الرابط
إسرائيل وحزب الله.. هل بدأت الحرب الشاملة؟
في شمال إسرائيل وجنوب لبنان، حيث تتصاعد أصوات الصواريخ وتشتعل السماء بوميض الانفجارات، تقف المنطقة على حافة الهاوية التي يحذر منها العالم القلق من حرب شاملة ومكلفة.
الديناميكية العسكرية بين إسرائيل وحزب الله، التي بدأت منذ سنوات طويلة، تأخذ منحى أكثر تعقيدا وخطورة. وبينما يسعى كل طرف إلى فرض قوته وموقفه، تطرح التساؤلات حول ما إذا كانت هذه المواجهة ستقود إلى حرب شاملة أم إلى حل دبلوماسي ينهي عقودا من الصراع والتوتر.
وشنت إسرائيل ضربات جوية على أهداف لحزب الله الاثنين، أسفرت عن مئات الأشخاص، وفقا للسلطات اللبنانية.
التصعيد من أجل الدبلوماسية
يعتمد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، في استراتيجيته للتعامل مع جبهة الشمال على مبدأ "التصعيد لخفض التصعيد"، وهي استراتيجية تهدف إلى فرض حل دبلوماسي عبر تكثيف الهجمات الجوية على مواقع حزب الله والاستهداف المباشر لقادته.
وقال نتانياهو، في تصريحات الاثنين، أن الجيش الإسرائيلي "يغيير التوازن الأمني" في شمال إسرائيل.
وأضاف نتانياهو من خندق لسلاح الجو في وزارة الدفاع، بحسب بيان صادر عن مكتبه، "لقد وعدت بأننا سنغير التوازن الأمني، توازن القوى في الشمال، وهذا تحديدا ما نقوم به"، مضيفا أن "إسرائيل لا تنتظر التهديد، بل تستبقه".
وفي هذا السياق، يقول نيك باتون والش، مراسل شبكة "سي أن أن" لشؤون الأمن الدولي، إن "ما يسمى بحروب السلام نادرا ما تنجح، وغالبا ما تكون اختيارية، كما هو الحال مع التصعيد الإسرائيلي الأخير".
الهجمات الجوية الإسرائيلية الدقيقة على مواقع حزب الله تعد إحدى الأدوات الرئيسية في هذا التصعيد. فبحسب والش، تمكنت إسرائيل من تحقيق أضرار كبيرة للبنية التحتية للحزب وعملياته القيادية.
هذا التوجه يعتمد على فرضيات بأن الحزب، الذي أُنهك في الحرب السورية وفقد جزءا من قوته العسكرية، لن يكون قادرا على الرد بنفس القوة التي أظهرها في الماضي.
لكن، التحليل العسكري يظهر أن حزب الله قد يلجأ إلى تصعيد الهجمات الصاروخية كرد فعل أخير، مما قد يزيد من تعقيد الوضع ويؤدي إلى انفجار أوسع نطاقًا في المنطقة.
والرؤية الإسرائيلية للمستقبل قد تعتمد على فكرة أن الضغط المستمر سيضعف الحزب على المدى الطويل، لكن هذا الافتراض يبقى محفوفا بالمخاطر، كما يرى والش في تحليل نشره على موقع شبكة سي أن أن .
منظور إسرائيل: هدف سياسي أم عسكري؟
في مقابلة مع قناة "الحرة"، أوضح، داني أيالون، السفير الإسرائيلي السابق في واشنطن، أن "إسرائيل تهدف إلى إنقاذ الأرواح عبر التمييز بين مقاتلي حزب الله والمدنيين اللبنانيين".
وقال إن حزب الله "يستخدم المدنيين كدروع بشرية، حيث يخبئ أسلحته وصواريخه في المنازل السكنية".
وأضاف قوله: "لقد أعطينا المدنيين اللبنانيين تحذيرات لإخلاء المناطق التي نعتقد أنها تحتوي على مخازن أسلحة للحزب".
وشنت إسرائيل غارات جوية على مئات من أهداف تابعة لحزب الله في جنوب لبنان وسهل البقاع شرقي البلاد، والمنطقة الشمالية بالقرب من سوريا، في أكبر موجة من الضربات التي استهدفت التنظيم.
وطالبت إسرائيل اللبنانيين بإخلاء المناطق التي قالت إن الجماعة تخزن أسلحتها بها.
أيالون شرح الموقف الإسرائيلي الذي يسعى إلى تبرير الهجمات الجوية التي غالبا ما تودي بحياة مدنيين. وقال إن حزب الله "هو الذي يلام في النهاية على سقوط مدنيين، وليس الجيش الإسرائيلي"، لأن حزب الله "يخبئ الأسلحة في بيوت المدنيين".
ويوضح أيالون أن الحكومة الإسرائيلية "انتظرت 11 شهرا" منذ أكتوبر الماضي قبل أن تبدأ في تنفيذ هذا التصعيد، وأن حزب الله "هو من بدأ الهجمات بطريقة جبانة"، حسب وصفه.
على الطرف الآخر من الصراع، تكثف الولايات المتحدة جهودها لتحقيق التهدئة. روبرتس وود، نائب المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة، قال في مقابلة مع "الحرة" إن "الهدف الأميركي هو العثور على حل دبلوماسي يسمح للإسرائيليين واللبنانيين بالعودة إلى بيوتهم بأمان".
ويعمل العديد من مسؤولي الإدارة الأميركية على تهدئة الأوضاع في المنطقة عبر محادثات مع كلا الجانبين، بحسب وود.
ويضيف وود أن الولايات المتحدة ترى في الحل الدبلوماسي مخرجا من الأزمة المتصاعدة، إذ يشير إلى أن هناك "مناقشات بشأن ما يجري في لبنان" وأن الهدف الرئيسي هو "منع تصاعد الحرب إلى نطاق أوسع".
