الجمعة، 25 سبتمبر 2020

"رعب جماعي في مصر".. كيف تحولت "قضية الفيرمونت" إلى نقمة على شهودها؟


"رعب جماعي في مصر".. كيف تحولت "قضية الفيرمونت" إلى نقمة على شهودها؟


كان إعلان النائب العام في مصر الشهر الماضي نيته التحقيق في مزاعم بجريمة اغتصاب جماعي، لفتاة تبلغ من العمر 17 عاما، عام 2014 في فندق "فيرمونت نايل سيتي" الفخم بالقاهرة، بمثابة لحظة انتصار نادرة لنشطاء حقوق الإنسان.

لكن هذه الآمال سرعان ما تبددت بعد أن احتجزت السلطات شهودا محتملين وبعض معارفهم، والذين قد يواجهون تهما منفصلة بموجب قوانين الأخلاق المبهمة في البلاد. واستهدفت حملة إعلامية كلا من الشهود المحتملين والجناة المزعومين، حسبما تقول وكالة أسوشيتدبرس.

وقالت عزة سليمان، وهي محامية تدير مركز المساعدة القانونية للمرأة المصرية: "إنه أمر مخيف ومرعب". 

وأعربت عن قلقها من أن تعاقب الحكومة الشهود لتجعل منهم عبرة، بعد أن برزوا وقدموا معلومات حول جريمة الاغتصاب المزعومة، مشيرة إلى أن هذا من شأنه أن يثني الضحايا والشهود الآخرين عن التحدث علانية بشأن الأمر.

ويقول نشطاء إن التحول الحاد في القضية يسلط الضوء على الطريقة التي يتعامل بها النظام القانوني الأبوي غالبا في إلقاء اللوم على ضحايا العنف الجنسي، وفضح الآخرين الذين يتصرفون خارج نطاق الأعراف التقليدية، بما في ذلك مجتمع المثليين الملاحق في البلاد.

وقد طالت القضية كثيرين أيضا في مصر، حيث كشفت الممارسات غير المتقيدة بالأعراف في الحفلات التي تعج بالكحوليات والمخدرات بين شريحة صغيرة من الشباب فاحشي الثراء في البلاد.

وفي مجتمع مصر المحافظ، تقدم السلطات نفسها كوصية على القيم التقليدية. بينما لا يزال التحرش الجنسي في الشارع أمرا شائعا، ويُنظر على نطاق واسع إلى النساء اللاتي يتحدين المفاهيم المحافظة للسلوك السليم على أنهن يدعون إلى أو يستحقون الاعتداء الجنسي.

"الخوف من العقاب"

وفي قضية الاغتصاب الجماعي المزعومة، واجه الشهود المحتملون ومعارفهم كشوف عذرية قسرية، وفحوصات شرجية من قبل السلطات، حيث تم تداول مقاطع فيديو خاصة وكاشفة، يزعم أنها من هواتفهم، عبر تطبيقات المراسلة الخاصة، وتم وصف فحواها في وسائل الإعلام المحلية.

وأدى احتجاز الشهود إلى رعب جمعي لمن يأملون في تحقيق العدالة في قضية الاغتصاب. وأصر معظم النشطاء والمحامين المتابعين لقضية الشهود على التحدث إلى وكالة أسوشيتد برس شريطة عدم الكشف عن هويتهم خوفا من العقاب.

وتصر الحكومة على أنها تتحمل مسؤولية التحقيق في جميع الجرائم في القضية، بما في ذلك الانتهاك المحتمل لقوانين الأخلاق، والتي تتضمن مصطلحات غامضة مثل "الفجور". كما ألمح مكتب النائب العام إلى أنه قد يوجه اتهامات بتعاطي المخدرات.

وقضية الاغتصاب الجماعي المزعومة متورط فيها مجموعة من الشباب من عائلات ثرية وذات نفوذ. ويُزعم أنهم خدّروا الفتاة في حفلة في فندق من فئة الخمس نجوم بالقاهرة، ثم تناوبوا اغتصابها وكتبوا الأحرف الأولى من أسمائهم على جسدها، وتداولوا مقطع فيديو لجريمتهم، بحسب رواية الضحية ومسؤول قضائي يحقق في القضية.

وبعد ست سنوات، ظهرت الشهادات عن الاعتداء في إطار حملة "أنا أيضا" المتجددة على وسائل التواصل الاجتماعي والتي اجتاحت مصر هذا الصيف، وشجعت المزيد من النساء على التحدث علنا ضد سوء السلوك الجنسي.

في 26  أغسطس الماضي، بعد شهر تقريبا من ظهور روايات عن حادثة الاغتصاب الجماعي المزعومة عام 2014 على وسائل التواصل الاجتماعي، أعلنت النيابة العامة في مصر أنها حددت هوية تسعة مشتبه بهم، لكن سبعة فروا بالفعل من البلاد. واعتقل اثنان آخران في مصر.

