والمؤسسات الدولية زيادة المساعدة الإنسانية إلى البلدان التي تفتقر إلى الموارد الكافية لتزويد الناس بالدعم الذي يحتاجون إليه لحماية حقهم في الغذاء. أدرك المجتمع الدولي، بما فيه "برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة" والفاو، الاضطراب الهائل في سلسلة التوريد الغذائي، وعليه تقديم المساعدة للحكومات التي تكافح من أجل الحصول على القمح والإمدادات الغذائية الأخرى. قالت المنظمتان إنهما وسّعتا نطاق أنشطتهما استجابة للأزمة، ويسعى برنامج الأغذية العالمي إلى الحصول على أموال إضافية لدعم عمله، رغم أن التركيز الفوري، لأسباب مفهومة، كان على مساعدة الأوكرانيين الذين بقوا في البلاد وفرّوا منها.
قالت سارة سعدون، باحثة أولى في هيومن رايتس ووتش مختصة بالفقر وعدم المساواة: "فاقم غزو روسيا لأوكرانيا أزمة غذائية تسببت في خسارة 10 ملايين شخص في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قدرتهم على الحصول على ما يكفي من الطعام في العام 2020 وحده. على الحكومات فعل كل ما بوسعها لحماية حق الناس في الغذاء، مثل تقديم إعانات كافية أو التدخل للتحكم في الأسعار، أو توفير الحماية الاجتماعية المناسبة".
لبنان
الارتفاع المحتمل لأسعار المواد الغذاء، الذي فاقمه النزاع، سيكون له تأثير شديد في لبنان. فوفقا لأرقام الجمارك اللبنانية للعام 2020، شكلت واردات القمح الأوكرانية حوالي 80% والروسية 15% من إجمالي واردات القمح إلى لبنان. في 25 فبراير/شباط، قال وزير الاقتصاد إن احتياطي لبنان من القمح يكفيه لشهر واحد فقط، بعد أن تدمّرت إهراءات الحبوب والتي كانت تسع لاحتياطي أربعة أشهر من القمح في انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس/آب 2020.
فاقمت الحرب في أوكرانيا معاناة الملايين الناتجة عن الأزمة الاقتصادية المستمرة، حيث غرق أكثر من 80% من سكان لبنان في الفقر. وعلى الرغم من الأزمة الاقتصادية، أرجأت السلطات اللبنانية مرارا وتكرارا إطلاق برنامجين للحماية الاجتماعية من شأنهما أن يوفرا المساعدات النقدية للعائلات ذات الوضع الهش ويخفف عنها عبء ارتفاع الأسعار.
أعلن وزير الاقتصاد أن الحكومة كانت تخطط لشراء إمدادات شهرية إضافية من القمح – بدلا من مستوردي القطاع الخاص للمرة الأولى منذ عقود. حاليا، يدعم البنك المركزي شراء القمح من قبل مستوردي القطاع الخاص بـ 20 مليون دولار شهريا، لخفض سعر الخبز للمستهلكين. لكن وزير الاقتصاد أشار إلى أن البنك المركزي "ليس لديه القدرة على دفع أسعار أعلى"، ما أثار المخاوف بشأن قدرة لبنان على الاستمرار في دعم القمح للحفاظ على الأسعار نفسها للمستهلكين وعلى المخزون خلال الأزمة.
غرّد وزير الصناعة في 5 مارس/آذار أن لبنان سيبدأ تقنين استخدام القمح، حيث سيُسمح باستخدامه للخبز حصرا حتى يتم العثور على مصادر إمداد بديلة. تحاول الحكومة استيراد القمح من كندا، وأستراليا، والولايات المتحدة.
