مقطع الفيديو الاول
مقطع الفيديو الثانى
مقطع الفيديو الثالث
طريق الموت.. من الخرطوم إلى القاهرة..
تحقيق شامل لموقع قناة الحرة الأمريكية يتضمن 3 مقاطع فيديو
"فجأة ارتفعت السيارة وهبطت بعنف ، طارت الفتاة في الهواء وسقطت على رقبتها ، ماتت على الفور توقفت السيارة بعد صراخنا وبكثير من التوسل سمح لنا قائدها بدقائق قليلة يدفن فيها الرجال الفتاة ويصلون عليها ، كانت صبية لم يتجاوز عمرها 27 عاما وكان معها زوجها وطفلين ، لن أنساها ما حييت ".
ما سبق حكاية من مئات عاشها السوريين الذين اضطروا إلى اللجوء الى مصر عن طريق الدخول بالتهريب من السودان ، رحلة الصحراء التي تستمر يومين وأحيانا أكثر هي ما تفصلهم عن العيش في مصر والتي تعد أحد الملاذات الآمنة للجوء، وعلى الرغم من أن الحكومة المصرية تعامل اللاجئين السوريين معاملة المصريين وتسمح لهم بالتنقل والإقامة في أي مدينة يرغبون ، إلا انها وضعت قبل سنوات قيودا على استخراج تأشيرات الدخول ، حيث تتطلب موافقة أمنية تستغرق شهورا وربما لا تأتي أبداً ، فلا يتبقى أمام الراغبين في الدخول الى مصر إلا دفع مبالغ تقترب من ثلاثة آلاف دولار للتأشيرة الواحدة.
معظم المبلغ يذهب لجيوب سماسرة ومكاتب عمل ، أو اختيار طريق آخر بدفع مبلغ يتراوح بين 300 و 500 دولار للدخول عن طريق السودان ، هذه الرحلة لها نتيجة واحدة من ثلاثة إما النجاة والوصول الى مصر وإما الوقوع في قبضة السلطات المصرية وإما الموت .
تتبع موقع الحرة تفاصيل خطوط التهريب من السودان الى مصر ووثق شهادات للاجئين استطاعوا العبور ، وآخرين ألقي القبض عليهم ومازالوا محتجزين في أقسام الشرطة ، وتحدث موقع الحرة أيضا مع مهرب سوداني ، من أجل الوصول الى صورة أوضح لمعاناة تضاف على مأساة ملايين السوريين ، والذين قدّر أن يلاحقهم الموت في وطنهم وفي أي مكان رحلوا اليه طلباً للحياة .
ثلاثة خيارات .. أحلاها التهريب عبر السودان
" قتل ابني الأكبر في قصف جوي وهو عائد من المدرسة ، كانت هذه هي البداية التي جعلتني اتخذ قرار الهرب من سوريا ، ابني الأصغر اقترب من سن التجنيد الاجباري ولم أكن لأسمح لهم بأخذه ، حاولت الحصول على تأشيرة دخول نظامية إلى مصر أخبروني أنها ستكلف نحو ثلاثة آلاف دولار للشخص الواحد، ما يعني اثني عشر ألف دولار لي ولأبنائي الثلاثة، وهو ما كان مستحيلا حتى لو بعت منزلي وكل ما أملك ، لم يكن أمامي سوى الدخول بالتهريب من السودان".بين البقاء تحت رحمة الحرب ومخاوف استدعاء ابنها للجيش، أو دفع مبلغ كبير يتجاوز كل ما تملكه. لم يتبق أمام " أم عمر " سوى خيار الدخول إلى مصر بالتهريب عبر السودان، حزمت أمتعتها القليلة وسافرت من أبناءها الى الخرطوم ، لتجد في استقبالها أحد المعاونين لشخص سوداني يعمل في تهريب الأشخاص عبر الحدود إلى مصر ، لم يكن خيار البقاء في السودان مطروحا أمام أم عمر فهي كما تقول أرادت الالتحاق بمن تبقى عائلتها في مصر ، علاوة على أن فرص الحياة والعمل في مصر أفضل بكثير من السودان .
