الاثنين، 31 يناير 2022

موقع مدى مصر: بين النيابة العامة والقانون.. لماذا يستمر التعذيب في مقار الاحتجاز بمصر؟

رابط التقرير

موقع مدى مصر:

بين النيابة العامة والقانون.. لماذا يستمر التعذيب في مقار الاحتجاز بمصر؟


نشرت صحيفة ذا جارديان البريطانية، الاثنين الماضي، تقريرًا عن تعرض عدد من سجناء قسم شرطة السلام أول، في القاهرة، للتعذيب، استنادًا إلى مقطعي فيديو حصلت عليهما الصحيفة، مرجحة أن يكون تصويرهما تم في نوفمبر من العام الماضي.

مقطعا الفيديو اللذان امتنعت «ذا جارديان» عن نشرهما، ونشرتهما مواقع أخرى، أظهر أولهما محتجزين اثنين في ملابسهما الداخلية، معلقين من أذرعهما (خلفي) على شبكة معدنية، فيما يقول القائم بتصوير الفيديو إنهما معلقان منذ 13 ساعة. أما الفيديو الثاني فيظهر فيه عدد من السجناء داخل زنزانة وهم يكشفون عن كدمات متفرقة في أجسادهم، متهمين ضباط مباحث وقوة شرطة قسم السلام أول، الذين ذكروا أسمائهم، بالتسبب فيها بعد ضربهم بالشوم.

الجريدة البريطانية قالت إنها اتصلت بوزارة الداخلية، لكنها رفضت التعليق، فيما نفت الوزارة في اليوم نفسه، على لسان مصدر أمني تحدث للصحف المصرية، صحة اﻷمر كله، مؤكدًا فبركة الفيديوهين بهدف نشر الشائعات والأكاذيب، وأن من نشرهما هو عنصر بجماعة الإخوان المسلمين هارب، فيما لم يصدر تعليق آخر من أية جهات رسمية، بما فيها النيابة العامة، المسؤولة قانونًا عن التحقيق في الانتهاكات التي تتم داخل أماكن الاحتجاز.

«ما حدش بيتحاسب إلا لو المسجون مات»، هكذا قال لـ«مدى مصر» محامٍ يمثل أسرة مسجون لقي حتفه داخل أحد أقسام الشرطة في محافظة القاهرة.

المحامي، الذي طلب عدم ذكر اسمه، اعتبر أن ما يسمح بتكرار وقائع التعذيب داخل الأقسام هو آداء ممثلي النيابة العامة، مفسرًا بأن تعرض المحتجزين للضرب والاعتداء بعد القبض عليهم هو أمر معتاد في بعض الأقسام، وحين يُعرضون على النيابة، فإنهم عادة ما يشكون من تعرضهم للتعذيب على يد ضابط أو أمين شرطة. يوضح المحامي أن الإجراء المتبع في تلك الحالة هو أن يحرر وكيل النيابة بلاغًا، ويسمع أقوال المتهم كمجني عليه، ويطالب المعتدي، سواء كان ضابطًا أو أمينًا أو غيره، بالمثول أمام النيابة لسماع أقواله في الواقعة، وهو أمر نادر الحدوث، بحسب المحامي.

كما لفت المحامي إلى أحيان أخرى يكون المحتجزون فيها «محطوطين في التلاجة»، أي يقضون فترة عقوبة أو حبس احتياطي طويلة داخل قسم الشرطة، دون عرضهم على النيابة، وفي هذه الحالة يُبلغون أسرهم خلال الزيارة، أو عبر وسيط، بتعرضهم للتعذيب. في هذه الحالة، بحسب المحامي، حين يقوم محامي المحتجز بتقديم بلاغ أمام النيابة ضد القسم والمسؤولين عنه، فالمفترض أن تستدعي النيابة بدورها المسؤول عن القسم لسماع أقواله، أو أن تقوم بزيارة مفاجئة للقسم، غير أن ما يحدث على أرض الواقع، بحسب المحامي، هو أن وكيل النيابة يتواصل مع المسؤول عن القسم ويخبره بوجود بلاغ من أحد المحتجزين لديه ويطالبه بتسوية الأمر.

