مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان:
التعليق القانوني على اللائحة التنفيذية لقانون العمل الأهلي رقم 149 لسنة 2019
فى 25 فبراير 2021 / مرفق الرابط
يقدم هذا التعليق القانوني في 9 محاور أساسية تحليلاً لأبرز المشكلات التي جاءت في اللائحة التنفيذية للقانون رقم 149 لسنة 2019 الخاص بتنظيم العمل الأهلي، والتي صدرت مطلع العام الجاري بقرار من رئيس الوزراء رقم 104 لسنة 2021 ، بعد ما يقرب من عام ونصف من صدور القانون، الذي صدر في أغسطس 2019.
ففي سرية تامة باشرت الحكومة المصرية العمل لما يقرب من عام ونصف على هذه اللائحة التنفيذية، دون إتاحة لأي من النسخ المقترحة لها، وذلك لتجنب أية انتقادات سواء من منظمات المجتمع المدني أو انتقادات دولية، وضمان نجاحها في التهرب من التزامها بأن تتلافى اللائحة عدد من القيود التي فرضها القانون[1].
فعلى سبيل المثال أحال القانون تفاصيل إجراءات الحصول على تمويلات من شخصيات طبيعية أو اعتبارية من خارج مصر للائحة، فألزمت اللائحة الجمعيات الأهلية بتلقي رد من الجهة الإدارية سواء بالقبول أو الرفض خلال 60 يوم عمل. وفضلاً عن طول المدة، إلا أن المشكلة الأساسية تكمن في إلزام اللائحة للجمعية برد الأموال للجهة المانحة خلال 5 أيام عمل من تاريخ تلقيها الرفض، وهو ما يضيع على الجمعية أي أمل للطعن على القرار والاستفادة من المنحة حال قبول المحكمة للطعن.
أما بالنسبة للمنظمات الدولية، فقد أحال القانون إجراءات تنظيم عملها أيضًا للائحة التنفيذية، والتي اشترطت تقديم المنظمة طلب الترخيص لوزارة الخارجية المصرية، دون إلزام الوزارة بالبت في الطلب خلال مدة محددة.
القانون واللائحة فرضا عددًا كبيرًا من القيود التي يفندها هذا التعليق، بما في ذلك الغرامات المالية التي تصل إلى مليون جنيه على أفعال لا تستحق أن تكون جرائم من الأساس، ومن شأنها أن تقتل روح المبادرة في المجتمع وتنفر الفاعلين من ممارسة العمل الأهلي، المحفوف بالتهديدات الأمنية والتعقيدات البيروقراطية التي لا تنتهي. هذا بالإضافة إلى إمكانية تقييد حرية العاملين بمجال العمل الأهلي بموجب قانون العقوبات.
لقد تبين أن القانون ولائحته التنفيذية، وإن كانا يستهدفا ضمنيًا شل المنظمات الحقوقية، الهدف الأوسع منهما هو شل المجتمع المدني بشكل عام ولا سيما المنظمات التنموية والخيرية.
وفيما يلي أبرز مشكلات هذه اللائحة:
أولًا: توفيق أوضاع الكيانات الممارسة لنشاط أهلي
ألزم قانون العمل الأهلي كافة الكيانات المسجلة بتوفيق أوضاعها خلال سنة من تاريخ العمل بلائحته التنفيذية بموجب إخطار موجه للوزارة المختصة، وإلا قُضي بحلها، وضم أموالها إلى صندوق دعم مشروعات الجمعيات والمؤسسات الأهلية.[2] ويُلاحظ على عملية توفيق الأوضاع أنها بمثابة عملية إعادة تسجيل، إذ تخضع للشروط نفسها اللازمة لتسجيل مؤسسة جديدة، بما في ذلك الشرط المتعلق بضرورة ممارستها نشاطًا تنمويًا يتماشى مع خطة الدولة التنموية ويلبي احتياجات المجتمع. كما يحق للجهة الإدارية الاعتراض على إعادة تسجيل الجمعية حال ارتأت نشاطها مخالفًا للنظام العام والآداب العامة وغيرها من المصطلحات الفضفاضة الخاضعة لتفسير الجهة الإدارية المتعسفة.
