الأحد، 20 سبتمبر 2020

القصور التاريخية بصعيد مصر في مرمى الهدم والتخريب


القصور التاريخية بصعيد مصر في مرمى الهدم والتخريب


كثيرة هي القصور التاريخية ذات الطابع المعماري الفريد بصعيد مصر، ويتجاوز عددها 300 قصر تاريخي، طبقا لدراسة أجريت بكلية الآثار في جامعة أسوان جنوب البلاد، بنيت خلال القرن 19 أو في العهد الملكي للأسرة محمد علي، إلا أن عدداً ليس بالقليل من هذه القصور بات يتعرض لمؤامرة ومطامع خبيثة للاغتيال والهدم، بهدف الانتفاع بمساحتها وموقعها المتميز في إقامة مشروعات استثمارية، رغم ما تمتلكه تلك القصور من مقومات معمارية فريدة، شارك في تصميمها كبار مهندسي وفناني أوروبا، علاوة ما شهده بعضها من أحداث تاريخية عظيمة.

تخريب القصور التاريخية

قال الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة السابق محمد أبو الفضل بدران، إن القصور التاريخية أصبحت مطمعاً لمافيا بناء الأبراج السكنية، نظراً للموقع الجغرافي المميز لتلك القصور بمختلف مدن وقرى محافظات الصعيد، ومع تراجع مساحات البناء داخل المدن أصبحت تلك القصور الشغل الشاغل لمافيا بناء الأبراج السكنية عبر تدميرها بشكل ممنهج.

وأشار بدران، الذي أجرى دراسة حول تدمير القصور التاريخية بمحافظة قنا، إلى أن تدمير القصور التاريخية يجري عبر خطة خبيثة تتمثل في توصيل المياه بكميات غارقة في أسفل أساسات القصور حتى تنتشر الشروخ في أرجائها، ثم إشعال الحرائق بها، لتصبح خلال عام واحد على الأكثر آيلة للسقوط الكامل، لافتا أن تلك الخطط الخبيثة نجحت في عشرات القصور خلال 10 أعوام الماضية، ما مكن مافيا تجارة العقارات من بناء أبراج مكانها.

وأكد بدران أن القصور التاريخية في مختلف بلدان العالم المتقدم يُحتفى بها وترمم بشكل دوري، لمكانتها الفريدة في تاريخ الأمم، خصوصاً بألمانيا التي تحرص على تنظيم رحلات مدرسية لمختلف المدارس والجامعات للقصور التاريخية لتعزيز قيمتها التاريخية في نفوس الطلاب، وطالب بضرورة نزع ملكية المهمة منها، تلك التي شهدت أحداثاً تاريخية كبيرة، لحمايتها من يد العبث والهدم، وتحويلها إلى متاحف.

 أزمة الملاّك الجدد

وأضاف مصطفى أمين، المحامي المتخصص بقضايا العقارات، أن أزمة القصور التاريخية تتمثل في كونها من الملكيات الخاصة وليست وقفاً عاماً، علاوة على أن ورثة تلك القصور باعوها لملاك جدد، وبعضهم تجار عقارات ويرغبون في بناء الأبراج الشاهقة بعد تخريبها.

"اندبندنت عربية" رصدت بالصور والفيديو عدداً من القصور التاريخية الفريدة التي شهدت تخريباً مدبراً، طبقاً لتحقيقات رسمية للأجهزة الأمنية، مما يعكس الخطر المحقق الذي ينتظر باقي القصور.

قصر مكرم عبيد

شهدت محافظة قنا في عام 2013 عقب ثورة 30 يونيو (حزيران)، انهياراً ضخماً في الجزء الشمالي من القصر ذي الطابع المعماري الفريد، فمكرم باشا عبيد أحد الرموز الوطنية المقربة من الزعيم سعد زغلول قائد ثورة 1919. كما تقلد عدة مناصب وزارة بحكومات الوفد كالمالية والمواصلات، ونُفي مع سعد زغلول إلى جزيرة مالطة بعد أحداث ثورة 1919 لمطالبة الاحتلال الإنجليزي بمغادرة مصر.

يقول أستاذ الآثار بجامعة البحر الأحمر محمود إسماعيل، إن قصر مكرم عبيد يُعد تحفة معمارية نادرة، بني على مساحة 6 قراريط، يتكون من طابقين وفناء متسع، بمداخل رخامية وتتزين أغلب جداريات القصر بزخارف خشبية المعروفة تنتمي إلى فن "الركوكو" و"الباروك"، كما يضم القصر عدداً كبيراً من اللوحات الفنية لكبار رسامي إيطاليا والغرب، ويتميز القصر المنهار بعدد من الأعمدة المصممة على الطراز الفني "الكورنثي"، لذا يعتبر انهيار القصر خسارة للتراث العالمي حسب تأكيدات المتخصصين.

وأكد القيادي بحزب الوفد أحمد البدري، أن "القيمة الوطنية لهذا القصر لا تقل عن قيمته المعمارية الفريدة، فصاحب القصر هو مكرم باشا عبيد الوطني ابن الصعيد الرافض لأي محاولة للفتنة الطائفية من قبل المحتل طيلة حياته، وقد شغل منصب وزير المالية في 3 وزارات متتالية، وسطر بحروف من نور مع الزعيم سعد زغلول نضال حزب الوفد ضد الاحتلال الإنجليزي إلى أن نُفي إلى جزيرة مالطة مع كافة كوادر حزب الوفد، ويعتبر مكرم باشا عبيد أول نقيب مصري للمحامين". وأضاف، أن "القصر استضاف أغلب كوادر وقيادات حزب الوفد الأوائل، كما شهد عدداً من الاجتماعات المهمة للتخطيط لتصعيد المواجهة ضد الاحتلال الإنجليزي في البلاد، فانهيار القصر يمثل خسارة فادحة".