مكثت أم عمر في الخرطوم لمدة يومين في أحد الفنادق مع عدد آخر من الأسر التي قدمت لنفس الهدف، بعدها نقلوا جميعا إلى مدينة بورسودان ، حيث أقاموا في منطقة نائية داخل مبان وصفتها بالأكواخ تكدس فيها نحو 24 شخصا بينهم أطفال ، بانتظار قرار التحرك الذي يتخذه المهربون وفقا لترتيبات تتعلق بالوضع الأمني ودوريات حرس الحدود، في حدود التاسعة مساء من اليوم الثالث طلب منهم الاستعداد ، وسمحوا لكل شخص بحمل حقيبة واحدة .
" تركنا معظم الحقائب التي جئنا بها ، خرجنا لنجد سيارة رباعية الدفع لها صندوق مكشوف ، وضعوا الحقائب في منتصف الصندوق وجلست النساء والأطفال عليها ، بينما جلس الرجال على طرف الصندوق وأرجلهم للخارج ، لم أكن أتصور اننا سنسافر بهذه الطريقة وان ننقل في سيارات كأننا بهائم ..".
تتابع أم عمر :"انطلقوا بسرعة رهيبة في الظلام بين دروب صحراوية وعرة ، مع كل حفرة تمر عليها السيارة كنا نرتفع في الهواء ونسقط داخل السيارة ، كان الرمل يغطينا وكذلك المازوت المخزن معنا في برميل للتزود بالوقود خلال الرحلة ، لم يتوقف صراخ الاطفال وظللت ممسكة بيدي ابنتاي وعيني على ابني ، فجأة ارتفعت السيارة وهبطت بعنف، طارت الفتاة في الهواء وسقطت على رقبتها ، ماتت على الفور ".
توقفت السيارة بعد صراخ النساء وبكثير من التوسل سمح لنا قائدها بدقائق قليلة يدفن فيها الرجال الفتاة ويصلون عليها ، كانت صبية لم يتجاوز عمرها 27 عاما وكان معها زوجها وطفلين ، لن أنساها ماحييت ... ".
تغالب أم عمر دموعاً في عينها وهي تروي تفاصيل رحلة الموت كما تسميها ، حيث استمر هذا الوضع لمدة ثلاثة أيام بعد أن قيل لهم أن الرحلة تستمر أقل من يومين .
" كنت واثقة أننا سنموت في الصحراء بعد أن تهنا ، هرب السائق من دورية لحرس الحدود وأضاع الطريق ، نفذ منا الماء واضطررنا الى شرب ماء كان في برميل على السيارة لكنه كان ملوثا بالطين والمازوت ، لم يتوقف الأطفال عن القيء بسبب شرب هذا الماء ، ثلاثة أيام كاملة نسير دون توقف إلا لدقائق قليلة لقضاء الحاجة ، وساعتين ففقط في الليل ينام فيها السائق ومساعده ، بعدها وصلنا الى مدينة حلايب ، هناك طلبوا خمسين دولارا إضافية وخيرونا بين الدفع أو تركنا في حلايب ، لم يكن أمامنا خيار اتفقنا من البداية على 300 دولار للفرد ، ودفعنا خمسين اضافية .تحركنا الى سيارة أخرى ذات مقاعد خشبية متهالكة كان بها نحو اثني عشر مقعدا لكننا تكدسنا فيها جميعا فوق بعضنا اضافة الى الحقائب لنبدأ رحلة اخرى لمدة 7 ساعات حتى وصلنا الى مدينة أسوان ".
لم يكن مجرد الوصول الى مدينة أسوان التي تبعد نحو ألف كلم جنوب القاهرة كاف لطمأنة أم عمر ، حيث لم تشعر بالأمان إلا بعد أن تحرك القطار متخذاً طريقه الى القاهرة .
" كان مظهرنا كأننا خرجنا من الجحيم ملابسنا ووجوهنا كانت مغطاة بالأتربة ، وصلنا الى اقصى درجات التعب ، عندما شاهدنا المسافرون في القطار تركوا مقاعدهم للنساء والأطفال ليتمكنوا من الجلوس والنوم ، لم أفتح عيني إلا عندما توقف القطار في القاهرة بعد اثنتي عشرة ساعة "
تعيش أم عمر في مصر منذ أربعة أعوام لكن تفاصيل هذه الرحلة لا تغيب عن ذهنها ، استمرت أكثر من عام في معالجة الآثار النفسية التي لحقت بأطفالها بعد وصولهم ، وتقول ان أحداث الرحلة وتفاصيلها كان تفزعهم من نومهم لشهور وإن ابنها رسب في عامه الدراسي الاول في مصر بعد أن كان من المتفوقين في سوريا .
