بهي الدين حسن رئيس مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان الهارب الى المنفى فى فرنسا من استبداد الجنرال السيسى فى مصر وحكم 15 سنة سجن بزعم انه ارهابي ينتمي الى منظمة ارهابية لا تحدد اسمها أوراق القضية لانها غير موجودة اصلا صادر من محكمة طوارئ استثنائية تفتقر لكافة الضمانات الحقوقية مثلما لم تحدد اوراق قضايا اكثر من 60 الف معتقل بتهم الارهاب اسم المنظمة الارهابية المتهمين بالانضمام اليها لانها غير موجودة اصلا:
نشهد الآن الفصل الأخير من حكم السيسي
قال الحقوقي المصري البارز، بهي الدين حسن، إن "عبد الفتاح السيسي أفلس سياسيا، ونحن نشهد الآن الفصل الأخير من فترة حكمه، خاصة أنه لم يعد لديه ما يقدمه، لا للدولة ولا للشعب"، مؤكدا أن "مصر ربما تقف على أبواب مرحلة اضطراب اقتصادي وسياسي كبير، نتيجة تبديد نحو عقد من الزمان من عمرها في سياسات فاشلة ومستبدة".
وأكد، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، أنه "من المحتمل ألا يستطيع السيسي الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة في عام 2024، بل إنه من المحتمل أيضا ألا يتمكن من إكمال فترة حكمه الحالية، لكن الأمر لا يتوقف فقط على مدى السخط الشعبي عليه، ولكن أيضا على وجود بدائل سياسية لديها برامج واضحة وخطة عمل مدروسة لما يجب فعله لانتشال مصر من الوضع الاقتصادي الكارثي".
وأشار حسن، الذي يشغل منصب مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، إلى أن "نهاية حكم السيسي لن تكون بالضرورة محطة النهاية لكوارث حكمه، بل قد تكون نقطة البداية لاكتشاف كوارث جديدة ربما أكثر خطورة".
وأضاف: "على الأرجح، لن يحدث انتقال من حكم السيسي إلى حاكم مدني أو عسكري آخر دون تفاوض، بمبادرة من جانب المدنيين والعسكريين. ليس في إطار ما يصفه البعض بـ (حكم عسكري رشيد)، ولكن للتفاوض البراجماتي على التنازلات والمكاسب والخطوط الحمراء والمراحل الانتقالية، وقد يستوجب ذلك من المؤسسة العسكرية اتخاذ قرار بالتخلي عن حكم مصر للمدنيين وفق شروط ما".
كيف استقبلت خطابات وتصريحات السيسي الأخيرة؟ وما دلالتها؟
إنها بمثابة إعلان على الملأ بإفلاسه سياسيا، وبأنه لم يعد لديه ما يقدمه لا للدولة ولا للشعب، ونحن نشهد الآن الفصل الأخير من فترة حكمه. واقع الأمر، السيسي منذ أواخر العام الماضي يتعامل مع نفسه كمتهم تجري محاسبته على حصاد سياساته في 8 سنوات، خاصة عن الكارثة الاقتصادية التي نجمت عن هذه السياسات والمرشحة للتفاقم أكثر.
في المؤتمر الاقتصادي، لم يكن السيسي يقدم دفاعه فقط للمدعوين للمؤتمر ولصفوة الرأي العام غير الحاضرة في المؤتمر، بل بدا كأنه يقف في قفص اتهام يحاكمه عشرات ملايين المصريين من الطبقات الفقيرة والوسطى، الذين بدأوا بالفعل يدفعون يوميا الثمن القاسي لهذه السياسات، والذين يدركون -كما يعرف السيسي جيدا- أن الثمن القاسي لتلك السياسات سيتضاعف خلال الشهور القليلة القادمة.
لم يقدم دفاع السيسي مخارج تُخفّف عليهم هذه الوطأة المؤلمة، ولم يجرؤ على طرح سياسات بديلة بعيدة المدى، خاصة أنها ستبدو بشكل غير مباشر كأنها إدانة لسياساته التي حارب نقاده بضراوة من أجل فرضها خلال السنوات الثماني الماضية. هذا ما يفسر دفاعه الهستيري غير المقنع عن سياساته، ونزوعه العدواني للتهجم الشخصي على منتقدي سياساته، دون أن يبذل حدا أدنى من الجهد لمناقشة وتفنيد هذه الانتقادات.
