الدعوة إلى حوار السيسى المزعوم لم توقف آلة السيسى للقمع
التقرير ربع السنوي الثاني لعام 2022 عن حالة حرية التعبير في مصر
“الفترة من إبريل – الى يونيو 2022”
منهجية
اعتمد التقرير على عرض وتحليل السياسات العامة للسلطات المصرية وأجهزتها المختلفة تُجاه الحق في حرية الفكر والتعبير في صوره المتعددة. وتحديدًا ملفات: حرية الصحافة والإعلام، حرية الإبداع والتعبير الفني، حرية التعبير الرقمي، والحريات الأكاديمية والحقوق الطلابية. وهي الملفات التي تعمل مؤسسة حرية الفكر والتعبير على رصد وتوثيق الانتهاكات الخاصة بها، فضلًا عن تقديم الدعم القانوني إلى ضحايا تلك الانتهاكات عبر شبكة محامي وحدة المساعدة القانونية بالمؤسسة. كذلك اعتمد التقرير على عرض وتحليل أنماط ووقائع الانتهاكات التي جرى رصدها وتوثيقها، خلال الفترة من 1 إبريل 2022 إلى 30 يونيو 2022، وفقًا لمنهجية الرصد والتوثيق الخاصة بمؤسسة حرية الفكر والتعبير.[1]
مقدمة
شهد الربع الثاني من العام 2022 حراكًا حكوميًّا غير مسبوق منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي إدارة شؤون الدولة المصرية في 2014 بعد أن أطلق الرئيس دعوته إلى القوى السياسية من أجل حوار وطني يستهدف إجراء إصلاحات سياسية والتوافق حول أولويات العمل الوطني كما وصفها. ورغم الآثار التي ترتبت على دعوة الرئيس إلا أن مؤسسة حرية الفكر والتعبير تخشى أن تكون الممارسات الفعلية على الأرض من مختلف أجهزة الدولة، خاصة الأمنية، لا تعكس بشكل واضح أي جدية في رغبة السلطة السياسية في إجراء حوار وطني وإصلاح سياسي.
في هذا التقرير نتناول بشكل مفصل الآثار المترتبة على إطلاق دعوة الحوار الوطني نهاية إبريل الماضي، وبشكل خاص المتعلق منها بواقع حرية التعبير في مصر، وتحديدًا ملفات حرية الصحافة والإعلام، حرية الإبداع والتعبير الفني، الحقوق الرقمية والحريات الأكاديمية والحقوق الطلابية. فضلًا عن إلقاء نظرة عن كثب على منهجية وآليات عمل لجنة العفو الرئاسي والتي قرر رئيس الجمهورية في حفل إفطار الأسرة المصرية إعادة تفعيل عملها.
إلى جانب ذلك يحاول التقرير استعراض حالة حرية التعبير في مصر في الملفات السابق ذكرها خلال الربع الثاني من العام 2022 في محاولة لقراءة مدى جدية السلطات المصرية في الدعوة إلى الحوار السياسي، من خلال تتبع ورصد التغيرات في سلوك وممارسات أجهزة الدولة المختلفة تجاه حق المواطنين في التعبير بصوره المختلفة.
القسم الأول: الحوار الوطني انفراجة أم مناورة؟
دعا رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي خلال الكلمة[2] التي ألقاها في إفطار الأسرة المصرية نهاية إبريل الماضي إلى حوار سياسي مع القوى السياسية الحزبية والشبابية دون تمييز أو إقصاء بهدف الوصول إلى اتفاق حول أولويات العمل الوطني خلال المرحلة المقبلة.
وأشار الرئيس إلى أن هذه الدعوة تأتي في سياق اهتمام الدولة المصرية بعملية الإصلاح السياسي التي تأخرت كثيرًا نتيجة اهتمام الدولة بملفات أخرى أكثر أولوية، على رأسها ملف محاربة الإرهاب واستعادة الاستقرار الأمني وكذلك الملف الاقتصادي. كما دعا الرئيس خلال نفس الكلمة الجمعيات الأهلية إلى تقديم مقترحاتها بشأن تعديلات قانون تنظيم ممارسة العمل الأهلي رقم 149 لسنة 2019.
