الخميس، 20 مايو 2021

مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ''رواق عربى'': كيف عسكر السيسي مصر وقضى على الديمقراطية ومدنية الدولة بالباطل


مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ''رواق عربى'':

كيف عسكر السيسي مصر وقضى على الديمقراطية ومدنية الدولة بالباطل

السيسى أظهر الجيش كحزب حاكم وعرض نفسه كرجل المؤسسة العسكرية للحكم وليس حاكمًا بخلفية عسكرية وأعلن ترشحه مرتديًا الزي العسكري العملياتي وليس الفخري أي أنه مفوض بمهمة عسكرية لحكم مصر من قبل الجيش وشرعن عسكرة البلاد بتعديلات دستورية وقوانين باطلة  

كيف نجح السيسي في إعادة إنتاج السلطوية في مصر؟


القاهرة فى 20 مايو 2021

خلاصة

«احترام إرادة المصريين أشرف من تولي السلطة»، هكذا صرح المشير عبد الفتاح السيسي قبل توليه الحكم في 2014 ملوحًا بقوته المستمدة من تفويض مواطنين له بتولي الحكم والقضاء على «الإرهاب». نطرح سؤالنا الرئيس: كيف أعاد السيسي بناء سلطوية وهيمنة على الدولة وأجهزتها؟ انطلاقًا من استعادته نكسة 1967 وإشارته إلى أنّ الدولة ضرِبت داخليًا في ذلك العام. نعرض في هذه الورقة البحثية فرضيات عدّة مبنية على أبحاث أخرى وخطابات للرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي؛ فنتطرق لنوع الانقلاب عام 2013، وأهمية بند الـ«تفويض» في إعادة بناء السلطوية، ونتناول أهمية خطاب السيسي وعناصره المختلفة التي ساعدت في صعوده إلى الحكم ووضعه سردية للأحداث، وصولًا لاستعراض الاستراتيجية العملية في السيطرة على مؤسسات الدولة وتطويعها لحكمه وهيمنته، في ظلّ تماهي المؤسسة العسكرية بالدولة نفسها.

مقدمة

«أنتم نور عيني»قالها المشير عبد الفتاح السيسي قبيل توليه الحكم مخاطبًا الشعب المصري الداعم لقيامه بالانقلاب على حكم الرئيس السابق المنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، محمد مرسي في 2013. في أعقاب الانقلاب بدأت عملية تصفية أي معارضة بناءً على «التفويض الشعبي» للسيسي الذي استدلّ به في خطبه وحملته الانتخابية في 2014. كانت الحرب على الإرهاب وحالتا الفوضى والاضطراب الاجتماعي ركائز أساسية للسيسي والجيش في تصفية حالة الثورة، والمطالبة بتغيير النظام العام في مصر وطبيعة بنية الدولة المصرية وطريقة الحكم بشكل عام. ولم يسبق تاريخيًا أن تعرّض الجيش المصري كمؤسسة حكم لكمّ النقد والحراك السياسي ضدّه مثلما شهدت سنوات الثورة الأولى، وبالأخص منذ نهايات 2011 وبداية التصادم العنيف للجيش مع بعض القوى الثورية في الشوارع والميادين المصرية. وفي الوقت ذاته فإن دولة العسكر، التي تشكلت في مصر بعد 1952، ترى في أي نقد داخلي لسياساتها وحكامها، ولمؤسساتها الأمنية على وجه التحديد، نوعًا من العمالة للخارج و «خرقا للنسيج الوطني».

في مقابلة تلفزيونية في شهر مايو 2014، أشار السيسي إلى نكسة1967، وحجم تأثيرها على الدولة في ذلك الحين؛ في استعادة تحمل معاني تاريخية كثيرة لا تقتصر على العدوان الخارجي، إذ أثار السيسي أكثر من مرة احتمالية ضربة داخلية لماكينة الدولة. وهذه الإشارة تترتب عليها الأسئلة الآتية، وهي الأسئلة البحثية الرئيسة لهذه الورقة: كيف أعاد السيسي بناء سلطوية وهيمنة على الدولة وأجهزتها؟ ما هي الأسباب التي هيّأت المجال لذلك؟ وكيف يقارن هذا وفقًا لإشارة السيسي للحكم الناصري بعد 1967؟

نقدّم في هذه الورقة أربع فرضيات مبنية على أبحاث أخرى وخطابات للرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي. أولًا، نتطرق إلى نوع الانقلاب في 2013، وأهمية بند «التفويض» في إعادة بناء السلطوية. ثانيًا، أهمية خطاب السيسي وعناصره المختلفة التي ساعدت في صعوده إلى الحكم ووضعه سردية للأحداث، من ضمنها «سقوط الدولة» و«الحرب على الإرهاب»؛ تمهيدًا للاستراتيجية العملية في السيطرة على مؤسسات الدولة وتطويعها لحكمه وهيمنته. يتضمن هذا صعود الدولة العسكرية، ويطلق منذ زمن عبد الناصر «دولة داخل الدولة». الفرضية الثالثة مقسمة تحت عنوانين السيسي كرمز الخلاص والسيادة، والجيش كحزب حاكم، يوضحان أن ما حدث في مصر منذ 2011 هو تداخل لأربع قوى وتفاعلهم بشكل أيديولوجي وسياسي واجتماعي بشكل عنيف ومتباين؛ ونعني: انقلاب عسكري ذو طابع تدخلي لإزاحة مبارك من الحكم وتحجيم الأحداث بشكل استباقي؛ قوى إصلاحية سواء ذات طابع رجعي أو تقدمي؛ قوى الثورة المضادة ونظام مبارك؛ قوى ثورية تمثلت في عدة شبكات وحركات سياسية واجتماعية مختلفة وتسعى لإحداث تغيير جذري في المجتمع المصري، ولكنها محدودة تنظيميًا وتفتقر لركائز وقوى اجتماعية تستطيع الدفاع عن توجهها في مواجهة الدولة أو الإسلام السياسي. وتجدر الإشارة إلى أنّ سيولة تلك القوى كلها من حيث فاعليها ومواقعهم وتحالفاتهم كانت السمة الرئيسة للصراع السياسي والاجتماعي في مصر في تلك الفترة. أما الفرضية الأخيرة فتنطلق من اشتداد الصراع الاجتماعي في مصر وبلوغه مراحل عنف قريبة من حالة «الاقتتال الأهلي» ثم اندلاع موجات من العنف المسلح، هو ما مكن الانقلاب العسكري الذي بدأ في 2011 من حسم حال السيولة وتمدد موجات التغيير والديموقراطية في مصر. وبذلك، فإنّ هذه الفرضية تخوض في كيفية إعادة تسليح المؤسسات، ما أدى للقضاء على الحياة السياسية في مصر.

يمكن القول إن ماكينة الحكم التي شكلها السيسي في سنوات قليلة، تتسم بالقوة والسرعة والعنف، بشكل لم يتسنّ لأحد من قبله. فمصر تشهد تحولات ضخمة على كافة المستويات؛ بداية بخطاب السلطة وطبيعته ومحاوره، مرورًا إلى الاقتصاد وإعادة تشكيله وهيكلته، والمجال السياسي والقضاء عليه واعتماد استراتيجية جديدة للحكم، وطبيعة ودور المؤسسة العسكرية وتسليحها، انتهاءً بشكل الاجتماع[1] وعلاقة الدولة به والحلفاء الاجتماعيين للنظام الحاكم. كما يتسم حكمه بسرعة إيقاع شديدة، يتباهى بها السيسي وأنصاره. وللإشارة، يمتلك جهاز الدولة وشبكاته خبرات طويلة في التعامل مع الفصائل المسلحة في صعيد مصر والفيوم منذ الثمانينيات والتسعينيات، وكان الانفلات الوحيد في سيطرة بعض الجماعات المسلحة على أقاليم جغرافية تشنّ من خلالها حرب عصابات وحربًا إرهابية في شمال سيناء.

تفويض ثم انقلاب: العودة إلى نقطة البداية

في مقال منشور عام 2019، يشرح كيفين كوهلر وهولكر ألبرخت الفرق بين الانقلابات،[2] من يقوم بها وتبعات هذه الفروق على نوع السلطة التي تلي الانقلاب مع الإشارة إلى نموذج مصر في 2013. هناك انقلابات نمطية نستدل عليها بتعريف ميشيل فوكو بأنّ الانقلاب بمثابة معارضة من الدولة نفسها للإبقاء على وجودها في الحال نفسه.[3] في مصر احتلت نقطة الإبقاء على الدولة بشكلها ذاته مركزية شديدة عند مؤسسة الجيش، كما كانت نقطة مركزية في الصراع بين أجنحة النظام السياسي لمبارك ضدّ جمال مبارك ومجموعة رجال الأعمال. ثم انتقلت بعد الثورة لتكون أهم أسس خطاب الجيش ضد الثورة ومعبّرةً عن رؤيته اللحظية والتاريخية للحكم في مصر. وتحولت إلى أداة واستراتيجية لاستئصال جماعة الإخوان المسلمين من الحكم ومن الاجتماع المصري نفسه إلى حد بعيد. فقد كان الخوف من «أخونة الدولة»، أي سيطرة جماعة الإخوان المسلمين على الدولة وأجهزتها، وتحويل المجتمع المصري إلى حالة أفغانستان أو سوريا، بمثابة الهاجس الأكبر للصراع الاجتماعي والسياسي في مصر.

«بما أنّها تُنفذ عمومًا من قبل كبار قيادات الجيش، فإنّ انقلابات المرحلة النهائية أمثلة مرجعية لصراعات القوّة بين النخبة السياسية»[4]. بناءً على هذا التعريف لما يسمى بانقلاب المرحلة النهائية نستطيع رسم نقاط ترابط مع انقلاب 2013؛ انطلاقًا مما أشار إليه كوهلر وألبرخت، مع التشديد على أن الغرض من هذا النوع من الانقلابات هو الإبقاء على الدولة والمناصب في المقام الأول. يوضح الكاتبان أن هذا النوع من الانقلابات يحدث في ظلّ تعبئة جماعية أو تظاهرات تفوق القدرة القمعية للسلطة القائمة وهو ما حدث في مصر عام 2013، مع حشد الأطياف المختلفة وظهور حركة تمرّد.[5] وأشار السيسي في كلمة له عام 2019 مسترجعًا أحداث محمد محمود وماسبيرو وبور سعيد، وكان وقتها مسؤولًا للمخابرات الحربية، إلى أنّ مرسي كان يعتزم تصفية المجلس العسكري،[6] ما يؤكد أحد العناصر التي تجعل من انقلاب 2013 انقلاب مرحلة نهائية. ولكن هناك عنصر آخر أهم وهو نقطة الوصل بين نظام 2013 السلطوي ودولة عبد ناصر أعقاب 1967، وهو نزول الجماهير الغفيرة تأييدًا لحركة عسكرية. حدث هذا أولًا في 1967 بعد النكسة للإبقاء على عبد الناصر وبالتالي الإطاحة بمنافسه ومركز الخطورة داخل المؤسسة العسكرية، عبد الحكيم عامر. وثانيًا في 2013 بعد خطاب السيسي المؤيد يوم ٣٠ يونيو لموقف المتظاهرين اعتبرته بعض الحركات الداعية للتظاهر مثل حركة تمرّد بمثابة ضوء أخضر من السيسي للاستمرار في التظاهر حتى رحيل مرسي.[7] وكانت حركة تمرّد الحركة الأساسية التي ساعدت في حشد عدد كبير من القوى المختلفة والمواطنين، بدايةً بتوقيع عريضة مطالبة مرسي بالدعوة إلى انتخابات مبكرة أو الانحياز إلى مطالب الشعب. في سياق المقارنة بين 1952 و2011 إلى حد ما لم يكن هناك تأييد جماهيري –وهو أحد العناصر الذي تطرق إليها كوهلر وألبرخت لانقلابات المرحلة النهائية– لتدخّل المؤسسة العسكرية بشكل مباشر. فقد تمت الأولى على يد الضباط الأحرار وبرئاسة اللواء محمد نجيب. والثانية كانت تدخل المجلس العسكري برئاسة المشير محمد حسين طنطاوي بعد إعلان الرئيس السابق محمد حسني مبارك تخليه عن الحكم في 2011. إن الإبقاء على الدولة، والمستفيد الرئيس منها المؤسسة العسكرية –أو مؤسسات سياسية أخرى ومن ضمنها الإخوان المسلمين–  يعتمد على مدى قدرة امتصاص غضب الجماهير وتحويله لقبول ثم إعادة توجيهه.[8]