فيما يتعلق بالكيانات التي ترى الدولة أنها تمارس نشاطًا أهليًا ولا تتخذ شكل جمعية أو مؤسسة، مثل الشركات ذات المسئولية المحدودة التي تعمل في مجال الاستشارات والتدريب، أو مكاتب المحاماة التي تقدم خدمات قانونية مجانية لغير القادرات/ين، يتعين عليها توفيق أوضاعها بمجرد دخول اللائحة التنفيذية حيز النفاذ، أو بمجرد إخطارها من جهة الإدارة أيهما أقرب، وإلا أصدرت الوزارة المختصة قرارها بوقف النشاط، وإخطار الجهة مصدرة الترخيص الأصلي لوقفه.
ثانيًا: أنشطة وأهداف الجمعيات
رغم أن المادة (75)[3] من الدستور حددت المحظورات على أنشطة الجمعيات بأن يكون نظامها أو نشاطها سريًا أو ذا طابع عسكري أو شبه عسكري، إلا أن القانون واللائحة تجاهلا النص الدستوري ووضعا قيودًا فضفاضة وغامضة على أنشطتها، فضلًا عن التضييق على مجالات عملها وحصرها في أنشطة تمتلك الجهة الإدارية وحدها تفسيرها؛ مما يجعل هذا التجاوز مشوب بعدم الدستورية لانتقاصه من الحق الذي كفله الدستور.[4]
على سبيل المثال، حصر القانون ولائحته عمل الجمعيات في مجالات تنمية المجتمع، بشرط مراعاة خطط الدولة التنموية واحتياجات المجتمع (المادة 14)، إلا أن اللائحة التنفيذية لم توضح المقصود بـ «تنمية المجتمع» ما يفتح الباب أمام تأويلات عدة تجيز رفض تسجيل الجمعيات أو وقف نشاطها لعدم مسايرتها لخطط الدولة التنموية أو بزعم عدم حاجة المجتمع لأنشطة الجمعية، وهو ما ينطبق أيضًا على المنظمات الأجنبية غير الحكومية (المادة68).
من ناحية أخرى، وضع القانون قائمة مطولة بالأنشطة الفضفاضة والمبهمة، المحظور على الجمعيات ممارستها، ومن بينها:
ممارسة أنشطة لم ترد بإخطار التأسيس؛
ممارسة الأنشطة السياسية أو الحزبية أو النقابية أو استخدام مقرات الجمعية في ذلك؛
ممارسة أنشطة من شأنها الإخلال بالنظام العام أو الآداب العامة أو الوحدة الوطنية أو الأمن القومي؛
الدعوة إلى التمييز أو أي نشاط يدعو إلى العنصرية أو الحض على الكراهية؛
إجراء استطلاعات الرأي أو نشر أو إتاحة نتائجها، أو إجراء البحوث الميدانية أو عرض نتائجها قبل موافقة الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء للتأكد من سلامتها وحيادها وتعلقها بنشاط الجمعية؛
إبرام اتفاق مع جهة أجنبية داخل أو خارج البلاد قبل موافقة الجهة الإدارية (المادة 15) فيما عدا الاتفاقات الخاصة بتلقي الأموال، والتي تخضع بدورها لعدة قيود سنوضحها لاحقًا.
ثالثًا: المعوقات على حق الجمعية في تنمية مواردها المالية:
رغم القيود التي وضعها قانون الجمعيات السابق رقم 84 لسنة 2002 على حق الجمعيات في تلقي الأموال سواء من داخل مصر أو من خارجها، فإن القانون الحالي ضاعف من تلك القيود، وأتت اللائحة التنفيذية بقيود إضافية تحرم الجمعيات من مصادر هامة لتنمية مواردها.
جعل القانون تلقي الأموال من داخل البلاد بالإخطار؛ إذا كانت الأموال من شخصيات طبيعية واعتبارية مصرية، أو منظمات غير حكومية أجنبية مصرح لها العمل داخل البلاد– والتي عليها بدورها قيود تتعلق بعملية التسجيل أو التعاون مع منظمات مصرية (المادة 24 من القانون). جدير بالذكر أن القانون استبعد البعثات الدبلوماسية من دعم أنشطة الجمعيات عن طريق الإخطار.