ترتب على خطاب الرئيس عدد من الآثار المباشرة، كان أهمها: إعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسي، والتي تشكلت للمرة الأولى في ٢٠١٦ كأحد مخرجات المؤتمر الوطني للشباب. حيث قرر الرئيس زيادة عدد أعضائها إذ أضيف إليها المحامي طارق العوضي ووزير القوي العاملة الأسبق والقيادي العمالي كمال أبو عيطة[3]، فضلًا عن توسيع دائرة اختصاصها لتشمل المحبوسين احتياطيًّا على ذمة قضايا رأي وهم في سلطة النيابة العامة، وقضايا الغارمين والغارمات (أي المسجونين بسبب عدم التزامهم بأداء ديون مالية). ذلك بالإضافة إلى اختصاصها الأساسي المتعلق بتحديد قوائم المحكومين بأحكام نهائية على خلفية قضايا رأي أو قضايا سياسية بهدف إصدار قرارات رئاسية بالعفو عنهم.
كما انفتحت وبشكل محدود بعض النوافذ الصحفية والإعلامية علي استضافة سياسيين ومثقفين وتكنوقراط من أصحاب التوجهات المعارضة للسياسات الحكومية القائمة. وتمكنت الحركة المدنية الديمقراطية، وهي الإطار الجبهوي الأبرز المعارض للسلطة الحالية، من إجراء اجتماعاتها ولقاءاتها بحرية أكبر بعض الشيء.
وإذ تثمن مؤسسة حرية الفكر والتعبير خطوات السلطة السياسية نحو الإصلاح السياسي فإنها ترى في نفس الوقت غيابًا للجدية وإرادة غير مستقرة وخطوات مترددة تحكم تعامل أجهزة الدولة، الأمنية منها على وجه الخصوص، وهي المخول لها إدارة المشهد السياسي والسيطرة على مختلف نوافذ التعبير في المجال العام منذ سنوات.
وفي هذا الإطار ترى مؤسسة حرية الفكر والتعبير الآتي:
أولًا؛ اتسم أداء لجنة العفو الرئاسي ببطء شديد وانتقائية غير مبررة وغياب للمعايير المنهجية سواء على مستوى المفرج عنهم أو من يتم رفض طلباتهم. ونتيجة لذلك تفاعل عدد من المؤسسات الحقوقية مع منهجية عمل لجنة العفو من خلال تقديمها وثيقة مقترحة بمعايير وضوابط للإفراج عن جميع السجناء السياسيين في مصر[4]، وتتحدد أهم تلك المعايير في الآتي:
العدالة: بحيث يحظى كل مسجون سياسي بفرصة متساوية ومنصفة للنظر في حالته على أسس موضوعية.
الشفافية: بحيث تتخذ قرارات الإفراج وفق معايير وضوابط معلنة ومعروفة مسبقًا للمسجونين وذويهم والمجتمع ككل.
الشمول: بحيث تتضمن قرارات الإفراج كل من تنطبق عليهم المعايير الموضوعية المعلنة دون استثناء.
الاستعجال: بحيث لا تستغرق هذه العملية كسابقاتها سنوات تضاف إلى ما ضاع بالفعل من أعمار آلاف من المسجونين، وفي ضوء المعاناة الصحية والإنسانية لهم ولأسرهم والثمن الذي دفعه ويدفعه المجتمع ككل نتيجة تفاقم وتجاهل هذا الملف.
