الأربعاء، 12 أغسطس 2020

لعنة ظاهرة التحرش فى مصر


 لعنة ظاهرة التحرش فى مصر


وجدنا في الآونة الأخيرة اعتذارات بعض المتحرشين عن أفعالهم عبر حساباتهم الشخصية على موقع فيسبوك، وهو ما كان سبب في إعداد هذا التقرير عن فكرة اعتذار المتحرش -باختلاف شكل وملابسات التحرش من حالة إلى أخرى قد يكون تحرش لفظي أو جسدي أو إلكتروني أو اغتصاب- ومدى تأثير وقوعه على الناجيات، ومدى تأثيره على حقهن في بدء أو استكمال الإجراءات القانونية اللازمة ضد المتحرش.


وما وجدناه خلال إعداد التقرير أن اعتذار بعض المتحرشين ليس فعل وليد الأمس، بل أن هناك ناجيات ذكروا في شهاداتهن وقائع اعتذار مختلفة بعد التحرش بهن منذ سنوات، مختلفة من حيث مكان الاعتذار وصيغته ودوافعه وتوقيته وتأثيره عليهن، وتأثيره على المحيطين بالناجية ذاتها.


قبل أن نرصد عدد من تلك الشهادات علينا أن نميز أولًا بين الأسف والاعتذار.. فالأسف هو شعور الشخص بخطئه في تصرف ما، أو قول غير لائق، أو غير مناسب فى موقف ما، ويعتبر الأسف شعور ذاتي وداخلي  يشعر به الشخص، وهو ما يجعل النفس تدخُل فى حالة من تأنيب الضمير ويصل الشخص إلى حالة الأسف دون أن يدفعه الآخرون لذلك، أما الاعتذار هو التعبير عن الأسف قولًا وفعلًا تجاه الآخر، أي أن الاعتذار هو التطبيق العملي للأسف ودون الأسف يصبح اعتذار.


«المتحرش كان معروف جدًا في مجال عمله بأنه شخص كويس وجميل، فلما كنت بقول أنه متحرش وغير مريح في تعامله كان في ناس ستات ورجالة مش بيصدقوا ودي كانت حاجة تجنن، أنا حسيت أني مش مجنونة يوم ما لقيت ست ناجية من إعتداءه جنسيًا عليها».  


تحكي مرام -اسم مستعار- عن تجربتها مع اعتذار أحد المتحرشين بها لـ «مدى مصر» أنها لم تكن الناجية الوحيدة من تحرشه بل كان هناك ناجيات عديدات من اعتدائه جنسيًا عليهن، وبالنسبة لتحرشه بها الذي كان إلكترونيًا حيث إنه طالما كان يُلح في طلب المكالمات الجنسية معها وفي كل مرة كانت تقول «لأ» إلا أنه لم يتفهم ما تعنيه تلك الكلمة وأنها غير مرتاحة وغير قابلة لذلك. ما عرفته مرام فيما بعد أن تلك الواقعة لم تكن الأولى أو الأخيرة لذلك المتحرش في الوسط الحقوقي بل أن هناك سيدات أخريات إعتداءه عليهن يرتقي للاغتصاب، ولكن الجميع كان صامت، ذلك الصمت كان يوازيه بعض المدح من رجال وسيدات في حق المتحرش على مستوى عمله الحزبي والحقوقي، مما كان يُبعث في نفسها حالة من إنكار الواقعة أو التشكيك فيما جرى، والكثير من التساؤلات من قبيل «هل ذلك الشخص الذي يساعد الناس  بعمله متحرش فعلًا؟ أم أن هناك لبس ما؟ من المخطىء أنا أم الدوائر التي تثني عليه بالاحترام؟» كل ذلك كان يسبب لها حالة من الجنون على حد قولها، إلى أن قابلت سيدة أخرى ناجية من اعتداءه جنسيًا عليها، حينها شعرت أنها غير مجنونة وأن ما حدث لها كان تحرشًا بالفعل، وبعدها قابلت ناجية ثالثة ورابعة.


«التروما اتجددت لما حد من طرف المتحرش تواصل معايا علشان يبلغني أنه عايز يعتذر، بعد سنتين من رحلة التعافي التي خضتها لوحدي علشان أقدر اتخطى كل وقائع التحرش اللي اتعرضت لها في نفس الدوائر تقريبًا».