وفيما يتعلق بتلقي الأموال من الخارج وضع القانون العديد من العقبات، وأضافت اللائحة التنفيذية صعوبات أخرى على هذا الأمر كما يلي:
اشترط القانون الحصول على تصريح مسبق قبل صرف الأموال التي تلقتها الجمعية من الخارج. إذ نص على «إخطار» الجهة الإدارية خلال 30 يوم عمل تبدأ من تاريخ تلقي الأموال، وأتاح القانون للجهة الإدارية الرد بالقبول أو الرفض خلال 60 يوم عمل، بينما أغفلا القانون واللائحة بيان أسباب رفض المنح المالية(المادة 27).
جعلت اللائحة التنفيذية أمر الطعن على قرار الجهة الإدارية برفض المنح غير مجدي؛ إذ ألزمت الجمعية باتخاذ إجراءات رد الأموال للجهة المانحة خلال 5 أيام من تاريخ إخطارها بالرفض.[5] كما ألزم البنوك برد الأموال خلال 5 أيام عمل من استلام خطاب رد الأموال.[6] ومن ثم أغفلت اللائحة التنفيذية حق الجمعية في الطعن على القرار الصادر برفض المنح المالية أمام القضاء المحددة بـ 60 يومًا، الأمر الذي يمنع تنفيذ الحكم القضائي إذا صدر لصالح الجمعية، حيث لم تعد الأموال موجودة بالحساب البنكي الخاص بها.
هناك لبس وغموض فيما يتعلق بتلقي الجمعيات لأموال من بعثات ديبلوماسية بمصر، أو من مكاتب التنمية الدولية التابعة للدول ووزارات خارجيتها. فالقانون أتاح تلقي الأموال من أشخاص اعتبارية أجنبية من خارج البلاد بشرط الحصول على موافقة الجهة الإدارية (المادة 27). وبينما يُعرِّف القانون المدني المصري الدولة ومنشئاتها العامة بالشخصية الاعتبارية،[7] إلا أن هناك التباس أحدثته اللائحة التنفيذية عند تنظيمها لإجراءات الحصول على أموال أجنبية، إذ اشترطت على سبيل المثال، تقديم بيانات وافية عن الجهة المانحة والترخيص القانوني الذي تعمل بموجبه والنشاط الذي يمارسه.[8] وهي اشتراطات تنطبق على منظمات دولية غير حكومية أو شركات عالمية، ويصعب تصورها بالنسبة للوكالات الحكومية، فلا يتصور تقديم وزارة الخارجية التابعة لدولة ما «الترخيص القانوني الذي تعمل بموجبه» إلا إذا قصد المشرع بهذا النص حصر تلقي الجمعيات لأموال من الدول المرتبطة بمصر باتفاقيات تعاون ثنائية.
منح القانون للجهة الإدارية حق الكشف عن سرية حسابات المنظمات أو الكيانات التي تمارس العمل الأهلي– بطلب من النائب العام– وذلك استثناء من المادتين (97[9]، 98[10]) من قانون البنك المركزي رقم 88/2003 (المادة 10). فهذا الاستثناء يثير إشكالية تتمثل في أن طلب الكشف عن سرية الحسابات ليس مربوطًا بوقوع جريمة يستلزم لكشف الحقيقة فيها تقديم مثل هذا الطلب.
اعتبر القانون أموال الجمعيات في حكم الأموال العامة (المادة 23) ما يعني معاملة مسئولي الجمعيات المعاملة الجنائية للموظفين العموم، ومن ثم توقيع عقوبات أشد تصل للسجن المؤبد حال ارتكاب مخالفة مالية.
رابعًا: تسجيل المنظمات المحلية
ألزم القانون كافة الكيانات التي تمارس عملًا أهليًا بالتسجيل وفقًا للقانون، وفرض عقوبات على الكيانات التي ترى الجهة الإدارية أنها تمارس عمل أهلي دون تسجيل، وتشمل تلك العقوبات غرامة مالية ضخمة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تزيد عن مليون جنيه، بالإضافة إلى غلق المقر ومصادرة أموالها والحرمان من مزاولة النشاط مدة لا تتجاوز سنة (المواد 94، 97).