وفر خمسة من الهاربين السبعة إلى لبنان، حيث تم إلقاء القبض على ثلاثة فيما بعد وظل اثنان هاربين.

ولم يصرح المحامون المشاركون في القضية إلا بالقليل.

وقال محمد حمودة، المحامي الذي كلفه المجلس القومي للمرأة بتمثيل الضحية، في تصريحات متلفزة، إن موكلته كانت تبلغ من العمر 17 عاما وقت الاغتصاب، وإن الاغتصاب أسفر عن حمل الضحية. لكنه رفض التعليق عندما تواصلت معه أسوشيتد برس.

بعد أيام من القبض على المشتبه به الأول، تم أيضا احتجاز ما لا يقل عن أربعة شهود ومعارف محتملين للضحية في إطار التحقيق.

"صدمة المجتمع المحافظ"

بعد فترة وجيزة، تم تداول مقاطع مصورة وصور على تطبيقات مراسلة خاصة تظهر وقائع جنسية بين شركاء من نفس الجنس وصور عارية، يزعم أنها مأخوذة من هواتف الشهود والمشتبه بهم.

في 31 أغسطس، نشر موقع إعلامي موال للحكومة تقريرا بذيئا عن "حفلات جنس جماعي" تم تنظيمها للترويج لممارسة الجنس بين المثليين والمثليات في نفس الفندق.

وصدم التقرير والقصص الإعلامية اللاحقة المجتمع المصري المحافظ.

ومن غير الواضح كيف تم تسريب الصور، لكن الكثيرين يلقون باللوم على الشرطة.

وقال مكتب النائب العام إنه صادر هواتف المحتجزين لفحص ما إذا كانت تحتوي على أدلة للتحقيق.

يمكن أن يواجه كل من المشتبه بهم والشهود الآن تهما بموجب القوانين الأخلاقية في البلاد، إلى جانب القضية الرئيسة وهي الاغتصاب الجماعي المزعوم.

وقال مسؤول مصري، تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول بالتحدث إلى الصحفيين: "التحقيق في جريمة الاغتصاب لا يعني التغاضي عن جرائم أخرى محتملة".

وخضع شاهدان من الذكور لفحص شرجي بينما تم فحص عذرية أنثى، بحسب هيومن رايتس ووتش ومحام يتابع القضية.

وزعم مصريون في الماضي أن مثل هذه الإجراءات ضرورية للتحقيقات. وشجبت منظمة الصحة العالمية مثل هذه الفحوصات ويقول نشطاء إن هذه الممارسة بحد ذاتها ترقى إلى الاعتداء الجنسي.

في 31 أغسطس أيضا، أمرت النيابة العامة بالإفراج عن أربعة مشتبه بهم، وقالت إن ثلاثة أشخاص آخرين سيظلون رهن الاحتجاز بانتظار التحقيق في "الحوادث" المتعلقة بتحقيق الاغتصاب الجماعي المزعوم.

ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان من بين المفرج عنهم المشتبه بهم في الاغتصاب أو أولئك المشتبه في انتهاكهم فقط لقوانين الأخلاق في البلاد.

ويعتقد أن بعض الذين أدلوا بشهاداتهم ضد المغتصبين المزعومين ما زالوا رهن الاحتجاز.

وتربط الثقافة المحافظة في مصر عادة عفة المرأة بسمعة الأسرة. وفي المحاكم، يقع عبء الإثبات بشكل كبير على ضحايا الجرائم الجنسية.

أما المثلية الجنسية فهي من المحرمات في مصر بين المسلمين والمسيحيين على حد سواء، رغم عدم حظرها صراحة بموجب القانون. وغالبا ما تتم مقاضاته بتهمتي "الفسق" و "الفجور".

ويزعم النشطاء أن السلطات حوّلت القضية إلى فضيحة على مستوى البلاد من أجل تشويه صورة الشهود المحتملين.

وقالت روثنا بيغوم، وهي باحثة أولى في مجال حقوق المرأة في هيومن رايتس ووتش: "من المروع أن السلطات المصرية اعتقلت الشهود على اغتصاب جماعي بعد تشجيعهم على التقدم بدلا من حمايتهم ومحاكمة المعتدين."

ودفعت الموجة الأخيرة من مزاعم "أنا أيضا" البرلمان المصري إلى تمرير تعديل للقانون الجنائي في البلاد لحماية هويات ضحايا الاعتداء الجنسي، لكنه لا يزال بحاجة إلى توقيع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ليصبح قانونا نافذا.

ونقلت أسوشيتدبرس عن الناشطة مزن حسن، مؤسسة ومديرة نظرة للدراسات النسوية، قولها إن المدعي العام في البلاد استغل الكثير من المعتقدات المحافظة للمجتمع للعمل كنوع من الشرطة الأخلاقية، ما يصرف الانتباه عن الجريمة الحقيقية.

وأشارت إلى أن ثمة حاجة لتغيير جذري في قانون العقوبات "نظام لمحاسبة المخالفين؛ نظام لمساعدة وحماية الشهود والمبلغين".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.