عن اعتذار المتحرش، تقول مرام إنه لم يبادر بالاعتذار صدفة، ولكن جاء ذلك عقب فضح المتحرش أحمد بسام زكي، حيث قررت مرام حينها مع ناجيات أخريات من المتحرش بها تجميع شهادات ضده تُفيد بتحرشه واعتداءاته الجنسية حتى يقدمنها للنائب العام، وعندما علم بدوره بذلك قرر الاعتذار وتواصل معي صديق مشترك ليُبلغني اعتذاره. وتضيف مرام أنها «حينها شعرت بالأذى من جديد وبشكل أشد قسوة بعد مجهود عامين في رحلة التعافي وبعد الأدوية والأموال التي صُرفت في رحلة العلاج، بمنتهى البساطة المتحرش يريد أن يعتذر فقط لكسب تعاطف بعض الناجيات حتى إذا تقدمت أخريات ببلاغات للنيابة استطاع أن يفسد ذلك بكسب الثقة والتعاطف».


وتؤكد مرام أن وجود القرار في جميع الأحوال في يد المتحرش يمثل منتهى الإهانة، فهو من يقرر التحرش والاعتداء الجنسي، وهو أيضًا من يقرر الاعتذار، وفي الحالتين البنت يقع عليها الأذى النفسي وعليها أن تتعافى.


«التحرش والاعتداءات الجنسية جريمة، تصنف في القانون كالسرقة والقتل، فازاي لما المتحرش يعتذر ويعترف بجُرمه نلاقي ناس تحتفل به وتقوله أنت حلو وجميل!» 


بعدما علمت مرام من صديق مشترك رغبة المتحرش في الاعتذار، وجدت بالفعل اعتذار له على مواقع التواصل الاجتماعي لكل السيدات اللائي تعدى عليهن جنسيًا؛ موضحًا بعض المبررات التي كان أبرزها أن ذلك كان يمثل مرحلة ما في حياته، وهو الآن شخص أنضج من ذلك بكثير، المدهش في الأمر من وجهة نظر مرام لم يكن الاعتذار بقدر الدعم المجتمعي الذي وجده المتحرش من سيدات ورجال في دوائر مشتركة؛ وكأن الجرائم أصبحت تنتهي بالاعتذار المدفوع بخوف المجرم من الفضيحة. وتوضح أن التحرش والاعتداءات الجنسية التي أعترف بها ذلك الشخص جميعها كان مخططًا لها من حيث استدراج الفتيات لمنزله حسب قوله، فكيف نتجاوز عن ذلك بحجة الاعتذار؟ فهي مثلها مثل جرائم السرقة والقتل، هل يمكن أن نقبل اعتذار السارق أو القاتل كنهاية للأمر؟ لم يتوقف الدعم الموجه للمتحرش عند ذلك الحد بل أنه وصل إلى حد العتب على الناجية في عدم قبولها اعتذار المتحرش، والقول إن  المفروض  الاكتفاء بذلك.


«جملة أنا آسف من شخص مؤذي مش هتأثر بالإيجاب أبدًا عليا كناجية، إذا لم يكن لها تأثر نفسي سلبي فهي بالنسبة لي لا شيء وأنا لا احتاجها بل احتاج عقوبة على المتحرش لأن التحرش جريمة».  


تعبر مرام عن رأيها في فكرة اعتذار المتحرش عمومًا عن فعله وليس في تجربتها فقط؛ بأنها يمكن أن تقبل اعتذار شخص في لحظتها عن قول أو فعل غير مريحين بالنسبة لها مع التزام الشخص بحدوده وعدم تكرار ذلك مرة أخرى، ولكن أن ينتهك شخص جسد امرأة ويمضي في طريقه كأن شيء لم يكن إلى أن يشعر بأن جُرمه سيفضح، فيعتذر انقاذًا لنفسه، ويؤذيها من جديد بعد تجربة تعافي مُكلفة نفسيًا وماديًا واجتماعيًا، فمن الطبيعي أن ذلك غير مقبول.