وإذا كان هناك فضل في فرض هذه المحاكمة على السيسي رغم أنفه، فهو لوسائل التواصل الاجتماعي، التي اكتسحت الاحتكار الأمني لوسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة، وعوضت الغياب القسري لأحزاب المعارضة ووسائل الإعلام المستقلة.
في المقابل؛ دخل السيسي هذه المحاكمة المتواصلة وحيدا بهيئة دفاع هزيلة وهزلية. إذ بينما حرص حكام مصر العسكريين السابقين على الاستعانة بمهنيين ذوي قامة في تخصصاتهم كرؤساء حكومات ووزراء ورؤساء مجالس "برلمانية"، وعلى الاستعانة بإعلاميين ذوي باع قادرين على مخاطبة الرأي العام والدفاع عن الحاكم حتى في قضايا خاسرة أخلاقيا وسياسيا -بصرف النظر عن تقييم النزاهة السياسية والأخلاقية والمالية لكل حاكم منهم وللمدافعين عنه-، فإن النزوع المتطرف للسيسي لحكم الفرد وللنرجسية -مقارنة بأسلافه من الحكام العسكريين الديكتاتوريين- جعله يحيط نفسه بأغلبية من الأقزام في مجلس الوزراء والبرلمان، وأراجوزات مثيرين للسخرية في الإعلام.
وفي سياق محاكمة رأي عام مفتوحة وممتدة -والتي على الأرجح ستتواصل إلى وقت رحيله- لا يستطيع السيسي في هذه المحاكمة الاستفادة من الدعم المطلق الذي تقدمه له مؤسسة عسكرية مُدججة بأحدث الأسلحة، بل ربما قد تدفعها هذه المحاكمة لأن تعيد حساباتها.
لعلها مفارقة ملفتة، أن ينتهي الحال بالسيسي بأن يكون هو أيضا ضحية لسياساته، ويُحاكم أدبيا عليها، لينضم بذلك إلى قائمة طويلة تعد بعشرات الملايين من ضحايا سياساته البائسة في كافة المجالات.
سبق أن قيل لي منذ سنوات إن هناك مَن حذّروه من داخل نظام الحكم والأجهزة الأمنية من هذا المشهد، وسعوا لإقناعه بإجراء تحوير مبكر لطريقته في الحكم، بما يسمح له بهامش مناورة في زمن الأزمات الكبرى. أحد سيناريوهات التحوير كان يتطلب قبوله تزعم أحد أحزاب الموالاة، مع السماح بهامش حركة للمعارضة الحزبية وفي الإعلام، وتخفيف نسبي لبأس القمع، حتى لا يجد نفسه وحيدا دون سند سياسي في مواجهة أي أزمة كبرى مُحتملة، ومُضطرا للاستعانة بالجيش لحمايته في مواجهة جماهير غاضبة لا تجد مَن يسوسها لا في الحكم ولا المعارضة. لم يكن الناصحون يسعون للعودة إلى موديل نظام مبارك للتعددية السياسية المُقيدة، الذي يستدعي دائما لذهن السيسي كابوس يناير، بل كانوا يسعون لتفصيل موديل أدنى من ذلك كثيرا.
ربما قد يعود السيسي للإصغاء إلى ناصحيه محدودي الوزن داخل نظامه، والذين تعزز الأزمة الجارية من وزنهم. وقد يجد السيسي في ذلك السيناريو والديكور الجديد مخرجا يمد من أجل استمراره في الحكم بثوب جديد.
كيف تنظر للاحتجاجات المرتقب اندلاعها في مصر يوم 11 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل؟
لست متأكدا من أن احتجاجات ستندلع في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر. قد تندلع في ذلك اليوم أو بعده، أو حتى قبله، أو قد لا تندلع قبل شهور. المؤكد أن أسباب الاحتجاج موجودة منذ فترة طويلة، ولكن نظرا لعدم وجود معارضة مُنظمة ومؤثرة تتمتع بمكانة أدبية مناسبة وكلمة مسموعة، ولديها إجابات واضحة عن الدروس الصحيحة والخاطئة التي استخلصها عدد كبير من المصريين خلال مآسي العقد الماضي، فإن الدعوات لمثل هذه الاحتجاجات لا يمكن التنبؤ بمصيرها.
