منظمة Access Now المعنية بالدفاع عن الحقوق المدنية الرقمية للناس في جميع أنحاء العالم وتوسيع نطاقها :
حجب الانترنت أثناء الامتحانات: حين تفشل حكومات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في الامتحان
تعتبر الامتحانات في الثانوية وامتحانات الثانوية العامة أمرا ذات أهمية كبرى في العالم العربي. حيث يخضع ملايين الطلبة سنويا لامتحانات ستضع أولى لبنات مستقبلهم الأكاديمي والمهني: دخولهم إلى الجامعة والمواد التي سيتأهلون لدراستها.
الرهان كبير حتما، وذلك لا ينطبق فقط على الطلبة بل أيضا على حكوماتهم التي تدير هذه الامتحانات حتى أن بعضها بالغ في اعتبار نزاهة هذه الامتحانات “شأنا من شؤون الأمن القومي”. وأدى ذلك إلى التجاء عدد من حكومات المنطقة إلى تطبيق عمليات حجب الإنترنت بشكل دوري على المستوى الوطني خلال فترة الامتحانات وذلك لإحباط محاولات غش الطلبة أو تسريب أسئلة الامتحان، وأصبح ذلك للأسف من التحديات الكبرى التي تواجهها المنطقة. ونجد من الجناة الذين عمدوا إلى تطبيق هذا الإجراء القمعي دول السودان والجزائر والأردن والعراق وسوريا.
حجب الإنترنت على الهواتف الجوالة في السودان
للسنة الثانية على التوالي تأمر النيابة العامة في السودان مزودي خدمات الإنترنت بحجب الدخول على الشبكة بالهاتف الجوال لثلاث ساعات أثناء الامتحانات الوطنية لنيل شهادة الثانوية هذه السنة. وجاء هذا الإجراء نزولا عند طلب وزارة التربية والتعليم كإجراء استباقي لمنع الغش في صفوف الطلبة وتجنب تسريب أسئلة الامتحانات على غرار ما حصل في السنوات القليلة الماضية.
وفي 19 يونيو 2021، أول أيام الامتحانات، كشفت البراهين التي وثقتها منظمة Kentik، وهي منظمة تعنى بحركة المعلومات على الشبكة السحابية، بأن حجم حركة الانترنت في السودان تراجع بين الساعة الثامنة والحادية عشر صباحا بالتوقيت المحلي.
ووفقا لجهاز تنظيم الاتصالات والبريد في السودان، وقع تطبيق حجب الانترنت على شبكات الهاتف الجوال في أيام الامتحانات أي من 19 إلى 30 يونيو. وأرسلت شركات الاتصالات إخطارا بذلك إلى مستخدمي الإنترنت عن طريق الرسائل النصية القصيرة قُبيل عملية الحجب. ورغم الإنذار السابق لعملية الحجب، أدى هذا الإجراء إلى حلول الفوضى وإلى سخط في صفوف المواطنين، إذ توقفت بعض الخدمات الإلكترونية الأساسية، مثل خدمات الصيرفة والبريد الإلكتروني، كليا عن العمل.
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يقع فيها تعطيل الانترنت في البلاد. ففي السنة الماضية، علقت السلطات السودانية خدمات الإنترنت لمدة ثلاث ساعات أثناء إجراء الامتحانات الوطنية بين 13 و24 سبتمبر 2020. وارتكب السودان هذا الفعل بشكل متكرر، وله تاريخ عريق في عمليات حجب الإنترنت التي لم تقتصر على فترات الامتحانات، بل أيضا عند خروج المظاهرات الحاشدة، وذلك لكتم أصوات الناقدين وعرقلة التحركات المدنية.
ست سنوات من الحجب المنتظم في الجزائر
تعتبر الجزائر رائدة في مجال حجب الانترنت أثناء الامتحانات الوطنية، حيث لم تتأخر عن الضغط على زر إيقاف الإنترنت كل سنة منذ سنة 2016. وكان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قد أعلن على التلفزيون الجزائري أنه “لن يتسامح بعد الآن” مع هذه الممارسة، ولكن الحكومة الجزائرية قامت مجددا بتعطيل الإنترنت أثناء امتحانات هذه السنة. وفي 20 يونيو، حجبت السلطات الجزائرية الإنترنت بين الثامنة صباحا والثانية عشر ظهرا بالتوقيت المحلي، بينما كان 731 ألف طالب يخضع لأول الامتحانات الوطنية. وتواصلت هذه الانقطاعات على امتداد اليوم، حيث تراوحت بين حجب كلي أثناء حصص الامتحان، أو الإبطاء المتعمَد لسرعة الإنترنت، بين الحصص، وأثناء استراحة الغداء، وليلة الامتحانات.
