الجلسة 57 لمجلس حقوق الإنسان: الارادة السياسية لا تزال مهمة
السعودية تخسر محاولتها لعضوية مجلس حقوق الإنسان واعتماد قرارات بشأن اليمن والسودان
نجحت المملكة العربية السعودية والحكومة اليمنية وحكومات أخرى من المنطقة العربية، بما في ذلك مصر والإمارات العربية المتحدة، في فرض رقابة على أي وجميع المناقشات حول الفظائع المرتكبة في اليمن خلال الجلسة 57 لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة. في السنوات الأخيرة، قوضت المجموعة العربية بقوة إجراءات المجلس بشأن أزمات حقوق الإنسان المتعددة في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
لا يزال عشرات الملايين من المواطنين اليمنيين معرضين للخطر في خضم واحدة من أكبر الكوارث الإنسانية في العالم. وقد حذر مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، ضمن منظمات حقوقية يمنية ودولية أخرى، من أن الإفلات من العقاب لا يزال يؤجج العنف في البلاد. ودعا مرارًا وتكرارًا إلى إجراء تحقيق دولي حول انتهاكات حقوق الإنسان. وقد أدت حملة الإخفاء القسري والاحتجاز التعسفي واسعة النطاق التي شنتها جماعة أنصار الله (الحوثي) مؤخرًا بحق المدافعين عن حقوق الإنسان والعاملين في المجال الإنساني وموظفي هيئات الأمم المتحدة وغيرهم، إلى تفاقم الوضع الإنساني الحرج وتقويض جهود الأمم المتحدة في تقديم الدعم والمساعدة داخل اليمن.
لعدة سنوات، سمح غياب القيادة المعنية بحماية الضحايا في المجلس، للمملكة السعودية والمجموعة العربية وأعضاء منظمة التعاون الإسلامي، بإملاء شروط قرار المساعدة الفنية بشأن اليمن. وقد استخدمت المجموعة العربية هذا الدور، ليس فقط للحيلولة دون فتح تحقيقات جادة حول الجرائم المرتكبة في اليمن، لكن أيضًا لاستخدام حق النقض ضد أي نقاش رسمي في المجلس حول الوضع في اليمن، ومنع تقارير الأمم المتحدة حول أزمات حقوق الإنسان في البلاد.
يقول جيريمي سميث، مدير مكتب مركز القاهرة في جنيف: «إن القرار الذي تقدمت به المجموعة العربية وتم اعتماده خلال هذه الجلسة يمثل خيانة للشعب اليمني. إن الافتقار إلى الارادة السياسية اللازمة لدعم القانون الدولي في اليمن من قبل جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، قد سمح للمتهمين بارتكاب جرائم حرب وإسكات أصوات الضحايا. هذا القرار يمثل أحد، إن لم يكن أكبر، انعكاسات فشل مجلس حقوق الإنسان منذ تأسيسه. لقد حان الوقت لكي تبدأ الدول في معالجة هذا الفشل».
وعلى النقيض في الجلسة نفسها، فشل السودان وأعضاء المجموعة العربية في عرقلة قرار تجديد بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق حول الفظائع واسعة النطاق المرتكبة في جميع أنحاء السودان. إذ تم تجديد ولاية بعثة تقصي الحقائق التي شكلها المجلس في أكتوبر من العام الماضي استجابًة لدعوات من المجتمع المدني العالمي. ويرجع ذلك إلى حد كبير للقيادة القوية للعديد من البلدان بشأن هذا القرار، بما في ذلك المملكة المتحدة وألمانيا، فضلاً عن رفض دول جنوب الصحراء الكبرى الأفريقية التصويت ضد التجديد (صوتت جنوب أفريقيا وغانا لصالح القرار وامتنعت كوت ديفوار والكاميرون وغامبيا وملاوي عن التصويت). بينما في المقابل صوتت جميع دول المجموعة العربية في المجلس (المغرب والكويت والسودان والإمارات العربية المتحدة) ضد القرار، باستثناء الجزائر التي امتنعت عن التصويت. ومن الجدير بالذكر، أن جنوب أفريقيا، وعلى نحو غير معتاد ونادر، قد صوتت لصالح قرار غير توافقي بشأن دولة أفريقية، واستشهدت بمخاطر «التدخل الأجنبي» لتبرير موقفها، في إشارة محتملة إلى الدعم العسكري الإماراتي للجماعات المسلحة المتهمة بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في السودان.
