الحوار الوطني في مصر: أسئلة عالقة وتفاصيل غير واضحة بعد أسابيع من الإعلان عن نية عقده
في غرفة استقبال بأثاث مذهب، يشبه ذلك الموجود في كثير من بيوت الطبقة الوسطى في مصر، علقت أسرة الناشط المصري البارز يحيى حسين عبد الهادي صورته في إحدى الفعاليات السياسية قبل أن يدخل السجن وكتبت أسفلها "حمد الله على السلامة".
استقبلنا عبد الهادي بعد أسابيع قليلة من الإفراج عنه بعفو رئاسي، جاء بعد أسبوع من حكم محكمة مصرية بحبسه لمدة أربع سنوات بتهمة نشر أخبار كاذبة.
وكان الناشط البارز يقضي قبلها نحو 3 سنوات ونصف السنة محبوسا احتياطيا على ذمة القضية.
لا ينكر عبد الهادي، الذي عمل متحدثًا باسم الحركة المدنية الديمقراطية التي تضم أحزابا وشخصيات معارضة متعددة، سعادته بإطلاق سراحه، لكنه يؤكد أن "لا فضل ولا شكر، فمن حبسني هو من أخرجني، ولا مرارة".
وبينما يطلعني على صور التقطها مع مهنئيه في منزله، ومن بينهم سياسيون وشخصيات عامة، مثل رجل الأعمال نجيب ساويرس والمخرج خالد يوسف والمحامي البارز خالد علي، يقول: "سعادتي منقوصة، لأنني كنت بين آلاف آخرين لا يزالون في السجون".
إطلاق سراح عبد الهادي جاء ضمن خطوة للعفو عن عدد من النشطاء والشخصيات السياسية ممن صدرت بحقهم أحكام، والإفراج عن بعض المحبوسين احتياطيا من بينهم.
وقد تزامنت الخطوة مع دعوة أطلقها الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي في أبريل/نيسان الماضي لإجراء حوار وطني شامل مع المعارضة بعد ثماني سنوات من السيطرة الكاملة على المشهد السياسي في البلاد.
"كيف لا تتم دعوتنا؟"
وخلال لقاء جمعه مع الصحفيين، يوم الأحد، قال السيسي إن الحوار، الذي يجتمع مجلس أمنائه لأول مرة هذا الأسبوع ويتوقع أن يلتئم أطرافه كافة بعد عيد الأضحى، سيضم مفكرين وسياسيين، باستثناء "فصيل واحد"، في إشارة إلى جماعة الإخوان المسلمين.
لكن رئيس حزب الإصلاح والتنمية المصري، محمد أنور السادات، أكد، في بيان رسمي، عدم دعوته للمشاركة في الحوار قائلا إنه يتوقع "أن تكون المقترحات التي أرسلتها لرئيس الجمهورية ومساعديه، في السياسة وحقوق الإنسان، جعلتهم يغضبون".
وأعرب السادات لبي بي سي عن استغرابه من عدم شمول حزبه في الدعوة إلى الحوار، رغم ان له حضورا على الساحة السياسة في مصر، "لم يكن أمرا مريحا، فإذا كانوا يتحدثون عن حوار يشمل الجميع بلا تمييز، فنحن حزب له ممثلون في البرلمان بغرفتيه، فكيف لا تتم دعوتنا؟".
إجراء شكلي أم فرصة ذهبية؟
ويقول مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، جمال عيد، لبي بي سي إنه يرى الحوار "إجراء شكليا مثل الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التي لم تحقق شيئًا على أرض الواقع".
وكانت مصر قد أطلقت هذه الاستراتيحة في سبتمبر/ أيلول الماضي، بعد انتقادات محلية ودولية لسجل البلاد في حقوق الإنسان.
غير أن السياسي البارز وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، جورج إسحاق، يلفت إلى أن الحوار "فرصة ذهبية لفتح المجال العام وعرض المطالب".
ويوضح إسحاق، الذي قَبِل الدعوة التي وجهت له للمشاركة، أن "الحريات مسألة أساسية"، مشيرا إلى أهمية تمكن الأحزاب السياسية من الاجتماع معا والتشاور حول شؤون البلاد، "فلم نكن نستطيع أن نجتمع طوال السنوات الماضية مع الأحزاب السياسية في أي محافظة".
"فترة استثنائية"
وتأتي الدعوة للحوار بعد مرور الذكرى التاسعة لأحداث 30 يونيو/ حزيران، التي تولى الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، بعدها بعام تقريبا السلطة رسميا.