لا يولد هذا القبول من فراغ، فقد كتب عنه ميشيل فوكو وبيير بورديو في تطرقهما، للــ«حوكمة» (governmentality)[9] و«القوة الرمزية» (symbolic power)،[10] كلًا في مجاله. فالحوكمة لدى فوكو هي القوة المقترنة بالمعرفة وهي جموع المؤسسات والإجراءات والتحليلات التي تتيح فرصة ممارسات القوة على السكان؛ بالتالي هي لا تقتصر على «الأجهزة الحكومية» فقط (governmental apparatuses) إذ أنّ هذه الأجهزة تحتاج إلى المعرفة حتى يتسنى لها ممارسة هذا النوع من القوة.[11] ويستوجب هذا توضيح أنّ «السكان» (population) تمثل الكتلة السكانية على الأراضي وليس «الشعب» (people)، الكتلة التي تعتبر نفسها خارج علاقة أفراد الرعية والسيادة التي تربط الحاكم بالمحكومين.[12] فجزء من عجز مرسي عن إدارة البلاد يعود إلى عدم القدرة على استحضار الحوكمة حتى يقود، أو يُسيِّر، أجهزة الدولة والشعب المسيّس بعد انتفاضة الخامس والعشرين من يناير 2011. في المقابل، كان الجيش منذ 2011 يدّعي قدرته وأحقيته على إدارة الدولة وتمثيل الشعب. فقد طرحت المؤسسة نفسها أولًا، كأساس لشرعية الحكم نفسه، سواء بشكل شعبوي (مثل القول بأن مصر لا يستقيم حكمها سوى برجل عسكري) أو مؤسسي وتاريخي (مثل الجيش ممثل للشعب المصري، وتجسيد لروح الوطنية المصرية، الجيش هو المؤسسة الأكثر كفاءة وانضباطًا وحداثة في مصر، والجيش هو درع وقيادة مصر والأجدر بقيادة مصر في ظل المخاطر الأمنية والعسكرية التي تحدق بالبلاد). وقد طرحت المؤسسة العسكرية نفسها على الجموع انطلاقًا من كونها تمثّل الشعب، وأنها الأجدر والأكثر معرفة بتقنيات واستراتيجيات الحكم لإدارة السكان، بينما بقية القوى هي إما غير ممثلة للشعب طبقًا للرؤية الأيديولوجية للجيش، أو أنها غير ملمة بأبعاد المجتمع وغير مجهزة للحكم. كما أنّ الجيش هو النواة الصلبة للدولة المصرية كما يرى نفسه وتراه العديد من مؤسسات الدولة الأخرى وقطاعات اجتماعية واسعة. وهذا ما جعل الجيش قادرًا على التموضع في جبهتين: الأجدر لتماسك الدولة والسيطرة وإدارة الجهاز ومؤسساته المختلفة، أي أنه ضرورة للحكم داخل جهاز الدولة، وهو المحتكر الأول لتمثيل الشعب. وهذا يقودنا نحو تعريف «القوة الرمزية»، وهي القوة التي تستمدها الجهات الفاعلة سياسيًا من خارج المجال السياسي والتي تتضمن علاقة بين الجهة التي تمارس القوة والطرف الذي يعترف ويقبل بتلقي هذه الممارسة.[13] فالقوة الرمزية في أحد تعريفات بورديو هي القوة التي تبني الواقع والقادرة على إعطاء معنى مباشر وسريع للعالَم الاجتماعي.[14] وهنا تكمن أهمية الخطابات الأخيرة للسيسي قبل القيام بالانقلاب من جانب أنها ضاعفت من القوة الرمزية للمؤسسة العسكرية وقبولها، ومن جانب آخر أنّ الشعب أعطى الجيش إشارة ليكون ممثلًا معترف به لـ «إرادة الشعب» أو «مطالب الشعب». وعلى هذا الأساس حقق بناء القوة الرمزية مكاسب للجيش، وبدأت المرحلة التالية من التحوّلات في خطاب السلطة.

صعود السيسي وتحوّلات خطاب السلطة

ارتكز السيسي في بداية صعوده داخل شبكة السلطة وعلاقات القوة في مصر على ثلاث ركائز: أولًا، المعلومات وإدارة الملف الأمني في مصر منذ 2011 وحتى توليه الرئاسة في 2014. ثانيًا، قدرته على بلورة خطاب قوي وغامض أحيانًا ومضطرب لغويًا في بعض الأوقات ولكنه قادر على الاتساق بقوة مع المجتمع والدولة. وحتى أثناء تعاونه مع التيار الإسلامي وخدمته كوزير دفاع، نجح السيسي في تقديم خطاب ديني وسياسي قادر على جذب القوة الإسلامية إليه، وتحديدًا الإخوان المسلمين. ثالثًا، تموضع قوي داخل التحالفات الإقليمية واستغلال جيّد للظرف العالمي.

كان السيسي على موعد مع صعود نجمه داخل أروقة الحكم في ليلة الثامن والعشرين من يناير 2011. منيت قوات الداخلية المصرية بهزيمة كبيرة على يد الثوّار وانهار جانب كبير من بنيتها التحتية، وانهارت أسطورة حبيب العادلي الرجل الأقوى في مصر حتى عشية ذلك اليوم. مع انتشار الجيش وسيطرته على البلاد، عادت المخابرات العسكرية إلى صدارة المشهد بعد غياب عقود طويلة، منذ سبعينيات القرن الماضي. اشتد صراع الأجهزة أثناء الثورة، وتحديدًا بين المخابرات العامة بقيادة عمر سليمان، الذي حاول تصدّر المشهد في خضم أحداث الثورة الأولى، والمجلس العسكري بقيادة المشير محمد حسنين طنطاوي. وأضاف الصراع ثقل وأهمية لجهاز المخابرات العسكرية بقيادة السيسي، وباتت المخابرات العسكرية العقل الميسر للمجلس العسكري، والجهاز الرئيسي للمعلومات والاستخبارات الداخلية. وكلما اشتدّ الصراع السياسي والاجتماعي في مصر، زادت أهمية الجهاز والاعتماد عليه. ومع اقتحام مقرّات جهاز أمن الدولة، استحوذت المخابرات العسكرية على كافة ملفات البلاد. ولم يكن السيسي رجل الظلّ، فنفوذه اتسع ولم يبق فقط في خلفية المشهد. فالمخابرات العسكرية أجرت سلسلة من اللقاءات والمفاوضات مع شباب الثورة والقوى الإسلامية وتحديدًا جماعة الإخوان المسلمين –رغم حفظ المسمى المنسوب إلى «الإخوان المسلمين»، يجب التنويه إلى أنّها هيكليًا «تنظيم» (organization) لا «جماعة» (association) بالنمط المطلق– وكان السيسي يرأس هذه اللقاءات بنفسه.

منحت السنوات الأولى من الثورة المصرية السيسي فرصة ذهبية للإمساك بمكامن القوة في مصر: الأجهزة الأمنية كاملة. فبحلول التاسع عشر من نوفمبر 2011، أي أحداث محمد محمود الشهيرة، كان السيسي يدير المعركة والأجهزة الأمنية مثلما أقرّ بنفسه حديثًا. كان الجنرال يتوغل داخل الأحداث والتجمعات –خصوصًا من خلال مواقع التواصل الاجتماعي– وداخل أروقة الحكم والقوى السياسية المختلفة. وأصبح الرجل يملك كافة خيوط الصراع؛ سواء لاستحواذه على كافة المعلومات والمعرفة المطلوبة بالوضع، أو لسيطرته المادية المباشرة على الأجهزة الأمنية التي تدير المشهد في مصر. وكان السيسي يدير بنفسه أصغر التفاصيل.[15]

عبد الفتاح السيسي هو أحد تلامذة المشير طنطاوي والمقرب إليه، الأمر الذي ضاعف قوته الفردية والمؤسسية بحكم إدارته لجهاز المخابرات العسكرية. وفي تلك الفترة أيضًا نجح السيسي في اكتساب ثقة الإخوان المسلمين والتقرب إليهم. فالرجل يتسم بعدة خصائص جعلت الجماعة تظن أنه أقرب لها؛ بسبب سمته الديني والمحافظ، شكل ومظهر أسرته وحرصه على إظهار خطابه والتزامه الديني أمام قيادات الجماعة. ومع خروج المشير طنطاوي والفريق سامي عنان، سرّبت المؤسسة العسكرية معلومات بأنها لن تسمح بأيّ حركة ضد السيسي، مما سيعدّ بمثابة «انتحار للنظام السياسي كاملًا».[16] وهكذا صار السيسي وزير الدفاع في عهد مرسي، إلا أن الأخير كان يعمل على استبداله باللواء أحمد وصفي بسبب عصيان أوامر الرئيس بفرض الجيش حظر التجوال بمنطقة قناة السويس في مارس 2013.[17] أضف إلى ذلك كله، أن رسالة الماجستير الخاصة بالسيسي والتي قدّمها في الولايات المتحدة الأمريكية كانت تناقش مسألة الإسلامين والديموقراطية، وهكذا تضافرت العناصر النظرية مع الخبرة العملية في تعامله مع الإسلاميين حينها. في الوقت ذاته، سرت شكوك عدّة حول ولاء السيسي، وبالأخص حول كونه «ينتمي للإخوان»، وعززت دعاية الإخوان من هذا الأمر؛ فالكثير من القوى السياسية وقطاعات اجتماعية مختلفة لم تكن تعلم حقيقة موقف السيسي وموقعه من الصراع السياسي والاجتماعي في مصر حتى لحظة الثالث من يوليو، حين قرر الجيش الإطاحة بحكم الإخوان المسلمين. لكن في داخل أروقة الحكم والقيادات الكبرى للدولة، وبالأخص داخل الجيش والشرطة كان العديدون على علم بخطاب السيسي حول تماسك الدولة وأهمية الحفاظ عليها وتقوية مؤسساتها، مع التأكيد على أنّ الدين ليس له مكان داخل أجهزة الدولة وأنه «لم تكن هناك دولة دينية في الإسلام» وأن الحكام مسئولون عن إصلاح التمثيل الديني.[18]

شهدت مصر نقلة كبيرة ونوعية في طبيعة وبنية خطاب السلطة مع اعتلاء السيسي سدّة الحكم، فمصر تمتلك تاريخ طويل مع خطاب الطوارئ والاستثناء وتعزيز الدولة البوليسية، وأضيف إلى خطاب السلطة في هذا الصدد عنصر المؤامرة الخارجية بعد استيلاء الجيش على الحكم والصراع مع إسرائيل والقوى الاستعمارية. وقد استغل السادات ومبارك هذا الخطاب الأمني، وبالأخص مبارك؛ فقد ربط «الإرهاب الإسلامي» والتنمية والسلام بالأمن. ورغم الصلح مع إسرائيل والتقرّب منها، ظلّ مبارك قادرًا على استغلال خطاب المؤامرة والقوى الخارجية وإسرائيل كمقوّمات وركائز لخطابه الأمني. وقد نجح مبارك في خلق عملية دائمة من الأمننة للخطاب السياسي، بمعنى تحويل أي مسألة اجتماعية أو سياسية إلى مسألة أمنية خالِصة. بيد أنّ السيسي أخذ خطاب السلطة إلى مستوى جديد يتجاوز الخطاب الأمني التقليدي في عهد مبارك؛ إذ حوّل السيسي الخطاب الأمني إلى خطاب «أنطولوجي» (وجودي) يدور حول بقاء الدولة بذاتها، لا حول مجموعة من المخاطر. أي بلغة كارل شميت،[19] تمكن السيسي من خلق خطاب الاستثناء في أقصى ذرواته وهي خطورة تهديد وبقاء الدولة. ولذلك لا عجب في وضع نفسه كـ«سيّد» (sovereign) ومخلّص للدولة والمجتمع، وليس كصمام أمان أو عامل استقرار مثلما فعل مبارك. ونجح عبر هذا الخطاب في توحيد الدولة وقطاعات كبيرة من المجتمع خلفه وحوله في آن واحد. نجح هذا الخطاب في التمفصل مع الواقع على عدة مستويات في ذلك الوقت: أولًا، الهلع من خطورة «الحرب الأهلية» التي خيّمت على البلاد؛ ثانيًا، خوف أجهزة الدولة نفسها من استبدالها بالإخوان المسلمين وإزاحتها لصالح الجماعة، خاصة أنّ الداخلية لم تكن قد تعافت من هزيمتها في الثورة حين هشِّمت في ساعات معدودات؛ وأخيرًا، ضيق قطاعات واسعة من الاجتماع المصري من حال الفوضى وانعدام الاستقرار. المقصود هنا بالحرب الأهلية ليست الحرب الأهلية على نمط وغرار الحرب الأهلية اللبنانية، أو حالة رواندا، أو تفكك يوغوسلافيا. فالاجتماع المصري ذو طبيعة ونسيج مختلفين لا يسمح بقيام فصائل مسلحة بالتناحر الأهلي المباشر فيما بينها، كما أنّ مركزية الدولة لاتزال شديدة الثقل في مصر. ولكن الخوف من حرب أهلية في مصر كان يتجسّد في انفراط عقد الاشتباكات العنيفة، وبالأخص في الحيز المدينيّ وهو ما حدث بالفعل في القاهرة والإسكندرية وبعض محافظات الدلتا التي شهدت مواجهات مسلحة، كان من الممكن أن تتحوّل إلى اقتتال أهلي، أو أنّها تعزز حالة انفلات أحد الأقاليم الجغرافية ودخوله في صراع مسلح بين مكوّناته نفسها وضدّ الدولة، كما حدث بالفعل في شمال سيناء، أو انفراط عقد المواجهات الطائفية بين المسحيين والإسلاميين وهو ما حدث إلى حد ما بعد انقلاب الثالث من يوليو 2013 في الصعيد، والذي شهد موجة واسعة من حرق الكنائس والاعتداء على المسيحيين. تلقفت الدولة هذه المخاوف والصراعات، وقادت بنفسها النزاع والصراع عبر أجهزتها الأمنية والجيش. وشهدت مصر في عهد الإخوان أمرين شديدي الأهمية: انفجار المجال السياسي وفشله في تسوية النزاعات من جهة، واحتدام الصراع الاجتماعي والأيديولوجي من جهة أخرى. ويمثل المجال السياسي في الديمقراطيات الليبرالية التمثيلية المستقرّة الوجه الآخر أو التحويل السلمي والمؤسسي لصيغة الحرب الأهلية، بتحويلها لنزاع سياسي تداولي للصراع على التمثيل والبرامج المختلفة، ويمنح الشرعية لاستخدام جهاز وموارد الدولة من قبل جماعات سياسية مختلفة، مثلما يرى العديد من المفكرين أو الباحثين على غرار بورديو وشانتال مووف وآخرون. لم يصمد المجال السياسي في مصر ومحاولة بناء ديمقراطية تمثيلية أمام موجات الصراع الكبيرة التي شهدتها؛ بسبب هشاشة المجال نفسه وحداثة عهده وعدم استقراره، وأيضًا بسبب احتدام الصراع السياسي نفسه على الأرض؛ بسبب حالة الثورة والموجات الثورية المختلفة غير الراضية عن النتائج الإصلاحية الطفيفة المتحققة بعد الثورة، وكان ذلك مصحوبًا بفزع كبير من الإسلاميين، والخوف من استحواذهم على جهاز الدولة. والفيلسوف الإيطالي جورجيو اجامبين يُعرّف «الشمولية الحديثة على أنها إقامةُ، عن طريق حالة الاستثناء، حربٍ أهلية قانونية تسمح بالقضاء المادي ليس فقط على الخصوم السياسيين ولكن (أيضًا) على فئات كاملة من المواطنين الذين لا يمكن دمجهم لسبب ما في النظام السياسي».[20] وقد شهدت مصر تجسيدًا كبيرًا لهذا الأمر بعد 2013، تمثل في إعادة حال الطوارئ مرة أخرى بشكل اتسم بالجموح والعنف، وفي قوانين مثل تجريم التظاهر وقانون الإرهاب وقانون الكيانات الإرهابية والتوسع الكبير في المحاكمات العسكرية. ولم تستهدف هذه القوانين والآليات جماعة الإخوان المسلمين فقط، بل تمّت من خلالها تصفية فاعلية المجتمع المدني بشقيه الحقوقي والتنموي، وضرب النشطاء السياسيين من اليساريين والليبراليين والزج بهم في السجون، وضرب قطاعات اجتماعية مختلفة ومواطنين غير مسيسين على خلفية قضايا اجتماعية مختلفة مثل ما فعله السيسي ضدّ التجمعات التي حاولت مقاومة قرارات السلطة في إزالة مناطقها السكنية، والتنكيل بالباحثين، وأحداث جزيرة الوراق –التي تسعى الدولة لإخلائها لصالح تحويلها إلى مشروع استثماري كبير– والنزاع بين الدولة وبعض سكان الساحل الشمالي حول أرض الضبعة التي حولتها الدولة لمفاعل نووي. وهكذا طالت ماكينة الاستبداد عبر تنظيم حالة حرب أهلية قانونية، قطاعات مختلفة وواسعة من الاجتماع المصري.