يقول سميث: «إن التصويت لصالح التحقيق في السودان يدل على أنه لا يزال بإمكان المجلس اتخاذ إجراءات فعالة لحماية الضحايا في حالات مثل اليمن حيث تعارض المجموعة العربية اتخاذ إجراءات، لكن الارادة السياسية الملتزمة مهمة، وكذلك استعداد البلدان من جميع المناطق لوضع حماية الضحايا فوق الاسترضاء السياسي».
في اليوم نفسه الذي تبني فيه المجلس قرار السودان، خسرت المملكة العربية السعودية محاولتها لتصبح دولة عضو في مجلس حقوق الإنسان من خلال التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. وكان ائتلاف من المجتمع المدني قد دعا الدول إلى الامتناع عن انتخاب المملكة العربية السعودية بسبب تورطها في جرائم حرب في اليمن، وقمعها الوحشي للمدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين، بما في ذلك مقتل الصحفي جمال خاشقجي، وتمييزها الشديد ضد المرأة. ورغم حملتها الممولة تمويلاً جيدًا، جاءت المملكة السعودية في المرتبة الأخيرة، في قائمة آسيا والمحيط الهادئ، بين الدول المتنافسة على عضوية المجلس (تايلاند /177، قطر/167، قبرص/167، جمهورية كوريا/ 161، جزر مارشال/ 124، المملكة العربية السعودية/117).
إن التقرير الأخير الصادر عن آلية تحقيق الأمم المتحدة المستقلة بشأن الأرض الفلسطينية المحتلة هو تذكير صارخ بالفشل المستمر لمجلس حقوق الإنسان والمجتمع الدولي في ضمان المساءلة عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وجرائم الحرب المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني، لا سيما في غزة ولبنان. وقد وثقت اللجنة سياسة إسرائيل الممنهجة لتدمير نظام الرعاية الصحية في غزة، والتي تنطوي على جرائم ضد الإنسانية تتمثل في القتل العمد وسوء المعاملة وجريمة الإبادة.
رغم هذه النتائج المقلقة للتقرير، تواصل العديد من دول المجلس الحنث بالتزاماتها بموجب القانون الدولي فيما يتعلق بالوضع في غزة، بما في ذلك الولايات المتحدة وألمانيا وغيرهم. إذ تواصل تقديم المساعدات والدعم السياسي الذي قد يعزز ارتكاب المزيد من الانتهاكات ويطيل أمد دورة العنف والقمع. نطالب مجلس حقوق الإنسان باتخاذ إجراءات لدعم الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بشأن حملة الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة. وعلى وجه الخصوص، يجب على المجلس معالجة التزامات الدول الثالثة بالامتناع عن أي دعم عسكري أو اقتصادي يطيل أو يساهم في الانتهاكات التي ترتكبها إسرائيل في الأرض المحتلة، وتعزيز قدرة لجنة تقصي الحقائق في الأرض المحتلة على إجراء تحقيقات في الوقت المناسب في الانتهاكات في الأراضي الفلسطينية المحتلة أو من قبل دول ثالثة.
يُذكر أن الجلسة 57 لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة قد انطلقت في جنيف في التاسع من سبتمبر 2024 وامتدت حتى الحادي عشر من أكتوبر الجاري. وشارك خلالها مركز القاهرة في النقاشات الخاصة بأوضاع حقوق الإنسان في 5 دول عربية (مصر، فلسطين، سوريا، السودان، اليمن) وذلك من خلال 7 مداخلات شفهية أمام المجلس. كما نظم ودعم المركز 3 ندوات عامة على هامش الجلسة، حول الأوضاع في مصر واليمن والبحرين.
الرابط
https://cihrs.org/57th-session-of-the-un-human-rights-council-leadership-still-matters/