الثلاثاء، 23 نوفمبر 2021

تعديلات قانونية جديدة ترسخ إخضاع مصر لحالة طوارئ دائمة


نص تقرير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان الصادر مساء اليوم الثلاثاء 23 نوفمبر 2021:

تعديلات قانونية جديدة ترسخ إخضاع مصر لحالة طوارئ دائمة

الرئيس يصّدق على تعديلات جديدة على قوانين العقوبات ومكافحة الإرهاب وحماية المنشآت العامة


يؤكد مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان أن التعديلات القانونية الجديدة التي صدق الرئيس عبد الفتاح السيسي عليها مؤخرًا، تستهدف ترسيخ إخضاع مصر لحالة طوارئ دائمة، قد تم الإعداد والتمهيد لها على مدى سنوات من خلال مجموعة من الممارسات الأمنية المنافية للقانون والدستور، وإصدار تشريعات تتبني فلسفة «الوضع الطارئ والاستثنائي» حتى من قبل الإعلان الرسمي عن سريان حالة الطوارئ في أبريل ٢٠١٧. لذا فهذه التعديلات الأخيرة تشكل بحد ذاتها تكذيبًا لإعلان الرئيس في أكتوبر الماضي رفع حالة الطوارئ وعدم تجديدها.

أعلن الرئيس السيسي بطريقة مسرحية[1] في 25 أكتوبر 2021 قراره برفع حالة الطوارئ؛ لكنه لم يلغ التشريعات الاستثنائية الصادرة والمطبقة من قبل إعلان حالة الطوارئ، والتي كانت في حد ذاتها تشرعن لوضع قانوني استثنائي. وبعد أقل من أسبوع على بيان الرئيس «المسرحي»، تقدمت الحكومة لمجلس النواب بمقترح جديد لتعديلات قانونية إضافية من شأنها تقنين حالة طوارئ دائمة في البلاد، تجب إي احتياج لإعلان حالة الطوارئ مجددًا، وتجعل الإعلان عن إلغائها مجرد حملة علاقات عامة دولية مثيرة للسخرية.

وقد شملت التعديلات التي أقرها الرئيس في 11 و22 نوفمبر الجاري، قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937،[2] وقانون مكافحة الإرهاب رقم 94 لسنة 2015، وقانون حماية وتأمين المنشآت الحيوية والعامة رقم 136 لسنة 2014. [3]

منذ أن أعلن الرئيس تطبيق حالة الطوارئ في أبريل 2017، تعاقبت القرارات بتجديدها، حتى صدور القرار الأخير برفع الطوارئ في أكتوبر الماضي، وذلك رغم ما يقتضيه النص الدستوري (المادة 154) بشأن عدم جواز تجديد حالة الطوارئ (المقررة دستوريًا بـ 3 أشهر فقط) سوى لمدة واحدة إضافية لا تتجاوز 3 أشهر أخرى. إلا أنه وبسبب تواطؤ مجلس النواب - الذي يعمل كـ (مبصمة أوتوماتيكية) - تم التحايل على النص الدستوري بإعلان الطوارئ مجددًا كل 3 أشهر بفوارق زمنية بسيطة، ولمدة 4 سنوات!

وفي صبيحة اليوم التالي لإعلان رفع حالة الطوارئ، أصدر مركز القاهرة بالتعاون مع 7 منظمات حقوقية مستقلة في 26 أكتوبر بيانًا مشتركًا[4] أوضحوا فيه أن  حالة الطوارئ الدائمة في مصر لا  ترتكز فقط على القانون المنظم لها، وإنما على ترسانة من القوانين السارية التي تعصف بالحقوق والحريات، مثل قانون مكافحة الإرهاب وقانون حماية المنشآت العامة. كما أشارت المنظمات إلى خطورة غياب المحاسبة خاصة لممثلي السلطة التنفيذية المكلفين بإنفاذ القانون، ومحدودية أثر وقف العمل بمحاكم أمن الدولة العليا طوارئ الاستثنائية، طالما أن بقية المحاكم غير الاستثنائية ترتكب الانتهاكات نفسها، ضمن سياق ممتد من التقويض المنهجي للقضاء الطبيعي، والتطبيع المخزي مع إحالة المدنيين للمحاكم العسكرية بموجب قانون حماية المنشآت العامة، الذي تم تحصينه في التعديلات الدستورية عام 2019.

وفي 31 أكتوبر، بصم مجلس النواب الجديد على التعديلات القانونية المقترحة من حكومة السيسي، بما يضمن ترسيخ حالة طوارئ متصلة ودائمة، الأمر الذي سيسمح بمزيد من قرارات إحالة المدنيين للمحاكمات العسكرية، ويخل أكثر بالحق في المحاكمات العادلة والمنصفة، ويفرض مزيد من القيود على حرية الرأي والتعبير وحرية البحث العلمي والأكاديمي.

وفيما يلي نستعرض أبرز هذه التعديلات، والتي أقرها الرئيس ودخلت حيز النفاذ اليوم 23 نوفمبر 2021.