لننتقل إلى الاعتذار الثاني في قصة أخرى اختلفت في كل تفاصيلها عن القصة السابقة ولكن بقيت معها «Sorry». بصوت إنفعالي مرتجف تحاول أن تخفضه وتكتمه صاحبته، حكيت مريم -اسم مستعار- تجربتها القاسية مع التحرش الجنسي.. «كنت في مصيف مع العائلة، وفي حمام السباحة وضع زوج أختي يده داخل مايوهي لم تكن المرة الأولى لانتهاكه جسدي ولكنها كانت الأصعب والأكثر وقاحةً، حينها فقدت توازني وغطست في المياه لبضع ثواني، لا أستطيع الثبات على قدمي من هول الصدمة، خرجت بعدها ولم احكي شيء، وخُرست طوال مدة السفر، وبعد الرجوع انفجرت وواجهت والداي، ولكن الصدمة الأخرى أنهما لم يتخذا أي موقف، وبعد إلحاحي حاولا مواجهته بطريقة ما فكان يتهرب منهما، فتمادوا في سلبيتهم للأسف».


وعن رد فعل المتحرش تقول مريم «بعد فترة أخبرت أمي أختى بما جرى، وما كان من أختي غير أنها أجبرته على الاعتذار صونًا لكرامتها، وقال نصًا في مكالمة تليفونية خلال فترة عملي «Sorry» متزعليش لو كنت عملت حاجة ضايقتك، ولم يكن هناك أي مساحة للنقاش، وأنتهى الأمر على ذلك ظاهريًا، بالنسبة لهم رغم أنه حتى الآن لم ينته داخلي».


من 2016 لم تذهب مريم إلى مصيف سواء كان بحر أو حمام سباحة، وذلك لأنها لم تسطع لبس «مايوه»، فهذا اللباس قادر أن يعيد لها الواقعة بكل تفاصيلها وأن تشعر بيده من جديد تلمس أسفل جسمها، لم تجد مريم ما يساعدها على التعافي، لأن الاعتذار من وجهة نظرها «مدفوع»، لأن المتحرش لم يفعل ذلك إلا بطلب من زوجته (أختها)، ولم يتضمن ما قاله أي نوع من الندم أو الاعتراف بالخطأ بل كان تهرب من الفعل ذاته، والهدف الأساسي منه هو الحفاظ على الشكل العام للعائلة.


وتضيف مريم  أسباب أخرى إلى ذلك الاعتذار الشكلي، وهي تقبل أفراد أسرتها له وكأنه لم يفعل شيء على الإطلاق، حيث إنه بعد مكالمة الاعتذار ذهب المتحرش لهم واستقبلته والدة مريم بكل ترحاب، وتحكي الناجية قائلة: «حينها اعترضت، والنتيجة أن أمي اتهمتني بالكذب وقول الزور وأن كل ما أريده هو تخريب حياة أختي بالرغم من أن أمي ذاتها كانت قد اشتكت من قبل من نظراته السخيفة التي تُعري جسدها ولكن للأسف أنكرت كل ذلك».


وتُكمل مريم «حتى الآن أنا مجبرة على التعامل مع الشخص الذي تحرش بي في الإطار العائلي، بالإضافة إلى أن تلك الواقعة وما نتج عنها أدى إلى تخريب علاقتي الشخصية بأختي، لأنها اختارت زوجها».


لم تتخذ الناجية أي إجراء من الإجراءات القانونية اللازمة عند التعرض لجريمة التحرش نظرًا للشكل العائلي الذي يربطها به، بالإضافة إلى أنه لطالما دعمها  في مواقف مصيرية كثيرة جدًا، وكان مساحة آمان بالنسبة لها، فكان أغلب وقته مُكرثه لها ولمشكلاتها وسماعها على مدار عشر سنوات، وهي فترة ارتباطه بأختها، ولكن الواضح أنه أراد مقابل لذلك الدعم فاختار التحرش بها جنسيًا، حسبما قالت مريم.


«كنت أقف أمام دكتور أحد المواد في مكتبه، وفوجئت به يمد يده ويضعها على مؤخرتي ويجذبني له، صُدمت وصديته وخرجت وصمت». 