ليبيا
تشكل الواردات الأوكرانية أكثر من 40% من واردات القمح في ليبيا. خلال الأسبوع الأول من الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا، حلّقت أسعار القمح والدقيق وارتفع معها قلق التجار من انقطاع المخزون، وزاد التجار الأسعار بنسبة تصل إلى 30%. قالت وزارة الاقتصاد والتجارة في 26 فبراير/شباط إنه ورغم وجود احتياطيات استراتيجية من القمح الليّن لستة أشهر، لم تستطع منع أزمة القمح في عدة مدن ليبية. في 7 مارس/آذار، قررت الوزارة فرض إجراءات لمنع أزمة شاملة تضمنت إجراءات عقابية مثل تجميد التسجيل التجاري لشركات الدقيق والمطاحن غير الملتزمة بآلية التوزيع المعتمدة من الوزارة، التي تفرض سعرا موحدا للدقيق.
وشملت القرارات الأخرى زيادة المخزون الاستراتيجي للقمح لتمكين مطاحن الدقيق من العمل بكامل طاقتها الإنتاجية لثلاثة أشهر على الأقل، وتقييد توزيع الدقيق على المخابز من خلال "النقابة العامة للمخابز"، وتحديد سعر 110 دينار ليبي (حوالي 22 دولار) كحد أقصى لـ 50 كيلوغرام من الدقيق. كما وعدت الحكومة بمعالجة المخاوف المالية والجمركية للشركات المتضررة من هذه الإجراءات.
بعد عقد من النزاعات المسلحة المتقطعة، والأزمات السياسية، وانهيار السلطة المركزية وظهور أمراء الحرب غير الخاضعين للمساءلة، بات الشعب بمعظمه بحاجة إلى الدعم وعرضة لانعدام الأمن الغذائي. وفقا لـ برنامج الأغذية العالمي، وقبل أزمة أسواق الغذاء الدولية جراء الحرب في أوكرانيا، كان 12% من الليبيين - أو 511 ألف شخص – من شأنهم أن يحتاجوا إلى المساعدة في 2022. كما يُعتبَر ربع المهاجرين، وطالبي اللجوء، واللاجئين في ليبيا أنهم يعانون نقصا معتدلا أو شديدا في الأمن الغذائي.
مصر
تعتمد مصر بشكل كبير على الواردات المدعومة لضمان الحصول على الخبز والزيوت النباتية بأسعار معقولة، حيث يعتمد أكثر من 70 مليون مصري على الخبز المدعوم. مصر أيضا أكبر مشتر للقمح في العالم وأكبر مستورد للقمح من كلّ من روسيا وأوكرانيا. العام 2021، استوردت مصر قرابة 80% من قمحها من روسيا وأوكرانيا.
في 23 فبراير/شباط، صرّح رئيس الوزراء مصطفى مدبولي في اجتماع لمجلس الوزراء أن مخزون مصر الحالي من القمح في الإهراءات يكفي أربعة أشهر. في منتصف أبريل/نيسان، وبعد حصاد الإنتاج المحلي، سيكفي المخزون حينها لتسعة أشهر تقرييا.
ألغت "الهيئة العامة للسلع التموينية" مناقصتين لشراء القمح منذ بداية الغزو الروسي بسبب ارتفاع الأسعار وقلة العروض. في 10 مارس/آذار، أعلنت الحكومة عن حظر فوري لثلاثة أشهر على تصدير القمح، والدقيق، والمواد الأساسية الأخرى. وصرّحت عن إمكانية تأمين القمح من مصادر بديلة، ما يجنّبها على الأرجح النقص الفوري في مخزون القمح. حظر التصدير قد يؤدي مباشرة إلى زيادة الأسعار كما قد يؤثر على دول أخرى مثل اليمن.
إذا ارتفعت أسعار القمح، سيصبح تأمين الدعم حاجة ملحّة للحفاظ على تكلفة يتحملها السكان، بينما كانت الحكومة أصلا تبحث في خفض دعم الخبز. في أغسطس/آب 2021، أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي عن نية إلغاء الدعم السنوي للخبز البالغ 3 مليارات دولار، على الرغم من عدم الإعلان رسميا عن تفاصيل هذه الخطة بعد. كانت الحكومة المصرية قد خفّضت أصلا في يوليو/تموز 2021 دعمها لزيت عبّاد الشمس وفول الصويا بنسبة 20%، والزيت النباتي غير المخلوط بنسبة 23.5%، بسبب ارتفاع الأسعار.