السيسي كرمز للخلاص والسيّادة

تحوّل السيسي بفضل ماكينة الإعلام والاستخبارات وتكاتف أجهزة الدولة معه إلى رمز المخلّص والمُخلِص للدولة والشعب في آن واحد. كما نجح أيضًا في التمفصل مع رغبة قطاعات واسعة لإنهاء حالة الثورة والقضاء عليها وعلى السياسة بشكل عام، كفعل جماعي للصراع على الموارد والسلطة. وبنجاحه في «قيادة» أو توجيه الشعب المسيّس بتفويض من الأخير، أقام السيسي قطيعة مع حالة الزخم الثوري والسياسي التي شهدتها مصر بتوسع منذ 2011، وقطع الطريق على عملية التحوّل الديمقراطي ونجح في حماية الدولة ومؤسساتها من النقد الجذري الذي كانت تتعرض له. ونتمكن هنا من التوقف حول المناقشات التي تتناول حجج الثورة والثورة المضادة (الفُلُول) لتأكيد أنّ ما تطلع إليه الجيش والإخوان منذ فتح المجال السياسي هو الهيمنة على الدولة على الوضع ذاته، الذي تكمن بها كل مصالحهم منذ سنوات عدّة. فالإخوان كانوا يمثّلون قوة سياسية واقتصادية واجتماعية مؤسسية تحت نظام مبارك كما عرضت ماري فانيتزيل في كتابها الأخير،[21] وحازم قنديل في تغطيته للنظام الداخلي للجماعة.[22] ولذلك، فإنّ الشعب كان الطرف الثوري الوحيد، ولكنّ كتلة منه تحوّلت من قوة ثورية إلى قوة مضادة للثورة بالقوة (أو القوة الرمزية) والقيادة ومنح تفويض للسيسي. واستطاع السيسي بموجب هذ التفويض التموضع خارج الصراع السياسي والاجتماعي، فهو ليس فاعلًا سياسيًا مثل بقية الأطراف، بل ممثل الدولة في حرب البقاء ضدّ خصومها وخصوم الاجتماع، وتحديدًا جماعة الإخوان. لا يعني هذا أن الدولة والجيش كانا فعليًا خارج الصراع السياسي والاجتماعي، وإنّما استطاع السيسي مراكمة القوة الرمزية الخالقة لهذا التصوّر والمخيال عن الجيش باعتباره الحامي والحكم بين الأطراف المتصارعة. وهذه خاصية لا تخص مصر تحديدًا، ولكنها الطريقة التي تعرض بها الدولة نفسها على الجموع والطبقات المختلفة، والتي تحاول تصوير الدولة ككيان مستقل وغير منخرط بشكل مباشر في الصراع السياسي والطبقي مثلما يشير بولنزازس.[23] وبالفعل سيتم وضع هذه الصيغة عن الجيش كحامٍ للديموقراطية وحكمٍ أخير للصراع في الدستور المصري بعد تعديلاته الأخيرة في 2019. ويشير بهي الدين حسن إلى أنّه «على النقيض من تونس والسودان، فالجيش المصري مسيس وله طموح سياسي هائل ويتركز على حصر تداول الحكم في مصر بقيادته منذ 1952 »،[24] ولكن تظل لدى الجيش القدرة الرمزية على طرح نفسه كطرف خارج الصراعات السياسية المباشرة. وعزز موقف الجيش تجاه مبارك وفي بداية الثورة عام 2011 من هذه القوة الرمزية، حيث أطاح بمبارك ولم يقمع ميدان التحرير أو يتورط في أي اشتباكات عنيفة ضد المتظاهرين طيلة الثمانية عشر يومًا في 2011. وعزز العجز البنيوي لدى قوى الثورة، في الاستيلاء على السلطة، من القبول بعملية انقلابية من خلال مؤسسة الجيش؛ لكي تدفع الحراك وتحقق بعض مطالبه. وبالتالي ظل الانقلاب مطلبًا شعبيًا، ضمنيًا كان أو معلنًا، منذ اليوم الأول في الثورة وحتى الثالث من يوليو 2013. فالعوز الثوري للانقلاب جعل المؤسسة العسكرية قادرة على طرح نفسها كحكم أكثر منها كطرف أصيل في الصراع. فهي قد تكون حكمًا، ولكنّها بلا شك طرف مركزي في الصراع المباشر.

الصيغة السابقة: الحرب والحفاظ على كيان الدولة، منحت السيسي مقدارًا من القوة والشعبية لم يتسنّ لأحد قبله، فعبد الناصر نفسه لم يبدأ حكمه عام ١٩٥٤ بأيّ مستوى يقارب الشعبية الواسعة التي بدأ بها السيسي حكمه الحقيقي في 2013. كما أنّ السيسي استطاع قيادة الدولة المصرية في إدارة «حرب أهلية» كبيرة ولكن من خلال صراع الهيمنة على جهاز الدولة.[25] وهو الأمر الذي جعل معركته مع الإسلام السياسي ذات طبيعة مختلفة عن كلّ من سبقه. فأولًا، هذه هي المرة الأولى التي تقرر فيها جماعة الإخوان المسلمين الدخول في مواجهة مفتوحة وواسعة مع الدولة نفسها وضدّ الجيش كمؤسسة، وحتى في أوج صراع الإخوان مع عبد الناصر، لم تقم الجماعة بمهاجمة مؤسسة الجيش سياسيًا أو فكريًا أو ماديًا، ولا حتى الداخلية أيضًا كمؤسسة. ثانيًا، انضمام أطياف مختلفة من الإسلام السياسي والسلفية الجهادية لجماعة الإخوان المسلمين، وانفجار الصراع المسلح بشكل دامٍ في سيناء. فالحرب الأخيرة تختلف بالكلية عن صراع عبد الناصر مع الإخوان في 1954 ثم 65 أو عن حرب الدولة مع العنف المسلح في الثمانينيات والتسعينيات. وقد أوضح أحمد زغلول شلاطة في ورقته التي تتناول فكرة الجهاد داخل جماعة الإخوان المسلمين مقارنًا بين 1954، 1965، 2013. ومستدلًا بإرشادات الجماعة فـي «فقه المقاومة الشعبية للانقلاب» (2015) و«بيان الكنانة» (2015)،[26] أنّ فكرة الجهاد من حيث القتال كانت في مطلع الأفكار المتأصلة داخل التنظيم منذ النشأة من قبل حسن البنا، وتبنت مجموعة منها الفكر الجهادي القتالي بعد انقلاب 2013. هذا كله وفي خلفية المشهد ثورة شعبية اندلعت في 2011، ودولة منهكة وبعض قطاعتها شبه مهزومة وتسعى لاستعادة هيمنتها وقوتها مرة أخرى على البلاد. علاوةً على ذلك كلّه، شهدت السنوات الثلاث الأولى من الثورة المصرية وبالأخص 2013، دخول مؤسسة القضاء والقضاة كفاعلين أساسيين في الصراع السياسي والاجتماعي في مصر بشكل أيديولوجي ومؤسسي. رغم أن مصر لم تشهد في أي مرحلة من تاريخها تورط القضاة بهذا الشكل في الصراع السياسي والاجتماعي، وبهذه الحدة.

كانت الظروف كلّها مهيأة للسيسي كي يتلقف الدولة بالكامل، ويخضعها لسيادته وهيمنته الكاملتين. وقد نجح السيسي عبر استراتيجية واضحة وخطاب جديد في تعضيد سلطته. كانت شوارع مصر ممتلئة بصوره كبطل شعبي ومنقذ لمصر، حتى أن صوره رسمت على قطع الحلوى. بالإضافة إلى خطابه الدائم حول الدولة وخطورة انهيارها، نجح السيسي عبر أجهزة الدولة المختلفة في التلاعب بالمشاعر الوطنية في أقصى صورها. فقد كانت بعض الجموع تنطلق في جميع شوارع مصر، وبمختلف المحافظات، معتدية على أي مجموعة معترضة على سياسيات السيسي، أو على أي فرد يعبّر عن رأيه السياسي والفكري على المقاهي. لم تكن هذه المجموعات تابعة للأجهزة الأمن أو المباحث كما كان معتادًا في الماضي، بل كانت مجموعات مختلفة من جموع الشعب لا تربطها صلة بالأمن في أغلب الوقت. وتمددت هذه الحالة الفاشية داخل الأسر والعائلات وبالأخص ضدّ القطاعات الشابة المعارضة للحكم العسكري والديني في الوقت نفسه. عزز هذا الخطاب الوطني حالة الاستياء والشيطنة التي واجهتها جماعة الإخوان المسلمين وتصويرهم الدائم بكونهم جماعة «خارج النسيج الوطني» وضده، وتسعى لتفكيك «الوطنية المصرية الضاربة جذورها عبر التاريخ». كانت ماكينة الإعلام الخاصة والمملوكة للدولة تعمل بكدّ على شيطنة الإخوان ونزع مصريتهم، ونزع إنسانيتهم أيضًا عبر خطاب «الخرفان». ونجح السيسي في اللعب على وتر شديد التناقض، فمن ناحية قدّم نفسه كمسلم متدين ومحافظ، ولكنه أيضًا حامي المثقفين والتنويريين والمرأة والأقباط والأقليات المختلفة من بطش التطرف الإسلامي. في هذا السياق، استقطب السيسي الكنيسة القبطية في مصر بالكامل في صفه في الحرب ضدّ الإخوان والإسلام السياسي. وتقرب منهم وتودد إليهم عبر زياراته المختلفة للقداس السنوي الكبير في ميلاد المسيح. وأتاح مساحة أوسع للكنيسة في بناء الكنائس. لا يمكن القول إن وضع الأقباط كأقلية قد شهد تحولًا بنيويًا في مصر، وكذلك الصراع الطائفي، ولكن هذا التودد والتقارب الجادين وتبجيل البابا تواضروس، وطرح السيسي لنفسه كحامٍ ومدافع عن حقوق الأقباط كمواطنين مصريين نجح في ضم جموع كبيرة من الأقباط والمؤسسة الكنسية في صفه، وتعالت خطب القساوسة ممجدة له في كثير من كنائس مصر. والأهم أن هذه الحالة وسط الخوف من الإيذاء المادي المباشر والتعرّض للقتل والتنكيل، قضت تمامًا على المعارضة القبطية الداخلية، ونجحت في توحيد صف الكنيسة والتخلّص سريعًا من الأصوات والحركات السياسية المنتقدة للمؤسسة العسكرية والقيادة الكنسية معًا.