وعانى ملايين الجزائريين جراء ذلك، خاصة منهم الذين يعتمد عملهم ومصدر رزقهم على وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت. وفي سنة 2019 فقط، خسرت الجزائر حوالي 199 مليون دولار أمريكي، نتيجة عمليات حجب الإنترنت، وتشير تقديرات الخبراء الجزائريين إلى أن الخسائر الاقتصادية بلغت حوالي 500 مليون دينار جزائري في كل ساعة من ساعات حجب الإنترنت على البلاد.
ولكن عمليات الحجب لم تكن التدابير المفرطة الوحيدة التي اتخذتها السلطات في محاولة منها لمنع الغش. ففي هذا العام، اتهمت وزارة العدل الجزائرية 77 طالبا بـ”نشر مواضيع امتحانات البكالوريا و حلولها باستخدام أدوات الاتصال عن بعد”. ويقبع 29 منهم الآن رهن الاحتجاز، في حين وُجهت لـ 33 منهم عقوبة بالسجن تتراوح بين 6 و18 شهرا، وخطايا مالية تصل إلى 100 ألف دينار جزائري. وتأتي هذه الملاحقات القضائية عقب إدخال تنقيحات على قانون العقوبات سنة 2020 تُجرّم الغش أثناء الامتحانات، والتي يعاقب عليها القانون بما يصل إلى 3 سنوات في السجن مع دفع خطية مالية. وتصبح العقوبة أشد، إذ تصل إلى 15 سنة في السجن، إذا أدت عملية الغش أو تسريب أسئلة الامتحان إلى إلغاء الامتحانات كليا أو جزئيا.
السيطرة الكاملة للنظام السوري
يتمتع النظام السوري بسيطرة كاملة على الإنترنت وهياكل الاتصالات، وهو ما سمح له بمراقبة المواطنين وقمعهم بكل أريحية، وتعطيل الاتصال بالشبكة كلما ارتأى ذلك، فقد يكون ذلك أثناء الاحتجاجات على المستوى الوطني أو أثناء العمليات العسكرية، أو بطبيعة الحال أثناء الامتحانات الوطنية. ونسجا على المنوال الجزائري، بقيت عادة سوريا في حجب الانترنت أثناء الامتحانات الوطنية منتظمة منذ سنة 2016. ورصدنا من خلال مشروع ترشيد الحجب ما لا يقل عن 12 عملية حجب خلال هذه الفترة.
وفي هذه السنة، أعلن وزير التربية السوري، دارم طباع، بأن الإنترنت ستنقطع أثناء امتحانات الثانوية لسنة 2021، ولكنه نوّه إلى أن هذه السنة قد تكون الأخيرة إذا ما نجحت الطريقة الجديدة للتشفير واستخدام كاميرات المراقبة وأثبتا فعاليتمها. ولا شك أن أعين السوريين ستبقى على وزارة التربية لمعرفة ما إذا كان هذا الإجراء سيؤدي فعلا إلى وضع حد لحجب الإنترنت في المستقبل.
وفي سنة 2021، حجبت الحكومة السورية مواطنيها عن الشبكة بين 31 مايو و22 يونيو لما لا يقل عن أربع ساعات ونصف يوميا أثناء خضوع الطلبة لامتحان الشهادة الثانوية.
وأصبح الدخول على الشبكة أصعب وأصعب في سوريا جراء النزاع الدائر. وسنة 2020، أعلنت إحدى أكبر شركات الاتصالات في سوريا، MTN سوريا، عن اعتزامها الخروج من السوق السورية بسبب صعوبات مالية وتشغيلية. وفي نفس السنة شرعت وزارة الاتصالات والتكنولوجيا السورية في تنفيذ خطة “ترشيد الإنترنت” بوضع سقف لاستخدام خط الاشتراك الرقمي غير المتماثل (ADSL).