قصر توفيق باشا أندروس

يعد قصر توفيق باشا أندروس، القيادي الوفدي من أهم القصور التاريخية في الصعيد، فهو المنزل الذي لجأ له الزعيم سعد زغلول خلال جولته النيلية على المحافظات المصرية، بعد أن أمر الاحتلال الانجليزي عمد القرى ووجهاء الأهالي بعدم استقبال سفينة سعد زغلول في مياه النيل، إلا أن توفيق باشا أندراوس قرر أن يتحدى هذا القرار عبر رفع أعلام إيطاليا وبلجيكا وفرنسا، التي كان توفيق أندراوس قنصلاً رسميا لها في مدينة الأقصر، وهو ما حصن القصر من اقتحام اقوات الأمن، ليسجل بذلك القصر وصاحبه في سجلات البطولة الوطنية.

وذكر يوسف الإسناوي، باحث في شؤون التراث، أن إهمال الحكومات المصرية المتعاقبة للقصور التاريخية جعلها مطمعاً لمافيا تجارة العقارات وتجار الآثار، بخاصة أن قصر توفيق أندراوس يقع في حرم معبد الأقصر الأثري، مؤكداً أن الاجدر به أن يكون متحفاً كشاهد على أحداث ثورة 1919، لأنه شهد اجتماعات عديدة لقيادات حزب الوفد بصعيد مصر والمحافظات بتوجيهات من سعد زغلول بعد زيارته للقصر.

اتهام الجن بحرق قصر فاضل باشا

تولى فاضل باشا حكم مديرية قنا بجنوب مصر في عهد الخديوي إسماعيل، واتخذ مقراً مهيباً له كقصر مصمم على طابقين بشارع مصطفى كامل بوسط مدينة قنا، مبني على مساحة 5 قراريط بمادة الخص ميل، وقد اتخذ القصر خلال الستينيات والسبعينيات مقراً للبوليس السياسي لفخامته.

يقول عبد الرحيم الهواري، أحد أهالي المنطقة، إن قصر فاضل باشا أصبح مهجوراً خلال 10 سنوات الأخيرة، وتعرض لعدة حرائق متكررة، الأمر الذي جعل الأهالي يعتقدون أن القصر مسكون بالجن والشياطين.

وأوضح بيشوي ميلاد، أحد سكان المنطقة، أن القصر أصبح آيلاً للسقوط بعد الحرائق المتكررة التي تندلع فيه علاوة على انتشار الشروخ به، الأمر الذي يشكل خطراً حقيقياً على حياة الأهالي والمارة إذا انهار القصر. من جهة أخرى أفاد تقرير البحث الجنائي للحرائق المتكررة للقصر أن الحرائق تُجرى بفعل فاعل من الملاك الجدد، بسبب رغبتهم في إقامة مجموعة أبراج سكنية على مساحة القصر.

مطالب بنزع الملكية والترميم

من جانبه، شدد جورج مهنا، أستاذ الآثار بجامعة طيبة، على ضرورة نزع ملكية القصور التاريخية المهمة من ملاكها لتحويلها إلى متاحف، بهدف حماية ما تبقى منها، قبل أن تمتد لها يد التخريب والتدمير والحرق، على أن تدير وزارة الآثار ملفات تلك القصور بدلا من وزارة التنمية المحلية كما يحدث الآن. وأشار أن هذا الحس الوطني متعارف عليه في العديد من دول العالم مع ضرورة تقديم تعويضات مناسبة للورثة الشرعيين من الملاك، بهدف توظيف المكانة التاريخية والوطنية للقصر.

تغليظ عقوبة تخريب القصور التاريخية

وأفاد مصدر بوزارة التنمية المحلية، المسؤولة عن ملف القصور التاريخية والمعمارية الفريدة، بأن جريمة هدم القصور التاريخية لا تسقط بالتقادم، مؤكداً أنه إذا جرى بناء أبراج مكان أي قصر تاريخي ثبت أنه هدم عبر عملية تخريب داخلية، فسيُجرى إزالة البرج عقوبة فورية حيال ثبوت ذلك. وأضاف أن مجلس الوزراء كلف المحافظين منذ 4 سنوات بحصر القصور التاريخية بكافة المراكز والقرى لتسجيلها وحمايتها.

وطالب المهندس محمد القاضي، الباحث في شؤون التراث، بضرورة تغليظ العقوبة القانونية لكل من يتورط في تخريب وتدمير القصور التاريخية بهدف الانتفاع بالأرض المقامة عليها، حتى وإن كان من ورثتها الأصليين.

وأوضح حسين الأفيوني، مدير آثار قنا والبحر الأحمر، أن الحل الوحيد لإنقاذ القصور التاريخية ذات الطابع المعماري الفريد، يتمثل في أن يسند ملفها إلى وزارة الآثار المصرية بدلا من وزارة التنمية المحلية، حتى يُجرى ترميمها ونزع ملكية المهم منها بشكل قانوني وعلمي، بدلا أن تمتد لها يد التدمير والعبث.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.