الأحد، 29 مايو 2022

ليلة إعدام "مجلة الكواكب"

رابط التقرير

ليلة إعدام "مجلة الكواكب" 

وقف "مجلة الكواكب" بعد 90 عاماً من الصدور وخسائر المؤسسات القومية تفوق 747 مليون دولار

هل تعيش الصحف المطبوعة في مصر أيامها الأخيرة؟


بعد 90 عاماً من صدورها، قررت الهيئة الوطنية للصحافة في مصر وقف طباعة مجلة "الكواكب"، التي تُعد من أبرز المجلات الفنية في الدول العربية لعدة عقود، وهو القرار الذي أعاد الجدل بالأوساط الصحافية المصرية في شأن مستقبل الصحافة الورقية. ولم تعلن الهيئة الحكومية المسؤولة عن الصحف الحكومية المصرية أسباب قرارها، وإن جاء في محاولة لتقليل خسائر المؤسسات الصحافية القومية.

ونص القرار على دمج مجلتي "الكواكب" و"طبيبك الخاص" في مجلة "حواء"، التي تصدر عن مؤسسة "دار الهلال"، مع إنشاء موقع إلكتروني خاص لكل إصدار، على أن يتم ذلك اعتباراً من العدد الأول لشهر يونيو (حزيران) المقبل، مع احتفاظ العاملين بتلك المجلات بجميع وظائفهم وحقوقهم المالية.

وأثار القرار الخاص بـ"الكواكب" صدمة في الوسط الصحافي المصري، فالمجلة التي كان أول إصداراتها في 28 مارس (آذار) 1932، وينتظر أن يصدر العدد الأخير رقم 3690 في 31 مايو (أيار) الحالي، وحين أسسها الأخوان إميل وشكري زيدان، كان هدفهما أن تكون مجلة أسبوعية تنشر ملخصات الأفلام وأخبار الأعمال الفنية التي يتم تصويرها وحوارات مع النجوم، إلى جانب مقالات عن السينما.

وعلى مدار 9 عقود، تصدّر غلاف المجلة صور نجوم الفن وأصبح الآن أرشيفها يؤرخ لتاريخ السينما والغناء، وعلى صفحاتها كتب عديد من مشاهير الصحافيين، مثل فهيم نجيب ورجاء النقاش وراجي عنايت وكمال النجمي وحسن شاه ومحمود سعد.

تباين الآراء

بين مؤيد ومعارض، كتب عديد من الصحافيين تعليقات عبر "فيسبوك" حول قرار الهيئة الوطنية للصحافة، وكان من أبرز الكتاب الرافضين نقيب الصحافيين الأسبق يحيى قلاش، الذي وصفه بـ"الإعدام" لمجلة "الكواكب"، قائلاً إن وراء هذه القرارات "عقلية جاهلة بتاريخ مصر، ومُعادية لدور وتاريخ الصحافة المصرية"، مؤكداً أن الصحف والمجلات التي أغلقت سطّرت "أهم فترات تاريخ مصر في السياسة والثقافة والفنون". وأضاف أن "الصحافة تسترد رسالتها ودورها عندما ندرك أنها جزء من قوة مصر وتأثيرها".

كذلك قال رئيس تحرير جريدة "صوت الأمة" السابق، عادل السنهوري، إنه كان يمكن إجراء حوار مجتمعي داخل هذه المجلات، خصوصاً "الكواكب"، والبحث عن حلول بديلة للإغلاق، بهدف الإبقاء على المجلة التاريخية.

وأضاف السنهوري، "أرجوكم، لا تهدروا تاريخنا وقوتنا الناعمة تحت شعار الحداثة والتكنولوجيا، فهناك رسالة أخرى لهذه المطبوعات بعيداً من حسبة المكسب والخسارة".

في المقابل، رأى رئيس تحرير جريدة "الدستور"، وائل لطفي، أن الواقع السيئ لحال تلك المجلات وتغير الوضع العام الذي حققت فيه نجاحاتها سابقاً أصبح يفرض اختفاءها، معتبراً أن وقف طباعة جريدة أو مجلة ليس نهاية العالم، ويمكن متابعتها عبر الموقع الإلكتروني الذي سيتم إنشاؤه بدلاً من الانخراط في "بُكائيات"، بحسب وصفه.

ولم يكن هذا القرار الأول من نوعه، حيث سبقه في يوليو (تموز) العام الماضي قرار بوقف طباعة 3 صحف ورقية يومية، هي "المساء"، التابعة لـ"دار التحرير للطباعة والنشر"، و"الأهرام المسائي"، التابعة لمؤسسة "الأهرام"، ونظيرتها "الأخبار المسائي"، التابعة لـ"دار أخبار اليوم"، على أن تتحول الصحف الثلاث إلى إصدارات إلكترونية.

