التغييرات المقترحة تهدد حقوق المحاكمة العادلة وتمكِّن المسؤولين المنتهِكين
(جنيف) – قالت "منظمة العفو الدولية" و"ديغنِتي" و"هيومن رايتس ووتش" و"لجنة الحقوقيين الدولية" اليوم إن على "مجلس النواب" المصري رفض مشروع قانون مقترح محل "قانون الإجراءات الجنائية" لعام 1950. إذا اعتُمد مشروع القانون، سيقوّض حماية حقوق المحاكمة العادلة التي أُضعفت أصلا في مصر، ويزيد تمكين موظفي الأمن المنتهِكين.
قال سعيد بن عربية، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في لجنة الحقوقيين الدولية: "بدل اغتنام الفرصة لتقديم الحماية والضمانات الضرورية جدا للحقوق الإنسانية للمعتقلين والمتهمين وإنهاء الاحتجاز التعسفي، يعتزم المشرعون المصريون إدامة نفس الأطر التي سهّلت الانتهاكات الماضية والحالية. يستهزئ مشروع التعديلات بالحوار الوطني المزعوم بين الحكومة والمعارضة، وبمخاوف الضحايا وممثلي المجتمع المدني وهيئات الأمم المتحدة والخبراء المستقلين".
اقترحت الحكومة المصرية مشروع قانون الإجراءات الجنائية، الذي استعرضته لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية في مجلس النواب المصري في أغسطس/آب ووافقت عليه في سبتمبر/أيلول. ستحل أحدث مسودة للتشريع، والتي نشرتها بعض المواقع الإخبارية الموالية للحكومة، محل قانون الإجراءات الجنائية لعام 1950، مع الاحتفاظ ببعض أحكامه.
زعمت مصادر إعلامية مؤيدة للحكومة أن مشروع قانون الإجراءات الجنائية صيغ استجابةً لتوصيات ما يسمى "الحوار الوطني" المصري لعام 2023، والذي أجرت السلطات في سياقه مناقشات مطولة مع شخصيات المعارضة والمجتمع المدني بشأن السجناء السياسيين والاستخدام المنتهِك للحبس الاحتياطي، من بين مواضيع أخرى. إلا أن مشروع قانون الإجراءات الجنائية يبتعد كثيرا عن قانون ومعايير حقوق الإنسان الدولية من خلال: (1) عدم إنهاء لجوء السلطات المصرية على نطاق واسع إلى استخدام الحبس الاحتياطي بشكل ينطوي على انتهاكات لمعاقبة المنتقدين؛ (2) إدامة الإفلات من العقاب لمسؤولي إنفاذ القانون؛ و(3) ترسيخ سلطة واستنسابية النيابة العامة بطريقة قد تسهل مزيدا من الانتهاكات لحقوق المحاكمة العادلة.
سيُناقَش مشروع قانون الإجراءات الجنائية في الجلسات العامة لمجلس النواب ويمكن الموافقة عليه في وقت قد لا يتعدى أكتوبر/تشرين الأول 2024. في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، صادق مجلس النواب المصري، الذي يهيمن عليه أعضاء موالون للحكومة، تلقائيا مرات عديدة على القوانين التي تقترحها الحكومة.
أثار مشروع قانون الإجراءات الجنائية المعيب انتقادات واسعة من أطراف منها نقابة الصحفيين ونقابة المحامين. قال كل منهما بشكل منفصل إن التعديلات المقترحة تحتوي عديدا من الأحكام "غير الدستورية"، وتقوّض الحق في الدفاع، ودور المحامين، ومبدأ المحاكمة العلنية العادلة.
قال محمود شلبي، باحث مصر في منظمة العفو الدولية:
"لا يفي مشروع قانون الإجراءات الجنائية بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان وسيكون له تأثير كارثي على حقوق المتهمين قبل المحاكمة وأثناءها. فهو لا يضمن حق المحتجز في المثول أمام قاض بسرعة، في غضون 48 ساعة على الأكثر من وقت الاعتقال، للحكم في احتجازه. كما تسمح التعديلات لأعضاء النيابة العامة باتخاذ قرارات حاسمة بشأن الاستماع إلى شهود الدفاع وتمكين أعضاء النيابة العامة من إجراء التحقيقات بدون حضور محامي الدفاع إذا اعتبروا ذلك ضروريا للكشف عن الحقيق".
