كان طبيعيا فشل حوار الديكتاتور قبل أن يبدأ لان الشعب ليس مغفل بل هم المغفلون
الحوار الوطني.. وﻻدة متعسرة ومستقبل غامض
قبل أيام من شهر رمضان الماضي، تلقى حمدين صباحي، السياسي الناصري، مكالمة تليفونية تدعوه لزيارة في مكتب أحد كبار المسؤولين بجهاز المخابرات العامة لدردشة. الدردشة، بحسب مصدر سياسي قريب من صباحي تحدث مع «مدى مصر» مشترطًا عدم ذكر هويته، شملت مطالبة بتحرك سياسي من صباحي وغيره من السياسيين لدعم موقف الدولة في مسعى لطمأنة الرأي العام بخصوص الأوضاع الاقتصادية.
صباحي، بحسب ذات المصدر، أخبر محدثيه أنه لم يعد لديه مصداقية كافية في الشارع ليوجه أي حديث، بالنظر إلى أن حسام مؤنس، المسجون على ذمة القضية المعروفة إعلاميًا بـ«خلية الأمل» قبل ما يقرب من ثلاث سنوات، هو من أقرب شباب السياسيين له. لم يتمكن صباحي من اشتراط خروج حسام أو غيره مقابل ظهوره في المجال العام.
حضر صباحي وغيره من القوى السياسية، مِن مَن تم استحضارهم من مشهد 30 يونيو، إفطار الأسرة المصرية في 26 أبريل الماضي، وبعدها بيوم تم الإفراج عن مؤنس. تباعًا، تم أيضًا الإفراج عن عدد من المحبوسين على ذمة قضايا سياسية.
في آخر الشهر نفسه، أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي تكليف إدارة مؤتمر الشباب بالدعوة إلى حوار سياسي يضم كل من وضعتهم السلطة في خانة الخصوم بعد عام 2014. لم يقف الأمر عند صباحي وحده، ومن ورائه ممثلو الحركة المدنية، وإنما امتد إلى الإسلاميين وحتى جماعة الإخوان المسلمين نفسها.
أثار تكليف السيسي بعقد حوار وطني أسئلة حول سبب إطلاق الفكرة الآن؟ ومَن سيكون طرفًا في هذا الحوار؟ وما الهدف المرجو منها؟
من يجلس على مائدة الحوار؟
«دمج المعارضة والإسلاميين في المشهد السياسي كما كان وقت [الرئيس السابق حسني] مبارك هو الهدف الذي تسعى إليه السلطة منذ بداية العام الجاري»، يقول مصدر سياسي ثانٍ، مطلع على سير المفاوضات مع السلطة لـ«مدى مصر»، موضحًا أن المفاوضات مع المعارضة المدنية أو ما يطلق عليه «تحالف 30 يونيو» هي الأسهل، إذا ما التزمت بحدود كونها معارضة مستأنسة لن تسبب أي قلق للسلطة. ولكن الوضع مختلف مع قيادات جماعة الإخوان المسلمين في الخارج، الذين يحكم التفاوض معهم أطراف إقليمية خليجية تتسابق من أجل إنهاء هذا الملف مع مصر.
النقطة الأخيرة أكدها مصدر مقرب من قيادات الجماعة في تركيا، موضحًا لـ«مدى مصر» أن الإخوان لن تشارك في جلسات الحوار الوطني، لوجود مفاوضات مستقلة تجري معهم بواسطة أطراف إقليمية. ويفسر المصدر بأن مسارات التفاوض مع الجماعة التي ترعاها دول خليجية، على رأسها السعودية والإمارات بشكل منفرد منذ بداية العام الجاري، تسير بشكل بطيء جدًا في الوقت الحالي بسبب إصرار ممثلي كلٍ من السلطة المصرية والجماعة على شروط محددة للمصالحة.
ويحدد المصدر تلك الشروط بالنسبة للسلطة في إعادة دمج الجماعة في المشهد العام بصيغة جديدة تتمثل في إلغاء الشكل القديم للتنظيم الذي يديره مكتب الإرشاد، والتعهد بعدم المنافسة في المجال السياسي من خلال المشاركة في أي انتخابات تحت أي ظرف، وقصر نشاطهم على العمل الدعوي والاجتماعي، وفي المقابل تشترط الجماعة بالإفراج عن سجنائها، وتعويض قتلى اعتصام رابعة العدوية وعودتهم للمشهد السياسي بما يحفظ ماء وجههم.