وصل السيسي إلى الحكم في مصر بعدما نجح في ضمان ولاء ودعم قطاعات كبيرة ومختلفة، بالإضافة إلى إحكام قبضته الكاملة على جهاز الدولة. ولكنه منذ ترشحه للرئاسة أعلن أنه لا يدين لأحد بأي حقوق أو التزامات، أو على حدّ قوله شخصيًا «معنديش فواتير لحد»؛ وهي صيغة متسقة تمامًا مع حالة الوطنية البدائية المطروحة منذ البداية، وأعاد طرحها السيسي. فصار رجل الجميع ورجل اللا-أحد. لقد نجح في تحويل نفسه إلى رمز قابل لأن يؤوله الجميع لصالحهم. فهو حامي الأقباط، ومدافع عن السيدات، ومخلص للدولة وحاميها، ورجل التنويريين الذي يحمي مصر من الظلام الإسلامي، وهو رجل الوسطية الإسلامية المعتدلة التي يعبّر عنها الأزهر والأوقاف –مع الأخذ بالاعتبار أن سمت الوسطية الدينية لا يعني عدم تشاحنه مع الأزهر على خلفية المساس باستقلالية المؤسسة وآرائها الدينية.[27] وفي المرحلة الأولى من صعوده، هو رجل الناصريين وخليفة عبد الناصر الذي سيعيد لمصر هيبتها ومجدها مرة أخرى. كما أنّه لم يقدّم أي وعود سياسية لها علاقة بالديمقراطية أو تعزيز آلياتها وترسيخها؛ فالرجل كان شديد الوضوح، وتحدث فقط عن أنّ مشروعه هو الحفاظ على الدولة وتعظيم قوتها مرة أخرى، وإنهاء حال الفوضى. أبرز لحظتين في تأسيس حكم السيسي هما خطاب التفويض وفض اعتصامي رابعة والنهضة. فالسيسي طلب تفويضًا عسكريًا وشعبيًا من الجماهير لإدارة الحرب الأهلية المحتملة. وكانت لغة جسده شديدة التعبير والرمزية؛ فالرجل خرج لجموع المصريين في كامل زيّه العسكري مرتديًا نظارة الشمس (داخل التقاليد العسكرية الميدانية، فالقائد الأعلى رتبة هو فقط من يحق له أن يخاطب الجنود والضباط مرتديًا نظارة الشمس، ولا يستطيع أحد مخاطبته مرتديًا النظارة أمامه) في شكل شديد الصرامة والعسكرة، مخاطبًا العسكريين ومطالبًا المدنيين بتفويض مفتوح. وهي حالة فريدة، فهي استدعاء سياسي للجموع لإخراجهم من الفعل السياسي، وتحويل الأمر وإفراغه من أي بعد سياسي لصالح حالة أمنية وعسكرية صرفه. ثم جاءت لحظة الفض، وأثبت السيسي قدرته على استخدام أقصى درجات العنف وارتكاب واحدة من أعنف المذابح في مصر، ولكن برضى شعبي ودعم إقليمي وغضب دولي سيستطيع تطويعه فيما بعد. نجح السيسي في طرح صيغتين في منتهى القوة لتبرير الفض، الأولى هي الصيغة الوطنية الدولتية؛ أي أنه يقتل للحفاظ على الدولة الوطنية الحديثة في مصر ويحارب خطر وشبح سقوطها مثل ليبيا وسوريا والعراق. والصيغة الثانية وهي صيغة دينية محضة وهو أنه يقتل مجموعة من الخوارج بالمعنى الإسلامي القديم لمفهوم الخوارج كجماعة مارقة عن الإسلام تسعى لتخريب وتدمير المسلمين. وساعدته الماكينة الإعلامية والدينية في طرح الصيغتين في الوقت نفسه. ومارس علي جمعة، وزير الأوقاف الأسبق، دورًا شديد الأهمية في تعبئة الجنود والضباط وعموم الجمهور في هذه الحرب، فقد كان التفويض لحظة مثالية للدولة لتمارس القهر والعنف بأقصى درجات الشرعية والإجماع. وهو ما جعلها شديدة الفاعلية طبقًا لمجادلة تيري ايجيلتون أو في تصور أنطونيو جرامشي عن الهيمنة ودور الإجماع في بنائها.[28] بالنسبة إلى جرامشي، الهيمنة لا تتمثل فقط في استخدام القوة الجسدية لكنها أيضًا ممارسات القوة من خلال الأفكار والثقافة؛ وهو ما يسميه جرامشي «الهيمنة الثقافية» (cultural hegemony).[29]

الجيش كحزب حاكم

رغم الشعبية الجارفة للسيسي إبّان ترشحه للرئاسة، لكنه لم يهتم حقيقة بعرض نفسه سوى كرجل المؤسسة العسكرية للحكم وليس حاكمًا بخلفية عسكرية كما هو الحال في مصر منذ 1952. ولهذا أعلن السيسي نيته للترشح بعد «إخطار» القوات المسلحة كما أوضح في مقابلة تلفزيونية على قناة سي بي سي (CBC) في مايو 2014، مضيفًا «القائد العام ما بيستئذنش».[30] ولهذا الإعلان وما يخصه من سرد إعلامي خصلتين رمزيتين: الأولى هي أن السيسي أعلن ترشحه مرتديًا الزي العسكري العملياتي وليس الفخري؛ أي أنه مفوض بمهمة عسكرية لحكم مصر من قبل الجيش. ثانيًا، أن اللافتات الداعمة للسيسي كمرشح رئاسي قبيل الانتخابات كانت تحمل صوره بالزي العسكري في بعض الأحيان وكان يسبق اسمه رتبته كمشير في القوات المسلحة على غرار عنوان المقابلة التلفزيونية المذكورة سابقا: «المشير السيسي في أول ظهور تليفزيوني له». هذا هو التضارب في هوية الرئيس الحالي، إذا كان عسكريًا أو ذو خلفية عسكرية. وهذا ينعكس على التضارب بين السرد الإعلامي وسرد الدولة للأحداث منذ 2013، حول أن ما حدث لم يكن انقلابًا ولكنه ثورة ثانية؛ لأنه تم بتفويض من الشعب، ولأنه تم تعيين رئيس المحكمة الدستورية العليا، عدلي منصور رئيسًا حتى تنظيم الانتخابات في 2014.

وبالفعل قدّم السيسي نموذجًا جديدًا على مصر في الحكم. فالرجل لم ينشئ نظامًا سياسيًا كما هو متعارف عليه تاريخيًا في مصر، سواء أكان نظامًا تعدديًا أو نظام الحزب الواحد (الاتحاد الاشتراكي) مثل عبد الناصر، أو نظامًا شبه تعددي سلطويًا يقوم على حزب مدني حاكم (الحزب الوطني) مثل مبارك والسادات. بل اعتمد السيسي فقط على مؤسسة الجيش والأجهزة الأمنية في الحكم والإدارة، وحتى في الجانب الاقتصادي، فاللاعب الأول على الساحة هو الهيئة الهندسية يليه جهاز الخدمة الوطنية، وكليهما أجهزة داخل مؤسسة الجيش. تحوّل الجيش إلى حزب حاكم وإلى الرأسمالي الأول والرئيسي في مصر، وهي صيغة تختلف أيضًا عن رأسمالية الدولة التي شهدتها مصر في عهد عبد الناصر. فمع المقارنة واستدلالًا بكتاب أنور عبد الملك وتحليله لفترة 1952-1967،[31] نجد أنه تمّ وقتها استقطاب وإعادة بناء طبقة بورجوازية جديدة بعد 1952 مع تصفية وتأميم الإقطاعيين وشركات القطاع الخاص، وهذه تعدّ مقاربة مع النظام الحالي. ولكن يكمن الاختلاف في أن الجيش في 1952 كان يمثل عجلة التقدم والتحضر في مصر مع بناء مصانع مختلفة وتأميم أخرى، وهو الآن بوابة الاستثمار والفاعل الاقتصادي ولكن في ظل واقع نيوليبرالي. ويسعى الجيش للاستحواذ على مفاتيح السوق المصري والشراكة المباشرة مع المستثمرين الأجانب ومنح بقية الفاعلين في السوق المصرية مقاولات من الباطن أو عبره. فالسيسي لم يسعَ لتغيير واقع بنية الاقتصاد ونمطه أو تحويله، فقط إعادة ترتيب الفاعلين داخل السوق المصرية ووضع الجيش بمثابة بوابة رئيسة لأي فعل اقتصادي. ويبرز ذلك النمط تحديدًا فيما يتعلق بمشاريع الطرق، واستحواذ الجيش على بعض الصناعات والموارد مثل المحاجر وصناعة الرخام وجانبا من صناعة الإسمنت (ولكنه يسمح للشركات الأجنبية بمشاركة الحصة الأكبر من صناعة الإسمنت في مصر، مثل لافارج وتيتان)، وأيضًا فيما يتعلق بالأراضي في مصر، تحوّل الجيش إلى أكبر مستثمر ومالك للأراضي، العاصمة الإدارية الجديدة ومدينة العلمين كمثالين.

حقق السيسي ما لم يستطع حاكم آخر منذ 1952 تحقيقه، فقد تخلى عن الصفقة المؤسسة لشرعية الدولة العسكرية: الأمن الاجتماعي والخدمات والدعم في مقابل الحرية. فالسيسي حرر جهاز الدولة من أعبائه الاقتصادية والمالية تجاه المواطنين، ما أعتقه من أي التزام اجتماعي فيما يتعلق بتوفير الخدمات مقابل رسوم زهيدة أو بشكل مجاني. وقام بتسليع خدمات الدولة بمنطق السوق النيوليبرالي. ومنحه تحرير موازنة الدولة من هذه الأعباء فرصة أكبر في التوسع في مشاريعه وتصوراته عن إدارة الاقتصاد. كما نال رضى وإشادة صندوق النقد والبنك الدولي بسبب سياسات التقشف ورفع الدعم وتقليل الإنفاق الحكومي. كما نجح في الاحتفاظ بالطابع الاستبدادي والتسلطي للدولة المصرية، وتصاعدت قدرة الدولة على القمع والبطش بخصومها وتقييد الحريات العامة والسياسية. كل ذلك تزامن وتمفصل مع شعور عميق بالتهميش لدى مؤسسة الجيش. منذ هزيمة 1967 والجيش يتراجع دوره السياسي وهيمنته في إدارة الحكم، منذ الصراع الداخلي بالجيش في أوائل الستينيات وحتى الهزيمة –بين عبد الناصر وعبد الحكيم عامر– الذي تطرق إليه خالد فهمي في بعض محاضراته وفي مداخلة على تلفزيون الاشتراكي موضحًا التغيير بهيكل الدولة بعد 1967، وخصوصًا بعد أحكام قوات الطيران في 1968، والتي أدت إلى تظاهرات وحشود منددة بالأحكام المخففة.[32] من تلك التغيرات إنشاء الأمن المركزي كأداة قمعية، ونجح السادات في إزاحة الجيش من الإدارة والهيمنة المباشرة إلى حد بعيد واستبداله بالداخلية، وتحديدًا قوات الأمن المركزي كدرع وحامٍ للنظام وبديل عسكري لقوات الجيش في الداخل، وبجهاز أمن الدولة الذي سيدير مصر منذ السبعينيات حتى لحظة الثورة في 2011، وفي الخلفية الحزب الحاكم لإدارة جانب من الصراع الاجتماعي على الموارد والنفوذ والهيبة في مختلف محافظات مصر. استغلّ السيسي هذه الحالة وهذا الشعور بالتهميش ليعيد إطلاق يد الجيش مرة أخرى على الاقتصاد والاجتماع والسياسة في مصر.

ورغم أنّ هاجس الأجهزة الأمنية والحكم في مصر منذ 1952 هو الانقلاب العسكري على الانقلاب العسكري، لا يبدو أن السيسي يواجه معضلة كبيرة في هذا الشأن. فقدومه من المخابرات العسكرية أتاح له قدرة عالية على السيطرة على المؤسسة، وكذلك انخراط المؤسسة في معركة واسعة ضدّ العنف المسلح. وتتضح من تغيير القيادات العسكرية الكبيرة سهولة تحكّم السيسي بزمام الأمور داخل المؤسسة. وكل هذه الإجراءات تعد بما يسمى بالتقنيات «المضادة للانقلاب»[33]. وهذه التقنيات تتمحور حول تقليل احتمالات وجود تجمعات داخل منظمة الدولة قد تؤدي إلى الاستحواذ على السلطة. بعض الأمثلة لهذه التقنيات هي إحلال القيادات داخل المؤسسة العسكرية، وتعزيز قوات الأمن المركزي في عهد أنور السادات منذ 1970.[34] وبالفعل قام السيسي بالمثل بتغيير وزير الدفاع صدقي صبحي في عام 2018، وكان صبحي شريكه الرئيس في الوصول إلى الحكم بشكل سلس، كما قام أيضًا بتغيير رئيس الأركان ونسيبه محمود حجازي. ولذلك لا يبدو أنه يواجه داخل المؤسسة أي أشخاص أقوياء لا يستطيع إزاحتهم. بالقطع هناك قضيتان عسكريتان متهمة بهما مجموعة من الضباط بمحاولة القيام بانقلاب عسكري،[35] لكن لا يبدو أن ثمة شيئًا مقلقًا في الأفق أو غير اعتيادي ضده داخل مؤسسة الجيش، فهو قادر على إدارة وإحلال من يشغلون مناصب مهمة لتفادي أي محاولات للاستيلاء على الحكم من داخل المؤسسة.

تعضيد الحكم: القضاء على السياسة وإعادة تسليح المؤسسات

نجح السيسي في القضاء على المجال السياسي الذي تشكل بعد الثورة، وتغيير معادلة مبارك في ترك هامش نسبي للمعارضة والإخوان المسلمين؛ فالسيسي لا يقمع الفعل السياسي فقط، بل يمنعه من المنبع ولا يترك له أي هامش للنمو والحركة والمناورة. الدروس التي تعلمها السيسي من ثورة يناير هي: أولًا، توحيد قوى الدولة وأجهزتها المختلفة وتدعيم الأجهزة الأمنية وتقويتها وعدم السماح لنمو أي صراع للأجنحة المختلفة داخل الدولة؛ ثانيًا، عدم السماح بأي هامش حركة للمعارضة والحركات الشبابية؛ ثالثًا، الإفراط في القمع واستخدام العنف ضد المعارضين والتنكيل الواسع بهم سواء عبر السجون أو التشهير أو الشيطنة الإعلامية. كما استغل السيسي رغبة القوات المسلحة والداخلية في استعادة قوتهم لكسب ثقتهم، وطرح نفسه عليهم كمخلِّص والرجل المسئول عن تطوير وتحديث المؤسستين. ونجح في تطويع علاقته الإقليمية بالإمارات والسعودية في تسليح الجيش والداخلية. فمصر أصبحت ثالث مستورد للسلاح في العالم في الفترة بين 2014 و2018 (بعد السعودية والهند) طبقًا لمعهد ستوكهولم للسلام. ووفقًا للتقرير، زادت واردات مصر من الأسلحة ثلاثة أضعاف بين عامي 2009 — 2013، و2014- 2018.[36] وجرت إعادة تسليح الجيش المصري من فرنسا وألمانيا وروسيا، مع الاستمرار في شراء الأسلحة من الولايات المتحدة الأمريكية، استكمالًا للمعونة الأمريكية منذ كامب ديفيد. وأحد تقارير فرانس 24 يشير إلى اشتراك السعودية في تمويل صفقة الميسترال الفرنسية.[37] وتنوع تسليح الداخلية بين المعدات والمركبات والمدرعات والذخائر وقنابل الغاز وحقوق إنتاج الأعيرة النارية. كما استورد معدات وتقنيات تجسس بمليارات الدولارات، ساعدت الإمارات في العديد منها طبقًا لفرانس 24.[38] ويعد تسليح الداخلية وتطور تقنيات المراقبة مفهومًا في سياق الحرب الداخلية التي يخوضها النظام ضد جماعة الإخوان المسلمين و«الجماعات الإرهابية»، ولمحاصرة القوى الديموقراطية. رفعَ هذا التسليح من قوة الداخلية ورفع الروح المعنوية للمؤسسة واستعادة شعورها بالتفوق على المجتمع مرة أخرى بعدما واجهته عقب هزيمة الثامن والعشرين من يناير 2011.

