مدى مصر:
وداعًا مشاركة العمال في إدارة «قطاع الأعمال»
تعديلات قانون قطاع الأعمال العام رقم 203 لسنة 1991 التي أقرها البرلمان تقلص نسبة تمثيل العمال فى مجالس الإدارة إلى أقل من 17%، مقابل نسبة 50% كانت موجودة في القانون قبل التعديل
«إعادة تعريف دور الشركات المملوكة للدولة في مصر»، هكذا وصفت الحكومة موقفها من شركات قطاع الأعمال العام، حسبما نقلت عنها وثائق اتفاق الاستعداد الائتماني مع صندوق النقد الدولي والتي نشرها الصندوق الثلاثاء الماضي.
ومن أجل إعادة التعريف هذه، اقترحت الحكومة عددًا من التعديلات على قانون قطاع الأعمال العام رقم 203 لسنة 1991، والتي أقرها مجلس النواب في يونيو الماضي، وتنتظر تصديق الرئيس عبدالفتاح السيسي عليها كي يبدأ سريانها.
تبعًا للتعديلات الجديدة، أصبح مجلس الإدارة يضم عضوًا أو اثنين من العمال تبعًا لعدد أعضاء مجلس الإدارة الذي يتراوح بين خمسة إلى تسعة أعضاء. وبذلك، ففي حال كان عدد أعضاء مجلس الإدارة -دون احتساب رئيس مجلس الإدارة- أربعة أعضاء، فإن عدد الأعضاء المنتخبين لن يتجاوز عضوًا واحدًا أي بنسبة 25% من عدد الأعضاء.
وأجازت التعديلات أن يتضمن النظام الأساسي للشركة تعيين اثنين من الأعضاء «المستقلين» الإضافيين «من ذوي الخبرة» في مجلس الإدارة. وبذلك يرتفع عدد أعضاء مجلس الإدارة وفقًا للمثال السابق إلى ستة أعضاء من ضمنهم عضو واحد منتخب، ما يقلص نسبة تمثيل العاملين إلى أقل من 17%، مقابل 50% في القانون قبل التعديل.
إلى جانب هذا، فرضت التعديلات معايير أعلى من الشفافية والإفصاح على شركات قطاع الأعمال العام، وشروط تصفية الشركات الخاسرة.
بحسب مراقبين، تمثل المعركة حول تمثيل العاملين في شركات قطاع الأعمال العام حجر الزاوية في الخلاف حول تعديلات القانون، وخطوة على طريق التخلص من التأثير العمالي في إدارة شركات القطاع العام بشكل كامل، وهو الطريق الذي بدأ قبل عقود.
تخطت الحكومة شريكها التاريخي، الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، ومررت تعديلاتها على قانون قطاع الأعمال العام بعدما تداركت بعض ملاحظات مجلس الدولة «دون تغييرات جوهرية على مشروع التعديلات»، كما يقول سعيد عرفة، المستشار القانوني لوزارة قطاع الأعمال، لـ«مدى مصر»، لتمثل بذلك التعديلات معركة كبيرة خسرها بالفعل الاتحاد العام للعمال أمام الحكومة. لم تقدم الحكومة أي تنازل تقريبًا أمام حليفها التقليدي -منذ تأسيسه في العام 1957- والذي ساندته الحكومة بقوة في معركة مشتركة في مواجهة النقابات المستقلة وصولًا لقانون النقابات عام 2017.
كانت شركات قطاع الأعمال العام خاضعة لقانون هيئات القطاع العام وشركاته (قانون رقم 97 لسنة 1983)، والذي حدد تمثيل العاملين في مجالس الإدارة بنسبة 50%.
واستند القانون لقانون سابق (رقم 73 لسنة 1973) في تحديد شروط ترشح العاملين إلى عضوية مجالس الإدارة. أبرز هذه الشروط كانت حظر ترشح شاغلي وظائف الإدارة العليا أو من يتمتعون بسلطة توقيع الجزاء، وضرورة تمثيل العمال المشتغلين بالأعمال الإنتاجية -في الأعمال الصناعية- بنسبة 50% على الأقل من عدد الأعضاء المنتخبين.
لكن قانون قطاع الأعمال العام الصادر عام 1991 مثل تحولًا جوهريًا في تاريخ الشركات الحكومية، تغير معه وجهها من شركات تابعة لهيئات حكومية إلى شركات مملوكة لشركات قابضة يفترض أن تعمل تحت إدارة وقواعد أقرب ما تكون لإدارة القطاع الخاص.