خدعوني وأخبروني أنها رحلة عادية
داخل شقة بسيطة في حي مدينة نصر بالعاصمة المصرية التقى موقع الحرة مع محمد مصطفى شاب عشريني يعمل في أحد مراكز التجميل ، خاض محمد رحلة التهريب من السودان لأسباب مختلفة .
" قدمت إلى مصر بعد اندلاع الحرب السورية مباشرة ، وعملت هنا عدة سنوات حتى قررت الزواج ، عقدت قراني على إحدى قريباتي في سوريا وقررت جلبها الى القاهرة لنعيش سويا ، لم استطع الحصول على تأشيرة دخول لها فلم يكن أمامي سوى طريق السودان سافرت هي من سوريا الى الخرطوم وسافرت انا من القاهرة للقائها والعودة بها ، أخبروني أنها رحلة عادية بالسيارة وأنه لا مخاطر فيها ، اتفقنا على دفع 500 دولار لكل شخص ".
لا تختلف تفاصيل رحلة محمد عن آلاف غيره يعبرون سنويا الحدود الجنوبية لمصر أملا في عيش آمن ، وتعد السودان هي البوابة المثالية لذلك لأسباب منها تعدد طرق التهريب الصحراوية من الجنوب مقارنة بالحدود الغربية مع ليبيا ، حيث تدفع الاضطرابات الأمنية هناك مصر الى تشديد رقابتها على الحدود ، وعلاوة على ذلك فالسودان تقبل دخول السوريين دون تأشيرة .
" تعطلت السيارة التي كنا نستقلها أكثر من مرة في إحدى المرات نزل الشباب لدفعها ، بعد أن تحركت انطلق السائق مسرعا ولم يتوقف ، لولا أن زوجتي ظلت تطرق الزجاج الخلفي بعنف لتجبره على التوقف لتركني وأنا وعدد من الرجال في الصحراء ، عندما ابتعدت أضواء السيارة عنا في الظلام قلت لنفسي سأموت هنا وحيدا لم أصدق أنه توقف ".
ويتابع محمد " وصلنا إلى أسوان بعد معاناة لنستقل القطار ، قبل أن يتحرك القطار دخل مجموعة من الضباط لتفحص هويات المسافرين، اقترب مني أحدهم وطلب جواز السفر نظر إلي وهو يعلم أننا دخلنا عن طريق التهريب لان ملابسنا ووجوهنا كانت مغطاة بالتراب ، أعاد الي الجواز وقال : نورت مصر ، عندها فقط تنهدت وشعرت بالأمان .."
مهربون على بعد مكالمة هاتفية
العثور على المهربين ليس عملية صعبة على الإطلاق ، بحث بسيط على مواقع التواصل الاجتماعي أوصلنا الى مجموعة منهم ، يعلنون عن رحلات يومية تنطلق من بورسودان ، وينشرون صورا للسيارات المستخدمة في التهريب ، تواصلنا مع أحدهم هاتفيا بدعوى الحاجة الى تهريب أحد الأشخاص وسرد لنا عددا من التفاصيل المتعلقة بهذه العملية أبرزها أنه يسير رحلات يومية الى مصر ينقل من خلالها مئات الأشخاص شهريا ."فجأة ارتفعت السيارة وهبطت بعنف ، طارت الفتاة في الهواء وسقطت على رقبتها ، ماتت على الفور توقفت السيارة بعد صراخنا وبكثير من التوسل سمح لنا قائدها بدقائق قليلة يدفن فيها الرجال الفتاة ويصلون عليها ، كانت صبية لم يتجاوز عمرها 27 عاما وكان معها زوجها وطفلين ، لن أنساها ما حييت ".