التوسع في إعادة تسليح الجيش قابل للتحليل من أكثر من زاوية. أولًا، السبب الداخلي هو إرضاء الجيش كمؤسسة وتثبيت أركان السيسي عبر ضمان ولائها من خلال رفع كفاءتها وتطويرها. ويرى سبرنغبورج الأمر بزاوية أخرى وهي أن ثقة السيسي في الجيش وقدرته على مراقبته وضمان ولائه، سمحت بتطوير وإعادة هيكلة الجوانب العملياتية والبينية بين الأسلحة المختلفة، ودفعت بضرورة إعادة التسلح وتنويعه لمواكبة التحديات الداخلية والإقليمية.[39] وتنوع مصادر السلاح كان له مردود إيجابي داخل الجيش ورفع من أسهم السيسي بداخله، حيث يعتبر أول من نجح في تنويع مصادر السلاح داخل الجيش منذ كامب دافيد، أو هذه على الأقل رؤية العديد من الضباط الآن. وبهذا نجح السيسي أيضًا في المناورة مع الولايات المتحدة بعد تهديد هذه الأخيرة أكثر من مرة بقطع المعونة العسكرية. ثانيًا، التسابق الإقليمي للتسلح والخوف من التوترات القائمة في المنطقة، وقد عرض السيسي أكثر من مرة مصر على الخليج كقوة محتملة. وهو ما دفع السيسي في يناير 2018، لتوقيع اتفاقية «مذكرة التفاهم في مجال الأمن وقابلية تبادل الاتصالات» والمعروفة بـ «سيزموا»(CISMOA)  مع واشنطن. وتُعتبر هذه الاتفاقية شرطًا قانونيًا من الولايات المتحدة لتزوّد الدولة الحليفة بأجهزة ونظم اتصالات مشفّرة، ما يمكّنها من استخدام وسيلة الاتصال المباشر خلال الوقت الحقيقي والفعلي.[40] وذلك لكي يتناغم تقنيًا وعملياتيًا مع بقية دول الخليج وحلفاء الولايات المتحدة. وجدير بالذكر أن مصر راوغت لمدة ثلاثين عامًا لتفادي التوقيع على هذه الاتفاقية. ثالثًا، نجحت هذه الصفقات في شراء سكوت الدول الغربية على انتهاكات حقوق الإنسان وكسر العزلة التي حاولت بعض الدول فرضها على مصر بعد سيطرة الجيش على الحكم في الثالث من يوليو 2013.

في الختام، نجح السيسي في بداية صعوده في استقطاب قطاعات كبيرة من المجتمع كانت في حالة هلع كبيرة من هيمنة الإسلاميين، ونجح عبر خطاب خطورة انهيار الدولة في المتفصل مع الواقع المضطرب، وقد مكنه من شعبية عارمة وقدرة مهولة على البطش والقمع. ورغم تراجع شعبيته بسبب السياسات الاقتصادية القاسية، نجح في تعضيد حكمه وفرضِ أمر واقع بعد نجاحه في مرحلة الصعود. كما استفاد من الصراع الإقليمي، وضمن دعم الإمارات والسعودية السخيين له وتسليح مؤسساته. وأخيرًا نجح في السيطرة الكاملة على جهاز الدولة وتطويع وإخضاع جميع مؤسساتها والتنكيل بخصومه عبر الجهاز نفسه، وتحديدًا الشرطة والقضاء والجيش. وفي الآونة الأخيرة، نجح السيسي عبر التعديلات الدستورية الأخيرة، التي سمحت له البقاء في الحكم بعد انتهاء مدته، في إخضاع مؤسسة القضاء بالكامل. فالأخيرة كانت تتمتع بقدر من الاستقلال سمح بمناورة السيسي وباستغلال المؤسسة القضائية في قضية مصرية جزيرتي تيران وصنافير اللتان تنازل عنهما للسعودية.

وعلى عكس كلّ من سبقه، فالسيسي لا يرى توطيد حكمه من خلال إنشاء كيان سياسي قوي يكون بمثابة حليفه الاجتماعي والسياسي، وإنّما من خلال توحيد قوى وأجهزة الدولة خلفه وطرح نفسه على عموم الجمهور كمخلّص وحامٍ للبلاد. في كلمته ضمن فاعليات يوم الشهيد في التاسع من مارس 2021، أعلن السيسي أن افتتاح العاصمة الإدارية الجديدة، الجاري إعدادها منذ توليه الحكم في 2014، يعدّ بمثابة ميلاد جمهورية جديدة ودولة جديدة؛[41] فباتت الدولة هي دولة المؤسسة العسكرية فقط، متخلصة من الدولة التي كانت خارج المؤسسة العسكرية منذ عهد عبد الناصر.

خاتمة

صارت الدولة منذ 2011 تحت تصرف المؤسسة العسكرية متمثلة في المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وتحت السيسي منذ 2013. الشعب كان أداة في 2013 لبلوغ الهيمنة على رأس ومركزية القرار السياسي للدولة، وهي المؤسسة الرئاسية. بعد الوصول لمركزية السلطة والقرار، كانت الخطوات التالية تتضمن تشكيل مجتمع عسكري بامتيازات اقتصادية وغيرها، غير مسبوقة مقارنةً بالعهود السابقة. مكّن انفجار المجال السياسي واحتدام الصراع ضد الدولة والمجموعات الثورية والأخيرة ضد الإخوان، ثم انفجار العنف المسلح، في حسم المأزق البنيوي الذي هيمن على أبعاد الصراع في مصر منذ 2011 لصالح الانقلاب العسكري. فالحرب كانت الصيغة الوحيدة التي تمكّن الانقلاب العسكري من حسم موقعه والتفوق في الصراع ضد الإصلاحيين والثوريين والإسلام السياسي. والصيغة الأمنية التي طُرحت منذ يوليو 2013 كانت كفيلة لحسم الشراكة التي تشكلت بين بعض القوى السياسية من التيار المدني والجيش لصالح الأخير. ولم تكن هناك قوى سياسية أخرى تمتلك المقدار نفسه من القوة الرمزية والمادية التي يستحوذ عليها الجيش، والتي تضاعفت بفضل موجة الثلاثين من يونيو ثم عززت  «الحرب على الإرهاب». والوضع الإقليمي وتفجر الحروب الأهلية وتفكك الدول من قدرات الدولة، وأتاح لها استخدام مستوى عالٍ من العنف والقمع فقط تحت ذريعة البقاء والحفاظ على نفسها في ذاتها ولذاتها.

نجح السيسي من خلال تمكنه من جهاز الدولة في إجهاض أي تحوّل ديموقراطي. بل ذهب أبعد من إعادة إنتاج السلطوية على غرار مبارك لصالح ديكتاتورية ذات طابع استثنائي، وأن يتحول هو نفسه إلى ديكتاتور فعلي. فالرجل لا يواجه أشخاصًا أقوياء وشركاء في الحكم يتحكمون في أجهزة سيادية مثلما كان الحال مع عبد الناصر، ولا يعاني نظامه من تصدعات بنيوية مثلما كان الحال مع مبارك بسبب الصراعات المختلفة بين الأجهزة الأمنية أو بسبب الصراع بين جمال مبارك ونخبته الصاعدة والجيش. كما أنه أستطاع تشكيل ديكتاتوريه عبر تفويض شعبي ثم شعبية جماهيرية ضخمة، وأيضًا عبر الهيمنة الكاملة على جهاز الدولة والقضاء على مساحات التقاضي وسيادة القانون ولو جزئيًا والإجهاز على الاستقلال النسبي للقضاء والقضاة، في حالة أقرب إلى فاشيات القرن العشرين منها إلى النظم السلطوية أو شبه السلطوية.

ودعمت الحرب على الإرهاب تماسك مؤسسات الدولة، كما عززت خوفها من سقوط نظام السيسي وحكمه، وبالتالي تعرضها للمحاكمة والمحاسبة. وعزز انخراط مصر في صراع مركزي وإقليمي، ضد الإسلام السياسي والعنف المسلح، من حلفائها الإقليميين رغم تناقضاتهم، فمصر في حلف واضح مع السعودية والإمارات، ولكنها للأسباب نفسها كانت في علاقة مع الحلف السوري/الروسي/الإيراني. وكان خصمها الإقليمي هو الحلف القطري/التركي. وقد طغت الترتيبات الأمنية لشرق المتوسط وشمال أفريقيا وضبط الهجرة غير الشرعية والنزاع في ليبيا، على توجه الأوروبيين تجاه السيسي، على حساب النزعات المتعلقة بحقوق الإنسان والحريات. لذا لم يواجه السيسي أي عزلة أو قيود حقيقية عليه دوليًا، كما دعم ترامب السيسي ورسخ من أركان حكمه. وكانت إعادة تسليح الجيش المصري وتنويع مصادر السلاح استراتيجية شديدة النجاح على المستوى الداخلي في الجيش –فقد ضاعف الأمر من شعبية السيسي وتكاتف المؤسسة خلفه– وعلى المستوى الدولي، حيث أصبح مستهلك ومستورد شديد الأهمية للدول الأوروبية. وعلى عكس مبارك، يستغل السيسي وضعه العالمي والداخلي في سحق أي معارضة له. وقد نجح في تصفية فاعلية أغلب النشطاء السياسيين ومجموعاتهم المختلفة التي كانت تعج بها البلاد من 2010 وتصاعدت بعد الثورة، مخلفًا تدهورًا غير مسبوق للوضع الحقوقي والحريات العامة.

أخيرًا، نجح السيسي في قيادة الدولة ذاتها في حرب ضروس ضد الثورة، ففي نهاية الأمر يمثل الانقلاب تجلي وإظهار للدولة،[42] وبعدما تحولت المؤسسة العسكرية للمهيمن على الدولة وكل ما يخصها رمزيًا أو مؤسسيًا، استخدمت هذا التجلي لمناهضة الثورة والحركة الثورية داخل الاجتماع المصري.

ملحوظة: للاطلاع على الهوامش اتبع رابط مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان 


The Cairo Institute for Human Rights Studies `` Arab Gallery '':


How Al-Sisi militarized Egypt and eliminated democracy and the civil state in vain


El-Sisi showed the army as a ruling party and presented itself as a man of the military establishment to rule and not a ruler with a military background, and announced his candidacy wearing operational military uniform and not honorary, meaning that he was authorized by the army to undertake a military mission to rule Egypt and legalized the militarization of the country with constitutional amendments and invalid laws


How did Sisi succeed in reproducing authoritarianism in Egypt?


Cairo, May 20, 2021


summary

“Respecting the will of the Egyptians is more honorable than assuming power,” said Field Marshal Abdel Fattah Al-Sisi before taking office in 2014, brandishing his strength derived from the citizens ’mandate to take over power and eliminate“ terrorism ”. We raise our main question: How did Al-Sisi rebuild authoritarianism and domination of the state and its apparatus? Based on his recovery of the 1967 setback and his indication that the state was hit internally in that year. In this research paper, we present several hypotheses based on other research and speeches of the current President Abdel Fattah El-Sisi. So we deal with the type of coup in 2013, and the importance of the 'mandate' clause in rebuilding authoritarianism, and we address the importance of Sisi's speech and its various elements that helped his rise to power and his elaboration of a narrative of events. Military of the state itself.


an introduction

“You are the light of my eyes” was said by Field Marshal Abdel Fattah El-Sisi before he took office, addressing the Egyptian people who supported the coup against the rule of the former president of the Muslim Brotherhood, Mohamed Morsi in 2013. In the aftermath of the coup, the process of liquidating any opposition began based on the “popular mandate” of Sisi, who He was inferred in his speeches and his election campaign in 2014. The war on terror and the two states of chaos and social unrest were basic pillars for Sisi and the army in liquidating the state of revolution, and the demand for changing the public order in Egypt and the nature of the Egyptian state’s structure and the way of government in general. Historically, the Egyptian army as a ruling institution has never been subjected to criticism and the political movement against it, as the first years of the revolution, especially since the end of 2011, and the beginning of the violent clash of the army with some revolutionary forces in the Egyptian streets and squares. At the same time, the military state, which was formed in Egypt after 1952, sees in any internal criticism of its policies and rulers, and of its security institutions in particular, a kind of employment abroad and a "breach of the national fabric."


In a TV interview in May 2014, Sisi referred to the 1967 setback, and the extent of its impact on the country at the time; In regaining many historical meanings that are not limited to external aggression, Sisi has more than once raised the possibility of an internal blow to the state machine. This reference leads to the following questions, and they are the main research questions of this paper: How did Sisi rebuild authoritarianism and hegemony over the state and its apparatus? What are the reasons that set the stage for this? How does this compare according to Sisi's reference to Nasserite rule after 1967?


