حكم العسكر والمعادلة السياسية فى مصر
اشباح أنظمة حكم ودساتير وقوانين وشركات ودراما العسكر
كان طبيعيا نقد وسائل الإعلام الأجنبية واخرهم مجلة إيكونوميست البريطانية فى عددها الصادر أمس السبت 7 مايو 2022، وقبلها المصريين، فشل مسلسل سيرة صعود السيسي الى السلطة المسمى ''الاختيار''، الذى تم عرضه ضمن دراما شهر رمضان بدعوى أنه سرد تاريخي لأحداث 2013 وماهو إلا حملة دعاية بالباطل لحكم العسكر والسيسي، الى حد زعم سيناريو جستابو المسلسل على لسان الممثل الذى قام بدور السيسي بطل المسلسل بأن حكم العسكر ليس جزء من المعادلة السياسية فى مصر.
إذن من هؤلاء الأشباح الذين تقمصوا دور جنرالات العسكر وجعلوا مصر الدولة الوحيدة التي تُحكم بشكل عسكري متواصل على مدار سبعين سنة منذ انقلاب يوليو عام 1952 وسقوط الملكية وحتى اليوم، باستثناء العام الوحيد الذي تولى فيه الرئيس الراحل المعزول محمد مرسي السلطة بعد ثورة 25 يناير 2011.
و من هؤلاء الأشباح الذين عسكروا البلاد ونصبوا انفسهم اوصياء على الدستور والشعب فى دستور السيسى 2019 تحت دعاوى صيانة الدستور لمنع اسقاط دستور السيسى الذى دس فيه عبر المادة 200 فقرة أولى التى تنص على الاتى: ''القوات المسلحة ملك للشعب، مهمتها حماية البلاد، والحفاظ على أمنها وسلامة أراضيها، وصون الدستور والديمقراطية، والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها، ومكتسبات الشعب وحقوق وحريات الأفراد. والدولة وحدها هى التى تنشئ هذه القوات، ويحظر على أى فرد أو هيئة أو جهة أو جماعة إنشاء تشكيلات أو فرق أو تنظيمات عسكرية أو شبه عسكرية. ويكون للقوات المسلحة مجلس أعلى، على النحو الذى ينظمه القانون''.
و من هؤلاء الأشباح الذين منعوا البرلمان والحكومة من تعيين وزير للدفاع بمعرفتهم إلا بموافقة الجيش عبر المادة 234 فى دستور السيسى التى تنص على الاتى: ''يكون تعيين وزير الدفاع بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة''. والمادة 201 فى دستور السيسى التى تنص على الاتى: ''وزير الدفاع هو القائد العام للقوات المسلحة، ويعين من بين ضباطها''. فى بدعة عسكرية غير موجودة فى اى دولة من دول كوكب الأرض حيث ان الاصل فى دساتير جميع دول العالم ان يكون الوزراء بما فيهم وزير الدفاع ووزير الداخلية والمحافظين من المدنيين ويتم تعيينهم من قبل الحكومة والبرلمان.
و من هؤلاء الأشباح الذين فرضوا محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية حسب نص المادة الـ 204 التي تعطي صلاحيات واسعة جداً للقضاء العسكري غير موجودة في أي بلد آخر. وقد وُسِّعَت هذه الصلاحيات بعد انقلاب 3 يوليو (2013)، بشكل غير مسبوق، وذلك لضم المنشآت المدنية التي تتولّى القوات المسلحة حمايتها، كالمستشفيات والجامعات والمدارس والمؤسسات الحكومية، إلخ تحت الحماية العسكرية. ما يعني أنه لو حدث خلافٌ بين أي مواطن وأحد العاملين في واحدة من هذه المؤسسات سيتعرّض المواطن لمحاكمة عسكرية.
و من هؤلاء الأشباح الذين جعلوا مصر هي الدولة الوحيدة فى العالم التي يتمتع فيها كبار القادة العسكريين بحصانة قانونية ودبلوماسية، بحيث لا يمكن محاكمتهم عن أية جرائم تورّطوا بها، خصوصاً ما بين عامي 2013 و2016. وهي الفترة التي شهدت أكبر عدد من الأحداث المروّعة في تاريخ مصر المعاصر، مثل أحداث "الحرس الجمهوري" في يوليو 2013 وأحداث ميداني رابعة العدوية والنهضة في أغسطس 2013. ومنع تحريك أي بلاغات أو قرارات اتهام أو تحقيقات محلية أو دولية، ضد قادة الجيش. كذلك يتمتع هؤلاء القادة بحصانة دبلوماسية إذا سافروا خارج البلاد، حسب نص القانون رقم 161 لسنة 2018 الذى اصدره السيسى في شأن معاملة بعض كبار قادة القوات المسلحة، من أجل تأمين حصانة لكبار العسكريين الذين قد يُتَّهمون بتنفيذ حملات قمع واسعة أو بالتورّط في الفساد المالي وحماية المتورّطين في مذابح وجرائم قتل المتظاهرين خلال الفترة المذكورة.