ما سبق حكاية من مئات عاشها السوريين الذين اضطروا إلى اللجوء الى مصر عن طريق الدخول بالتهريب من السودان ، رحلة الصحراء التي تستمر يومين وأحيانا أكثر هي ما تفصلهم عن العيش في مصر والتي تعد أحد الملاذات الآمنة للجوء، وعلى الرغم من أن الحكومة المصرية تعامل اللاجئين السوريين معاملة المصريين وتسمح لهم بالتنقل والإقامة في أي مدينة يرغبون ، إلا انها وضعت قبل سنوات قيودا على استخراج تأشيرات الدخول ، حيث تتطلب موافقة أمنية تستغرق شهورا وربما لا تأتي أبداً ، فلا يتبقى أمام الراغبين في الدخول الى مصر إلا دفع مبالغ تقترب من ثلاثة آلاف دولار للتأشيرة الواحدة.
معظم المبلغ يذهب لجيوب سماسرة ومكاتب عمل ، أو اختيار طريق آخر بدفع مبلغ يتراوح بين 300 و 500 دولار للدخول عن طريق السودان ، هذه الرحلة لها نتيجة واحدة من ثلاثة إما النجاة والوصول الى مصر وإما الوقوع في قبضة السلطات المصرية وإما الموت .
تتبع موقع الحرة تفاصيل خطوط التهريب من السودان الى مصر ووثق شهادات للاجئين استطاعوا العبور ، وآخرين ألقي القبض عليهم ومازالوا محتجزين في أقسام الشرطة ، وتحدث موقع الحرة أيضا مع مهرب سوداني ، من أجل الوصول الى صورة أوضح لمعاناة تضاف على مأساة ملايين السوريين ، والذين قدّر أن يلاحقهم الموت في وطنهم وفي أي مكان رحلوا اليه طلباً للحياة .
ثلاثة خيارات .. أحلاها التهريب عبر السودان
" قتل ابني الأكبر في قصف جوي وهو عائد من المدرسة ، كانت هذه هي البداية التي جعلتني اتخذ قرار الهرب من سوريا ، ابني الأصغر اقترب من سن التجنيد الاجباري ولم أكن لأسمح لهم بأخذه ، حاولت الحصول على تأشيرة دخول نظامية إلى مصر أخبروني أنها ستكلف نحو ثلاثة آلاف دولار للشخص الواحد، ما يعني اثني عشر ألف دولار لي ولأبنائي الثلاثة، وهو ما كان مستحيلا حتى لو بعت منزلي وكل ما أملك ، لم يكن أمامي سوى الدخول بالتهريب من السودان".
"أم عمر" رأت الموت خلال رحلتها من السودان إلى مصر
أم عمر رأت الموت خلال رحلتها من السودان إلى مصر
بين البقاء تحت رحمة الحرب ومخاوف استدعاء ابنها للجيش، أو دفع مبلغ كبير يتجاوز كل ما تملكه. لم يتبق أمام " أم عمر " سوى خيار الدخول إلى مصر بالتهريب عبر السودان، حزمت أمتعتها القليلة وسافرت من أبناءها الى الخرطوم ، لتجد في استقبالها أحد المعاونين لشخص سوداني يعمل في تهريب الأشخاص عبر الحدود إلى مصر ، لم يكن خيار البقاء في السودان مطروحا أمام أم عمر فهي كما تقول أرادت الالتحاق بمن تبقى عائلتها في مصر ، علاوة على أن فرص الحياة والعمل في مصر أفضل بكثير من السودان .
مكثت أم عمر في الخرطوم لمدة يومين في أحد الفنادق مع عدد آخر من الأسر التي قدمت لنفس الهدف، بعدها نقلوا جميعا إلى مدينة بورسودان ، حيث أقاموا في منطقة نائية داخل مبان وصفتها بالأكواخ تكدس فيها نحو 24 شخصا بينهم أطفال ، بانتظار قرار التحرك الذي يتخذه المهربون وفقا لترتيبات تتعلق بالوضع الأمني ودوريات حرس الحدود، في حدود التاسعة مساء من اليوم الثالث طلب منهم الاستعداد ، وسمحوا لكل شخص بحمل حقيبة واحدة .