ويشير المصدر إلى أنه على الرغم من وصول المفاوضات بين السلطة المصرية والإخوان إلى طريق مسدود في أوقات سابقة إلا أن تسابق الإمارات والسعودية في الوقت الحالي على ترتيب ملفات المنطقة وتصفير المشاكل، في سياق تسويات مع الحليف الأمريكي، ربما يساهم في تفكيك حالة العداء التي تتبناها مصر تجاه الجماعة في وقت ليس بعيد. ويوضح المصدر أن السعودية والإمارات تريدان عودة الإسلاميين كظهير شعبي إسلامي في المنطقة العربية لتبديد المخاوف من تمدد النفوذ الإيراني، وأن الإخوان أفضل من يلعب هذا الدور. كما تحاول كل منهما إحراز تقدم في هذا الأمر، مضيفًا أنه في حال نجحت أي منهما في التوصل لحل بين الطرفين، سينقل الطرف السعودي أو الإماراتي صيغة التفاهم والاتفاق التي توصلت إليها مع الجماعة إلى النظام المصري، ثم يحملها الأخير إلى قيادات السجون، على أن يتم بلورة صورة واضحة يتفق عليها قيادات الجماعة في الخارج والداخل، وعلى رأسهم النائب الأول لمرشد الجماعة، خيرت الشاطر.
في مواجهة المسارات البطيئة للمفاوضات مع الإخوان، لم تكن المفاوضات مع القوى المدنية، وخصوصًا الحركة المدنية، أكثر حظًا.
رغم اختيار السلطة لصباحي، الذي نافس السيسي في أول انتخابات رئاسية له، على رأس المدعوين للحوار والمتفاوضين بشأن من سيحضر جلساته ومن سيديرها ويضع جدول أعمالها، إلا أن تلك المفاوضات ما زالت متعثرة حتى كتابة تلك السطور.
كانت أحزاب الحركة المدنية السبعة؛ الكرامة، و التحالف الشعبي الاشتراكي، والمحافظين، والدستور، والوفاق القومي، والاشتراكي المصري، والعيش والحرية (تحت التأسيس) وإلى جانبهم عدد من الشخصيات العامة، قد أعلنت في 8 مايو الماضي قبولهم مبدأ الحوار السياسي مع السلطة، على أن يتضمن عددًا من الضوابط الإجرائية والموضوعية، التي اعتبروها ضمانة لأن يكون حوارًا جادًا وحقيقيًا، لا مجرد تجميل للواجهة.
لم يستجب القائمون على الحوار لأيٍ من هذه الضوابط، وهو ما ظهر في إصدار الأكاديمية الوطنية للتدريب (الجهة المنظمة لمؤتمر الشباب) بيان، في 10 مايو، أعلنت خلاله توليها مسؤولية إدارة الحوار الوطني، وهو ما رفضته الحركة المدنية. واعتبرت الحركة أن البيان يخالف ما توافق عليه صباحي مع ممثلي السلطة بشأن تشكيل أمانة فنية للإعداد للحوار وإدارته وصياغة مخرجاته من عشرة من كبار الخبراء الوطنيين المشهود لهم بالكفاءة والنزاهة والتجرد، يتم اختيارهم مناصفة من السلطة والمعارضة. ردت الأكاديمية ببيان ثانٍ تعلن فيه اختيار رئيس الهيئة العامة للاستعلامات ونقيب الصحفيين، ضياء رشوان، منسقًا عامًا للحوار الوطني، وكذلك قرارها باختيار الأمين العام للمجلس الأعلى للإعلام، محمود فوزي، رئيسًا للجنة الفنية للحوار، وهو ما اعتبرته الحركة المدنية استمرارًا للنهج الأحادي التي تتبناه السلطة.