ورغم أن القانون زعم تأسيس الجمعية واكتساب شخصيتها الاعتبارية بمجرد الإخطار، إلا أن القانون واللائحة وضعا العديد من العقبات التي حولت عملية الإخطار إلى نظام الترخيص من الناحية العملية، ومن بينها:
منح للجهة الإدارية حق الاعتراض ووقف نشاط الجمعية بناءً على أسباب واسعة وفضفاضة، مثل لو رأت ضمن أنشطتها ما يخالف الدستور أو أي قانون، ومن ثم ليس أمام وكيل المؤسسين سوى تصويب الخطأ أو الطعن أمام القضاء. (المادة 9)
يجب موافقة الجهة الإدارية على مقر الجمعية بناءً على معاينة، للتحقق من الاشتراطات التي نص عليها القانون بوجود مقر ملائم. وفسرت اللائحة المقر الملائم بأن يكون له مدخل ملائم يسمح بالدخول دون عائق؛ وألا يكون مخصصًا لممارسة أي أنشطة أخرى بخلاف أنشطة العمل الأهلي.[11]
عدم قدرة الجمعية على فتح حساب بنكي إلا بعد إصدار الجهة الإدارية خطابًا موجهًا لأحد البنوك الخاضعة لرقابة البنك المركزي لفتح حساب بنكي لها (المادة 10)،[12] مما يمنع الجمعية الراغبة في التأسيس من مزاولة أي نشاط فعلي نظرًا لعدم وجود حساب بنكي لها.
خامسًا: تسجيل المنظمات الأجنبية غير الحكومية
أخضع القانون تسجيل المنظمات الأجنبية غير الحكومية لنظام الموافقة المسبقة من الوزير المختص، ومنعها عن مباشرة أية أنشطة قبل الحصول على الترخيص اللازم (المادة 65) وإلا توقيع عقوبة إنشاء كيان مخالف القانون وفقًا للمادة(98/ج) من قانون العقوبات التي قد تصل إلى الحبس مدة اقصاها 6 أشهر. كما وضع العديد من التعقيدات على عملية تسجيل المنظمات الدولية، على سبيل المثال:
قد يستغرق تأسيس منظمة دولية في مصر سنوات، حيث نص القانون واللائحة على أن تقدم المنظمة الدولية أوراقها لوزارة الخارجية، التي تتولى بدورها دراسة طلب الترخيص (المادة 66). ولم يوضح القانون أو اللائحة المدة الزمنية اللازمة لدراسة وزارة الخارجية لهذا الطلب. بل لم يُخضع وزارة الخارجية للقيد الشكلي لتأسيس المنظمات المصرية بمنح المنظمة إيصالًا يفيد باستلام طلب التأسيس والمستندات المرفقة به.
بعد دراسة وزارة الخارجية لطلب المنظمة الدولية وموافقة الجهات المعنية،[13] ترسل الطلب للوزير المختص مشفوعًا برأيها، على أن يصدر الترخيص في موعد أقصاه 15 يومًا من تاريخ ورود الطلب من وزارة الخارجية. كما فرض القانون على المنظمات الأجنبية سداد رسم لا تتجاوز 50 ألف جنيه (ما يعادل 3000 دولار أمريكي) تزيد بنسبة 20% عند تجديد التصريح (المادة 67). وفي ظل تجاهل اللائحة التنفيذية تحديد مقدار الرسم الفعلي، كما فعلت بشأن الجمعيات والمؤسسات المحلية، يجوز إما وقف تسجيل المنظمات الأجنبية لعدم تقدير الرسوم على وجه التحديد وانتظار تعديل باللائحة، أو صدور قرار بها، أو سداد الحد الأقصى مع إمكانية رد الفروق المالية للمنظمة، وهذا أيضًا يحتاج إلى تدخل تشريعي.
منح القانون للوزير المختص سلطة وقف أو إلغاء الترخيص في حالة مخالفة المنظمة للقانون أو قواعد النشاط المرخص به، علاوةً على جواز إلغاء التصريح إداريًا؛ استنادًا لاعتبارات فضفاضة كتهديد الأمن القومي أو السلامة العامة أو الإخلال بالنظام العام(المادة 74). إلا أن اللائحة التنفيذية خففت من حدة القانون في هذا الشأن، عندما ألزمت الوحدة المركزية بإخطار المنظمة لإزالة أسباب المخالفة، وفي حالة امتناعها عن التصويب يكون للوزير –بعد موافقة الجهات المعنية– حق إصدار قرار بالوقف أو الإلغاء، وفي الحالة الأخيرة تُصفى أموال المنظمة خلال 30 يوم عمل.[14]
سادسًا: قيود على حرية الجمعيات في تحقيق أهدافها
رغم نص القانون على حق الجمعيات المحلية في الانتساب أو الانضمام أو التعاون مع نظيرتها المحلية بعد إخطار الجهة الإدارية (المادة 19)، وعدم توقيع جزاء مخالفة ذلك. إلا أن اللائحة التنفيذية وضعت بعض الشروط التعسفية التي قد تحول دون إتمام هذا التعاون،[15] من بينها وجوب وجود عائد إيجابي ملموس عن الانتساب أو التعاون، الأمر الذي يخضع للسلطة التقديرية لجهة الإدارة في تقييم عائد التعاون، ومن ثم رفضه إذا تراءى لها ذلك.