ما أشار له المحامي من مسؤولية النيابة العامة عن استمرار التعذيب داخل أماكن الاحتجاز، أيده مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، جمال عيد، الذي قال لـ«مدى مصر» إن الشرطة تمارس ما كانت تمارسه أيام الرئيس الأسبق حسني مبارك، وأسوأ، وأنها بمنأى عن العقاب، سواء بالإرادة السياسية أو عبر النيابة العامة، التي تتعمد تجاهل البلاغات، لافتًا إلى أن التعذيب يتم إما في أقسام الشرطة أو في مقار أمن الدولة، ومشددًا: «لو النيابة جادة تخضع تلك المقار للتفتيش المفاجئ».

حتى إن لم تستطع النيابة تجاهل بلاغ التعذيب، في حالة وفاة الضحية مثلًا، يظل بطء التحقيقات وما يصاحبه من زيادة نفوذ الجاني بالترقي الوظيفي، سببًا إضافيًا لاستمرار جرائم التعذيب داخل مقار الاحتجاز، بحسب المحامي بمؤسسة حقوق للقانون وأعمال المحاماة، عمرو محمد، الذي أقام في يونيو 2019 دعوى ضد رئيس مباحث قسم شرطة حلوان اﻷسبق ومساعده، لتسببهما في مقتل مواطن كان قد قُبض عليه للتحري، قبل أن يعتدي عليه الضابط ومساعده بالضرب والركل أثناء استجوابه، ليلفظ أنفاسه داخل القسم خلال الـ24 ساعة اﻷولى من احتجازه.

الدعوى التي أقامها محمد في 2019 أحالتها النيابة العامة للمحكمة قبل أيام، بعد أكثر من سنتين من الواقعة، فيما لفت المحامي إلى أنه أقام الدعوى وقت أن كان المتهم رئيس مباحث، ونظرًا لتجميد النيابة التحقيقات في القضية، ظل المتهم في الخدمة ورُقي إلى رتبة عقيد.

كانت محامية المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، هدى نصر الله، انتقدت في 2019 «استمرارية ممارسات النيابة العامة في إخلاء سبيل المتهمين من رجال الشرطة بالرغم من وجود مبررات حقيقية للحبس الاحتياطي، وفي هذه الحالة احتمالات إساءة استخدام سلطاتهم للتأثير على الشهود والمختصمين»، وذلك ضمن تعليقها على حكم بسجن ضابط وثمانية أمناء شرطة ثلاث سنوات، لضربهم مواطنًا حتى الموت، وهو الحكم الذي صدر وقتها بعد ثلاث سنوات من التقاضي.

«ضرب أفضى إلى موت» كانت نفس التهمة التي أحالت بها النيابة رئيس مباحث حلوان ومساعده إلى المحكمة، قبل أيام، رغم أن كاميرات القسم أثبتت دخول الضحية إلى القسم سليمًا، ومقتادًا على قدميه، وأن تقرير الطب الشرعي أقر تعرضه للاعتداء، حسبما يوضح عمرو محمد.

تكييف النيابة وقائع التعذيب بصفتها ضرب أفضى إلى موت، وثقته المباردة المصرية في عدة قضايا، معتبرة أن رفض النيابة، والمحكمة من بعدها، توجيه تهمة التعذيب إلى المتهمين، يشكل «خللًا جذريًا مستمرًا منذ زمن طويل في محاسبة الموظفين العموميين الذين يسيئون استخدام سلطتهم، خاصة من رجال الشرطة، بسبب قصورٍ في تعريف القانون لفعل التعذيب».

يُنهي الدستور المصري عن مظاهر التعذيب كافة، ويصنفها كجريمة لا تسقط بالتقادم، ويُلزم بمعاملة كل من يقبض عليه أو يحبس أو تقيد حريته بما يحفظ عليه كرامته، ويحظر تعذيبه، أو ترهيبه، أو إكراهه، أو إيذاءه بدنيًا أو معنويًا، كما يحظر حجزه، أو حبسه إلا في أماكن مخصصة لذلك لائقة إنسانيًا وصحيًا، ومعاقبة مخالفة ذلك.