ارتبط القانون في الأساس بتوقيع اتفاق وقتها مع صندوق النقد الدولي من ناحية، ومهد من ناحية أخرى لاحقًا لإطلاق برنامج الخصخصة الذي سيتسع نطاقه للدرجة التي ستصبح فيها مصر بحلول عام 2008 قد سجلت أكبر عدد شركات تمت خصخصتها بين جميع دول المنطقة مع تسجيلها أيضًا أكبر قيمة لعوائد الخصخصة (15.7 مليار دولار منذ 1988)، حسبما يقول آدم هنية في كتابه «جذور الغضب.. حاضر الرأسمالية في الشرق الأوسط».
صابر بركات، القيادي العمالي، والذي شغل لمدة خمس سنوات -انتهت عام 1991- عضوية مجلس إدارة شركة الدلتا للصلب، قبل أن يشغل لاحقًا عضوية اللجنة النقابية للشركة، يرى أن إقرار قانون 1991 مثّل تحولًا في فكرة تمثيل العمال في مجالس إدارات الشركات على نحو أفرغ هذه الفكرة من مضمونها عبر عدد من التحولات.
«قبل إقرار قانون 1991، كانت القاعدة هي أن يتشكل مجلس الإدارة من ثمانية أعضاء بالإضافة لرئيس مجلس الإدارة، على أن يكون نصف الأعضاء منتخبين، وأن يكون نصف المنتخبين على الأقل من العمال المنتجين [غير الإداريين]»، يقول بركات، مضيفًا أنه «بعدها جرى تقليص عدد أعضاء مجلس الإدارة للنصف -وبالتالي عدد المنتخبين أيضًا، ولم يعد من الضروري انتخاب حد أدنى من العمال المنتجين، وفضلًا عن ذلك، أصبح متاحًا لرؤساء الإدارات وشاغلي المناصب القيادية الترشح لعضوية مجلس الإدارة وهو ما لم يكن متاحًا من قبل… ومن ناحية أخرى، فقد أصبح كل الأعضاء المعينين يصلون لمواقعهم عبر تعيين مباشر»، على حد قوله.
وأضاف بركات أنه بعد إقرار قانون 1991، استمر العمل بنظام تمثيل العاملين بنسبة 50%، لكن عمليًا «أصبح العرف هو ضم أعضاء غير متفرغين إلى مجلس الإدارة بوصفهم خبراء من قبيل أعضاء في مجالس إدارة البنوك دون اعتبارهم أعضاء أصلًا في مجلس الإدارة ليصل العدد الإجمالي إلى ثمانية، من بينهم اثنان فقط منتخبان، وهو ما يعني أن نسبة تمثيل العاملين قد انخفضت عمليًا إلى 25%».
ولهذا، يرى بركات أن التعديلات الجديدة لا تمثل تغيرًا جوهريًا في المسار الذي اتخذته الأمور طوال العقود الماضية، والتي تتجه «لإنهاء فكرة تمثيل العاملين نهائيًا لاحقًا لتمثل بذلك الشركات الحكومية صورة القطاع الخاص».
من جانبه، احتج الاتحاد العام للنقابات بشدة على مشروع تعديلات القانون في مذكرة، اطلع عليها «مدى مصر»، أرسلها لمجلس الوزراء ومجلس النواب ومجلس الدولة تضمنت قائمة بالمواد التي يرفض الاتحاد العام للعمال تعديلها في قانون قطاع الأعمال العام في 13 بندًا، من ضمنهم على سبيل المثال، البند الذي يمنح الحق لرئيس الوزراء في نقل أي شركة تابعة لقطاع الأعمال إلى أي جهة أخرى، وهي مادة يراها الاتحاد «التفافًا للعودة للخصخصة»، بحسب نص المذكرة.
وتضمنت مذكرة الاتحاد التي اطلع عليها «مدى مصر»، احتجاج الاتحاد على حرمان ممثليه في مجالس إدارات الشركات القابضة من حضور اجتماعات الجمعيات العمومية للشركات التابعة، واحتجاجه على تقليص عدد الأعضاء المنتخبين من العمال في مجالس إدارات الشركات التابعة للشركات القابضة، ليسمح التعديل بتمثيل العمال بعضو واحد في مجلس الإدارة.
لكن كمال عباس، المنسق العام لدار الخدمات العمالية والنقابية، يرى أن «المعركة برمتها لم تكن بين طرفين متكافئين… فالعلاقة المتينة الطويلة بين الاتحاد والحكومة ليست علاقة ندية أصلًا، والاتحاد العام للعمال يعلم حدود الاحتجاج المسموح له ضمن قواعد تلك العلاقة»، على حد قوله في حديثه مع «مدى مصر».