ويمكن تفسير أزمات عمل لجنة العفو الرئاسي إذا ما فهمنا ماهية اللجنة وحقيقة الدور المنوط بها. فهي لجنة بلا سلطة، ولا تخضع لأية معايير في تشكيلها، وليس لها أية صفة لمخاطبة الجهات الرسمية عدا رئاسة الجمهورية ويقتصر دورها على إعداد قوائم المرشحين للإفراج عنهم سواء من المحبوسين احتياطيًّا أو المحكومين على خلفية قضايا رأي وإرسالها إلى مكتب رئاسة الجمهورية.
أما عن سلطة القرار، ووفقًا لرصد مؤسسة حرية الفكر والتعبير، فهي ملك لأكثر من جهة أمنية تنسق العمل فيما بينها على هذا الملف. وبطبيعة الحال فإن معايير تلك الجهات سواء في حالة الموافقة أو في حالة الرفض غير معلنة بشكل شفاف ولا تخضع للتقييم أو الرقابة. كما يبدو أن توسيع قاعدة اختصاص لجنة العفو لتشمل إعداد قوائم المرشحين لإخلاء سبيلهم من المحبوسين احتياطيًّا قد أثار حفيظة الجهات القضائية حيث تؤكد تلك الممارسات على شبهات التدخل في عملها وهو ما أبرزته تصريحات وزير العدل في عدة وسائل إعلامية[5] عن أن لجنة العفو مختصة بالمحبوسين على ذمة أحكام قضائية نهائية فقط ولا سلطة لها على المحبوسين احتياطيًّا، حيث صرح: “القضايا المتداولة أمام النيابة والمحكمة لا أحد يجرؤ أن يعفو عنها سوى النيابة أو المحكمة، وليس قانونيًّا التواصل مع النائب العام للإفراج عن أشخاص على ذمة قضايا، وهذا لا يحدث في مصر”.
وبناءً على ما سبق؛ فإن لجنة العفو الرئاسي هي في الأساس لجنة لإعداد قوائم المرشحين للإفراج عنهم من بين طلبات المواطنين من ذوي المحبوسين وقوائم المنظمات الحقوقية وبيانات المجلس القومي لحقوق الإنسان ولجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب. وبالتالي تكون المعايير التي أقرتها لجنة العفو بعدم التورط في ارتكاب العنف أو التحريض عليه هي معايير قبول الطلب لضمه إلى “قوائم المرشحين” ولا يضمن ذلك بأي صورة إطلاق سراح الشخص.
ورغم اقتصار عمل اللجنة على الدور الفني في تنقيح الطلبات وإعداد قوائم المرشحين أو في أفضل الأحوال إجراء بعض المفاوضات البسيطة حول بعض الأسماء فإنها لا تقوم بهذا الدور بشكلٍ كفؤ وشفاف، إذ إنها لا تعلن بشكل دوري عن إجمالي عدد الطلبات المقدمة إليها من الجهات المختلفة ومن ثم أعداد وأسماء المقبولين والمستبعدين من قوائم المرشحين وسبب الاستبعاد، كذلك لا تعلن اللجنة بشكل شفاف أعداد من ساهمت في إخلاء سبيلهم أو إصدار قرارات رئاسية بالعفو عن باقي العقوبة وأسباب رفض أو استبعاد أو تأجيل إطلاق سراح محبوسين انطبقت عليهم معايير اللجنة، حتى إن معرفة قرارات إخلاء السبيل في الفترة الأخيرة كان مصدرها الأساسي الحسابات الشخصية لأعضاء اللجنة على مواقع التواصل الاجتماعي.