فيما يتعلق بالتعاون مع المنظمات الدولية؛ حظر القانون على الجمعيات الأهلية إبرام أية صيغ تعاون مع منظمات أجنبية، في الداخل أو الخارج، دون الحصول على ترخيص من الجهة الإدارية بعد موافقة الوزير المختص (المادة 19). وبطريقة مماثلة، وضعت اللائحة التنفيذية إجراءات تعسفية يتعين اتخاذها لإبرام مثل هذا التعاون، إذ اشترطت:
موافقة الجمعية العمومية للمنظمة المحلية.
تقديم مبررات التعاون والالتزامات المالية المترتبة عليه، والتي ستخضع بالضرورة للتقييم من جانب جهة الإدارة.
بيانات المنظمة الأجنبية وترخيصها القانوني وبيانات أعضاء مجلس إدارتها.
ألا تباشر المنظمة الأجنبية نشاطًا يهدد الأمن القومي.[16]
منحت جهة الإدارة مدة أقصاها 60 يومًا لدراسة الطلب وأخذ رأي الجهات المعنية، مع حظر اتخاذ أية خطوات للتعاون قبل الحصول على الترخيص اللازم.[17]
القانون واللائحة وضعا كذلك قيودًا غير منطقية على استعانة الجمعيات بموظفين أجانب أي كانت درجتهم الوظيفية؛ فاشترط القانون حصول الجمعية على ترخيص من الوزير المختص (المادة 72)، بعد أخذ رأي الجهات المعنية[18] قبل استقدام أو تعيين أي أجنبي في الجمعية، وقد اشترطت اللائحة التنفيذية تقديم طلب للوحدة المركزية، قبل 60 يومًا على الأقل من تاريخ استقدام الأجنبي، مع وضع استثناءً لبعض الفئات لاعتبارات الصالح العام التي يحددها الوزير المختص.[19]
سابعًا: العقوبات الإدارية
أجاز القانون للوزير المختص إصدار قرار بوقف نشاط الجمعية وغلق مقارها لمدة تصل إلى سنة (المادة 45)، وكذا وقف مجلس إدارتها، وتعيين مسيرين لأعمالها خلال مدة الوقف.[20] وبالنظر إلى الأسباب التي تجيز مثل تلك العقوبة نجد أنها لا تتناسب ولا تستدعى مثل هذه الإجراءات مثل:
ممارسة أنشطة غير مدرجة بنظامها الأساسي، حتى لو كان نشاطًا قانونيًا كفتح فصول محو أمية على سبيل المثال.
الانتقال لمقر جديد دون إخطار الجهة الإدارية.
مزاولة أنشطة داخل المناطق الحدودية دون ترخيص.
إطلاق مبادرة أو حملة لتنفيذ نشاط أهلي دون ترخيص.
فتح فروع في الداخل دون إخطار.
ثامنًا: الوحدة المركزية للجمعيات والعمل الأهلي
خلق القانون حالة من الضبابية حول عمل «الوحدة المركزية للجمعيات والعمل الأهلي»، وتحديدًا فيما يتعلق بالرقابة على المنظمات الأهلية، فقد اكتفى بتحديد تبعيتها للوزير المختص ومنحه سلطة تشكيلها (المادة 76)، وتحديد علاقتها بأجهزة الدولة الأخرى، إذ يتعين عليها في هذا السياق وضع آلية لتبادل المعلومات مع السلطات المختصة حال الاشتباه في تورط أي من المنظمات الأهلية في تمويل الإرهاب، أو كونها واجهة لجمع التبرعات من قبل تنظيمات إرهابية (المادة 80).