بحسب عضو الحركة وأستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، مصطفى كامل السيد، اتفق صباحي مع الداعين للحوار على اختيار عضو المجلس الرئاسي الاستشاري لكبار العلماء ورائد زراعة الكلى، محمد غنيم، ليكون أمينًا عامًا وقائدًا للحوار، يساعده مجلس أمناء يتم اختياره من عدد متساوٍ من ممثلي المعارضة والسلطة، «وتركنا للسلطة تسمية المنسق العام، فاختارت السلطة ضياء رشوان وتجاهلت باقي الاتفاقات»، يقول السيد.
وهو الأداء الذي استمر عندما أعلنت الجهة التي أطلقت على نفسها اسم «إدارة الحوار الوطني» في 26 يونيو الجاري، تشكيل مجلس أمناء الحوار من 19 عضوًا، قالت إنها اختارتهم بعد مشاورات أجراها رشوان مع القوى السياسية، وهو ما اعتبره عضو بالحركة المدنية، طلب عدم ذكر اسمه، تعبيرًا عن الحد الأقصى لما تستطيع السلطة استيعابه من ممثلي المعارضة، موضحًا أن الحركة المدنية رشحت خمسة أسماء لعضوية مجلس الأمناء، لكن السلطة لم تختر منهم سوى عبد العظيم حماد، رئيس تحرير جريدة الأهرام الأسبق، وكمال زايد، رجل الأعمال، مضيفًا: «لا يمكننا الاعتراض في النهاية، لكن تمنينا تمثيل أكثر لأصحاب المواقف الصريحة».
وبينما يواصل صباحي التفاوض مع القائمين على الترتيب لجلسات الحوار من ممثلي أحد الأجهزة السيادية، خرج رئيس حزب المحافظين، أكمل قرطام، ليعلن عبر أحد المواقع الإخبارية المحسوبة على أحد الأجهزة الأمنيةن عن تأسيس ما أطلق عليه التيار الحر، برئاسة المرشح الرئاسي الأسبق، عمرو موسى، رئيس لجنة الخمسين التي قامت بصياغة دستور 2014 -الموصوف من السيسي لاحقًا بـ«دستور حسن النوايا»- وعضوية عدد من رجال الأعمال والسياسيين المتبنين للفكر الليبرالي.
ظهور التيار الحر بدا كمنافس للحركة المدنية. يقول رئيس حزب التحالف الشعبي، مدحت الزاهد، لـ«مدى مصر» أن «أعضاء التيار، سواء قرطام أو [رئيس حزب الإصلاح والتنمية] محمد أنور السادات أو غيرهما، ما زالوا أعضاءً في الحركة المدنية، ويتوافقون على مواقفها السياسية من ناحية، ويعبرون عن توجه مختلف فيما يتعلق بالملف الاقتصادي من ناحية أخرى. الفرق الأبرز يتعلق بدعوة قرطام والمنضمين لتياره الجديد مثل السادات لعودة الإخوان المسلمين والمصريين الموجودين في الخارج للمشهد السياسي، وإعلانه عن استعداد حزبه للدفع بمنافس للسيسي في الانتخابات الرئاسية المقرر عقدها في 2024. وبالفعل، أعلن رشوان من خلال برنامجه المسائي على قناة فضائية مملوكة لأحد المقربين للدولة عن انضمام عمرو حمزاوي، أستاذ العلوم السياسية، الذي غادر مصر سريعًا في صيف 2013 بعد أنباء عن احتمال اعتقاله في أعقاب وصفه لبيان 3 يوليو بأنه بيان انقلاب عسكري، ومصطفي حجي، المقيم في قطر حاليًا، للحوار».
موقف قرطام يعتبره الزاهد وجهة نظر منفردة له والمنضمين لتياره، ولا تمثل الحركة المدنية، في الوقت الذي يعتبره مصدر سياسي ثالث مقرب من السلطة، تحرك يعطي مجال ومرونة للسلطة إذا لم تسير مفاوضاتها مع صباحي على ما يرام، وكذلك إذا توصلت لاتفاق مع الإخوان بمساعدة الخليجيين.
كان مقررًا أن تبدأ جلسات الحوار في الأول من يوليو المقبل، ولكن عددًا من السياسيين توقعوا في تصريحات لـ«مدى مصر» تأجيله إلى ما بعد إجازة عيد الأضحى لحسم هوية المشاركين.