برأيكم، إلى أي مدى تتحمل مصر اليوم استمرار السيسي في الحكم؟ وهل سيصل إلى محطة الانتخابات الرئاسية المقبلة دون أي قلاقل أو مشاكل تُذكر؟
من المحتمل ألا يستطيع السيسي الترشح في عام 2024، بل من المحتمل أيضا ألا يتمكن من إكمال فترة حكمه الحالية. الأمر لا يتوقف فقط على مدى السخط الشعبي عليه، ولكن أيضا على وجود بدائل سياسية لديها برامج واضحة -وليس مجرد شعارات- وخطة عمل مدروسة لما يجب فعله لانتشال مصر من الوضع الاقتصادي الكارثي، وتكون قادرة على التفاوض مع منصة الحكم في مصر الحالية، أي المؤسسة العسكرية، وإقناعها بهذه الخطة.
غير أن تحديات ما بعد السيسي قد لا تنتهي هنا؛ فمن المحتمل أن يبدأ المصريون حينذاك في اكتشاف أن مصر قد فقدت مكونا جوهريا في استقلاليتها، وأنهم ربما لم يعودوا بعد 8 سنوات من حكم السيسي الناخبين الوحيدين الذين لهم حق اختيار حاكم مصر. يجب ألا ننسي أن مواربة هذا الباب ومنح غير المصريين صوتا في تحديد مَن يحكم مصر قد حدث في سياق التحضير لانقلاب 3 تموز/ يوليو 2013. أخشى أن يكون قد صار مطلوبا إقناع "أصحاب الأسهم" في إدارة مصر، وأعني بذلك بعض دول الخليج، وربما أيضا انتظار ضوء أخضر من إسرائيل. علينا أن نتذكر أن "مصر الخديوية" بدأت تفقد استقلالها في القرن التاسع عشر بسيناريو مشابه، قبل أن يضع جيش الاحتلال أقدامه على أراضيها.
وجوابا عن سؤالك، نهاية حكم السيسي لن تكون بالضرورة محطة النهاية لكوارث حكمه، بل قد تكون نقطة البداية لاكتشاف كوارث جديدة، ربما أكثر خطورة.
هل قمة المناخ ستنعكس سلبا أم إيجابا على أوضاع حقوق الإنسان في مصر؟
لقد بدأت بالفعل تنعكس إيجابا منذ شهور، وذلك من خلال الإفراج عن عدد من سجناء الرأي وعن عدد كبير من المواطنين الذين اُعتقلوا بشكل عشوائي باتهامات سياسية لا أساس لها. لكني لا أظن أنها ستؤدي إلى تحسن جوهري في وضعية حقوق الإنسان.
كيف استقبلتم التقارير التي أشارت إلى حضور "بايدن" لقمة المناخ؟
حضور بايدن قبل حدوث تحسن ملموس في حقوق الإنسان بمصر سيُشكّل تنكرا إضافيا لتصريحاته المُعلنة والمبادئ التي يقول إنه يؤمن بها.
"الخارجية الأمريكية" أعلنت ترحيبها بالإفراج عن الناشط زياد العليمي، وقالت إن "التقدم الذى أحرزته مصر في مجال حقوق الإنسان سوف يعزز من العلاقات الثنائية بين البلدين".. فهل الإدارة الأمريكية باتت مقتنعة بأن هناك "تقدما ملحوظا" في أوضاع حقوق الإنسان بمصر؟
الإدارة الأمريكية ليست مقتنعة بحدوث تحسن، لكنها تقول بذلك لكي تبرر للكونغرس والرأي العام الأمريكيين تعاونها مع الحكومة المصرية في أمور أخرى، نظرا لأن كلاهما يتبنى موقفا نقديا قويا تجاه حقوق الإنسان في مصر.
بعد مرور نحو 6 أشهر على إطلاق الدعوة لـ"الحوار الوطني"، ما تقييمكم لما وصل إليه هذا الحوار؟
الحوار لم يبدأ بعد، وليس من المؤكد أن يبدأ. أظن أن مشروع الحوار من إنتاج الأطراف داخل نظام الحكم التي أشرت إليها سلفا، والتي تدفع السيسي لانفتاح سياسي محدود، ليس حبا في المعارضة، ولكن لحماية النظام من صدمات قد لا يحتملها بتكوينه المُغلق الحالي.
