تخيل أنك تخوض حربا ضد جيش من الأعداء وتمكنت من أسر بعض جنودهم ثم حدث أن جنديا أسيرا أصابته أزمة قلبية. هل تتركه يموت أم أنك سترسله إلى المستشفى لإسعافه. طبقا لقواعد القانون والدين والانسانية فان واجبك يحتم عليك أن تسعف الجندي الاسير وتنقذ حياته.. صحيح أنه عدوك وإن كان يحاربك لكنه في اللحظة التي أسرته فيها أصبحت حياته وصحته من ضمن مسؤولياتك الأخلاقية والقانونية
مثال آخر..
تخيل أن حريقا كبيرا شب في أحد السجون.. هل سيسعى رجال الاطفاء إلى إنقاذ الضباط والجنود فقط ويتركون المساجين يموتون حرقا. ان واجب رجال الإطفاء يحتم عليهم انقاذ جميع الموجودين في السجن، ولو انهم تركوا المساجين يحترقون لكانوا يرتكبون جريمة بشعة ضد الانسانية لأن السجن عقوبة سالبة للحرية فقط وليس من ضمن العقوبة احراق السجناء.
ان نظام السيسي يرتكب الآن جريمة قتل جماعي لا تقل بشاعة عن قتل الأسرى وإحراق السجناء. في مصر عشرات الألوف من السجناء الذين يقضون عقوبة قانونية وعشرات الألوف من المعتقلين المحبوسين بدون محاكمة تحت مسمى الحبس الاحتياطي الذي قد يستمر لمدة سنوات.
على عكس البروباغندا التي يمارسها النظام فإن الحقيقة المؤسفة أن السجون المصرية تعاني من ازدحام السجناء وتكدسهم الشديد، كما أنهم يفتقرون إلى قواعد النظافة الاساسية وإلى الرعاية الطبية لدرجة أن المرضى منهم كثيرا ما يموتون داخل السجن بسبب منع العلاج عنهم. مع انتشار وباء كورونا في كل أنحاء العالم فرضت الحكومات إجراءات لمنع الازدحام وفرضت العزلة المنزلية على المواطنين بل ولجأت دول كثيرة إلى حظر التجول حتى لايختلط الناس فينتشر الوباء.
الحكومة المصرية أغلقت المطاعم والمقاهي والمساجد والكنائس كما أنها ألغت كافة الاجتماعات والعروض الفنية والمباريات الرياضية وطالبت المصريين بالبقاء في بيوتهم. النظام المصري يفهم جيدا اذن خطورة تكدس الناس في أماكن ضيقة لأن وباء الكورونا ينتقل عن طريق الأنفاس والسعال والعطس، ولو أن شخصا واحدا يحمل العدوى سينقلها في الزحام إلى عشرات الأشخاص.
المؤسف أن النظام المصري الذي يتخذ كل هذه الإجراءات لمنع الاختلاط والزحام يتجاهل في نفس الوقت حقيقة أن السجون المصرية بحالتها الراهنة هي قنبلة موقوتة قد تؤدي إلى انتشار وباء كورونا ليس فقط في السجون وانما في مصر كلها. لقد ارتفعت مطالبات داخل مصر وخارجها باطلاق سراح المعتقلين المحبوسين احتياطيا واتخاذ إجراءات لمراقبتهم في منازلهم وفي نفس الوقت لابد من توفير أماكن واسعة فسيحة ونظيفة للسجناء الذين يقضون عقوبة قانونية..
الإفراج عن المعتقلين والسجناء الذين قضوا معظم العقوبة هو إجراء تتخذه الآن دول العالم الواحدة تلو الأخرى. فقد أعلنت الحكومة الفرنسية أنها ستفرج خلال أيام عن 6 آلاف سجين، بينما أفرجت السودان وأثيوبيا وإيران والكويت وأفغانستان ودول أخرى عن عشرات الآلاف من المعتقلين والسجناء خوفا من انتشار وباء كورونا في السجون المزدحمة ثم انتقاله إلى الخارج ليقتل آلاف البشر.
نظام السيسي يرفض بشدة الإفراج عن المعتقلين ومن أجل تبرير هذه الجريمة فإن الإعلام المصري الذي تديره المخابرات يردد الحجج التالية:
أولا:إن حالة السجون المصرية ممتازة و في منتهى النظافة والجمال
هذا الكلام لا يستحق مناقشته لأن مئات التقارير الحقوقية المصرية والدولية تؤكد التكدس الشديد في السجون وانعدام أبسط قواعد النظافة والرعاية الطبية بالإضافة إلى القمع والتعذيب. كما تؤكد ذلك مئات الشهادات من أهالي المعتقلين الذين يرون أبناءهم يتدهورون صحيا يوما بعد يوم وهم عاجزون عن إنقاذهم. النظام يستعمل ما يسمى بمجلس حقوق الإنسان للتغطية على الجرائم التي ترتكب داخل السجون. هذا المجلس يشكله النظام ويختار أعضائه ويمنحهم مرتبات كبيرة حتى يقوموا بدور "المحلل" فيغطون على جرائم النظام ويجملون صورته في الغرب ويساعدونه على الافلات من العقاب.
ثانيا:هؤلاء السجناء إرهابيون ومن الخطر اطلاق سراحهم
هذه الحجة يسوقها النظام من باب الاستعباط لأن هناك عشرات الألوف من المعتقلين تحت الحبس الاحتياطي.. هؤلاء لم تثبت عليهم أي تهمة بل انهم لم يحاكموا أساسا ومعظمهم من معتقلي الرأي أي انهم عبروا عن آراء لم تعجب نظام السيسي فقام باعتقالهم. نحن نطالب بإطلاق سراح معتقلي الرأي لأنهم ليسوا مجرمين ولا إرهابيين لكنهم أصحاب رأي، أما السجناء الذين يقضون عقوبة فلابد من تحسين ظروف حبسهم ومنع تكدسهم ورعايتهم طبيا، ليس فقط من أجلهم وانما من أجل سلامة ملايين المصريين الذين سيصيبهم الوباء اذا انتشر لا قدر الله في السجون.
ثالثا: المطالبة بإخراج المعتقلين مؤامرة من أجل هدم الدولة
هنا يستعمل النظام كالعادة نظرية المؤامرة السخيفة ضد كل معارضي السيسي. إن من ينتقد السيسي ليس عدوا لمصر، لأن السيسي ليس مصر وإنما هو مجرد حاكم يصيب ويخطئ، والخلط بين شخص الحاكم والوطن علامة على التخلف الفكري وحيلة تلجأ إليها الأنظمة المستبدة لرفع الحاكم إلى مقام فوق النقد والمحاسبة.
إذا كانت المطالبة بالإفراج عن المعتقلين مؤامرة ضد مصر، فماذا عن بقية دول العالم التي تواصل الافراج عن المعتقلين والسجناء الذين قضوا جزءا كبيرا من العقوبة. هل كل هذه الدول من الغفلة بحيث تنفذ مخططات تؤدي إلى تدميرها؟!
يجب أن يفرج نظام السيسي عن المعتقلين السياسيين وفي نفس الوقت يجب أن يمنع التكدس بين السجناء.. إذا لم ينفذ نظام السيسي هذه الإجراءات فورا فانه يرتكب جريمة قتل جماعي للمصريين
الديمقراطية هي الحل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.