الثلاثاء، 10 مايو 2022

مدى مصر: الخلفية السياسية لدعوة السيسى لما اسماه ''الحوار السياسي الشامل''

رابط التقرير فى حالة اجتياز حجب السلطات لموقع مدى مصر

مدى مصر: الخلفية السياسية لدعوة السيسى لما اسماه ''الحوار السياسي الشامل''

الخوف من تداعيات ردود الفعل الشعبية من التراجع الاقتصادي وراء الدعوة وليس إنهاء مواد وقوانين وإجراءات الاستبداد وإطلاق سراح المعتقلين ووقف استخدام الحبس الاحتياطى فى التنكيل بالمعارضين

 

بعيدًا عن التكهن بالنتائج، وبعيدًا أيضًا عن تحليل ردود الفعل على دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي الأخيرة لـ«إدارة حوار سياسي مع كل القوى بدون استثناء ولا تمييز»، فإنه من المهم فهم الخلفية السياسية التي مهدت لتلك الدعوة، والتي جاءت في سياق لهجة تصالحية ودودة، بدت مفاجئة نوعًا ما للكثيرين، برغم تصدير مؤشراتها الأولية في لقاء الرئيس مع إعلاميين في توشكى قبل ذلك.

من المتفق عليه أن السبب الرئيسي والمباشر لحاجة الدولة المصرية لتوسيع دائرة الحوار مع المجتمع انبثق من ضغوط الأزمة الاقتصادية المترتبة على تأثيرات الحرب الروسية في أوكرانيا. ومع أن الخطوط العامة لهذه الأزمة (مصريًا) معروفة، فإن معالمها المحددة بالأرقام وبخطط مواجهتها ليست مرصودة، أو ليست معلنة بالقدر الكافي، خاصة من حيث التأثير علي أسعار صرف الجنيه، وعلى أسعار الخبز والوقود، وعلى التزامات سداد أقساط القروض الخارجية وفوائدها. وليس مرصودًا كذلك حدود التأثير المحتمل لرفع أسعار الفوائد الائتمانية في الاقتصاد الأمريكي على السوق المصرية. لكن هناك اتفاق بين المختصين على أن مصر كانت وستبقى من بين الدول الأكثر تأثرًا بالمضار الاقتصادية للحرب الروسية الأوكرانية، سيما إذا استمرت إلى أجل غير منظور، وإذا تصاعد انخراط أمريكا وأوروبا غير المباشر فيها، أو تحولت إلى حرب عالمية، وهو ما أستبعده تمامًا، إلا في حالة تهور الرئيس الروسي كما يهدد هو ومساعدوه أحيانًا، لإبتزاز الغرب الأوروبي والأمريكي أملًا في وقف مساعدة أوكرانيا على الصمود.

لكن ذلك السبب الرئيسي والمباشر للدعوة الرئاسية للحوار السياسي الشامل في مصر ليس كل القصة، فمن المؤكد أن البيئة السياسية في الداخل المصري مهيأة الآن لهذا التغيير في المشهد، دون مخاطر على الاستقرار، من وجهة النظر الرسمية، بل ومن وجهة نظر معظم معارضي النظام أو معارضي بعض سياساته أنفسهم، سواء من المعارضة المعترف بها قانونيًا، والممثلة رمزيًا في مجلسي النواب والشيوخ، أو من المعارضة غير المعترف بها والمشتتة ما بين الداخل والخارج، وذلك بغض النظر عن مسألة التأييد أو الرضا المبدئي أو كيفية تحقيق ذلك الاستقرار.