ساهمت لجنة العفو الرئاسي منذ إعادة تفعيلها في إخلاء سبيل والعفو الرئاسي عن عدد من المحبوسين على ذمة قضايا رأي، إلا أن مؤسسة حرية الفكر والتعبير لم تتمكن من رصد العدد بدقة، وتحديدًا فيما يخص حالات إخلاء السبيل بما فيها هل هذا القرار له علاقة بلجنة العفو أو غير ذلك. إذ بلغ إجمالي عدد المطلق سراحهم منذ إعادة تفعيل عمل اللجنة في ٢٤ إبريل ٢٠٢٢ وحتى ١ يوليو الماضي ٢٦٨ شخصًا بينهم ٢٤٩ ذكرًا و١٩ أنثى، ووفقًا لجهة إصدار القرار وهو الأمر الذي يمكن من خلاله ترجيح ارتباط القرار بلجنة العفو أم لا، إذ رصدت المؤسسة عدد المخلي سبيلهم تنفيذًا لقرارات غرفة المشورة بمحكمة الجنايات وعددهم 130 شخصًا، و136 شخصًا بقرارات من النيابة العامة وشخصان اثنان فقط وفقًا لقرارات رئاسية بالعفو عن باقي العقوبة. جاءت تلك القرارات مقسمة زمنيًّا بواقع 41 شخصًا في شهر إبريل، 115 شخصًا في شهر مايو، بالإضافة إلى 112 شخصًا في شهر يونيو.
ثانيًا، استمرت الأجهزة الأمنية في ممارساتها المنتهكة للحق في حرية التعبير، دون توقف أو تراجع، أيًّا كانت وسيلة التعبير، طالما كان مضمون التعبير يحمل انتقادات للسياسات الحكومية القائمة في كافة المجالات، أو معلومات لا ترغب السلطات في نشرها وهو ما يعبر عن تناقض جوهري بين رغبة السلطة في الإصلاح السياسي وبين ممارسات أذرعها الأمنية على الأرض في نفس التوقيت.
فرغم دعوة الرئيس السيسي إلى حوار سياسي في نهاية إبريل الماضي وقراره بإعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسي، ما أدى إلى ارتفاع سقف التوقعات وتحديدًا بشأن إنهاء ملف سجناء الرأي، استمرت الملاحقات الأمنية والقضائية لأصحاب الرأي؛ حيث ألقت أجهزة الأمن القبض على الإعلامية هالة فهمي كبير مقدمي برامج بدرجة مدير عام في التلفزيون المصري على خلفية تدوينات تنتقد سياسات حكومية بالإضافة إلى تضامنها مع زملائها في العمل بمبنى الإذاعة والتلفزيون (ماسبيرو) في احتجاجاتهم للمطالبة بتحسين أوضاعهم الوظيفية. كما تعرضت الصحفية بمجلة الإذاعة والتلفزيون صفاء الكوربيجي للقبض والاحتجاز على ذمة نفس القضية بعد اتهامها بالانضمام إلى جماعة محظورة ونشر أخبار كاذبة. بينما ألقي القبض كذلك على الصحفي محمد فوزي ولكن هذه المرة بسبب انتقاده فعاليات إفطار الأسرة المصرية وما ترتب عليه من عفو رئاسي عن الصحفي والناشط السياسي حسام مؤنس فقط وليس عن كل الصحفيين في نفس القضية.
كذلك قامت جهة حكومية غير معلومة بحجب موقع المنصة الصحفي للمرة 14 وذلك بعد إعلان الموقع إعادة الإطلاق عقب عملية تطوير كبيرة للموقع واستكتاب عدد من الصحفيين والإعلاميين المعروفين بتوجهاتهم المعارضة للسلطة السياسية في مصر، مثل: حافظ الميرازي وليليان داوود. وكان موقع المنصة قد تعرض لحذف محتوى مصور للحوار الذي أجراه الموقع مع رئيس حزب الكرامة والنائب البرلماني السابق أحمد الطنطاوي من منصة فيسبوك بناءً على شكوى تقدمت بها القناة الأولى لإدارة موقع فيسبوك تدعي ملكيتها مقطعًا مدته 24 ثانية تضمنه الحوار من خطبة الرئيس في إفطار الأسرة المصرية دون إذن مسبق، قبل أن تعود القناة الأولى وتسحب الشكوى ليحجب الموقع بعدها بأيام.