In this paper, we present four hypotheses based on other research and speeches by the current president, Abdel Fattah El-Sisi. First, we address the type of coup in 2013, and the importance of the "mandate" clause in rebuilding authoritarianism. Secondly, the importance of Sisi's speech and its various elements that helped his rise to power and establish a narrative of events, including the "fall of the state" and the "war on terror"; As a prelude to the practical strategy of controlling state institutions and adapting them to his rule and domination. This includes the rise of the military state, and since the time of Abdel Nasser, he called a "state within the state." The third hypothesis is divided under two headings Al-Sisi as a symbol of salvation and sovereignty, and the army as a ruling party, explaining that what has happened in Egypt since 2011 is an overlap of four forces and their interaction in an ideological, political and social manner in a violent and different way. And we mean: a military coup of an intrusive nature to remove Mubarak from power and preemptively curtail events; Corrective forces, whether of a reactionary or progressive character; The forces of the counterrevolution and the Mubarak regime; Revolutionary forces represented by several different political and social networks and movements that seek to bring about a radical change in Egyptian society, but they are organizationally limited and lack the foundations and social forces that can defend their orientation in the face of the state or political Islam. It should be noted that the fluidity of all these powers in terms of their actors, their positions and their alliances was the main feature of the political and social conflict in Egypt during that period. As for the last hypothesis, it stems from the intensification of social conflict in Egypt and its reaching stages of violence close to the state of "civil strife" and then the outbreak of waves of armed violence, which is what enabled the military coup that began in 2011 to settle the state of liquidity and the expansion of waves of change and democracy in Egypt. Thus, this hypothesis deals with how to rearm institutions, which led to the elimination of political life in Egypt.


It can be said that the governing machine that Sisi has formed in a few years is characterized by strength, speed and violence, in a way that no one had before him. Egypt is witnessing huge transformations at all levels. Beginning with the rhetoric of the authority, its nature and its axes, passing through to the economy, its restructuring and structure, the political sphere and its elimination and the adoption of a new strategy for governance, the nature and role of the military institution and its arming, ending with the social form [1] and the relationship of the state with it and the social allies of the ruling regime. His verdict is also fast-paced, which Sisi and his supporters boast of. For reference, the state apparatus and its networks have long experiences in dealing with armed factions in Upper Egypt and Fayoum since the eighties and nineties, and the only chaos in the control of some armed groups over geographical regions through which they wage guerrilla warfare and terrorist warfare in North Sinai.


Delegation, then a coup: Back to the starting point

In an article published in 2019, Kevin Kohler and Holker Albrecht explain the difference between coups, [2] who conducts them and the consequences of these differences on the type of power that follows the coup with reference to the model of Egypt in 2013. There are stereotypical coups that we infer by defining Michel Foucault's definition that a coup is an opposition From the state itself, to maintain its existence in the same state. [3] In Egypt, the point of preserving the state in its own form was very central to the military establishment, as it was a central point in the struggle between the wings of Mubarak's political system against Gamal Mubarak and the group of businessmen. Then, after the revolution, it moved to be the most important basis for the army’s discourse against the revolution and expressing its momentary and historical vision of governance in Egypt. And it turned into a tool and a strategy to eradicate the Muslim Brotherhood from government and from the Egyptian community itself to a large extent. Fear of “state betrayal”, that is, the Muslim Brotherhood’s control of the state and its apparatus, and the transformation of Egyptian society into the status of Afghanistan or Syria, was the main concern of the social and political conflict in Egypt.


“Since they are generally carried out by senior commanders of the army, the final stage coups are reference examples of power struggles among the political elite” [4]. Based on this definition of the so-called final stage coup, we can draw points of connection with the 2013 coup. Based on what Kohler and Albrecht indicated, stressing that the purpose of this type of coups is to preserve the state and positions in the first place. The two authors explain that this type of coup occurs in light of mass mobilization or demonstrations that exceed the repressive power of the existing power, which is what happened in Egypt in 2013, with the mobilization of various sects and the emergence of a rebellion. [5] In a speech in 2019, recalling the events of Mohamed Mahmoud, Maspero and Port Said, when he was in charge of Military Intelligence, Sisi indicated that Morsi was intending to liquidate the Military Council, [6] which confirms one of the elements that make the 2013 coup a final stage. But there is another, more important element, which is the connecting point between the authoritarian regime of 2013 and the state of Abdel Nasser in the aftermath of 1967, and that is the emergence of the masses in support of a military movement. This happened first in 1967, after the setback to keep Nasser and thus topple his rival and the center of danger within the military establishment, Abdel Hakim Amer. Secondly, in 2013, after Al-Sisi's speech in support of the protesters' position on June 30, some of the movements calling for demonstrations, such as the rebellion movement, considered it a green light for Sisi to continue demonstrating until Morsi's departure. [7] The Tamarod movement was the main movement that helped mobilize a large number of different forces and citizens, beginning with the signing of a petition demanding Morsi to call for early elections or to align with the people's demands. In the context of the comparison between 1952 and 2011 to some extent there was no public support - one of the elements that Kohler and Albrecht touched upon for the final stage coups - for the military's direct involvement. The first took place at the hands of the Free Officers and headed by Major General Mohamed Naguib. The second was the intervention of the Military Council headed by Field Marshal Muhammad Hussein Tantawi after former President Muhammad Hosni Mubarak announced his abandonment of power in 2011. Preserving the state, and the main beneficiary of which is the military institution - or other political institutions, including the Muslim Brotherhood - depends on the extent to which it can absorb the anger of the masses. Converting it to accept then forward it. [8]


This acceptance is not born out of a vacuum. Michel Foucault and Pierre Bourdieu wrote about it in their discussion of “governmentality” [9] and “symbolic power”, [10] each in his field. For Foucault, governance is power associated with knowledge, and it is the collection of institutions, procedures, and analyzes that provide an opportunity to exercise power over a population. Consequently, they are not limited to “governmental apparatuses” only, as these devices need knowledge in order to be able to exercise this kind of power. [11] This requires clarification that the “population” represents the population on the lands and not the “people,” the bloc that considers itself outside the relationship of the parishioners and the sovereign that binds the ruler to the ruled. [12] Part of Morsi's inability to run the country is due to his inability to bring governance until he leads or directs the state apparatus and the politicized people after the January 25 2011 uprising. In contrast, the army has been since 2011 claiming its ability and right to run the state and represent the people. The institution presented itself first, as a basis for the legitimacy of the rule itself, whether in a populist form (such as saying that Egypt has no right to rule except with a military man) or institutional and historical (such as the army representing the Egyptian people, and the embodiment of the Egyptian national spirit, the army is the most efficient, disciplined and modern institution in Egypt. And the army is the shield and leadership of Egypt, and it is more appropriate to lead Egypt in light of the security and military risks facing the country.) The military establishment presented itself to the masses on the basis of the fact that it represents the people, and that it is the best and most knowledgeable of the techniques and strategies of government to manage the population, while the rest of the forces are either not representative of the people according to the ideological vision of the army, or they are not aware of the dimensions of society and are not equipped to rule. The army is the hard core of the Egyptian state as it sees itself and many other state institutions and social sectors. This is what made the army able to position itself on two fronts: the most appropriate for state cohesion and control and management of the apparatus and its various institutions, meaning that it is necessary to rule within the state apparatus, and it is the first monopolist to represent the people. This leads us towards the definition of “symbolic power,” which is the power that political actors derive from outside the political sphere and which includes a relationship between the party that exercises power and the party that acknowledges and accepts to receive this practice. [13] The symbolic force in one of Bourdieu's definitions is that which constructs reality and is capable of giving direct and rapid meaning to the social world. [14] Herein lies the importance of Sisi's recent speeches before the coup, on the one hand, that they doubled the symbolic strength and acceptance of the military establishment, and on the other hand, that the people gave the army a signal to be a recognized representative of the “will of the people” or “the people's demands.” It was on this basis that symbolic power building achieved gains for the army, and the next phase of shifts in the power discourse began.


Sisi's rise and shifts in power discourse

At the beginning of his rise within the power network and power relations in Egypt, Sisi was based on three pillars: First, information and managing the security file in Egypt from 2011 until his assumption of the presidency in 2014. Second, his ability to formulate a strong, sometimes ambiguous and linguistically disturbed discourse, but he is able to consistency. Strongly with society and the state. Even during his cooperation with the Islamic movement and his service as defense minister, Sisi succeeded in presenting a religious and political discourse capable of attracting Islamic power to him, specifically the Muslim Brotherhood. Third, strong positioning within regional alliances and good exploitation of the global situation.


Al-Sisi was on a date with the rise of his star in the corridors of government on the night of the twenty-eighth of January 2011. The Egyptian Interior Forces suffered a great defeat at the hands of the rebels, and a large part of its infrastructure collapsed, and the legend of Habib Al-Adly, the most powerful man in Egypt, collapsed until that night. With the spread of the army and its control over the country, Military Intelligence returned to the forefront of the scene after a decades-long absence, since the 1970s. The conflict of the devices intensified during the revolution, specifically between the General Intelligence, led by Omar Suleiman, who tried to take the lead in the midst of the events of the first revolution, and the military council led by Field Marshal Muhammad Hassanein Tantawi. The conflict added weight and importance to the Military Intelligence Service led by Sisi, and Military Intelligence became the facilitating mind of the Military Council, the main body for information and internal intelligence. The more political and social conflict in Egypt intensified, the greater the importance and reliance on the device. With the storming of the headquarters of the State Security Agency, the Military Intelligence took over all the country's files. Al-Sisi was not a man of shadows, as his influence expanded and did not remain only in the background. Military Intelligence conducted a series of meetings and negotiations with the youth of the revolution and Islamic forces, specifically the Muslim Brotherhood - despite preserving the name attributed to the "Muslim Brotherhood", it must be noted that it is an "organization" rather than an "association" of the absolute type - and Sisi was He presides over these meetings himself.


The first years of the Egyptian revolution gave Al-Sisi a golden opportunity to grasp Egypt's strengths: the security services are complete. By the nineteenth of November 2011, the famous events of Mohamed Mahmoud, Sisi was conducting the battle and the security services as he had recently admitted himself. The general penetrated into events and gatherings - especially through social media - and within the corridors of government and various political forces. And the man now has all the threads of conflict. Either because he possesses all the information and knowledge required of the situation, or because he has direct physical control over the security services that manage the scene in Egypt. Al-Sisi personally managed the smallest details. [15]


Abdel Fattah al-Sisi is one of the students of Field Marshal Tantawi and close to him, which doubled his individual and institutional strength by virtue of his management of the Military Intelligence Service. It was also during that period that Sisi succeeded in gaining the trust of the Muslim Brotherhood and getting closer to them. The man has several characteristics that make the group think that he is closer to it. Because of his religious and conservative character, the look and feel of his family and his keenness to show his religious rhetoric and commitment to the leaders of the group. With the departure of Field Marshal Tantawi and Lieutenant General Sami Anan, the military institution leaked information that it would not allow any movement against Sisi, which would be considered "suicide of the entire political system." [16] Thus, Sisi became Minister of Defense during Morsi's era, but the latter was working to replace him with Major General Ahmed Wasfi due to disobeying the President's orders to impose the army curfew in the Suez Canal area in March 2013. [17] In addition to all that, Sisi’s master’s thesis, which he presented in the United States of America, was discussing the issue of Islam and democracy, and thus the theoretical elements combined with practical experience in his dealings with the Islamists at the time. At the same time, many doubts circulated about Sisi's loyalty, especially that he “belongs to the Brotherhood,” and the Brotherhood’s propaganda reinforced this matter. Many political forces and different social sectors did not know the truth about Sisi's position and his position on the political and social conflict in Egypt until the moment of the third of July, when the army decided to overthrow the rule of the Muslim Brotherhood. But within the corridors of government and the major leaders of the state, especially within the army and the police, many were aware of Sisi's speech about the cohesion of the state and the importance of preserving it and strengthening its institutions, with the assertion that religion has no place within the state apparatus and that “there was no religious state in Islam” and that Rulers are responsible for reforming religious representation. [18]