أولًا: تعديلات قانون مكافحة الإرهاب: تغليظ العقوبات بما يتجاوز عقوبات الطوارئ

يعتقد مركز القاهرة أن التعديلات التي طالت قانون مكافحة الإرهاب- الذي هو بالأساس محل تحفظ وانتقاد حقوقي واسع-[5]  من شأنها تحويل حالة الطوارئ الاستثنائية بطبيعتها إلى حالة دائمة، وهو نصًا – حسب تقارير صحفية-[6] ما رد به رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب على منتقدي التعديلات باعتبارها تكرس لحالة الاستثناء، قائلاً: «هذه التعديلات لا تجعل هذا القانون استثنائيًا، وبعد الموافقة عليه يصبح دائمًا»!

تضمنت التعديلات إضافة المادة رقم 32 مكرر، والتي تعد أكثر قسوة من المادة 5 من قانون الطوارئ؛ فبينما لا تتجاوز الغرامة في قانون الطوارئ 4 آلاف جنيه، أجازت التعديلات الجديدة لقانون مكافحة الإرهاب فرض عقوبات تصل للسجن المشدد وغرامة تصل 100 ألف جنيه، كعقوبة على مخالفة التدابير التي يحق لرئيس الجمهورية اتخاذها لمواجهة الأخطار الإرهابية. كما أقرت المادة المستحدثة عقوبة السجن و/أو غرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه ولا تزيد عن 50 ألف جنيه على الإخلال بالتدابير الرئاسية التي لم يحدد الرئيس طبيعة العقوبات عنها، بينما كانت العقوبة المقررة في قانون الطوارئ (المادة 5)؛ حبس مدة لا تزيد على 6 أشهر وغرامة لا تتجاوز 50 جنيه.

جدول يوضح الفرق بين النص المستحدث رقم 32 مكرر بقانون مكافحة الإرهاب، ونص المادة 5 من قانون الطوارئ

مادة 32 مكرر بقانون مكافحة الإرهاب

مادة 5 من قانون الطوارئ

مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد منصوص عليها في أي قانون أخر، يُعاقب كل من خالف أي من التدابير الصادرة وفقًا لأحكام المادة (53) من هذا القانون والقرارات الصادرة تنفيذًا لتلك التدابير بالعقوبات المنصوص عليها في قرار رئيس الجمهورية المشار إليه بشرط ألا تزيد العقوبة المقيدة للحرية على السجن المشدد وألا تزيد الغرامة على مائة ألف جنيه.

وإذا لم ينص قرار رئيس الجمهورية المشار إليه على عقوبات حال مخالفة أي من التدابير الواردة به وكذا القرارات الصادرة تنفيذًا لتلك التدابير، فيُعاقب على مخالفة أي منها بالسجن وبغرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه ولا تزيد عن 50 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين.

مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد تنص عليها القوانين المعمول بها يُعاقب كل من خالف الأوامر الصادرة من رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه بالعقوبات المنصوص عليها في تلك الأوامر على ألا تزيد هذه العقوبة على السجن المشدد ولا على غرامة قدرها أربعة آلاف جنيه أو أربعون ألف ليرة.

وإذا لم تكن تلك الأوامر قد بينت العقوبة على مخالفة أحكامها فيعاقب على مخالفتها بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر وبغرامة لا تجاوز خمسين جنيها أو خمسمائة ليرة سورية أو بإحدى هاتين العقوبتين.

شملت التعديلات أيضًا المادة (53) للقانون نفسه، والتي أجازت لرئيس الجمهورية في حالة خطر "الجريمة الإرهابية أو ما يترتب عليها من كوارث بيئية اتخاذ التدابير المناسبة للمحافظة على الأمن والنظام العام، بما في ذلك عزل بعض المناطق أو إخلائها وفرض حظر التجوال، وذلك لمدة أقصاها 6 أشهر قابلة للتجديد. وذلك في مقابل 3 أشهر فقط كانت الحد الأقصى المقرر لفرض حالة الطوارئ بموجب الدستور.

أما التعديل الخاص بالمادة (36)، فتضمن زيادة الغرامة المالية المفروضة كعقوبة على نقل وقائع محاكمات الإرهاب من 100 ألف جنيه إلى 300 ألف جنيه في حال عدم الحصول على إذن من رئيس المحكمة. وفي هذا السياق يشير مركز القاهرة لتعارض هذه المادة مع مبدأ علانية الجلسات الذي يقره الدستور المصري في المادة 187،[7] وتوسعها غير الجائز في رخصة سرية الجلسات التي هي استثناءً لا يجوز التوسع فيه، خاصةً وأن نقل وقائع الجلسات هو حق أصيل للرأي العام وكافة وسائل الإعلام؛ لإعمال رقابتها على السلطة القضائية. ويعتبر المركز أن هذا التعديل لا يعكس إلا مساعي إضافية لتكثيف التعتيم على ما يحدث داخل أروقة المحاكم من انتهاكات للحق في المحاكمة العادلة، والتي تصاعدت وتيرتها عقب تشكيل دوائر الإرهاب وتوظيف المحاكم العسكرية للتنكيل بكل من له رأي يتعارض مع توجه رئيس الدولة.