وفي 29 مايو 2022 أصدرت الدائرة الثالثة إرهاب بمحكمة جنايات أمن الدولة العليا طوارئ أحكامًا بالسجن المؤبد والسجن لمدة ١٥ و١٠ سنوات على 15 متهمًا بينهم المرشح الرئاسي الأسبق ومؤسس حزب مصر القوية الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح ونائب رئيس الحزب محمد القصاص بالإضافة الى ثلاثة من قيادات اتحاد طلاب مصر المنحل ومذيع بقناة الجزيرة. وذلك بعد أن أدانتهم المحكمة باتهامات من بينها: “الانضمام إلى جماعة أنشئت على خلاف أحكام القانون ونشر أخبار كاذبة داخل وخارج مصر تضر بمصالح البلاد”.
في حين تزايدت حالات استهداف مستخدمي الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي في الربع الثاني من العام 2022 بواقع 29 حالة انتهاك متضمنة في 13 واقعة مختلفة، مقارنة بـ 13 حالة انتهاك في 12 واقعة رصدتها المؤسسة في الربع الأول من نفس العام. وهو ما يؤكد التناقض الجوهري الذي أشرنا إليه سابقًا بين استمرار الممارسات الأمنية الفجة تجاه حق المواطنين في التعبير بحرية وبين دعوة رأس الدولة إلى حوار وطني بهدف إجراء إصلاحات سياسية.
إن مؤسسة حرية الفكر والتعبير ترى أن أي حوار وطني جاد يتطلب مراجعة شاملة للممارسات الأمنية المنتهجة كحل أول ووحيد تجاه ممارسة المواطنين حقهم في التعبير عن الرأي عبر الوسائل المختلفة. وتؤكد المؤسسة أن النجاح الحقيقي للحوار لن يكون إلا باعتماد الحوار نفسه آلية أولى للتعامل مع كافة الأزمات بدلًا من الحل الأمني، الأمر الذي يتطلب تغييرًا حقيقيًّا في ثقافة وممارسات الأجهزة الأمنية قبل أي شيء.
القسم الثاني: حرية الإعلام
استمرت السلطات المصرية خلال الربع الثاني من العام الحالي في انتهاك حقوق الصحفيين والإعلاميين بالرغم من دعوة الرئيس السيسي القوى السياسية إلى الحوار لإجراء إصلاحات سياسية بالإضافة إلى إعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسية كخطوة أولى في سبيل مراجعة أوضاع آلاف من المحبوسين على ذمة تعبيرهم عن رأيهم والتي منها ملف الصحفيين المحبوسين. حيث رصدت مؤسسة حرية الفكر والتعبير خلال الربع الثاني 24 انتهاكًا مختلفًا في 15 واقعة. ويشير استمرار استهداف الصحافة حتى الآن إلى عدم جدية السلطات المصرية في إجراء مراجعات حقيقة لسياساتها الأمنية تجاه مختلف المجالات حيث أن إعطاء الحرية للصحافة والإعلام شريطة أساسية لتنظيم ونجاح أيّة حوارات سياسية أو وطنية جادة يُنتظر منها الوصول إلى حلول لمشاكل سياسية وحقوقية واقتصادية حقيقية.
ويتمثل دور الإعلام في تداول المعلومات لمختلف الآراء حول كل الموضوعات، فلا يمكن تصور جدية للحوار في ظل تتبع اللقاءات الصحفية لأطرف من الحوار مثل رئيس حزب الكرامة أحمد الطنطاوي والذي تم حجب حواره مع موقع المنصة على فيسبوك بعد شكوى متفردة من القناة الأولى المصرية الحكومية تتهم المنصة بسرقة محتوى تمتلكه عبارة عن مقطع من خطاب رئيس الجمهورية، وهو نهج حديث لم تسجل المؤسسة من قبل واقعة شبيهة له وهو ما تحذر حرية الفكر والتعبير من استخدامه للتضييق على المواقع الصحفية المستقلة. كما لا يمكن تصور مراجعة للسياسات الأمنية في ظل القبض على 5 صحفيين على الأقل خلال الربع الثاني، أحدهم تم القبض عليه لانتقاده الإفراج عن الصحفي والسياسي حسام مؤنس فقط دون بقية الصحفيين في نفس القضية.