و من هؤلاء الأشباح الذين منعوا معرفة شعب مصر حجم ميزانية جيشه، ولا من أين تأتي هذه الميزانية، ولا كيف تُنفَق وتُصرَف. ولعل المفارقة هنا أن ميزانية الجيش وبقية مؤسسات الدولة تأتي من جيوب المواطنين من خلال الرسوم والضرائب التي يدفعونها، وتموّل أكثر من 70% من الميزانية العامة في مصر، وبالتالي من حق المواطن الطبيعي معرفة كيف تُنفق هذه الضرائب، وما إيرادات الجيش ومصروفاته، وهذا أضعف الإيمان.
و من هؤلاء الأشباح الذين جعلوا مصر الدولة الوحيدة فى العالم التي يوجد فيها أكبر عدد من العسكريين السابقين الذين يشغلون وظائف مدنية في كل القطاعات، كالجامعات، والمعاهد القومية، والبحوث، والشركات القابضة، وجمعيات حماية المستهلك، والإذاعة والتلفزيون، والوزارات ودواوين المحافظات إلخ.
و من هؤلاء الأشباح الذين جعلوا مصر فيها أكبر عدد من المحافظين من القيادات السابقة في الجيش والشرطة (20 لواءً سابقاً من أصل 27 محافظاً، حسب آخر إحصائية عام 2019) معظمهم من الجيش، وذلك في أكبر عملية عسكرة للدولة ومحافظاتها منذ انقلاب 1952.
و من هؤلاء الأشباح الذين جعلوا مصر الدولة الوحيدة فى العالم التي زادت فيها مرتبات ضباط الجيش والشرطة وعلاواتهم أكثر من مرة خلال آخر عشر سنوات. حيث عُدِّل قانون التقاعد والتأمين والمعاشات للقوات المسلحة الصادر بالقانون رقم 90 لسنة 1975 أكثر من مرة، بما يتضمن زيادته سنوياً أول يناير من كل عام بنسبة 15%.
و من هؤلاء الأشباح الذين جعلوا الجيش المصري هو الجيش الوحيد فى العالم الذي يمتلك إمبراطورية اقتصادية ومالية ضخمة تقدر بمليارات الدولارات. ويشرف على ما يقرب من 2300 مشروع اقتصادي، بدءاً من إنتاج المواد الغذائية، كالمكرونة والخبز والأسماك، وحتى البنية التحتية كالطرق والكباري (الجسور) وإنتاج الحديد. وهو وضعٌ شاذٌّ غير موجود في أية دولة أخرى، فالوظيفة الأساسية للجيوش هي الدفاع عن الأمن القومي للبلاد وحماية الحدود وانتاج الاسلحة العسكرية، وليس منافسة الشركات المدنية والقطاع الخاص في المجالات والأنشطة الاقتصادية كافة. الأكثر غرابة أنه لا يوجد أي نوع من الرقابة والمحاسبة على هذه الإمبراطورية المالية والاقتصادية الضخمة للجيش المصري، سواء رقابة برلمانية أو شعبية أو قضائية. ولا يعلم أحد شيئاً عن هذه الإمبراطورية، ولا توجد أية سلطة رقابية عليها، بما فيها الجهاز المركزي للمحاسبات الذي يراقب كل الأنشطة الاقتصادية والمالية في مصر.
و من هؤلاء الأشباح الذين يتحكّمون بشكل كامل في الحياة السياسية (برلمان وانتخابات وأحزاب ومجتمع مدني، وإعلام (قنوات فضائية، صحف، وجرائد، ومواقع إلكترونية) والفن (تلفزيون ,ودراما وسينما وإبداع ونشر) إلخ.
و من هؤلاء الأشباح الذين اجبروا السيسى على التصديق يوم الأربعاء 29 يوليو 2020، على 6 قوانين عسكرية وافق عليها برلمان السيسي في وقت سابق بالجملة، كترجمة عملية فى عسكرة مصر عبر القوانين بعد عسكرة مصر بمادة عسكرية فى دستور السيسى تم فيها تنصيب الجيش بمثابة الوصي على مصر وشعبها ودستورها وفي مقام مؤسسة اعلى من باقى مؤسسات الدولة.