" تركنا معظم الحقائب التي جئنا بها ، خرجنا لنجد سيارة رباعية الدفع لها صندوق مكشوف ، وضعوا الحقائب في منتصف الصندوق وجلست النساء والأطفال عليها ، بينما جلس الرجال على طرف الصندوق وأرجلهم للخارج ، لم أكن أتصور اننا سنسافر بهذه الطريقة وان ننقل في سيارات كأننا بهائم ..".
تتابع أم عمر :"انطلقوا بسرعة رهيبة في الظلام بين دروب صحراوية وعرة ، مع كل حفرة تمر عليها السيارة كنا نرتفع في الهواء ونسقط داخل السيارة ، كان الرمل يغطينا وكذلك المازوت المخزن معنا في برميل للتزود بالوقود خلال الرحلة ، لم يتوقف صراخ الاطفال وظللت ممسكة بيدي ابنتاي وعيني على ابني ، فجأة ارتفعت السيارة وهبطت بعنف، طارت الفتاة في الهواء وسقطت على رقبتها ، ماتت على الفور ".
توقفت السيارة بعد صراخ النساء وبكثير من التوسل سمح لنا قائدها بدقائق قليلة يدفن فيها الرجال الفتاة ويصلون عليها ، كانت صبية لم يتجاوز عمرها 27 عاما وكان معها زوجها وطفلين ، لن أنساها ماحييت ... ".
تغالب أم عمر دموعاً في عينها وهي تروي تفاصيل رحلة الموت كما تسميها ، حيث استمر هذا الوضع لمدة ثلاثة أيام بعد أن قيل لهم أن الرحلة تستمر أقل من يومين .
" كنت واثقة أننا سنموت في الصحراء بعد أن تهنا ، هرب السائق من دورية لحرس الحدود وأضاع الطريق ، نفذ منا الماء واضطررنا الى شرب ماء كان في برميل على السيارة لكنه كان ملوثا بالطين والمازوت ، لم يتوقف الأطفال عن القيء بسبب شرب هذا الماء ، ثلاثة أيام كاملة نسير دون توقف إلا لدقائق قليلة لقضاء الحاجة ، وساعتين ففقط في الليل ينام فيها السائق ومساعده ، بعدها وصلنا الى مدينة حلايب ، هناك طلبوا خمسين دولارا إضافية وخيرونا بين الدفع أو تركنا في حلايب ، لم يكن أمامنا خيار اتفقنا من البداية على 300 دولار للفرد ، ودفعنا خمسين اضافية .تحركنا الى سيارة أخرى ذات مقاعد خشبية متهالكة كان بها نحو اثني عشر مقعدا لكننا تكدسنا فيها جميعا فوق بعضنا اضافة الى الحقائب لنبدأ رحلة اخرى لمدة 7 ساعات حتى وصلنا الى مدينة أسوان ".
لم يكن مجرد الوصول الى مدينة أسوان التي تبعد نحو ألف كلم جنوب القاهرة كاف لطمأنة أم عمر ، حيث لم تشعر بالأمان إلا بعد أن تحرك القطار متخذاً طريقه الى القاهرة .
" كان مظهرنا كأننا خرجنا من الجحيم ملابسنا ووجوهنا كانت مغطاة بالأتربة ، وصلنا الى اقصى درجات التعب ، عندما شاهدنا المسافرون في القطار تركوا مقاعدهم للنساء والأطفال ليتمكنوا من الجلوس والنوم ، لم أفتح عيني إلا عندما توقف القطار في القاهرة بعد اثنتي عشرة ساعة "
تعيش أم عمر في مصر منذ أربعة أعوام لكن تفاصيل هذه الرحلة لا تغيب عن ذهنها ، استمرت أكثر من عام في معالجة الآثار النفسية التي لحقت بأطفالها بعد وصولهم ، وتقول ان أحداث الرحلة وتفاصيلها كان تفزعهم من نومهم لشهور وإن ابنها رسب في عامه الدراسي الاول في مصر بعد أن كان من المتفوقين في سوريا .
خدعوني وأخبروني أنها رحلة عادية
داخل شقة بسيطة في حي مدينة نصر بالعاصمة المصرية التقى موقع الحرة مع محمد مصطفى شاب عشريني يعمل في أحد مراكز التجميل ، خاض محمد رحلة التهريب من السودان لأسباب مختلفة .