خطوة متأخرة

عبد الجواد أبو كب، الصحافي ورئيس مجلس أمناء مؤسسة الإعلام والتحول الرقمي، يرى أن تحويل إصدارات صحافية حكومية إلى إلكترونية خطوة تأخرت كثيراً في مصر، مشيراً إلى إلغاء عديد من الصحف إصدارها الورقي في دول العالم عدة، ومن بينها الولايات المتحدة، كما أن جائحة كورونا سرعت من الحاجة للتحول الرقمي، ففي تونس توقفت 27 مطبوعة ورقية منها 7 صحف أغلقت تماماً، منذ ظهور الجائحة. وأضاف لـ"اندبندنت عربية"، أن الاتجاه للرقمنة فرضته تغيرات العصر، سواء برغبة المؤسسات الصحافية، أو من دون إرادتها.

أرقام التوزيع

ولفت أبو كب إلى أن أرقام توزيع الصحف الورقية لا تتناسب مع عدد سكان مصر، الذي تجاوز 102 مليون نسمة، 65 في المئة منهم في سن الشباب، الذي يعتمد على الإنترنت كوسيلة للمعرفة، وسرعت جائحة كورونا من الحاجة للتحول إلى الرقمنة، مؤكداً أن الصحف الورقية تحتاج حالياً إلى تطوير مضامينها والتخلي عن صحافة الخبر، التي لم تعد مُجدية، بحسب تعبيره، والاتجاه لفنون صحافية أخرى بغرض الاحتفاظ بمن تبقى لديها من جمهور، وإبطاء قطار الخسائر التي تلحق بها.

ولا توجد أرقام رسمية لتوزيع الصحف في فترة ما بعد ظهور جائحة كورونا، لكن إحصاءً أجراه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أظهر تراجع عدد النسخ الموزعة من الصحف في عام 2018 إلى نحو 1.4 مليون نسخة يومياً، ما يمثل تقريباً نصف عدد النسخ الموزعة في عام 2010، كما تراجع عدد الصحف في 2018 إلى 70 صحيفة بدلاً من 142 في عام 2010.

وكانت الهيئة الوطنية للصحافة قد كشفت في بيان لها في يناير (كانون الثاني) 2021 عن وصول مديونية المؤسسات الصحافية القومية إلى 13.9 مليار جنيه (نحو 747.5 مليون دولار أميركي)، وذلك بحسب إحصاء أجري في أغسطس (آب) عام 2020، ويوجد في مصر 7 مؤسسات صحافية قومية (مملوكة للدولة)، تصدر أكثر من 50 مطبوعة ما بين صحيفة ومجلة، إضافة إلى الشركة القومية لتوزيع الصحف.

تطوير المحتوى

لا يرفض محمود خليل، الرئيس الأسبق لقسم الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة، فكرة تحول الصحف الورقية إلى إصدار إلكتروني، بما يناسب تطورات تكنولوجيا الاتصال حالياً، لكنه يعارض ما وصفه باختباء القرار وراء دعاوى التطوير التكنولوجي، في وقت يشير فيه الواقع إلى وجود أسباب أخرى، منها التخلص من العبء المالي الناتج عن ارتفاع تكاليف الورق والطباعة.

وأوضح خليل، لـ"اندبندنت عربية"، أن الصحف الورقية في كل أنحاء العالم تتعرض لمحنة بسبب ارتفاع معدل اعتماد الجمهور على الإعلام الجديد ومنصات التواصل الاجتماعي كمصدر للمعلومات، إضافة إلى تحولها إلى ساحة لنشر الإعلانات ما حرم الإعلام التقليدي من أهم مصادر الدخل المادي، وعمق من تلك الأزمة تداعيات جائحة كورونا، واستدرك أنه في الوقت نفسه هناك دراسات حديثة تشير إلى تصاعد عودة الجمهور إلى وسائل الإعلام التقليدي، ومن بينها الصحف الورقية، بعد أن أصبحت منصات التواصل مليئة بالإشاعات والأخبار الكاذبة.

ويرى خليل أن حل أزمة الصحافة في مصر ليس في إلغاء المطبوع والاكتفاء بالإلكتروني، وإنما بتطوير المحتوى الذي وصفه بالضعيف وغير القادر على تلبية احتياجات الجمهور، مؤكداً أن التطوير يجب أن يبدأ من المحتوى، الذي يرتبط نجاحه باستقلالية صانعه والتزامه بتقديم معالجات للأحداث قادرة على جذب الجمهور، وأن يتمتع الصحافي أو صانع المحتوى بالحرية المطلوبة.

خطة التطوير

وكانت الهيئة الوطنية للصحافة قد كشفت لأول مرة في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2019 عن خطة للرقمنة بالمؤسسات الصحافية القومية، تنفيذاً لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي، وفق بيان للهيئة، على أن تبدأ الخطة بمؤسسة "الأهرام"، وتمتد لباقي المؤسسات، وكان من بين بنودها نشر نسخ المطبوعات الورقية على المواقع الإلكترونية لكل مؤسسة بصيغة PDF، وتكون متاحة مجاناً لفترة، ثم مدفوعة الأجر، وفي مرحلة لاحقة "يمكن الاعتماد على النسخ الإلكترونية بصيغة PDF لبعض الإصدارات، خصوصاً تلك التي تخاطب فئات الشباب والمرأة

اندبندنت عربية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.