ما الذي سيأتي به الحوار؟
لم يذكر السيسي ومعاونوه الهدف من الحوار. المدعوون، من ناحيتهم، يرون أن الهدف لا يتجاوز امتصاص غضب المواطنين من الظروف الاقتصادية، وفتح مساحات للتفاهم بين المعارضة والسلطة.
كان طلب المعارضة المُعلن الوحيد هو تمني، لا اشتراط، الإفراج عن القابعين خلف أسوار السجون دون تهمة، وهو الأمر الذي أكد عضو لجنة العفو الرئاسي والحركة المدنية، كمال أبو عيطة، في حديثه لـ«مدى مصر» أنه يسير بوتيرة غير مستقرة، بسبب وجود وجهتي نظر من الجهات المعنية بالدولة، الأولى تتبنى قضية الإفراج عن المحبوسين، والثانية تريد الاستمرار في التوسع في الاشتباه والقبض على المواطنين.
في المقابل، يقول المصدر السياسي الثاني، المطلع على المفاوضات التي تتم بين السلطة والمعارضين، أن هناك وعودًا بتعديل قوانين الانتخابات والمشاركة في تشكيل حكومة وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة العام المقبل، ولكن تظل هذه الوعود مرهونة بقدرة المعارضة على ضبط لغتها والقبول بالمهمة التي تكلفهم بها السلطة في الاصطفاف معها بشأن تخفيف آثار الأزمة الاقتصادية.
يضيف المصدر أن السلطة مجبرة على وقف بعض المشاريع العملاقة، ووقف خطتها التوسعية في بناء مدن جديدة، وتأجيل افتتاح العاصمة الإدارية، و تأجيل تنفيذ بعض القرارات مثل الخاصة برسوم التصالح في مخالفات البناء، وتحريك دعم الخبز وغيره، بسبب ارتفاع الأسعار. ولكنها تريد أن يأتي ذلك وكأنه استجابة لمطالب المتحاورين معها وليس بسبب فشل سياستها.
ويقول أحد المشاركين في المفاوضات أن بعض الأجهزة الأمنية تطالبهم بالتوسع في المطالب لإثبات الجدية أمام الرأي العام، بينما تطالبهم أجهزة أمنية أخرى بعدم الانجراف في مطالبات مبالغ فيها لعدم إحراج الدولة.
وبحسب نفس المصدر، كان مسؤول مقرب من السيسي قد تواصل مع صباحي وشخصيتين سياسيتين أخريين، وأخبرهم أنه إذا أرادت المعارضة منح الحوار الوطني فرصة حقيقية، فعليهم أن يكونوا «واقعيين» بشأن ما يمكن توقعه. طلب المسؤول وقف أي خطابات حادة، مشيرًا إلى مقابلة أحمد طنطاوي، رئيس حزب الكرامة والبرلماني السابق، مع قناة «بي بي سي»، ووصفها بأنها استفزازية. وقال أيضًا إن المعارضة بحاجة إلى فهم أن الخطابات الحادة تلك تقلل من ثقة الدولة في قدرة المعارضة على مواجهة التحديات التي تواجه البلاد.
وبحسب مصدر من المجلس القومي لحقوق الإنسان، فإن القائم الأساسي على تحريك مسار الحوار هو الدائرة الضيقة المحيطة بالرئيس من جهاز المخابرات العامة. وهو ما أشار إليه المصدر السياسي الأول، الذي تحدث عن مخاطبة صباحي، والتي جاءت من قبل المخابرات العامة، وليس من جهاز الأمن الوطني، الذي كان يمثل نقطة الاتصال الرئيسية معه.
ويقول مصدر المجلس القومي لحقوق الإنسان إن «الأجهزة المعنية بالسياسات الأمنية لا تتوافق في الرأي حول إطلاق الحوار، بعضها يرى أنها فكرة لا بأس بها، وأن الدولة لن تُجبر على القيام بما لا ترغب فيه، وأن بعض التنفيس لبعض الوقت لا يضر. والبعض الآخر يرى أن فتح باب السياسة الذي كان قد أغلق في توقيت بالغ الحرج من حيث الوضع الاقتصادي ومن حيث الدعم الإقليمي والدولي المحدود، لا يمكن أن يعد فكرة جيدة».