بالنسبة له، فإن السبب الحقيقي في رفض الاتحاد العام للعمال الشديد للقانون يرجع لما تشمله التعديلات من مساس بـ«مصالح شخصية استفاد منها أعضاء الاتحاد في الأساس عبر بدلات حضور الاجتماعات، فالاتحاد نفسه الذي يبدي الآن خشيته من العودة للخصخصة تورط في تمرير صفقات الخصخصة كما هو الحال مثلًا في صفقة بيع شركة عمر أفندي التي ساهم أمين عام الاتحاد محمد وهب الله في تمريرها».
يتفق بركات على أن السبب الأبرز لرفض اتحاد العمال للتعديلات الجديدة هو حرمان ممثل الاتحاد العام للعمال من حضور اجتماعات الجمعية العمومية للشركات التابعة. «الجمعية العمومية للشركات التابعة تضم كل أعضاء مجالس إدارات الشركة القابضة التي تتبعها الشركة بمن فيهم ممثل العمال في مجلس إدارة الشركة القابضة، وهو ما يعني أن ممثل اتحاد العمال في مجلس إدارة الشركة القابضة هو عضو في الجمعية العمومية لكل الشركات التابعة أي أنه سيتحصل على بدلات حضور كل الجمعيات العمومية لكل الشركات التابعة للشركة القابضة»، على حد قوله.
فضلًا عن ذلك، حرمت التعديلات الجديدة «التنظيمات النقابية» -اللجان النقابية في الشركات- من وضع لوائح عمل العاملين في الشركات بالمشاركة مع إدارة الشركة. واكتفى النص المعدل فقط بالسماح بـ«أخذ رأي» المنظمة النقابية التي يتبعها عمال المنشأة.
مدحت نافع، الرئيس السابق للشركة القابضة للصناعات المعدنية، والذي استقال من منصبه الشهر الماضي، يرى أن نزع حق صياغة لوائح العاملين من اللجان النقابية على هذا النحو يمثل «صدامًا بلا داعٍ مع الاتحاد العام للعمال وخطوة غير موفقة سياسيًا»، على حد قوله.
على الجانب الآخر، يدافع سعيد عرفة عن هذا التعديل قائلًا إن «وجهة النظر التي تتبناها الوزارة هي أن التفاهم ضروري مع النقابات لكن في المقابل فعلينا أن نفهم أن القرار بشأن اللوائح يجب أن يظل في يد إدارة الشركة»، مضيفًا أن «ما يهم العامل يجب أن يكون فقط استمرار عمل الشركة كشركة قوية واستمرار لوائح العمل على نحو منتظم على نحو تتحقق معه استدامة النمو والأرباح وهو ما سينعكس لاحقًا على أوضاع العاملين أنفسهم».
شملت التعديلات الجديدة كذلك فرض معايير أعلى من الشفافية والإفصاح على شركات قطاع الأعمال العام بما فيها الشركات غير المدرجة في البورصة. «كشركات مملوكة للدولة، يجب أن يكون معلومًا كيف تدار هذه الشركات ونتائج أعمالها»، كما يقول سعيد عرفة الذي أوضح أن التعديلات الجديدة توجب على الشركات التابعة لقطاع الأعمال العام الإفصاح عن نتائج أعمالها مرتين في السنة للمرة الأولى في تاريخ تلك الشركات.
تلك المعايير الجديدة للإفصاح تمثل، تبعًا لعرفة، «معايير أعلى من تلك المطبقة في قانون الشركات العام رقم 159 لسنة 1981 [الذي تخضع له الشركات الخاصة] الذي لا يلزم الشركات الخاضعة له بهذا المستوى من الإفصاح ما لم تكن مدرجة في البورصة».
يتفق هذا التوجه مع اتفاق القرض الحالي الذي حصلت عليه مصر من صندوق النقد الدولي عبر آلية الاستعداد الائتماني قبل أشهر، والذي يمثل دعم شفافية الشركات المملوكة للدولة عبر تحديث التقارير المالية المنشورة حول تلك الشركات بحلول سبتمبر القادم، أحد أركانه.
وكان الاتفاق الأسبق الذي وقعته الحكومة مع صندوق النقد عام 2016 -عبر آلية تسهيل الصندوق الممدد- قد نص على ضرورة اتخاذ عدة خطوات على صعيد «الإفصاح والشفافية» فيما يتعلق بـ«الشركات المملوكة للدولة»، التي تشمل قائمة أوسع نطاقًا من الشركات التابعة لوزارة قطاع الأعمال العام.
وفي ديسمبر 2018، أصدرت الحكومة لأول مرة تقريرًا شاملًا حول وضع الشركات المملوكة للدولة متأخرًا ستة أشهر عن الموعد الذي نص عليه الاتفاق السابق مع صندوق النقد الدولي -كان يفترض نشره نهاية يونيو من ذلك العام- لـ«تعزيز شفافية الشركات المملوكة للدولة»، بحسب بيان من الصندوق بعد نهاية الاتفاق في يوليو 2019.