في المقابل، لا يضم قانون العقوبات تعريفًا واضحًا شاملًا لجريمة التعذيب، إذ تنص المادة 126 على أن «كل موظف أو مستخدم عمومي أمر بتعذيب متهم، أو فعلَ ذلك بنفسه، لحمله على الاعتراف، يعاقب بالأشغال الشاقة أو السجن من ثلاث سنوات إلى عشر سنوات، وإذا مات المجني عليه يحكم بالعقوبة المقررة للقتل عمدًا». بحسب نص المادة، فإن لم يكن الضحية متهمًا، أو لم يكن الاعتداء عليه بقصد الحصول على اعتراف، تفقد جريمة التعذيب شرطيها الأساسيين، وتكون التهمة «ضرب أفضى إلى موت»، التي تتراوح عقوبتها بين السجن من ثلاث إلى سبع سنوات.

كانت السنوات القليلة الماضية شهدت مطالبات بإعادة تعريف جريمة التعذيب في القانون، وذلك في ضوء تكرار حوادث قتل مواطنين داخل أقسام شرطة، والتي تنتهي بأحكام غير رادعة للمتهمين، إحدى تلك المطالبات أتت في 2018 من المجلس القومي لحقوق الإنسان، والتي علّق عليها وقتها المحامي نجاد البرعي بقوله إن «تعديل المادة 126 وحده لا قيمة له، لأن هناك بنية كاملة لا تحمي من التعذيب. مشكلتنا في مصر ليست في تعريف الجريمة فقط، بل في كيفية إثباتها أيضًا. كيف يمكن على سبيل المثال إثبات وقوع تعذيب نفسي، مثل أن يتم إيهام المتهم أن والدته يتم تعذيبها في الحجرة المجاورة فقط عن طريق الصوت. كيف يمكن إثبات ذلك؟».

بدورها، اعتبرت عايدة سيف الدولة، إحدى مؤسسات مركز النديم لإعادة تأهيل ضحايا العنف والتعذيب، أن التعذيب ليس سوء سلوك من ضابط أو أمين شرطة هنا أو هناك، مضيفة لـ«مدى مصر» أن التعذيب هو سياسة منهجية من الدولة لكسر إرادة الناس وإذلالهم، وأن له مظاهر كثيرة تبدأ من ربط المساجين وضربهم، كما ظهر في الفيديوهات الأخيرة، وإخفائهم قسريًا، وتمتد إلى الحبس الانفرادي غير محدد المدة في السجون، والحبس الاحتياطي مفتوح المدة، وعدم تقديم الرعاية الصحية للمساجين، وغيرها من الممارسات التي اعتدنا عليها في السنوات الأخيرة، حسب قولها.

وأضافت سيف الدولة: «زمان كان التعذيب بيحصل بالأساس في أقسام الشرطة، لكن دلوقتي بيحصل في الأقسام وفي السجون»، مشددة على أن جريمة التعذيب أصبحت تمارس بشكل أكثر قسوة بعد ثورة 25 يناير 2011.

بحسب تقرير لمركز النديم، نُشر أمس، شهد العام الماضي، 1530 انتهاكًا داخل مقار الاحتجاز المختلفة، ما بين قتل وتعذيب وتكدير وإهمال طبي وإخفاء قسري وعنف.

في 2015، نظم المحامي نجاد البرعي ورشة عمل لصياغة مشروع قانون لمكافحة التعذيب، بمشاركة حقوقيين وقانونيين، ثم أرسل البرعي نص مشروع القانون إلى رئاسة الجمهورية وعدد من الوزارات للنظر في إصداره. فوجئ البرعي بأن وزارة العدل استدعته هو وقاضيين شاركا في ورشة العمل، وحققت معهم بتهمة تأسيس جماعة غير شرعية وإعداد مشروع قانون لمكافحة التعذيب والضغط على رئيس الجمهورية لإصداره.

لاحقًا، أُحيل القاضيان إلى مجلس التأديب والصلاحية، الذي استمر في التحقيق معهما لمدة عامين، قبل أن تُرفض في يونيو 2019 دعوى وزير العدل بعدم صلاحيتهما للعمل القضائي، أما البرعي، فتم ضمه لقضية منظمات المجتمع المدني حتى حُفظ التحقيق معه فيها في أغسطس الماضي، لعدم كفاية اﻷدلة، فيما لا يزال ممنوعًا من السفر على ذمة القضية نفسها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.