Egypt has witnessed a great and qualitative shift in the nature and structure of the power discourse with the accession of Sisi to power, as Egypt has a long history with the speech of emergency and exception and the strengthening of the police state, and I add to the authority’s discourse in this regard the element of foreign conspiracy after the army’s takeover of power and the conflict with Israel and the colonial powers. Sadat and Mubarak took advantage of this security rhetoric, especially Mubarak. He linked "Islamic terrorism", development and peace with security. Despite reconciliation with and rapprochement with Israel, Mubarak was still able to use conspiracy rhetoric, external forces and Israel as components and pillars of his security rhetoric. Mubarak has succeeded in creating a permanent process of securitizing political discourse, meaning transforming any social or political issue into a pure security issue. However, Sisi took the authority's discourse to a new level that goes beyond the traditional security rhetoric during the Mubarak era. Al-Sisi transformed the security rhetoric into an "ontological" (existential) discourse that revolves around the state’s survival in itself, not about a set of risks. In the language of Carl Schmidt, [19] Sisi managed to create the discourse of exception at its most extreme, which is the danger of the threat and survival of the state. Therefore, it is not surprising that he has positioned himself as a “sovereign” and savior of the state and society, not as a safety valve or a stabilizing factor, as Mubarak did. Through this discourse, he succeeded in uniting the state and large sectors of society behind and around him at the same time. This discourse succeeded in articulating the reality on several levels at the time: First, the fear of the danger of the "civil war" that loomed over the country; Second, the state apparatus' fear of replacing it with the Muslim Brotherhood and displacing it in favor of the group, especially since the Interior Ministry had not recovered from its defeat in the revolution when it was destroyed in a few hours; Finally, large sectors of the Egyptian community narrowed the state of chaos and instability. What is meant here by civil war is not a civil war of the style and style of the Lebanese civil war, or the case of Rwanda, or the disintegration of Yugoslavia. The Egyptian meeting is of a different nature and texture that does not allow armed factions to establish direct civil rivalry between them, and the centrality of the state is still very heavy in Egypt. However, the fear of a civil war in Egypt was embodied in the breakdown of violent clashes, especially in the urban space, which has already happened in Cairo, Alexandria and some Delta governorates that witnessed armed confrontations, which could have turned into civil fighting, or that it reinforces a state of chaos in one of the regions. Geography and its entry into an armed conflict between its own components and against the state, as it actually happened in North Sinai, or the breakdown of sectarian confrontations between Christians and Islamists, which happened to some extent after the coup of the third of July 2013 in Upper Egypt, which witnessed a widespread wave of burning churches and attacks on Christians. The state received these fears and conflicts, and led the conflict and conflict on its own through its security services and the army. In the era of the Muslim Brotherhood, Egypt witnessed two things of great importance: the explosion of the political field and its failure to settle conflicts on the one hand, and the intensification of social and ideological conflict on the other hand. The political sphere in stable representative liberal democracies represents the other side or the peaceful and institutional transformation of the civil war formula, by transforming it into a deliberative political conflict for the struggle over representation and various programs, and it grants legitimacy for the use of state apparatus and resources by different political groups, as many thinkers or researchers such as Bourdieu see Chantal Mooff et al. The political field in Egypt, and the attempt to build a representative democracy, did not withstand the great waves of conflict that it witnessed. Because of the fragility of the field itself, the newness of its era and its instability, and also because of the intensification of the political conflict itself on the ground; Because of the state of the revolution and the different revolutionary waves that were dissatisfied with the slight reform results achieved after the revolution, this was accompanied by great fear of Islamists, and fear of their takeover of the state apparatus. The Italian philosopher Giorgio Agampin defines "modern totalitarianism as establishing, by means of a state of exception, a legal civil war that permits the physical elimination of not only political opponents but (also) entire classes of citizens who for some reason cannot be incorporated into the political system." (20) ] Egypt witnessed a significant embodiment of this matter after 2013, represented in the reinstatement of the state of emergency again in a wild and violent manner, and in laws such as the criminalization of demonstrations, the law of terrorism, the law of terrorist entities and the great expansion of military trials. These laws and mechanisms did not target the Muslim Brotherhood only, but through them the activity of civil society, both human rights and developmental parts, was hit, leftist and liberal political activists were beaten and imprisoned, and different social sectors and non-politicized citizens were hit against the background of various social issues, such as what Sisi did against The communities that tried to resist the authority’s decisions to remove their residential areas, abuse researchers, the events of Warraq Island - which the state is seeking to evacuate in favor of turning it into a major investment project - and the conflict between the state and some residents of the northern coast over the land of Dabaa, which the state turned into a nuclear reactor. Thus, the machine of tyranny by organizing a state of legal civil war extended to different and wide sectors of the Egyptian society.


Sisi as a symbol of salvation and mastery

Thanks to the media and intelligence machine, and the solidarity of the state apparatus with him, Al-Sisi has turned into a symbol of the savior and redeemer for the state and the people at the same time. It also succeeded in articulating with the desire of large sectors to end the state of the revolution and eliminate it and politics in general, as a collective act of struggle over resources and power. By his success in “leading” or directing the politicized people under the mandate of the latter, Sisi broke with the state of revolutionary and political momentum that Egypt has witnessed expanding since 2011, blocking the road to the democratic transition process and succeeding in protecting the state and its institutions from the radical criticism it was exposed to. Here we can pause around discussions that deal with the arguments of the revolution and the counter-revolution (al-Fuloul) to confirm that what the army and the Brotherhood have aspired to since the opening of the political field is the domination of the state over the same situation, in which all their interests lie for many years. The Brotherhood was an institutional political, economic and social force under the Mubarak regime, as Mary Vanitzel presented in her latest book, [21] and Hazem Qandil in his coverage of the group’s internal system. [22] Therefore, the people were the only revolutionary party, but a mass of them transformed from a revolutionary force into a counterrevolutionary force with force (or symbolic force) and leadership and the mandate given to Sisi. Under this mandate, Sisi was able to position himself outside the political and social conflict, as he is not a political actor like the rest of the parties, but rather the representative of the state in the war of survival against its opponents and opponents of the meeting, specifically the Brotherhood. This does not mean that the state and the army were actually outside the political and social conflict. Rather, Sisi was able to accumulate the symbolic power creating this perception and imagination of the army as the protector and rule between the conflicting parties. This is a characteristic that is not specific to Egypt, but rather the way the state presents itself to the different masses and classes, which tries to portray the state as an independent entity and not directly involved in the political and class struggle, as Polnazes points out. [23] Indeed, this formula will be put in place for the army as the protector of democracy and a final ruling of the conflict in the Egyptian constitution after its recent amendments in 2019. Bahey El Din Hassan notes that, “In contrast to Tunisia and Sudan, the Egyptian army is politicized and has a tremendous political ambition and has focused on restricting governance in Egypt under its leadership since 1952, », [24] Yet the military still possesses the symbolic ability to present itself as a party outside of direct political conflicts. The army’s position towards Mubarak and at the beginning of the revolution in 2011 strengthened this symbolic force, as it overthrew Mubarak and did not suppress Tahrir Square or get involved in any violent clashes against the demonstrators for the last eighteen days in 2011. The structural deficit of the revolution’s forces in seizing power strengthened from Acceptance of a coup operation through the army institution; In order to push the movement and achieve some of its demands. Consequently, the coup remained a popular demand, either implicit or declared, from the first day of the revolution until the third of July 2013. The revolutionary want of the coup made the military establishment able to present itself as an arbiter rather than as an original party in the conflict. It may be an arbiter, but it is undoubtedly a central party in the direct conflict.


The previous formula: the war and preserving the state’s entity, gave Sisi an amount of power and popularity that no one could have before him, because Nasser himself did not start his rule in 1954 at any level close to the wide popularity with which Sisi began his real rule in 2013. Sisi was also able to lead the Egyptian state in Managing a major "civil war", but through a struggle for hegemony over the state apparatus. [25] This is what made his battle with political Islam of a different nature from all of his predecessors. Firstly, this is the first time that the Muslim Brotherhood has decided to enter into an open and wide confrontation with the state itself and against the army as an institution, and even in the height of the Brotherhood’s conflict with Abdel Nasser, the group did not attack the army institution politically, intellectually or materially, nor even the interior as an institution. . Second, the joining of the Muslim Brotherhood by various sects of political Islam and Salafi jihadism, and the explosion of armed conflict permanently in the Sinai. The last war differs entirely from Nasser's struggle with the Brotherhood in 1954 and then 65, or from the state’s war with armed violence in the 1980s and 1990s. Ahmed Zaghloul Shalata explained in his paper dealing with the idea of ​​jihad within the Muslim Brotherhood, comparing between 1954, 1965, and 2013. Inferred to the group’s guidelines in “The Jurisprudence of Popular Resistance to the Coup” (2015) and “Bayan al-Kinana” (2015), [26] The jihad in terms of fighting was at the beginning of the ideas rooted in the organization since its inception by Hassan al-Banna, and a group of them adopted the jihadist ideology after the 2013 coup. All this and in the background of the scene is a popular revolution that erupted in 2011, and an exhausted country and some of its sectors are almost defeated and are seeking to regain their dominance and strength once. Other on the country. In addition to all that, the first three years of the Egyptian revolution, especially 2013, witnessed the entry of the judiciary and judges as major actors in the political and social conflict in Egypt in an ideological and institutional manner. Although Egypt has not witnessed, at any point in its history, judges' involvement in this way in political and social conflict, with such intensity.


All conditions were ripe for Sisi to fully seize the state and subject it to his full sovereignty and domination. Al-Sisi has succeeded, through a clear strategy and a new rhetoric, to consolidate his power. The streets of Egypt were full of his images as a popular hero and savior of Egypt, even his pictures were painted on sweets. In addition to his constant rhetoric about the state and the danger of its collapse, Al-Sisi has succeeded, through the various state agencies, in manipulating national sentiments in their most extreme form. Some crowds were launched in all the streets of Egypt, and in the various governorates, attacking any group opposing Sisi's policies, or anyone expressing his political and intellectual opinion on the cafes. These groups were not affiliated with the security services or the intelligence services, as was the norm in the past. Rather, various groups of people were not related to security in most of the time. This outbreak of this outbreak within families and families, especially against young sectors opposed to military and religious rule at the same time. This patriotic discourse reinforced the state of resentment and demonization faced by the Muslim Brotherhood and its permanent portrayal as a group "outside the national fabric" and against it, and seeks to dismantle "Egyptian patriotism that has its roots throughout history." The private and state-owned media machine was working hard to demonize the Brotherhood, demoralize them, and dehumanize them also through the rhetoric of "sheep." Al-Sisi managed to play on a very contradictory chord, on the one hand he presented himself as a religious and conservative Muslim, but he was also the protector of the intellectuals, enlighteners, women, Copts and various minorities from the oppression of Islamic extremism. In this context, Sisi brought the Coptic Church in Egypt completely to his side in the war against the Brotherhood and political Islam. He drew close to them and wooed them through his various visits to the great annual mass at the Nativity of Christ. And it allowed more space for the church in building churches. It cannot be said that the status of the Copts as a minority has witnessed a structural transformation in Egypt, as well as the sectarian conflict, but this serious courtship, rapprochement and reverence for Pope Tawadros, and Sisi posing for himself as a protector and defender of Coptic rights as Egyptian citizens succeeded in bringing large groups of Copts and the ecclesiastical establishment to his side, Sermons of priests glorified him in many churches of Egypt. The most important thing is that this situation, amidst fear of direct physical harm and exposure to murder and abuse, completely eliminated the internal Coptic opposition, and succeeded in uniting the church and quickly eliminating the voices and political movements critical of the military establishment and the ecclesiastical leadership together.


Al-Sisi came to power in Egypt after he succeeded in securing the loyalty and support of large and different sectors, in addition to tightening his full grip on the state apparatus. However, since his candidacy for the presidency, he declared that he does not owe anyone any rights or obligations, or as he personally said, "I don't have any bills." It is a formula that is fully consistent with the state of primitive patriotism that was proposed from the beginning, and was reintroduced by Sisi. He became the man of everyone and the man of no-one. He has transformed himself into a symbol that everyone can interpret in their favor. He is the protector of the Copts, the defender of the women, the loyal to the state and its protector, the man of the Enlightenment who protects Egypt from Islamic darkness, and he is the man of moderate Islamic moderation expressed by Al-Azhar and the endowments - bearing in mind that the characteristic of religious moderation does not mean that it does not quarrel with Al-Azhar against the background of undermining the independence of the institution And her religious views. [27] In the first stage of his rise, he is the man of the Nazarenes and the successor of Abdel Nasser, who will restore to Egypt its prestige and glory again. He also did not make any political promises related to democracy or strengthening and entrenching its mechanisms. The man was very clear, and he only spoke about his project being to preserve the state and to increase its power again, and to end the state of anarchy. The two most prominent moments in the establishment of Sisi's rule were the mandate speech and the dispersal of the Rab'a and al-Nahda sit-ins. Sisi requested a military and popular mandate from the masses to manage the potential civil war. His body language was highly expressive and symbolic. So the man went out to the masses of Egyptians in all his military uniform wearing sunglasses (within the military field tradition, the highest-ranking commander is only the one who has the right to address the soldiers and officers wearing sunglasses, and no one can address him wearing glasses in front of him) in a very strict and militaristic manner, addressing the military and demanding Civilians with an open mandate. It is a unique case, as it is a political summons to the masses to get them out of political action, and divert the matter and empty it of any political dimension in favor of a security and military situation. Then came the moment of dispersal, and Sisi proved his ability to use the utmost violence and commit one of the most violent massacres in Egypt, but with popular consent, regional support and international outrage, he will be able to adapt him later. Al-Sisi succeeded in proposing two very strong formulas to justify the dispersal, the first being the national-state formula; That is, it kills to preserve the modern nation state in Egypt and fight the threat and specter of its downfall, such as Libya, Syria and Iraq. The second formula, which is a purely religious formula, is that it kills a group of Kharijites in the old Islamic sense of the concept of the Kharijites as a rogue group on Islam that seeks to sabotage and destroy Muslims. The media and religious machine helped him in launching the two formulas at the same time. Ali Jumaa, the former Minister of Awqaf, played a very important role in mobilizing soldiers, officers and the general public in this war. The mandate was an ideal moment for the state to practice oppression and violence with the utmost degree of legitimacy and consensus. This made it highly effective, according to Terry Eagleton's argument or in Antonio Gramsci's conception of hegemony and the role of consensus in building it. [28] For Gramsci, hegemony is not only the use of physical force but also the practices of power through ideas and culture. This is what Gramsci calls "cultural hegemony." [29]


The army as a ruling party

Despite the overwhelming popularity of Sisi during his candidacy for the presidency, he did not really care about presenting himself except as a man of the military establishment to rule and not a ruler with a military background, as has been the case in Egypt since 1952. That is why Sisi announced his intention to run after "notifying" the armed forces, as he explained in a TV interview on C CBC in May 2014, adding, "The Commander-in-Chief will not listen." [30] This announcement and the media narration related to it has two symbolic characteristics: The first is that Sisi announced his candidacy wearing an operational military uniform and not an honorary one. That is, he is delegated a military mission to rule Egypt by the army. Second, the signs supporting Sisi as a presidential candidate before the elections had pictures of him in military uniform in some cases, and his name was preceded by his rank as a field marshal in the armed forces, similar to the title of the previously mentioned TV interview: "Field Marshal El-Sisi in his first television appearance." This is the inconsistency in the identity of the current president, if he is a military man or has a military background. This is reflected in the discrepancy between the media narrative and the state's narrative of events since 2013, regarding what happened was not a coup but a second revolution. Because it was mandated by the people, and because the President of the Supreme Constitutional Court, Adly Mansour, was appointed as president until elections were organized in 2014.