كما نصت التعديلات على تغيير «جوهري» في شروط تصفية الشركات الخاسرة، على نحو يرى خالد الفقي، رئيس النقابة العامة للصناعات المعدنية ونائب رئيس الاتحاد للعمال، أنه «يمهد الطريق أمام التخلص من الكثير من الشركات استنادًا لخسائر تاريخية لا ذنب للإدارات ولا للعمال فيها، لأنها ترجع أولًا وأخيرًا لضعف استثمارات الدولة فيها»، حسبما قال لـ«مدى مصر».
وينص قانون 203 لسنة 1991 قبل التعديل، على ضرورة دعوة مجلس الإدارة لاجتماع جمعية عامة غير عادية للشركات التابعة لقطاع الأعمال العام، للنظر في حل الشركة أو استمرارها، إذا بلغت خسائر الشركة نصف رأس المال المصدر
بينما نصت التعديلات الجديدة على عرض زيادة رأس مال الشركة على الجمعية العامة للشركة في حال بلغت قيمة خسائرها كامل حقوق المساهمين في الشركة. وتمثل حقوق المساهمين إجمالي رأس مال الشركة والاحتياطيات التي تمثل أرباحًا تُجَنب سنويًا لمواجهة الطوارئ، بالإضافة لأرباح أو خسائر العام، والأرباح أو الخسائر المُرحلة من سنوات سابقة.
«وفي حال عدم زيادة رأس مال الشركة وفقًا لما سبق وجب العرض على الجمعية العامة غير العادية لحل وتصفية الشركة أو دمجها في شركة أخرى»، تبعًا لنص التعديلات، التي نصت كذلك على ضرورة توفيق تلك الشركات -التي بلغت خسائرها هذا المستوى- أوضاعها طبقًا لهذا النص خلال ثلاث سنوات.
وحذر الاتحاد العام للعمال في مذكرته إلى مجلس الوزراء من أن التعديلات قد تؤدي لموجة واسعة من تصفية الشركات، قائلًا إن قطاع الأعمال العام يضم عددًا يقارب 50 شركة تصل خسائرها لأكثر من رأسمالها بسبب ضعف رأسمالها أصلًا بالمقارنة مع أصولها، «خاصة أن تلك الشركات لم يتم تطويرها أو ضخ أي استثمارات بها منذ ما يزيد عن 40 عامًا وبعضها يعمل بماكينات من ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي»، بحسب نص المذكرة.
وكان الاتحاد العام للعمال قد خاض معركة إعلامية ضد هشام توفيق، وزير قطاع الأعمال العام، قبل أشهر بسبب تصريحات الوزير التي ألمح فيها لاحتمال تصفية شركة الحديد والصلب، التابعة للشركة القابضة للصناعات المعدنية، التي تمثل أحد أبرز الأمثلة على الشركات الخاسرة في قطاع الأعمال العام. وفضلًا عن ذلك، تمت تصفية شركتي القومية للأسمنت والشركة المصرية للملاحة في عهد الوزير الحالي، الذي تولى منصبه في يونيو من عام 2018. كما دافع هشام توفيق في تصريحات متتالية عن ضرورة تصفية الشركات الخاسرة دون إشارة واضحة لبدائل أخرى.
لكن سعيد عرفة يرى أن النص لا يُقصد به تمهيد الطريق أمام تصفية الشركات، فـ«التصفية ليست هدفًا»، على حد قوله، «كما أن زيادة رأس المال [كشرط لاستمرار الشركات التي بلغت خسائرها المستوى المشار إليه] لا يشترط أن تتم عبر تدخل الحكومة لزيادة رأس المال… يمكن أن يتم ذلك عبر دخول شركاء جدد مثلًا… نريد أن نشجع الشركات في هذا السياق على كل أنماط التمويل غير المصرفي من قبيل طرح أسهم في البورصة على سبيل المثال».
بحسب رأيه، فإن التعديلات الجديدة في جوهرها عمومًا «تسعى لتمثل صورة الإدارة في القطاع الخاص» على حد قوله، مضيفًا أن «قطاع الأعمال العام في حقيقة الأمر هو منافس للقطاع الخاص، ومن غير العدل أن يخوض معارك المنافسة دون أن يتمتع بنفس الأدوات التي يتمتع بها القطاع الخاص… القانون يسعى لتماثل أساليب الإدارة في قطاع الأعمال العام مع الشركات الخاضعة لقانون 159 لسنة 1981 [قانون الشركات]… ما دمنا في سوق تنافسي فلا يجب أن نعمل بأي قواعد غير حرة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.