ذلك الحوار الحكومي ليس مطلوبا لذاته، ولكن لإقناع طرفين؛ أحدهما هو المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية المانحة بأن نظام الحكم يتجه لانفتاح سياسي وشراكة -حتى لو كانت كرتونية- مع المعارضة، مصحوبا بالإفراج عن قيادات لها، الأمر الذي يشجع على الثقة باستقرار هذا النظام البائس. الطرف الثاني هو عموم المصريين الذين بدأوا يحاكمون السيسي على معاناتهم المعيشية اليومية التي تتدهور بشكل متزايد يوما بعد يوم.
إذا بدأ الحوار، فإنه سيتم تسويقه رسميا، باعتباره يجسد شراكة عن السياسات البائسة الجارية، وأنها ليست مسؤولية فقط مَن فرضوا تلك السياسات. هناك ثلاثة عوامل ستُحدد مآل هذا الحوار إن بدأ: التفاعلات داخل نظام الحكم، وتفاعل المجتمع الدولي، وحدوث أو عدم حدوث مظاهرات جوع واسعة النطاق.
يقول بعض المحللين السياسيين إن الظروف الراهنة غير مهيأة لحكم مدني، خاصة أن البديل المدني ليس جاهزا، وهو ما يُحتم علينا القبول بالحكم العسكري، ولكن لنسعَ إلى البحث عن الحكم العسكري الرشيد قدر الإمكان".. فكيف ترى فكرة "الحكم العسكري الرشيد"؟ وهل يمكن القبول بها مرحليا على الأقل؟
درج حكماء السياسة في العالم على التأكيد بأن "الحرب أخطر من أن تُترك إدارتها للعسكريين"، لذلك فإن الأغلبية الساحقة من وزراء الدفاع في الدول الديمقراطية هم مدنيون، وبعضهم من النساء. إذا كان الحكماء لا يتركون الحروب للعسكريين ليديروها، فهل يترك المصريون السياسة للعسكريين؟
من المستحيل الجمع في جملة واحدة بين "حكم عسكري" و"رشيد". هذه صيغة متناقضة لا وجود لها في العالم. والواقع المصري يقدم برهانا ساطعا على بطلانها على مدار 70 عاما منذ انقلاب تموز/ يوليو 1952. إنها أشبه بقول "اللص الشريف" أو "القاتل الوديع". هذا لا يعيب العسكريين في شيء، لأنه يجري في كل العالم تأهيلهم علميا وميدانيا للاضطلاع بوظائف ومهام لا صلة لها بحكم وإدارة الدول. بالطبع هذا لا يحول دون ترشح أفراد منهم للرئاسة بعد تقاعدهم، مثلما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وغيرها. هذا لا يعني أن الدولتين كانتا تحت "حكم عسكري رشيد".
يُلاحظ أنه عندما أبدى في مصر عسكريون -يمكن وصفهم بالرشادة- رغبتهم بالترشح لرئاسة الجمهورية -كسامي عنان وأحمد شفيق وأحمد قنصوة- لم يدعم الجيش حتى حقهم في الترشح، وجرى سجن اثنين منهم في سجون عسكرية، ووضع الثالث رهن التحفظ المنزلي. ولا توجد مؤشرات بعد على أن المؤسسة العسكرية قد راجعت موقفها من جرائم الانتخابات الرئاسية منذ 2018، أو من ترشح شخصيات عسكرية تتبنى توجهات مماثلة لأي من الشخصيات الثلاث.
صحيح أن "البديل المدني" غير جاهز، ولكن مَن يجرؤ بعد 70 عاما من الفشل وأبشع الهزائم العسكرية والكوارث الاقتصادية على الزعم بأن "البديل العسكري" جاهز، بل ورشيد أيضا؟
على الأرجح لن يحدث انتقال من حكم السيسي إلى حاكم مدني أو عسكري آخر دون تفاوض، بمبادرة من جانب المدنيين والعسكريين، ليس في إطار "حكم عسكري رشيد"، ولكن للتفاوض البراجماتي على التنازلات والمكاسب والخطوط الحمراء والمراحل الانتقالية. في هذا السياق، فإنه لا يمكن استبعاد أن يتوصل العسكريون حينذاك إلى أن المصالح بعيدة المدى للمؤسسة العسكرية تستوجب اتخاذ قرار بالتخلي عن حكم مصر للمدنيين وفق شروط ما.