النتيجة، حسب ذات المصدر، هي «خطط متضاربة حول الحوار». يشرح: «البعض يقترح حوار ضيق حول نقاط محددة، والبعض الآخر يقترح حوارًا موسعًا عامًا على أساس أن توسيع دائرة المشاركين تعفي السلطة التنفيذية من أي التزامات في ظل عدم إمكانية توافق المشاركين بالمئات من قطاعات سياسية تتراوح من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار».
من أين جاءت الفكرة؟
في جلسة هادئة جمعت مشيرة خطاب، السفيرة المتقاعدة والرئيس الحالي للمجلس القومي، وعددًا من المستشارين الأقرب لرأس السلطة التنفيذية، تحدثت السيدة بصوتها الهادئ عن «عجز الغرب» عن فهم ما يجري في مصر من إنجازات و«ارتهان العقلية الأمريكية» بعدد من الأسماء لنشطاء سياسيين. تحدثت، بحسب مصدر المجلس، عن الحاجة إلى «القيام بشيء ما» يمكن أن يسهم في التخاطب مع الغرب بلغته. جاء اللقاء بعد عودتها من زيارة إلى العاصمة الأمريكية في خريف العام الماضي، بغرض كسب العقول والقلوب في الإدارة والكونجرس.
لم يلقَ خطاب السفيرة صدى مباشر من محدثيها، بحسب ذات المصدر، فقامت بكتابة مقترح تحرك، وطلبت عرضه على رئيس الجمهورية. لم يأتِ أي رد لأسابيع وشهور، ثم فجأة تم الإعلان عن نية الرئيس لإجراء حوار وطني وسط تكهنات عن أصل الفكرة وأهدافها.
الحوار، في رأي من اتخذوه مسار، قد يساعد أيضًا على كسر الجمود المحلق في سماء علاقة القاهرة بواشنطن، بحسب مصادر دبلوماسية، رغم محاولات عديدة لترتيب زيارة للرئيس المصري إلى العاصمة الأمريكية أو لقاء يجمع بين السيسي والرئيس الأمريكي، جو بايدن، على هامش قمة المناخ التي عقدت في جلاسكو نوفمبر الماضي. كما لم تتمكن القاهرة من دفع مصر لاستضافة بايدن وعدد من القادة في شرم الشيخ نهاية الشهر الجاري. واستقر الأمر على قبول مصر أن تشارك على المستوى الرئاسي في الانضمام إلى قادة الخليج في لقاء مع بايدن في المملكة العربية السعودية، منتصف يوليو المقبل، عقب زيارة لإسرائيل يغادرها مباشرة بالطائرة الرئاسية الأمريكية إلى السعودية في سابقة في مسار العلاقات الإسرائيلية السعودية.
كما يعرب نفس المصدر عن القلق البادي في الدوائر المعنية بشأن مستوى المشاركة الأمريكية المحتملة في مؤتمر البيئة الأممي (كوب 27) المُجَدول للانعقاد في القاهرة نوفمبر المقبل. ويقول دبلوماسي غربي إنه في حال قرر الرئيس الأمريكي ألا يرأس وفد بلاده، فإن ذلك بالتأكيد سيؤثر على مستوى المشاركة الغربية عمومًا، في وقت من غير المرجح أصلًا أن تكون هناك مشاركة رفيعة من دول الوزن الثقيل دوليًا، مثل روسيا والصين واليابان والهند. ويقول أحد المعنيين بتحضيرات الـ«كوب 27» إن ضمان مشاركة بايدن أساسية، ليس فقط لرغبة القاهرة في أن يأتي الرئيس الأمريكي للقاهرة، ولكن لرغبة القاهرة في ضمان أن يكون مؤتمر المناخ الذي تستضيفه مصر عالي المستوى من حيث تمثيل القادة على رأس وفود بلادهم.