" قدمت إلى مصر بعد اندلاع الحرب السورية مباشرة ، وعملت هنا عدة سنوات حتى قررت الزواج ، عقدت قراني على إحدى قريباتي في سوريا وقررت جلبها الى القاهرة لنعيش سويا ، لم استطع الحصول على تأشيرة دخول لها فلم يكن أمامي سوى طريق السودان سافرت هي من سوريا الى الخرطوم وسافرت انا من القاهرة للقائها والعودة بها ، أخبروني أنها رحلة عادية بالسيارة وأنه لا مخاطر فيها ، اتفقنا على دفع 500 دولار لكل شخص ".
لا تختلف تفاصيل رحلة محمد عن آلاف غيره يعبرون سنويا الحدود الجنوبية لمصر أملا في عيش آمن ، وتعد السودان هي البوابة المثالية لذلك لأسباب منها تعدد طرق التهريب الصحراوية من الجنوب مقارنة بالحدود الغربية مع ليبيا ، حيث تدفع الاضطرابات الأمنية هناك مصر الى تشديد رقابتها على الحدود ، وعلاوة على ذلك فالسودان تقبل دخول السوريين دون تأشيرة .
" تعطلت السيارة التي كنا نستقلها أكثر من مرة في إحدى المرات نزل الشباب لدفعها ، بعد أن تحركت انطلق السائق مسرعا ولم يتوقف ، لولا أن زوجتي ظلت تطرق الزجاج الخلفي بعنف لتجبره على التوقف لتركني وأنا وعدد من الرجال في الصحراء ، عندما ابتعدت أضواء السيارة عنا في الظلام قلت لنفسي سأموت هنا وحيدا لم أصدق أنه توقف ".
ويتابع محمد " وصلنا إلى أسوان بعد معاناة لنستقل القطار ، قبل أن يتحرك القطار دخل مجموعة من الضباط لتفحص هويات المسافرين، اقترب مني أحدهم وطلب جواز السفر نظر إلي وهو يعلم أننا دخلنا عن طريق التهريب لان ملابسنا ووجوهنا كانت مغطاة بالتراب ، أعاد الي الجواز وقال : نورت مصر ، عندها فقط تنهدت وشعرت بالأمان .."
مهربون على بعد مكالمة هاتفية
العثور على المهربين ليس عملية صعبة على الإطلاق ، بحث بسيط على مواقع التواصل الاجتماعي أوصلنا الى مجموعة منهم ، يعلنون عن رحلات يومية تنطلق من بورسودان ، وينشرون صورا للسيارات المستخدمة في التهريب ، تواصلنا مع أحدهم هاتفيا بدعوى الحاجة الى تهريب أحد الأشخاص وسرد لنا عددا من التفاصيل المتعلقة بهذه العملية أبرزها أنه يسير رحلات يومية الى مصر ينقل من خلالها مئات الأشخاص شهريا .
الوصول الى مصر ليس نهاية المعاناة
لا تنتهي معاناة اللاجئين السوريين بعد وصولهم الى مصر ، فدخولهم بطريق غير شرعي يجعل من وضعهم في مصر غير قانوني ويعرضهم لعدد من المشكلات بحسب المحامي يوسف المطعني والمتخصص في قضايا السوريين الذي قال لموقع الحرة إنه يتحتم عليهم الحصول على اقامة في مصر بعد تسجيل نفسهم في مفوضية اللاجئين ، لكن الإقامة النظامية في مصر يجب أن تكون بدعوى العمل أو السياحة أو الدراسة ، وهذه الأوضاع الثلاثة لا تكون موائمة لمعظم اللاجئين .
ويقترح المطعني أن تيسر الحكومة المصرية دخول اللاجئين السوريين بشكل نظامي بدلا من دخولهم بشكل غير قانوني من السودان لما يشكل ذلك من خطر على الأمن القومي المصري ، بما أن الحكومة لا يكون لديها علم بهوية الأشخاص الذين يدخلون وهو ما قد يسمح بدخول إرهابيين أو مجرمين ، لكن لو تم تسهيل دخولهم بشكل نظامي فسيكون لدى الحكومة والأجهزة الامنية العلم بهويات جميع من يدخل مصر.