الناجية الثالثة، رفضت ذكر اسمها أو حتى اسم مستعار كنايةً عنها، قالت شهادتها بشكل متقطع وهي باكية. الآن هي طالبة في إحدى الجامعات المصرية، أحد أعضاء هيئة التدريس في الجامعة، شخص دؤوب ومُساعد جدًا يحبه الجميع في أواخر الثلاثينات، عائد من إنجلترا بعد إتمام دراساته العليا هناك، وكانت سعيدة للغاية عندما علمت أنه سيكون المشرف على أحد المواد لفرقتها، وعرض عليها المساعدة وبالفعل كانت تذهب لمكتبه مرات عديدة، وفي إحدى المرات دعاها إلى الخروج في مكان خارج الكلية ووافقت وبالفعل؛ وذهبوا إلى مكان عام صباحًا وتناولوا القهوة سويًا، وفي المرة التالية دخلت له مكتبه في الكلية كالمعتاد فتحرش بها جسديًا بأن وضع يده على مؤخرتها وجذبها نحوه، فما كان منها غير أن صدته وخرجت مسرعةً.


التزمت الفتاة الصمت لفترة طويلة، كانت تذهب خلالها للكلية وتراه ويتعامل معها بشكل طبيعي جدًا، لم تتحمل هذا الوضع وكانت فكرة تحويلها من كليتها إلى كلية أخرى فكرة مستحيلة لأن أسرتها ستعترض؛ كما أنها تعتبر من متفوقي دفعتها وأمر التحويل سيؤثر على مستقبلها بالسلب، لم تستطع الحكي لأي شخص وبعد معاناة ذهبت إلى طبيبة نفسية وهي التي شجعتها على تقديم شكوى لإدارة الجامعة، ولكنها لم تفعل واختارت أن تذهب إلى دكتورة في الجامعة تحبها كثيرًا وتحكي لها ما بدر من المتحرش، تعاطفت معها ودعمتها حتى إنها تحدثت معه، وبدأت الفتاة تلاحظ تغيير كبير في كلامها من قبيل «أنا اكتشفت أنك خرجتي معاه، وفي الحالة دي اللوم عليه مش كبير»، وبعدها أبلغتها أنه يريد أن يتحدث معها، وتلقت الناجية مكالمة منه يقول فيها «أنا آسف جدًا، مكنتش أعرف أنك اضايقتي للدرجة دي، ولكن أنا عرضت عليكي الأمر في البداية وأنتِ وافقتي وفي أي دولة متقدمة ده عادي عرض وطلب وبكرر اعتذاري».  


تقول الناجية إن تبرير تحرشه فيما اسماه اعتذار كان تأثيره وما سببه من أذى أبشع من واقعة التحرش ذاتها، لم تناقشه في تلك المكالمة لأن لحظتها كان هناك صوت آخر داخلها يبث لها فكرة أن خروجها معه من قبل مبرر، وأنه كان بمثابة عرض للجنس وهي وافقت، إلى أن عادت إلى طبيبتها التي ساعدتها على التعافي وأن كان ليس كليًا، ولكن على الأقل ساعدتها في استكمال دراستها وصححت لها مفاهيم كثيرة أهمها أن طلب الخروج مع زميل أو صديق أو أي شخص نعرفه شيء وأن عرض أو طلب الجنس شيء آخر تمامًا.


إذا كانت فكرة اعتذار المتحرشين عن جُرمهم أمر جديد على مسامعنا، فينبغي لنا أن نحدد شكل الاعتذار السليم الذي يمكن أن تتقبله الناجية من وجهة نظر الطب النفسي، وأن نميز بينه وبين الاعتذار المؤذي، وهو ما تعرضت له الناجيات في شهاداتهن لنا، ولذلك توجهنا إلى الدكتور نبيل القط، استشاري الطب النفسي. «الاعتذار يساعد في محاولة التعافي، ولكنه ليس ضروري بمعنى أنه يوجد ناس تتعافى بدون أي اعتذار من المعتدي، كما أوضحت بعض الدراسات أن بعض الاعتذارات تجعل الناجية تستعيد تأثير الصدمة مرة أخرى».


هكذا تحدث دكتور نبيل لـ «مدى مصر»، واستكمل حديثه، موضحًا أن اعتذار المعتدي الذي يمكن أن يساعد في محاولة تعافي الناجية له شروط واضحة ومحددة، حتى إن تعافت الناجية، فإذا تلقت بعد رحلتها اعتذار من المعتدي في شكل سليم يمنحها ذلك شعورًا بالحق، وإحساس بالأمان تجاه العالم وأن الفوضى لا تحكمه، حيث إن التعافي الذي يتم بعيدًا عن الاعتذار هو تعافي قائم على تقوية الذات وليس على آمان العالم، فالاعتذار السليم يبث في نفس الناجية أن ما حدث هو استثناء وليس قاعدة.