كيف تقرأ طبيعة التغيير المرتقب حدوثه في مصر؟ ومتى يمكن أن يحدث هذا التغيير؟
أخشى أن مصر تقف على أبواب مرحلة اضطراب اقتصادي وسياسي كبير، نتيجة تبديد نحو عقد من الزمان من عمرها في سياسات فاشلة، أدت لتبديد مواردها الاقتصادية المحدودة، وزهرة شبابها في السجون والمنافي، وهجرة أفضل عقولها للخارج، أو لصوامع داخلية. كل الأطراف السياسية في الحكم والمعارضة دون استثناء تتحمل مسؤولية تاريخية عن ذلك، لكن المؤسسة العسكرية تتحمل القسم الأعظم من هذه المسؤولية، ليس فقط لأنها الحاكم الأوحد في السنوات العجاف التسع الأخيرة، ولكن لأنها أيضا المسؤول الرئيسي عن تخبطات المرحلة الانتقالية التي تلت تنحي مبارك عن الحكم.
الآن، في هذه المرحلة الحرجة، التي تفتقر فيها مصر لأي قطب سياسي أو أخلاقي بديل، من الحكم أو المعارضة، فإن الفرصة متاحة -للأسف- لأي شخصية انتهازية مدنية أو عسكرية لشغل كرسي الحكم الشاغر فعليا، رغم أن الرئيس ما زال يصدر القرارات كل يوم. هناك فراغ هائل في حكم مصر، لا يفلح في التمويه عليه ضجيج الدفاع الهستيري عن النفس، بل ذلك يجعل الفراغ أكثر سفورا. أيضا، لم يعد القمع الهستيري اليومي يتمتع بذات السطوة والكفاءة على ستر فراغ كرسي الحكم الشاغر، بعد أن بدأت تتراجع قدرة القمع على الإصابة بالرعب لمَن يقاسون كل يوم هول الكارثة المعيشية.
البعض يتصور أن مظاهرات عارمة ستحل الأزمة، ولكن إذا كانت يناير قد عجزت عن أن تُقدم "البديل"، فهل ستستطيع مظاهرات احتجاج أقل عنفوانا تقديم "البديل"؟ علينا ألا ننسى أن 25 كانون الثاني/ يناير كانت أكبر من خيال وقدرات الحكم والعسكر والمعارضة. صحيح، نحن لم نعد في زمن 25 كانون الثاني/ يناير، ولكن جوهر المعادلة لم يتغير، وما زال العجز فاغرا فاهه؛ فالعقد الماضي لم يجر إهداره فقط في القمع والنهب، بل أيضا غابت عنه عملية المراجعة المُعمّقة لمَن في الحكم والمعارضة، وبلورة خيارات بديلة للمستقبل.
البدائل الصلبة ليست مجرد زعماء جسورين (مدنيين أو عسكريين)، أو شعارات ومطالب رائعة، لكنها قبل كل شيء خطط مدروسة توضع بعقل بارد وقلب دافئ. لا شك أن أكاديميين ومهنيين مصريين داخل مصر وخارجها قد ساروا في هذا الاتجاه، لكنهم يظلون في النهاية أفرادا مبعثرين لا يجمعهم إطار أكاديمي أو مهني، وليس خلفهم جماعات سياسية تمنح أفكارهم نفوذا نسبيا مجتمعيا وسياسيا. مصر تحتاج بقسوة إلى الاستماع لهذه العقول.
لكم تحتاج مصر بعد 10 سنوات من القمع الضاري بلا هوادة ومشاحنات المعارضة مع بعضها إلى "استراحة محارب" للتأمل، ولحوار خلّاق بلا ضفاف، يفحص البدائل، ويُمهّد الطريق للتوافق على صورة المستقبل على أسس مدروسة، ربما في سياق فترة انتقالية ما.
لم تكن مصر والمصريون، مدنيين وعسكريين، بحاجة في أي لحظة سابقة للحوار الخلاق، وللتحلي بأقصى درجات الحكمة من هذه اللحظة العصيبة.