بالإضافة إلى استحداث نص يمنح الموظفين بالوحدة المركزية والوحدات التابعة لها صفة مأموري الضبط القضائي دون شرط مباشرة هذه الصفة بالنسبة للمخالفات المتعلقة بوظيفتهم،[21] الأمر الذي يسمح لهؤلاء الموظفين بممارسة سلطات تتجاوز نطاق عملهم واختصاصهم بصورة أشبه بضباط الشرطة.
تاسعًا: العقوبات المالية
تضمن القانون عقوبة الغرامة التي لا تقل عن 100 ألف جنيه (ما يعادل 6300 دولار أمريكي) ولا تزيد على مليون جنيه (ما يعادل 63000 دولار أمريكي) حال:[22]
تلقي أموال من جهات أجنبية أو محلية بالمخالفة للقانون.
تصرف مجلس إدارة الجمعية في أموالها أو تخصيصها في غير الأغراض التي أنشئت من أجلها.
مباشرة نشاط أهلي رغم صدور حكم أو قرار بوقف النشاط أو الحل.
مباشرة العمل الأهلي دون الخضوع للقانون.
ممارسة أنشطة من شأنها الإخلال بالنظام العام أو الآداب العامة أو الوحدة الوطنية أو الأمن القومي؛
تكوين جمعيات سرية أو تشكيلات ذات طابع عسكري أو شبه عسكري أو الدعوة أو تأييد أو تمويل العنف أو التنظيمات الإرهابية.
كما قرر عقوبة الغرامة التي لا تقل عن خمسين ألف جنيه (ما يعادل 3000 دولار أمريكي) ولا تزيد على خمسمائة ألف جنيه (ما يعادل 31000 دولار أمريكي) على مخالفات من بينها:[23]
نقل مقر المنظمة دون إخطار الجهة الإدارية، وجواز الحل القضائي في حالة تكرار المخالفة؛
منع الجهة الإدارية من متابعة وفحص أعمال المنظمة؛
التصرف في أموال المنظمة رقم صدور قرار أو حكم بحلها أو تصفيتها؛
إنفاق أموال المنظمة في غير الأنشطة المخصصة لأجلها؛
ممارسة أنشطة غير مدرجة بالنظام الأساسي؛
ممارسة الأنشطة السياسية أو الحزبية أو النقابية أو استخدام مقرات الجمعية في ذلك؛
الدعوة إلى التمييز بين المواطنين أو أي نشاط يدعو للعنصرية أو الحض على الكراهية؛
إجراء استطلاعات الرأي أو نشر أو إتاحة نتائجها، أو إجراء البحوث الميدانية أو عرض نتائجها قبل موافقة الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء للتأكد من سلامتها وحيادها وتعلقها بنشاط الجمعية؛
إبرام اتفاق مع جهة أجنبية داخل أو خارج البلاد دون الحصول على ترخيص بذلك.
وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن قانون العقوبات يتضمن نصوصًا أشد قسوة من حيث تجريم بعض الأعمال التي تدخل في نطاق عمل الجمعيات، منها على سبيل المثال، تقرير عقوبة السجن المؤبد والغرامة التي لا تقل عن 500 ألف جنيه لكل من طلب من شخص أو جهة محلية أو أجنبية أموالًا أو أشياء أخرى بقصد ارتكاب عمل ضار بمصلحة قومية أو الإخلال بالأمن والسلم العام (المادة 78)؛ عقوبة الحبس مدة أقصاها 6 أشهر وغرامة 500 جنيه أو بإحداهما حال إنشاء أو تأسيس أو إدارة جمعية ذات صفة دولية أو فروع لها دون الحصول على ترخيص (المادة 98)، هذا بالإضافة إلى حل المنظمة ومصادرة أموالها وأمتعتها وأوراقها (المادة 89 ه)؛ عقوبة الحبس مدة أقصاها 3 أشهر لكل من أنضم إلى هذه الجمعية أو اشترك فيها بأية صورة (المادة 98 ج)؛ السجن لكل من أنشأ جمعية غرضها الدعوة إلى تعطيل الدستور أو القانون أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي (المادة 86 مكرر).
هذا بالإضافة إلى تشريعات مكافحة الإرهاب[24] التي انطوت على تعريف فضفاض للجريمة الإرهابية بما يسمح بمعاقبة المنظمات بموجبه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.