وقبل أن يوضح لنا القط شروط الاعتذار السليم، حدثنا عن فلسفة الاعتذار ذاته حيث إنها فلسفة علاجية بدأت مع جماعة المدمنين المجهولين، بغرض مساعدة المعتدي على التعافي الذاتي من الإحساس بالذنب، ومن هنا انطلقت الدراسات التي توضح كيف يكون اعتذار المعتدي مساعدًا على التعافي.. وعن شروط الاعتذار الذي يساعد الناجية ولا يؤذيها يقول القط: «أولًا يجب أن يتضمن الاعتذار إقرارًا بحقيقة ما حدث وبالإيذاء، وأن ما جرى ليس وهمًا. وثانيًا أن يكون متحملًا للمسؤولية الكاملة تجاه الإيذاء فلا يقول المعتدي أي مبرر للفعل كلبس الفتاة أو ظروف الإعتداء كمبرر السُكر مثلًا. وثالثًا أن يأتي الاعتذار بتصديق مدى الألم الذي تعرضت له الناجية. ورابعًا التعويض ولا تنحسر فكرة التعويض على الأموال فقط بل أنه يحمل معنى أن المعتدي على كامل الاستعداد أن يفعل أي شيء يرضي الناجية، على سبيل المثال دفع المال، أو تقديم أي خدمة تطلبها، أو التقدم للعقوبة القانونية، أو تركه لمكان العمل إذا كان الاعتداء وقع فيه، والتعويض هام جدًا بالنسبة للناجية لأنه يمنحها شعور بأن آلامك وما مررتي به مُقدر للغاية ويستحق مردودًا. وخامسًا وأخيرًا الوعد بالأمان بمعنى عدم تكرار ذلك وأن المستقبل آمن».


ويضيف القط: «أن اعتذار المعتدي حتى إذا كان سليم ومطابق لكافة الشروط المذكورة لا يُغني الناجية عن استكمال الإجراءات القانونية ضده، بل أن تطبيق القانون والإجراءات المؤسسية اللازمة على المتحرش هو جزء لا يتجزأ من اعتذاره وهو يحقق شرط التعويض».


وعن أشكال الاعتذارات المؤذية يقول القط إن «الاعتذار المبرر يؤثر بالسلب على الناجية، لأنه يبرر ويشرعن الأذى، ومن أشهر التبريرات اللبس أو تصرفات الفتاة، الاعتذار المتردد وليس الواضح والحاسم كقول Sorry، أو آسف، والاعتذار عندما يكون مُركز حول المعتدي وليس حول الناجية وهو قائم على فكرة أن لكوني رجل أو متربي أنا بعتذر وليس لفكرة الوجع أو الألم ذاته أو لكون الناجية إنسانة ومن حقها أن تُحترم، والاعتذار المدفوع بغرض الحصول على تنازلات من الناجية، وأخيرًا الاعتذار الإنكاري وهو ما يتنصل فيه المعتدي من جريمته أو يعبر عنها وكأنها تصرف طبيعي».


ويُفسر القط الدعم المجتمعي المقدم للمتحرش عن اعتذاره خاصة إذا كان هذا الدعم من وسط يعمل على الدفاع عن حقوق الإنسان بأن الناس لم ترتق بعد إلى مستوى الأزمة التي تعيشها النساء وغير قادرين على إستيعاب آلامهن، وغير قادرين على استيعاب فكرة أن الشوارع وأماكن العمل والبيوت، وحتى أماكن الترفيه هي غير آمنة بالنسبة لأغلب النساء، ومردود ذلك على المجتمع مؤذي للغاية، كما أن هناك مرجعيات أخرى داخل المؤسسات الحقوقية والحزبية غير المرجعيات المعلنة، مرجعيات مجتمعية وذكورية ودينية ومحافظة، ويحتاج الأمر  إلى المزيد من النضال حتى تكون مرجعية الأمكنة حقوقية فقط.


وينصح  القط الناجيات من التحرش الجنسي بالنهاية بعدم مواجهة الداعمين للمتحرش لأن ذلك يُعني المزيد من الألم والجرح، بل أن عليها أن تندمج في مجموعات دعم خاصة بها حتى تستطيع استكمال قضيتها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.