وعلى مستوى طبيعة الانتهاكات التي ارتكبت خلال الربع الثاني فقد تعددت فيما بين القبض على 5 صحفيين على الأقل ومنع الصحفيين من التغطية والاعتداء البدني على آخرين، بينما استمرت الإجراءات التعسفية ضد موظفي وإعلاميي التلفزيون المصري “ماسبيرو” حيث رصدت المؤسسة القبض على اثنين منهم ووقف 4 آخرين عن العمل وتخفيض رواتبهم إلى النصف دون إجراء أية تحقيقات، ولا سيما في الأحكام المجحفة في حق الصحفيين والتي وصلت إلى الحبس 15 عامًا حضوريًّا مع الشغل في حق المصورة الصحفية علياء عواد، فضلًا عن الحكم الغيابي على أحمد طه القاضي، المذيع بقناة الجزيرة مباشر، بالسجن المشدد 15 عامًا. ويمكن رصد أبرز أنماط الانتهاكات خلال الربع الثاني، فيما يلي:
القبض على الصحفيين:
يعد القبض على الصحفيين وحبسهم احتياطيًّا واحدًا من أكثر الانتهاكات شيوعًا ضد الصحفيين وأكثرها خطورة، حيث يستخدم الحبس الاحتياطي كعقاب للتنكيل بهم على خلفية عملهم الصحفي. وبالرغم من الإفراج عن 3 صحفيين خلال الربع الحالي ضمن سياق دعوة الرئيس إلى الحوار وهم: الصحفي عامر عبد المنعم، المحبوس احتياطيًّا منذ القبض عليه على ذمة التحقيقات في القضية رقم 1017 لسنة 2020 حصر أمن دولة عليا، منذ 18 ديسمبر 2020. والصحفي هاني جريشة، والصحفي عصام عابدين، المقبوض عليهما على ذمة التحقيقات في القضية رقم 864 لسنة 2020 حصر أمن دولة، منذ سبتمبر 2020. واجه الصحفيون الثلاثة اتهامات واحدة من أبرزها: الانضمام إلى جماعة إرهابية مع العلم بأغراضها، وإساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي ونشر أخبار وبيانات كاذبة -، لكن استمرت الأجهز الامنية في القبض على الصحفيين، فقد تم القبض على 5 صحفيين على خلفية عملهم الصحفي أو تعبيرهم عن آرائهم فيما يتعلق بالمهنة.
في 15 مايو الماضي ألقت قوة من الشرطة القبض على الصحفي محمد فوزي مسعد[6] من منزله في حي الهرم. ظهر مسعد لأول مرة في 29 مايو داخل نيابة أمن الدولة، للتحقيق معه فى القضية رقم ٤٤٠ لسنة ٢٠٢٢ أمن دولة عليا، متهمًا، بنشر أخبار كاذبة والانضمام إلى جماعة إرهابية وإساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي. وبحسب محاميه تمت مواجهته بمنشورات على صفحته الشخصية ينقد فيه حفل إفطار الأسرة المصرية، والإفراج عن الصحفي حسام مؤنس فقط مع استمرار حبس بقية الصحفيين المتهمين على ذمة نفس القضية.
على جانب آخر ألقت قوات الأمن القبض على الصحفية صفاء الكوربيجي[7] في 20 إبريل الماضي، من منزلها في حي المقطم، وذلك على خلفية مشاركتها في حركة الاحتجاج ضد إدارة الهيئة الوطنية للإعلام عبر مقاطع فيديو مصورة كانت تنشرها على حسابها على فيسبوك. عُرضت الكوربيجي في اليوم التالي على نيابة أمن الدولة العليا متهمة بالانضمام إلى جماعة محظورة ونشر أخبار كاذبة على ذمة التحقيقات رقم 441 لسنة 2022 حصر نيابة أمن الدولة العليا.