لم تصدر الحكومة خطة لضمان توافر الغذاء بأسعار معقولة، خاصة خلال النزاع. إلى حين وجود خطة واضحة تضمن توفر الغذاء للجميع، ينبغي لها الامتناع عن خفض الدعم أكثر، حيث من المحتمل أن يترك خفضه الملايين عاجزين عن الحصول على ما يكفي من الغذاء الميسور التكلفة، مع وجوب تدخّل شبكة الأمان الاجتماعي بشكل فعّال للحماية من الارتفاع الحاد في الأسعار.
ظل سعر الخبز المدعوم 5 قروش (0.003 دولار) للرغيف منذ الثمانينيات. ومن المعروف أن دعم الخبز يحمل حساسية سياسية منذ انتفاضة الخبز عام 1977، بعد إعلان الرئيس أنور السادات رفع الدعم عن الدقيق، والأرز، وزيت الطهي.
سوريا
سوريا لديها أصلا نقص حاد في القمح بسبب الأزمة الاقتصادية الكاسحة، إلى جانب التدمير الكبير للبنية التحتية نتيجة عقد من النزاع. العام 2021، سمحت الحكومة السورية بالتمييز في توزيع الخبز، إلى جانب الفساد والقيود على كمية الخبز المدعوم التي يمكن للناس شراؤها، ما أدى إلى الجوع. تعتمد الحكومة السورية بشكل أساسي على روسيا لسد النقص عبر استيراد القمح. في ديسمبر/كانون الأول 2021، توصلت الحكومة إلى اتفاق مع روسيا لاستيراد مليون طن من القمح عام 2022، بتمويل من قرض روسي.
وفقا لبرنامج الأغذية العالمي، يعاني 13.4 مليون شخص في سوريا من انعدام الأمن الغذائي. في ديسمبر/كانون الأول 2021، قدّرت الفاو أن إنتاج سوريا من القمح في عام 2021 كان أقل من الاحتياجات المتوقعة بحوالي 1.6 مليون طن، ويرجع ذلك جزئيا إلى تعرض سوريا لجفاف حاد.
من المرجح أن يؤدي النزاع الأوكراني-الروسي إلى تفاقم الأزمة الحالية في سوريا، لا سيما بسبب تعليق الصفقة بين روسيا وسوريا لاستيراد القمح. في 24 فبراير/شباط، أقرّت الحكومة السورية إجراءات لتخفيف التداعيات الاقتصادية للنزاع على سوريا، مثل ارتفاع أسعار الوقود ونقص المواد الغذائية الأساسية وغيرها من السلع. على سبيل المثال، اعتمدت السلطات تدابير لتوزيع حصص من السلع الغذائية، بما في ذلك القمح والوقود. كما التزمت بإعطاء الأولوية لتمويل واردات القمح.
من المرجح أن يواجه شمال غرب وشمال شرق سوريا مشاكل مماثلة، كعدم القدرة على استيراد كميات كافية من القمح وارتفاع الأسعار. تزوّد السلطات في شمال غرب سوريا المنطقة عادة بالقمح والدقيق المُستورد من تركيا، إلّا أنّ تركيا تستورد 90% من قمحها من أوكرانيا.
اليمن
بسبب النزاع الدائر هناك، ما تزال اليمن تشهد إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم. يواجه أكثر من نصف سكانها انعدام الأمن الغذائي ويواجه الكثيرون نقصا حادا ومستمرا في الوقود. من المرجح أن تؤدي الحرب في أوكرانيا إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي حيث تستورد البلاد ما لا يقل عن 27% من قمحها من أوكرانيا و8% من روسيا. ترك الارتفاع الحاد في أسعار المواد الغذائية في السنوات الأخيرة أكثر من نصف السكان بحاجة إلى مساعدات غذائية، في حين أن الانخفاض الحاد في قيمة الريال اليمني جعل السلع المستوردة مثل الغذاء، والنفط، والضروريات الأخرى أكثر تكلفة، وقلّل بشكل كبير من القوة الشرائية للأُسر اليمنيّة.