تعطيل التطبيقات داخل المدارس وحولها في الأردن
وقام الأردن بدوره بتعطيل “جميع تطبيقات التواصل” داخل المدارس التي تجري فيها امتحانات الشهادة الثانوية والتي تُعرف ‘بامتحانات التوجيهي’، والتي انطلقت يوم 24 يونيو ومن المزمع أن تستمر إلى حدود 15 يوليو. ويشير تصريح هيئة تنظيم قطاع الاتصالات في الأردن إلى أن هذا التعطيل استُخدم ‘كإجراء وقائي لمنع الغش أو تسريب أسئلة الامتحانات’، وأشار إلى أن المناطق المحيطة بهذه المدارس قد تتأثر أيضا بهذا الإجراء.
وعمد الأردن إلى حجب الإنترنت ثلاث مرات على الأقل سنة 2020، وله سجل في عمليات الإبطاء المتعمَد لسرعة الإنترنت، التي تنطبق خاصة على خدمات البث المباشر، وليس فقط في سياق الامتحانات الوطنية، بل أيضا في أوقات الاضطراب السياسي. وفي مستهل هذا العام، عطّل الأردن الدخول إلى شبكة الإنترنت ومنصات التواصل الرقمي في مختلف أنحاء البلاد عقب اندلاع احتجاجات مناهضة للحكومة.
عمليات الحجب غير ناجعة في منع الغش
لا يمكن لنا أن نُصلح الخطأ بارتكاب خطأ آخر. فقد يكون الغش مشكلة حقيقية يتعين التصدي لها في مختلف أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ولكن لا يشكل حجب الإنترنت بهدف منع الغش أمرا ضروريا ولا متناسبا. ومن الجدير بالذكر أنه ما من أدلة تثبت فعالية هذه التدابير أو نجاحها بأي شكل من الأشكال. إذ يتواصل تسريب الامتحانات على الرغم من عمليات الحجب. وتؤدي التداعيات السلبية لهذه الممارسات إلى ضرر أكبر، وتؤثر جزافا على السكان كافة. ونظرا لاعتماد الكثيرين على الإنترنت كعنصر أساسي في نشاطهم، سواء في التعليم أو التجارة أو العمل أو ربط العلاقات أو الترفيه وغير ذلك من المجالات المتعددة، لا يمكن اعتبار حجب الانترنت على الصعيد الوطني حلا للمشاكل التي تدعي الحكومة التصدي لها.
ومن الجدير بالتذكير أن جميع الحكومات المذكورة آنفا لم تقتصر على الامتحانات الوطنية لممارسة الحجب، بل شملت هذه الممارسة أيضا الاحتجاجات الحاشدة والاضطرابات السياسية. وبالتالي لسائل أن يسأل، هل يتعلق الأمر فعلا بالتصدي للغش أم أننا في الواقع أمام فرض للسيطرة الحكومية؟
دعوة إلى إنهاء العمل بهذه الممارسة القمعية
تتعارض عمليات حجب الانترنت وتعطيلها أو التحكم في عدد من تطبيقات ومنصات التواصل مع القانون الدولي لحقوق الإنسان ومعاييره ويشمل ذلك العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية (ICCPR)، الذي سبق لجميع الدول المذكورة أعلاه التوقيع أو المصادقة عليه.
وسنة 2020، أدان مجلس حقوق الإنسان بشدة من خلال قراره 44/12 استخدام عمليات حجب الانترنت “لمنع أو تعطيل الحصول على المعلومات على شبكة الإنترنت أو نشرها وذلك عمدا وتعسفا” ودعا الدول إلى العزوف عن انتهاج مثل هذه الممارسات.
وندعو من جهتنا الدول العربية إلى التوقف عن تعطيل الوصول إلى الإنترنت ويشمل ذلك منصات التواصل الاجتماعي وتطبيقات الرسائل قبل الامتحانات الوطنية وأثناءها وبعدها. ونشجع في المقابل الحكومات على البحث عن تدابير أقل تدخلا في حياة المواطن وأكثر دقة وشرعية وتناسبا وذلك وفقا لمعياري الضرورة والنجاعة للتصدي لمشكلة تسريب الامتحانات والغش مع العمل على تأمين حصول جميع السكان على الإنترنت على نحو يضمن جودتها وأمنها وخلوها من أي قيود.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.