عدّلت السلطات المصرية قانون الإجراءات الجنائية في مناسبات عديدة في العقود الأخيرة – خلال فترات شملت عهد الحكومة الحالية - لتقويض استقلال القضاء وسيادة القانون، وتآكل المعايير الدولية للمحاكمة العادلة بشكل أكبر وزيادة قمعها للمعارضة السياسية. منذ العام 2013، سيّست السلطات المصرية القضاء وفككت ضمانات استقلاليته وسيادة القانون والمحاكمة العادلة، لاستخدام القضاء أداةً لقمع المعارضة السلمية في جميع أنحاء البلاد. بترسيخ سلطة أعضاء النيابة بشكل أكبر، يتجاهل مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد تواطؤهم في الاحتجاز التعسفي على نطاق واسع والتعذيب وغيره من أشكال سوء المعاملة والإخفاء القسري.
بعض الأحكام المقترحة، إذا سُنَّت بصيغتها الحالية، ستقصّر فترات الحبس الاحتياطي. مع ذلك، الفترات الجديدة ستظل طويلة بشكل غير ملائم، ولا يحد مشروع قانون الإجراءات الجنائية سلطات المدعين العامين الحالية في تمديد الحبس الاحتياطي التعسفي دون إشراف قضائي، بما فيه بإصدار أمر بحبس المعتقلين احتياطيا بتهم مماثلة في قضايا جديدة، في ممارسة يشار إليها عادة باسم "التدوير". لا يدعم مشروع قانون الإجراءات الجنائية التزامات مصر الدولية بضمان استخدام الحبس الاحتياطي كاستثناء فقط، وليس القاعدة، واستخدامه فقط عندما يكون ذلك ضروريا ومتناسبا لتحقيق أهداف مسموح بها، مثل حماية الأدلة أو السلامة العامة.
كما يتضمن مشروع قانون الإجراءات الجنائية المقترح أحكاما تنظم وتوسع استخدام نظام "الفيديوكونفرنس" لجلسات الادعاء والمحكمة، بما يقوّض ضمانات المحاكمة العادلة ويعرقل قدرة الموظفين القضائيين على تقييم سلامة المتهمين، ما يجعلهم أكثر عرضة للانتهاكات أثناء الاحتجاز التي تسببها عوامل تشمل ظروف السجن التعسفية. بالإضافة إلى ذلك، يحافظ مشروع القانون على أحكام تديم الإفلات من العقاب على الانتهاكات التي يرتكبها موظفو الأمن بتقييد حقوق الضحايا في محاسبة العناصر على الجرائم الدولية كالتعذيب والإخفاء القسري، والتي تنتشر على نطاق واسع في مصر.
قال غرانت شوبين، المستشار القانوني في ديغنِتي:
"لا يعالج مشروع قانون الإجراءات الجنائية المقترح إساءة استخدام الحبس الاحتياطي من قبل السلطات، ما يديم استخدامه التعسفي أداةً عقابية. تجرّؤ السلطات المصرية على الاحتفاء بلا خجل بمشروع القانون هذا يظهر إلى أي مدى قد ابتعدت هذه الحكومة القمعية عن أبسط معايير حقوق الإنسان الدولية، ويُظهر قدرة الأجهزة الأمنية على تقنين ممارساتها المنتهِكة بدون مقاومة تذكر من مؤسسات الدولة".
تدعو لجنة الحقوقيين الدولية، ومنظمة العفو الدولية، وديغنِتي، وهيومن رايتس ووتش السلطات المصرية إلى إسقاط مشروع قانون الإجراءات الجنائية المقترح، وإعداد مشروع قانون جديد يتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، وبالتشاور الصادق والشفاف مع المنظمات غير الحكومية المصرية والدولية، والخبراء المستقلين، والضحايا، والمحامين.