الأحد، 10 أكتوبر 2021

الجنرال الاستبدادى عبدالفتاح السيسى يعلن بعد ساعات من إطلاق استراتيجية مزعومة لحقوق الانسان عن قرب افتتاح 8 مجمعات سجون مصرية كبرى لتكديس مزيد من المعتقلين السياسيين فيها بدلا من أن يعلن هدم معظم السجون الموجودة وإطلاق سراح ستين ألف معتقل سياسى


نص ترجمة تقرير صحيفة واشنطن بوست الأمريكية حرفيا..

الجنرال الاستبدادى عبدالفتاح السيسى يعلن بعد ساعات من إطلاق استراتيجية مزعومة لحقوق الانسان عن قرب افتتاح 8 مجمعات سجون مصرية كبرى لتكديس مزيد من المعتقلين السياسيين فيها بدلا من أن يعلن هدم معظم السجون الموجودة وإطلاق سراح ستين ألف معتقل سياسى


مرفق رابط التقرير في صحيفة واشنطن بوست الأمريكية

 في احتفالية كبرى، أطلق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي استراتيجية وطنية لحقوق الانسان خلال السنوات الخمس القادمة، كما وعد بجعل العام 2022 عام المجتمع المدني في مصر.

من الصعب ألّا يشعر المرء بالعبث إزاء هذا المشهد، وذلك بالنظر إلى حكم الرعب الذي أقامه السيسي خلال السنوات الثمان الماضية. فهو لم يستولِ على السلطة بالقوة وأنهى الانتقال الهش نحو الديمقراطية فحسب، لكنه أيضًا زجّ عشرات الآلاف من معارضيه في السجن، وبسط سيطرة الدولة على الإعلام بطريقة تذكر بروايات جورج أورويل، وأعاد كتابة الدستور ليوسع سلطاته ويمدد فترة حكمه، كما قضى على استقلال هيئات المجتمع المدني – خاصة تلك التي تعمل في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان.

كان من الممكن أن تكون هذه الاستراتيجية خطوة إيجابية، إشارة من النظام الذي تأكد من استقراره وإمساكه بالسلطة أنه أصبح مستعدًا للتعامل – بشروطه الخاصة ووفق الإيقاع الذي يناسبه – مع التحديات المزمنة لحقوق الانسان في مصر. فالتعامل مع مثل هذه الموضوعات ذات الجذور العميقة يتطلب تعاونًا من النظام وليس فقط الضغط عليه. وبالتالي أن يبدي النظام استعداده لصياغة استراتيجية للتعامل مع هذه التحديات – ولو بالتدريج وببطء – كان يمكن أن يكون تطورًا إيجابيًا يستحق الاختبار والتعامل الإيجابي.

لكن قراءة وثيقة "استراتيجية حقوق الانسان" تقضي بسرعة على مثل هذه الآمال. فكما تقول ميشيل دن مسؤولة الشرق الأوسط بمؤسسة كارنيغي، فإن هذه الاستراتيجية "لا تعترف بوجود مشكلة انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان في مصر". بل على العكس، إنها تشيد بالإنجازات التي حققتها السلطات التنفيذية والتشريعية ومؤسسات الدولة في تحسين حقوق الانسان. اختصارًا، تقوم هذه الاستراتيجية برمتها على "أساس من إنكار المشكلة".

من المسؤول إذًا عن أزمة حقوق الإنسان في مصر وفقًا للوثيقة؟ المواطنون أنفسهم. فكما يشير بهي الدين حسن – أحد قادة العمل الحقوقي المصري والذي يواجه حكمًا بالسجن لمدة 15 عامًا على خلفية تغريدات نشرها – فإن الوثيقة تعزو بشكل متكرر انتهاكات حقوق الانسان إلى غياب ثقافة حقوق الإنسان وتقصير الأحزاب وهيئات المجتمع المدني عن المشاركة السياسية من دون إشارة واحدة الى مسئولية الأجهزة الأمنية الشهيرة.

وفي إشارة دالة، أعلن السيسي بعد إطلاقه استراتيجية حقوق الإنسان بأيام قليلة نيته افتتاح أكبر مجمع للسجون في مصر.

من الصعب إذًا أن يرى المرء في هذه "الاستراتيجية" أكثر من اشتغالة، صممها ونسق تنفيذها دبلوماسيو النظام لتشتيت الانتقادات الخارجية والأهم من ذلك لإضفاء الشرعية على انخراط بايدن مع "الديكتاتور المفضل" لدونالد ترامب.