كنت قد كتبت هنا منذ بعض الوقت تحت عنوان «الخطأ المتكرر للمعارضة المصرية منذ يناير 2011» أن هذه المعارضة بمختلف مكوناتها أساءت تقدير عزم أو إرادة الرئيس السيسي على تنفيذ رؤيته لما يصفه هو نفسه بإعادة تثبيت الدولة المصرية دون هوادة، ولو على حساب الحريات العامة، وأن المعارضين عاشوا طويلًا في أسر لحظة يناير مفترضين أنها قابلة للتكرار، أو أن المجال السياسي لن يعود إلى ما كان قبلها من إغلاق. وقلت إن هذا وهم لأنه لا يحدث عادة أن تتكرر الثورات في أي مجتمع في جيل واحد. الآن يمكنني القول إن الجميع استوعبوا الدرس وسلموا بهذه الحقيقة، إما بعد تجارب شخصية قاسية وإما بعد تجارب فاشلة غير شخصية، أسفرت عن معاناة جديدة لآخرين، وهذا تفسير لاختيار الصمت والتواري من المشهد من جانب الكثيرين، ممن حاولوا تحدي هذا الوضع، و هو أيضًا دليل على تعلم الدرس. ولا بد أن يكون مفهومًا هنا أن هذا الرصد لا ينطوي على أية درجة من اللوم لأي من أولئك الذين اختاروا الصمت.

ولا جدال في أن أحد أهم مكونات بيئة ذلك الاستقرار السياسي هو النجاح الكبير في القضاء على الإرهاب، واستعادة الأمن العام في كل مكان داخل مصر، باستثناء جيوب يائسة ومحصورة، في سيناء لا تؤثر من قريب أو بعيد في مجرى الحياة العادية للأغلبية الساحقة للمواطنين.

أيضًا من معالم الخلفية السياسية للدعوة الرئاسية للحوار الشامل «الذي لا يستثني أية قوة»، أن جميع التجارب أو المحاولات السابقة لصياغة مجال سياسي مساند ومقنع لم تؤت الثمار المرجوة، أو لم تتجسد على الأرض. ونذكر منها مثلًا منتدى الشباب العالمي، وفكرة تشكيل حزب أغلبية له وجود ملموس بين المواطنين، يسبق مناسبة الانتخابات البرلمانية ويستمر بعدها، وكذلك دعوات تأسيس تنظيم شباب وكشافة 30 يونيو أو 3 يوليو، على نحو ما كان يقترح أو يبشر المرحوم ياسر رزق.

خلاصة القول في هذه النقطة إن تلك الآليات لإدارة مجال سياسي لا تتسع فيه ثغرات القلق والتذمر ربما كانت كافية -كحد أدنى- في ظروف عادية أو شبه عادية، أو ضاغطة ضغطًا محتملًا، لكنها بالقطع لا تكفي في ظرف أزمة اقتصادية ثقيلة الوطأة، كتلك التي تفرض نفسها على الدول والاقتصادات الأكثر تعرضًا للعواقب الاقتصادية شديدة السلبية للحرب الروسية الأوكرانية، ومن بينها أو في مقدمتها مصر. وبما أنه من المتوقع اتباع سياسات مؤلمة اجتماعيًا لمواجهة تلك العواقب، فقد يكون إخراجها -وليس صنعها غالبًا- في إطار حوار وطني أقل كلفة على الاستقرار، وعلى الرضا العام.

سوف يكون من محفزات الوصول لهذه النتيجة الاستجابة لمطلب تصفية حالات الحبس الاحتياطي والسجن لأسباب سياسية، لغير المدانين باستخدام العنف، وهو من أهم مطالب المعارضة المعترف بها من النظام، وكذلك هو من أهم مطالب الرأي العام والمجتمع الدولي، وبالقطع فهو من أهم عوامل تخفيف التوتر المجتمعي وتقليل الانتقادات على شبكات التواصل الاجتماعي وغيرها من المنصات. كما سيكون من المحفزات أيضًا تحسين ظروف النشر الإلكتروني الذي يهتم به قطاع الشباب بالدرجة الأولى، بما في ذلك رفع الحجب المفروض على كثير من المواقع، مع استمرار اللهجة التصالحية في الخطاب الرسمي. لكن توقع انفتاحًا سياسيًا شاملًا سيكون أمرًا مبالغًا فيه، أو غير واقعي.

عبد العظيم حماد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.