وهذه الأيام تنتشر لافتات عملاقة على الطرق الرئيسة في القاهرة الكبرى تحمل صور السيسي وعبارات من قبيل "8 سنوات من الإنجازات".
وجمعت أحداث 30 يونيو/ حزيران ، التي أطاحت بحكم الإخوان المسلمين، أغلب من برزت أسماؤهم كمشاركين محتملين في الحوار الوطني المصري.
لكن سبل هؤلا ء تفرقت بعد ذلك، ودخل عدد منهم السجن بأحكام قضائية أو تم حبسهم احتياطيا على ذمة تحقيقات في اتهامات مثل نشر أخبار كاذبة، وندر ظهور المعارضة في فعاليات سياسية أو عبر وسائل الإعلام المحلية، وبات الموالون للسلطة يبرزون كأغلبية مطلقة ويسيطرون على معظم المقاعد البرلمانية والمناصب العامة.
ويرجع مدير المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، خالد عكاشة، أسباب الانغلاق السياسي خلال السنوات الماضية إلى الانشغال بالتحديات الأمنية مثل مكافحة الإرهاب، والإصلاح المؤسسي والتنمية، وهي الخطة الاستراتيجية الكبرى للبلاد، على حد قوله.
ويقول عكاشة لبي بي سي: "بعد عبور هذه الفترة الاستثنائية بات ممكنا إطلاق الحوار الوطني، الذي سيحدث تغييرا في الحياة السياسية المصرية، ويفتح المجال العام للكثيرين".
"القضايا السياسية أولًا"
وعلى الرغم من مرور بضعة أسابيع على الإعلان عن نية عقد الحوار، واقتراب موعده المفترض، لا يزال هناك كثير من الأسئلة حول تفاصيله. فلا يعرف على وجه التحديد من هم المشاركون كافة، كما لا معلومات واضحة حول أجندة الحوار وما إذا كان سيتطرق إلى كل ملفات السياسة والاقتصاد.
ويقول عضو مجلس أمناء الحوار الوطني، عمرو هاشم ربيع، لبي بي سي، إن ما يضمن جدية هذا الحوار هو أنه يأتي برعاية مباشرة من رئيس الجمهورية، وهو أقدر من يمكنه تنفيذ ما يتفق عليه، على حد قوله.
ويرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، حسن نافعة، أنه يجب تقديم القضايا السياسية، مثل الحبس الاحتياطي والقضاء والدستور والانتخابات المقبلة، على نظيراتها الفنية التي من الممكن أن يترك حلها لمختصين.
ويوضح نافعة: "إن شمل الحوار كل شيء، مثل التعليم وسد النهضة والرعاية الصحية، هو الطريق لإفساد الحوار، لأن السياسة هي أصل المشكلة".
ماذا يريد الشارع؟
لكن الشارع يبدو منشغلا بشكل أكبر بأزماته المعيشية، إذ ارتفع التضخم وزادت الأسعار وتراجعت قيمة العملة المحلية، على إثر الغزو الروسي لأوكرانيا، وليس في الأفق من حل قريب.
التقيت محمد، وهو طالب جامعي، في أحد شوارع القاهرة، وعندما سألته عن الحوار أشار إلى أنه لم يسمع به من الأساس، وأثناء الحديث قاطعنا سعد الذي يعمل سائقًا قائلًا: "لو الحوار مفيد للغلابة (البسطاء) مثلي فأنا معه، لكن لو مكلمة بلاش منه (لا أريده)".
أما خالد، وهو واحد ممن تحدثت إليهم، فطالب بفتح المجال العام للجميع، مؤكدا: " لا نريد حوارا وطنيا يأتي كمنحة من السلطة، بل أن نعيش الديمقراطية مثل بقية دول العالم"، ورحبت ربة المنزل سعاد بفكرة الحوار الذي اعتبرت أنه "يبرهن على التحضر والتسامح، خاصة بعد الإفراج عن سياسيين".
وبانتظار الإعلان عن مزيد من التفاصيل يشير البعض إلى غياب ضمانات تنفيذ ما سيفضي إليه الحوار من توصيات، في حال عقده، وضمن أي إطار زمني.
غير أن أعضاء في مجلس أمناء الحوار توقعوا أنه سيعتمد آلية اقتراح قرارات تنفيذية ترفع إلى الرئيس وتشريعات تحال إلى البرلمان، ليتخذا القرار النهائي بشأنها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.