Indeed, Sisi presented a new model for Egypt in government. The man did not create a political system as it is historically known in Egypt, whether it was a pluralist system or a one-party system (the Socialist Union) like Abdel Nasser, or a semi-authoritarian, pluralistic system based on a ruling civil party (the National Party) such as Mubarak and Sadat. Rather, Al-Sisi relied solely on the army and security agencies in governance and administration, and even on the economic side. The first player in the arena is the engineering body, followed by the National Service, both of which are devices within the army. The army turned into a ruling party and the first and main capitalist in Egypt, a formula that also differs from the state capitalism that Egypt witnessed during the era of Nasser. With comparison and as an inference from Anwar Abd al-Malik's book and his analysis of the period 1952-1967, [31] we find that at that time a new bourgeois class was recruited and rebuilt after 1952 with the liquidation and nationalization of feudalists and private sector companies, and this is an approach with the current system. But the difference lies in the fact that in 1952 the army represented the wheel of progress and urbanization in Egypt with the building of various factories and nationalization of others, and it is now the gateway for investment and economic actor, but in light of a neoliberal reality. The army seeks to acquire the keys of the Egyptian market and direct partnership with foreign investors, and to grant the rest of the actors in the Egyptian market subcontracting or through it. Sisi did not seek to change the reality of the structure and pattern of the economy or transform it, only the rearrangement of actors within the Egyptian market and the position of the army as a main gateway to any economic action. This pattern emerges specifically with regard to road projects, the army’s acquisition of some industries and resources such as quarries and the marble industry and part of the cement industry (but it allows foreign companies to share the largest share of the cement industry in Egypt, such as Lafarge and Titan), and also with regard to land in Egypt. The army refers to the largest investor and owner of land, the new administrative capital and the city of El Alamein as examples.


Al-Sisi achieved what no other ruler had been able since 1952 to achieve, for he abandoned the bargain establishing the legitimacy of the military state: social security, services, and support in exchange for freedom. Al-Sisi freed the state apparatus from its economic and financial burdens towards citizens, which freed him from any social obligation with regard to providing services for a small fee or for free. He commodified state services with the logic of the neoliberal market. Freeing the state budget from these burdens gave him a greater opportunity to expand his projects and his perceptions of managing the economy. It also won the approval and praise of the IMF and the World Bank for the austerity policies, the lifting of subsidies and the reduction of government spending. It also succeeded in preserving the authoritarian and authoritarian character of the Egyptian state, and the state's ability to oppress and oppress its opponents and restrict public and political freedoms increased. All this coincided and articulated with a deep feeling of marginalization on the part of the military establishment. Since the defeat of 1967, the army has retreated its political role and dominance in governance, since the internal conflict in the army in the early 1960s until the defeat - between Abdel Nasser and Abdel Hakim Amer - which Khaled Fahmy referred to in some of his lectures and in an intervention on Socialist TV, explaining the change in the state structure after 1967, especially After the provisions of the Air Force in 1968, which led to demonstrations and crowds condemning the reduced sentences. [32] Among those changes was the establishment of central security as a repressive tool, and Sadat succeeded in removing the army from direct control and domination to a large extent and replacing it with the interior, specifically the central security forces as a shield and protector of the regime and a military alternative to the army forces at home, and with the state security apparatus that would run Egypt from the seventies until the moment of the revolution in 2011, and in the background is the ruling party to manage part of the social conflict over resources, influence and prestige in the various governorates of Egypt. Al-Sisi took advantage of this situation and this feeling of marginalization to re-launch the army once again on the economy, society and politics of Egypt.


Although the obsession of the security services and the government in Egypt since 1952 has been the military coup against the military coup, it does not seem that Sisi faces a major problem in this regard. His coming from Military Intelligence allowed him to have a high ability to control the institution, as well as the institution's involvement in a wide battle against armed violence. The change in the major military leadership shows the ease with which Sisi can control matters within the institution. All of these measures promise so-called "anti-coup" technologies [33]. These techniques are centered around reducing the possibility of groupings within the state organization that may lead to the acquisition of power. Some examples of these techniques are the replacement of leadership within the military establishment, and the strengthening of the Central Security Forces during the era of Anwar Sadat since 1970. [34] Indeed, Sisi similarly changed Defense Minister Sidqi Sobhi in 2018, and Sobhi was his main partner in smoothly reaching power, and he also changed the Chief of Staff and his cousin Mahmoud Hegazy. Therefore, he does not seem to encounter any powerful people within the organization that he cannot remove. Certainly, there are two military cases in which a group of officers is accused of attempting to stage a military coup, [35] but it does not seem that there is anything disturbing on the horizon or unusual against him within the army institution, as he is able to manage and replace those who occupy important positions to avoid any attempts to seize power from Within the institution.


Consolidation of Governance: Elimination of Politics and Re-Armament of Institutions

Al-Sisi succeeded in eliminating the political sphere that formed after the revolution, and changing the Mubarak equation in leaving a relative margin for the opposition and the Muslim Brotherhood. Sisi not only suppresses political action, but also prevents it from the source and leaves no room for growth, movement and maneuver. The lessons that Sisi learned from the January revolution are: First, uniting the state’s various forces and agencies, strengthening and strengthening the security services, and not allowing any conflict to grow for the different wings within the state; Second, not to allow any margin of movement for the opposition and youth movements; Third, the excessive repression and the use of violence against opponents and the widespread abuse of them, whether through prisons, defamation, or media demonization. Al-Sisi also exploited the desire of the armed forces and the interior to regain their strength to gain their confidence, and presented himself to them as a savior and the man responsible for developing and modernizing the two institutions. And he succeeded in adapting his regional relationship with the Emirates and Saudi Arabia in arming the army and the interior. Egypt became the third importer of weapons in the world between 2014 and 2018 (after Saudi Arabia and India), according to the Stockholm Peace Institute. According to the report, Egypt's arms imports tripled between 2009-2013 and 2014-2018. [36] The Egyptian army was rearmed from France, Germany and Russia, while continuing to buy weapons from the United States of America, complementing American aid since Camp David. One of the France 24 reports refers to Saudi Arabia's participation in financing the French Mistral deal. [37] The interior armament varied between equipment, vehicles, armored vehicles, ammunition, gas bombs, and the rights to produce bullets. It has also imported billions of dollars of espionage equipment and technology, many of which the UAE has helped, according to France 24. [38] The arming of the interior and the development of surveillance techniques are understandable in the context of the internal war the regime is waging against the Muslim Brotherhood and “terrorist groups,” and to besiege democratic forces. This armament raised the strength of the interior, raised the morale of the institution, and restored its sense of superiority over society once again after it faced it after the defeat of the twenty-eighth of January 2011.


The expansion of the army’s rearmament can be analyzed from more than one angle. First, the internal reason is to satisfy the army as an institution and confirm the pillars of Sisi by ensuring its loyalty through raising its efficiency and developing it. Springborg sees the matter in another angle, which is that Sisi's confidence in the army and its ability to monitor it and ensure its loyalty allowed the development and restructuring of the operational and inter-operative aspects between the various weapons, and pushed the need for rearmament and diversification to keep pace with internal and regional challenges. [39] The diversity of weapons sources had a positive effect within the army and raised Sisi’s shares within it, as he is considered the first to have succeeded in diversifying the sources of weapons within the army since Camp David, or at least these are the vision of many officers now. Thus, Sisi also succeeded in maneuvering with the United States, after the latter threatened more than once to cut off military aid. Second, the regional arms race and fear of existing tensions in the region, and Sisi has more than once offered Egypt to the Gulf as a potential power. This prompted Al-Sisi, in January 2018, to sign the "Memorandum of Understanding in the field of security and interchangeability", known as "CISMOA", with Washington. This agreement is considered a legal requirement for the United States to provide the allied country with encrypted communications equipment and systems, which enables it to use the direct means of communication in real and actual time. [40] This is in order to coordinate technically and operationally with the rest of the Gulf states and the allies of the United States. It should be noted that Egypt eluded for thirty years to avoid signing this agreement. Third, these deals succeeded in buying the silence of Western countries over human rights violations and breaking the isolation that some countries tried to impose on Egypt after the army took control of the government on the third of July 2013.


In conclusion, Sisi succeeded, at the beginning of his rise, in attracting large sectors of society that were in a state of great panic at the hegemony of Islamists, and he succeeded through the discourse of the danger of the collapse of the state in detail with the turbulent reality, which enabled him to have massive popularity and an enormous capacity for oppression and oppression. Despite his decline in popularity due to harsh economic policies, he succeeded in consolidating his rule and imposing a fait accompli after his success in the ascending stage. It also benefited from the regional conflict, and ensured the generous support of the UAE and Saudi Arabia and the arming of its institutions. Finally, he succeeded in taking complete control of the state apparatus, subjugating and subjugating all of its institutions, and harassing his opponents through the same apparatus, namely the police, the judiciary and the army. More recently, Al-Sisi has succeeded, through recent constitutional amendments, which allowed him to remain in power after his term expires, to fully subjugate the judiciary institution. The latter enjoyed a measure of independence that allowed Sisi to maneuver and to exploit the judiciary in an Egyptian case, the islands of Tiran and Sanafir, which he ceded to Saudi Arabia.


Unlike everyone who preceded him, Sisi does not see the consolidation of his rule through the establishment of a strong political entity that would serve as his social and political ally, but rather through unifying the powers and apparatus of the state behind him and presenting himself to the general public as a savior and protector of the country. In his speech within the activities of the Commemoration Day on March 9, 2021, Al-Sisi announced that the inauguration of the new administrative capital, which is being prepared since his assumption of power in 2014, is tantamount to the birth of a new republic and a new state; [41] The state became the state of the military institution only, ridding itself of the state. Which was outside the military institution since the era of Abdel Nasser.


Conclusion

Since 2011, the state has been at the disposal of the military institution represented by the Supreme Council of the Armed Forces, and it has been under Sisi since 2013. The people were a tool in 2013 to attain hegemony over the top and central political decision of the state, which is the presidential institution. After achieving the centralization of power and decision, the next steps included the formation of a military society with economic and other advantages, unprecedented compared to previous eras. The explosion of the political sphere and the intensification of the struggle against the state and the revolutionary and latter groups against the Brotherhood, followed by the explosion of armed violence, made it possible to resolve the structural impasse that had dominated the dimensions of the conflict in Egypt since 2011 in favor of the military coup. The war was the only formula that enabled the military coup to take its place and prevail in the struggle against the reformists, revolutionaries and political Islam. The security formula that had been put forward since July 2013 was sufficient to resolve the partnership that was formed between some political forces from the civilian movement and the army in favor of the latter. There were no other political forces that possessed the same amount of symbolic and material power that the army possessed, which had doubled thanks to the wave of June 30, and then strengthened the "war on terror". The regional situation, the outbreak of civil wars, and the disintegration of states from the state's capabilities allowed it to use a high level of violence and repression only under the pretext of survival and preservation of itself and for itself.


By being able to control the state apparatus, Sisi succeeded in aborting any democratic transformation. Rather, he went beyond reproducing authoritarianism like Mubarak in favor of a dictatorship of an exceptional character, and for himself to be transformed into an actual dictator. The man does not face powerful people and partners in government who control sovereign bodies, as was the case with Abdel Nasser, and his regime does not suffer from structural cracks, as was the case with Mubarak because of the various conflicts between the security services or because of the conflict between Gamal Mubarak and his rising elite and the army. He was also able to form his dictatorship through a popular mandate and then a huge mass popularity, as well as through complete domination of the state apparatus and the elimination of the areas of litigation and the rule of law, even partially, and the elimination of the relative independence of the judiciary and judges, in a situation closer to the outbreaks of the twentieth century than to authoritarian or semi-authoritarian regimes.


The war on terror strengthened the cohesion of state institutions, and strengthened its fear of the fall of the Sisi regime and his rule, and thus exposing it to trial and accountability. Egypt's involvement in a central and regional struggle against political Islam and armed violence strengthened its regional allies, despite their contradictions. Egypt is in a clear alliance with Saudi Arabia and the UAE, but for the same reasons it was in a relationship with the Syrian / Russian / Iranian alliance. Its regional opponent was the Qatar / Turkish alliance. The security arrangements for the Eastern Mediterranean and North Africa and the control of illegal immigration and the conflict in Libya have dominated the Europeans' attitude towards Sisi, at the expense of the tendencies related to human rights and freedoms. Therefore, Al-Sisi did not face any isolation or real restrictions on him internationally, as Trump supported Al-Sisi and solidified his rule. Re-arming the Egyptian army and diversifying the sources of weapons was a very successful strategy at the domestic level in the army - it doubled Sisi's popularity and the institution's solidarity behind him - and at the international level, as he became a consumer and importer of great importance to European countries. And unlike Mubarak, Sisi uses his global and internal situation to crush any opposition to him. He succeeded in liquidating the effectiveness of most of the political activists and their various groups that were swarming the country from 2010 and escalated after the revolution, leaving an unprecedented deterioration in the human rights situation and public freedoms.


Finally, Sisi succeeded in leading the state itself in a fierce war against the revolution. In the end, the coup represents a manifestation and manifestation of the state. [42] After the military establishment became the dominant over the state and everything that pertains to it, symbolically or institutionally, it used this manifestation to oppose the revolution and the revolutionary movement within the Egyptian society. .


Note: To view the margins, follow the Cairo Institute for Human Rights Studies link


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.