السيناريو الآخر لرحلة التهريب
الأهوال التي يتعرض لها اللاجئون السوريون خلال رحلة التهريب من السودان لا تنتهي بالوصول الى مدينة أسوان ، فهناك قد يلقى القبض عليهم من قبل الشرطة المصرية ويتم احتجازهم في اقسام الشرطة لمدة قد تصل الى شهور ، بانتظار تقييم وضعهم ويتم السماح لهم بالدخول أو صدور قرار بترحيلهم .
قرار الترحيل في حال صدوره لا يعني بالضرورة أن اللاجئ سيغادر مصر ، فالمعاهدات الدولية الخاصة باللاجئين تمنع مصر من الترحيل القسري لأي لاجئ، لذا يظل محتجزا في قسم الشرطة حتى يقرر الرحيل طواعية ويكون عليه أيضا أن يتكفل بتذاكر سفره ، أما في حال أصر على البقاء فسيظل في قسم الشرطة وهو ما يعرض اللاجئين إلى ظروف انسانية صعبة .
دخلت مصر وهي حامل ،ووضعت طفلتها في قسم الشرطة
تواصلت الحرة مع أحد اللاجئين المحتجزين في قسم شرطة بمدينة أسوان ، دخل مصر مع أسرته المكونة من زوجة وطفلين ، لكن القي القبض عليهم من أحد الفنادق في مدينة أسوان ووضعوا في الحجز ، وفقا لـ أبو عمار أخذت جوازات سفرهم وأخبروا أنه سيتم الاستعلام عنهم أمنياً ثم يتم الافراج عنهم ، لكن فوجئوا بصدور قرار بترحيلهم ، قرر أبو عمار البقاء حتى يستطيع حل الموقف فبالنسبة له ليس خيارا أن يعود الى سوريا أو إلى لبنان التي كان يعيش فيها قبل أن يقرر مغادرتها بسبب العنصرية والتضييق على السوريين بحسب قوله .
حتى لحظة كتابة هذه السطور أكمل أبو عمار وأسرته 9 أشهر داخل قسم الشرطة ، ووضعت زوجته مولودة جديدة ، حيث ألقي القبض عليهم وهي حامل في شهرها الثاني ، عندما تحدث معه موقع الحرة للمرة الأولى كان يرافق زوجته وهي تلد في أحدى العيادات التي تجاور القسم حيث تم نقلها بمصاحبة قوة أمنية ، وتحدث معه موقع الحرة مرة أخرى بعدها بأيام ليروي ظروف احتجازه طيلة هذه الشهور ، حيث يطالب أبو عمار الحكومة المصرية السماح له بدخول مصر لأنه ليس لديه مكان آخر يقصده .
بصوت باك تناولت زوجة أبو عمار منه الهاتف وتحدثت الينا لتقول " اتينا لنعيش حياة طبيعية لم يخطر في بالي ان يكون وضعنا ان نعيش في الحجز ، لم يخطر في بالي ان ألد طفلتي في الحجز ، لقد تعبنا ونريد الدخول ، أناشد الرئيس المصري أن يسمح لنا بالدخول وأقول له .. لقد تعبنا".
رحلة التهريب عبر السودان لا تقل خطورة عن مراكب الموت المتجهة إلى أوروبا معظم اللاجئين السوريين الذين يقررون اختيار هذا الطريق لا يكونوا على علم كامل بالمخاطر التي سيتعرضون لها خلال الرحلة ، يتم خداعهم من قبل السماسرة السوريين المقيمين في مصر ومن المهربين في السودان ، ترسم لهم صورة وردية عن رحلة آمنة.
لكن بعد بدايتها يجدون أنفسهم أمام أمر واقع وعليهم قبوله ، يتم أيضا استغلالهم أثناء الرحلة والحصول على المزيد من الأموال منهم ، وإن مرت الرحلة بسلام واستطاعوا النجاة من مخاطرها تظل هناك احتمالية القبض عليهم من قبل السلطات المصرية ، وإن نجوا من ذلك أيضا فسوف يعيشون بذكريات قاسية لا تمحوها السنوات ، ذكريات تضاف الى مأساتهم الأكبر ... مأساة الحرب السورية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.