كسر الجمود مع واشنطن يتبع أيضًا الموقف المصري البعيد عن نقد الحرب الروسية على أوكرانيا، الأمر الذي أثار بعض التحفظات الغربية بحسب الدبلوماسي الغربي. لذا، لا يمثل الحوار الوطني سبيلًا وحيدًا، ولكن هناك أهمية «لمخطط صارم للإفراج عن سجناء سياسيين بارزين» كما يقول مصدر دبلوماسي مصري. وبالتالي، الإفراجات المتوالية لا تتجه فقط في اتجاه جذب قوى المعارضة لمائدة الحوار، ولكن هناك ضغطًا كبيرًا تحدث عنه الدبلوماسيون الغربيون، بالإضافة إلى مصدر حكومي محلي، قائلين إن مصر تخضع منذ فترة لضغوط متزايدة بشأن ملف المعتقلين السياسيين. أحد هؤلاء هو علاء عبد الفتاح، الذي بحسب المصدر الدبلوماسي، قد يتم الإفراج عنه بتنازله عن الجنسية المصرية، وهو ما سيكون أحد الأثمان التي تدفعها القاهرة مقابل استقبال بايدن في سياق زيارته المرتقبة للشرق الأوسط أو في سياق مؤتمر المناخ.
رواية موازية، يشير إليها المصدر الحكومي، تقول إن فكرة الحوار طرحها صندوق النقد الدولي إطار مفاوضات حصول مصر على قرض جديد. جاء الاقتراح ردًا على القلق الذي أبداه المسؤولون المصريون بشأن رد فعل شعبي غاضب على مجموعة جديدة من الإجراءات التقشفية الصارمة. الاقتراح وُصف بأنه اعتيادي، وتم طرحه من قبل كل مرة طلبت فيها مصر قرض في إطار احتياجها لدعم سياسي لتمرير إجراءات تقشفية. ويضيف المصدر تأكيد الصندوق أن اقتراح الحوار الوطني ليس شرطًا للصندوق.
بالتوازي، يقول عبد الله السناوي، الكاتب السياسي الذي يشارك في مشاورات الحوار المزمع، إن الأحزاب والقوى السياسية مصابة بـ«حالة من الوهن» بعد أن تم تغييب السياسة عن المشهد العام. «لا يمكن تصور حوار سياسي جاد في غيبة قدرة المعارضين قبل المؤيدين على التعبير عن آرئهم بوضوح»، يقول السناوي، مضيفًا أنه لا يمكن مقارنة الحوار الذي تتجه الدولة لعقده مع القوي السياسية بالمسعى لإعادة خلق تحالف القوى المدنية في 2013. «في 2013 كنا بالفعل شركاء في المشهد، بغض النظر عن أي تقييمات أو قراءة بأثر رجعي. أما اليوم فالوضع بالتأكيد مختلف. أظن أننا أمام مشهد أزمة اقتصادية واضح».
كان السيسي قد عقد جلسة طويلة مع رؤساء تحرير مجموعة من الصحف، وذلك في أعقاب إطلاق مشروع «مستقبل مصر للإنتاج الزراعي» في الأسبوع الثالث من مايو الماضي. وبحسب أحد المحررين المشاركين، كان الرئيس غاضبًا جدًا، وتحدث دون توقف تقريبًا لأكثر من ساعة، قائلًا إنه لن يسمح بحدوث فوضى أو المساس بسمعته، وأنه سيتم اتخاذ «أقصى قدر من الإجراءات» ضد محاولات «زعزعة استقرار الدولة». ووفقًا للمحرر، فقد لام الرئيس وسائل الإعلام لفشلها في نقل الرسائل الهامة للجمهور، مضيفًا أنه لو كانت وسائل الإعلام أكثر نجاحًا في شرح الموقف، لما كان الناس يتحدثون عن جودة التعليم بينما تتعامل الدولة مع تحديات إطعام الناس. تحدث الرئيس أيضًا عن ضرورة التطرق لحالة التوتر المتزايدة في الشارع المصري، مضيفًا أنه يشعر أن الناس ليسوا على دراية بأهمية المشاريع القومية الكبرى التي تم الاستثمار فيها، وطالب بإطلاق منصة على الإنترنت لتقديم المعلومات الخاصة بهذه المشاريع.
مدى مصر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.