وقال مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأميركية، الاثنين، إن الولايات المتحدة ستبحث مع الحلفاء والشركاء "أفكارا ملموسة" لمنع اتساع الحرب.
وقال مسؤولون إسرائيليون إن التصعيد الأخير في الضربات الجوية على أهداف حزب الله في لبنان يهدف لإجبار الجماعة المدعومة من إيران على الموافقة على حل سياسي.
لكن المسؤول الذي طلب عدم الكشف عن اسمه قال في تصريح للصحفيين في نيويورك إن إدارة الرئيس جو بايدن تركز على "تقليل التوتر ... وكسر دائرة الضربات والضربات المضادة".
وقال "لا أستطيع أن أتذكر، على الأقل في الذاكرة الحديثة، فترة أدى فيها التصعيد أو التكثيف إلى تهدئة جوهرية وأدى إلى استقرار كبير للوضع".
وفي الجانب اللبناني، أعلنت السلطات أن الغارات الإسرائيلية على لبنان، الاثنين، أدت إلى مقتل أكثر من 490 شخصا، بينهم نساء وأطفال. هذه الأرقام تظهر حجم الخسائر البشرية الهائل، الذي يعيد إلى الأذهان ذكريات حرب عام 2006.
الآلاف من اللبنانيين بدأوا النزوح من الجنوب باتجاه بيروت والمدن الشمالية، في محاولة للهرب من الدمار المتزايد.
وتأتي الغارات الإسرائيلية بعد يومين من هجوم حزب الله الأعمق منذ الثامن من أكتوبر، حيث استهدف قاعدة "رامات دافيد" الجوية ومجمعا تابعا لشركة "رافائيل" للصناعات العسكرية، مستخدما في هجومه نوعا جديدا من الصواريخ يطلق عليها "فادي 1" و"فادي 2".
هذا النزوح يعتبر الأكبر منذ حرب 2006، ويعكس الخوف الكبير من أن تتحول المواجهة الحالية إلى حرب شاملة.
أسلحة موجهة ومخاطر متزايدة
الجيش الإسرائيلي، الذي أطلق أكثر من 1600 غارة جوية على أهداف تابعة لحزب الله، يدعي أنه نجح في تدمير العديد من مواقع الأسلحة والصواريخ التي كانت مخبأة في منازل المدنيين.
وقال المتحدث العسكري الإسرائيلي، دانييل هاغاري، إن الجيش "مستعد للقيام بغزو بري إذا لزم الأمر"، في إشارة إلى مدى جدية العمليات الحالية.
لكن هذه الضربات قد تقود إلى رد من حزب الله، الذي يمتلك ما يقدر بـ 150 ألف صاروخ، حيث أطلق فعليا مئات الصواريخ باتجاه شمال إسرائيل.
وصواريخ حزب الله تتنوع بين قصيرة وطويلة المدى، وتملتك قدرات تمكنها من تحقيق استهداف دقيق للمناطق العسكرية والمدنية على حد سواء.
في هذا السياق المتوتر، علقت قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة دورياتها في جنوب لبنان، معتبرة أن الوضع أصبح خطيرا جدا بسبب حجم تبادل إطلاق النار.
وأعرب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، عن "قلقه العميق" إزاء تصاعد العنف، داعيا إلى تهدئة الأوضاع والبحث عن حلول دبلوماسية.
وقال جوزيب بوريل، مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، الاثنين، إن التصعيد بين إسرائيل وجماعة حزب الله في لبنان هو تقريبا حرب شاملة.
وأضاف بوريل متحدثا للصحفيين "إن لم يكن هذا الموقف هو حرب، فلا أعرف ماذا تطلقون عليه".
وقال وزير الخارجية البريطاني: منزعج للغاية بشأن إطلاق صواريخ وضربات جوية في لبنان وإسرائيل وما نجم عنها من سقوط مدنيين
وأضاف، وفقا لوكالة رويترز، "أكرر دعوتي للطرفين للوقف الفوري لإطلاق النار وهو ما سأؤكد عليه عندما التقي بوزراء مجموعة السبع الليلة".
من يدفع الثمن؟
وحتى الآن، يبدو أن المدنيين هم من يدفعون الثمن الأكبر لهذا الصراع المستمر. بينما تتبادل إسرائيل وحزب الله الهجمات، يقتل مئات الأبرياء، ويهجر الآلاف من منازلهم.
ورغم أن كلا الطرفين يحاول تبرير تصرفاته من منطلق الدفاع عن النفس، إلا أن الواقع على الأرض يظهر صورة أكثر تعقيدا، حيث يصبح من الصعب التمييز بين العسكريين والمدنيين.
والأسئلة التي تطرح نفسها الآن هي: هل هناك أمل حقيقي لحل دبلوماسي؟ وهل يمكن أن تنجح الجهود الأميركية والأممية في وقف التصعيد؟
التاريخ يشير إلى أن حزب الله، حتى بعد تلقيه ضربات كبيرة، قادر على إعادة بناء نفسه والعودة بقوة أكبر. من جهة أخرى، يبدو أن إسرائيل لن تتردد في مواصلة عملياتها العسكرية إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق سياسي ينهي تهديدات الحزب.
ويبقى المستقبل غامضا، والتوتر في المنطقة مرشح للزيادة. وبينما يحاول المجتمع الدولي البحث عن حل، يظل الطرفان في موقف صعب حيث لا يبدو أن أيا منهما مستعد للتنازل.
وما لم يتم التوصل إلى حل سياسي يرضي جميع الأطراف، فإن شبح الحرب سيظل يلوح في الأفق.
الحرة - واشنطن