ثانيًا: تعديلات قانون حماية المنشآت العامة: تأييد ملتف لاستثناء إحالة المدنيين لمحاكم عسكرية

تضمنت التعديلات الأخيرة على قانون حماية المنشآت العامة والحيوية رقم 136 لسنة 2014 إضافة مادة جديدة للقانون المعدل تفيد بـ (إلغاء كل حكم يخالف أحكام هذا القانون)، مما يعني ضمنيًا إلغاء نص المادة الثالثة من قانون حماية المنشآت العامة والحيوية، والتي كانت تنص على أن هذا القانون يطبق- بشكل مؤقت- لمدة عامين فقط. وبموجب هذا التعديل الأخير، يتحول قانون حماية المنشآت العامة من قانون استثنائي مؤقت، لقانون دائم!

كان رئيس الجمهورية قد أصدر هذا القانون في أكتوبر 2014، واعتبرته المنظمات الحقوقية وقتها قانون غير دستوري، ووصفته بأنه محاولة لتكريس حالة طوارئ غير معلنة.[8] ورغم أنه كان يفترض- بحسب نص المادة (3) منه- أن يستمر العمل به لمدة عامين فقط (حتى 2016)، أصدر رئيس الجمهورية في أغسطس 2016، قرارًا بتمديد العمل به لـ 5 سنوات إضافية.[9]

وفي 31 أكتوبر 2021، وافق مجلس النواب على تعديل إضافي على القانون، يستهدف تأكيد استمرار معاونة القوات المسلحة لجهاز الشرطة في حماية المنشآت العامة والحيوية دون التقيد بفترة زمنية محددة، واستمرار إحالة جميع القضايا التي ترتكب حال قيام القوات المسلحة بتأمين وحماية تلك المنشآت إلى القضاء العسكري بدلاً من القضاء العادي، دون تحديد نطاق جغرافي أو زمني لهذا الاختصـاص. وقد برر تقرير لجنة الدفاع والأمن القومي ولجنة الشئون الدستورية والتشريعية هذا التعديل باعتباره (استحقاق دستوري)،[10] في استهزاء سافر بالرأي العام وبالقانون نفسه.

يتعارض قانون حماية المنشآت العامة والحيوية مع المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية؛ لانتقاصه من حقوق المتهم وعصفه بضمانات المحاكمة العادلة، وإجازته محاكمة المدنيين أمام محكمة استثنائية بدلًا من القاضي الطبيعي. هذا بالإضافة إلى عبارة «المنشآت العامة والحيوية» التي ما زال ينقصها الضبط وتعتريها العمومية والغموض، فتشمل بذلك أي مرفق تصفه السلطات المختصة بأنه «عام وحيوي»، الأمر الذي يؤدي لتوسيع صلاحيات وسلطات القضاء العسكري على حساب القضاء المدني المتهالك على مدى السنوات الـ 8 الأخيرة.

ثالثًا: تعديلات على قانون العقوبات تكرس تحصين القوات المسلحة وشركاتها من المساءلة المدنية

تضمنت حزمة التعديلات القانونية الأخيرة أيضًا تعديل المادة 80 (أ) من قانون العقوبات، والخاصة بجريمة إفشاء سر من أسرار الدولة، فضاعفت الغرامة مائة مرة (من 500 جنيه إلى 50 ألف جنيه كحد أقصى) وأبقى على عقوبة الحبس لمدة لا تزيد عن 6 أشهر. كما ساوى التعديل الجديد بين الشروع بالإفشاء وبين ارتكاب الإفشاء، ففرض عقوبة الجريمة التامة لكليهما!

كما استحدث التعديل جريمة جمع الاستبيانات أو الإحصائيات أو إجراء الدراسات عن القوات المسلحة دون تصريح من وزارة الدفاع، وأقر لهذه الجريمة أيضًا عقوبة الحبس لمدة لا تزيد عن 6 أشهر و/أو غرامة تصل إلى 50 ألف جنية. الأمر الذي يفرض مزيد من القيود على الباحثين والاكاديميين والبحث العلمي في مصر، خاصة في مجال الاقتصاد، والذي يعاني من تفشي الفساد في مختلف قطاعاته، والثابت تغلل القوات المسلحة في معظم أنشطته ومجالاته، حتى صنفه البعض أكبر مستثمر وأكبر مالك للأرض في مصر [11] على نحو جدير بالبحث والدراسة والتحليل.

ختامًا، يعتبر مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان أن أثر التعديلات القانونية الأخيرة لا ينحصر فقط في ترسيخ ديمومة حالة الطوارئ غير المعلنة، بل يوسع المظلة القانونية الحالية لجرائم حقوق الإنسان، في سياق دولة تُدار منذ ٨ سنوات في ظل غياب كامل لحكم القانون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.