ويبدو أن الحكومة الأميركية مستعدة لقبول هذه الاشتغالة، كما يتضح من تصريحات وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بعد لقاءه نظيره المصري والتي خفض فيها المطالب الأميركية فيما يتعلق بحقوق الإنسان إلى مجرد "تنفيذ الإجراءات الواردة في الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التي أطلقتها الحكومة المصرية". هكذا صارت الاستراتيجية المصرية التي لا ترقى لمصاف أنصاف الحلول هي أساس المفاوضات الثنائية الخاصة باحترام حقوق الانسان والقيم الديمقراطية. الاشتغالة نجحت.

من المفهوم تعلق إدارة بايدن بأي قشة إيجابية تأتي من القاهرة. فالولايات المتحدة بحاجة إلى مساعدة من مصر في القضايا الإقليمية، خاصة في إدارة العلاقات بين إسرائيل وحماس في غزة. كما أن هيئات الأمن القومي الأميركية لا تزال ترى فائدةً استراتيجيةً في التعاون مع نظيرتها المصرية. وبالإضافة لذلك، فلمصر أصدقاء ذوي نفوذ في واشنطن: الإماراتيون والسعوديون والإسرائيليون، إضافةً إلى شركات السلاح الأميركية المتمسكة بالسوق الذي تخلقه لها المساعدات العسكرية الأميركية الضخمة لمصر.

وبالإضافة لذلك، فلا أحد يبدو قادرًا على اقتراح بديل يمكن الاعتماد عليه للنظام السلطوي المصري، أو مستعدًا للنظر في العودة إلى اضطرابات الفترة من 2011 إلى 2014. وفي سياق استراتيجي تحتل فيه الصين مكان الصدارة في قائمة الأولويات، ليس لدى المسؤولين الأمريكيين طاقة أو تركيز كافٍ لإدارة شراكة مثيرة للمشاكل مثل هذه. ومن ثم فإن أفضل شيء يحدث للرئيس بايدن – الموزع بين هذه الحقائق السياسية وبين وعوده الانتخابية الخاصة بالديمقراطية في مصر – هو أن تعطيه القاهرة شيئًا يستند إليه في مواجهة النواب الديمقراطيين في الكونغرس الذين ينتقدون دعمه للنظام القمعي في مصر.

لكن "استراتيجية حقوق الانسان" المصرية هي مجرد اشتغالة بلا نتائج ملموسة، وستترك بايدن مكشوفًا أمام انتقادات الكونغرس حين تقع الانتهاكات الجسيمة القادمة لحقوق الإنسان في مصر، وهو أمر حتمي.

لقد سكبت الولايات المتحدة مليار دولار في برنامج المساعدات العسكرية هذا العام، وعرضت على المسؤولين المصريين 170 مليون دولار أخرى من ضمن ما سيكون مجموعه 300 مليون دولار ربطها الكونغرس بتحقيق تقدم ملموس في مجال حقوق الإنسان. هذه المبالغ أكثر من كافية لشراء تعاون مصر الاستراتيجي المأمول. وفي نهاية الأمر، فإن معظم مظاهر هذا التعاون هي سياسات للنظام المصري مصلحة عميقة في الحفاظ عليها. وبالتالي يمكن للإدارة الأميركية العمل مع مصر في هذه الموضوعات في حين تواصل ربط المساعدات التي حددها الكونغرس بإدخال إصلاحات حقيقية في سلوك السلطات المصرية المتعلق باحترام حقوق الانسان، وتوفير الوقت والجهد على نفسها.

أما إن كان النظام المصري غير مهتم بالـ300 مليون دولار بما يكفي لكي يعيد النظر في مساره، فيمكن للحكومة الأميركية أن تجد استخدامات أفضل لهذه الأموال. منْح الشباب المصري فرصًا لدراسة الاقتصاد، وحقوق الإنسان، والإصلاح المؤسسي، وتمويل عمل المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان في مصر، ومساندة جهود إطلاق السجناء السياسيين ومساعدة عائلاتهم، كلها ستسهم في تحسين مستقبل مصر – وعلاقتها بالولايات المتحدة – بشكل أفضل بكثير مما يفعله إلقاء مزيد من الأموال إلى حكامها المستبدين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.