وفى نفس السياق ألقت قوة من الشرطة القبض على الإعلامية هالة فهمي[8]، كبير مقدمي البرامج بالتلفزيون المصري، قبل أن تعرض على نيابة أمن الدولة العليا في 24 إبريل الماضي متهمة بالانضمام إلى جماعة محظورة ونشر أخبار كاذبة، على ذمة التحقيقات في القضية رقم 441 لسنة 2022 حصر نيابة أمن الدولة العليا. ويعود استهداف فهمي إلى عدة تدوينات وفيديوهات تنتقد بعض السياسات الحكومية. كما نشطت فهمي قبل القبض عليها في حركة الاحتجاج على الأوضاع داخل التلفزيون المصري “ماسبيرو”.
بينما، ألقت قوات الأمن بمحافظة المنوفية القبض على المراسل الصحفي بموقع مصراوي محمد الباهي[9] يوم السبت 16 إبريل 2022، من منزله وحققت معه النيابة العامة في القضية رقم 3014 لسنة 2022 إداري قسم السادات، ووجهت إليه تهمة التحريض على أعمال العنف والبلطجة، وقررت حبسه 4 أيام على ذمة التحقيقات. وذلك على خلفية تواجده للتغطية الصحفية في حادث مقتل شاب في إحدى قرى المحافظة، وفي 19 إبريل الماضي قررت محكمة شبين الكوم إخلاء سبيل الباهي بكفالة مالية قدرها 5 آلاف جنيه ولم تستأنف النيابة العامة على قرار المحكمة.
وألقت قوات الأمن خلال نفس الربع القبض على المراسلة الصحفية لمنصة “نبض مصر” هدى عبد الرحيم بمحافظة كفر الشيخ، خلال الربع الحالي، وأخلي سبيلها لاحقًا بكفالة مالية قدرها 5 آلاف جنيه، لاتهامها بنشر أخبار كاذبة على خلفية قيامها ببث مباشر مع محامي فتاة تعرضت للاغتصاب في كفر الشيخ.
أحكام مشددة على الصحفيين
رصدت مؤسسة حرية الفكر والتعبير في 28 يونيو الماضي حكم محكمة جنايات القاهرة الدائرة الأولى إرهاب، على الصحفية علياء نصر الدين حسن عواض وشهرتها “علياء عواد” بالسجن 15 عامًا في اتهامها في القضية رقم 4459 لسنة 2014 جنايات حلوان والمقيدة برقم 321 لسنة 2014 كلي جنوب القاهرة والمعروفة إعلاميًّا باسم “كتائب حلوان” حيث اتهمت بالانضمام إلى جماعة إرهابية والترويج لأغراضها، وإذاعة ونشر مقطع الفيديو المصور الخاص بـ”كتائب حلوان”.
وحسب محامي مؤسسة بلادي، فقد جرى القبض على عواد في سبتمبر 2014 من منزل خالتها بمحافظة الإسكندرية بعد اقتحام منزلها بحلوان في عدم وجودها[10].
بينما قضت محكمة جنايات أمن الدولة العليا طوارئ بحبس المذيع بقناة الجزيرة مباشر مصر غيابيًّا[11] بالسجن المشدد 15 عامًا، في اتهامه بنشر وإذاعة أخبار وبيانات كاذبة من شأنها الإضرار بالمصالح القومية بالبلاد في القضية رقم 1059 لسنة 2021 جنايات أمن الدولة طوارئ التجمع الخامس والمقيدة برقم 707 لسنة 2021 كلي القاهرة الجديدة، والمتهم فيها رئيس حزب مصر القوية، عبد المنعم أبو الفتوح، ونائبه، محمد القصاص.
وفي سياق مختلف أصدرت المحكمة الاقتصادية بالمنصورة في 17 إبريل الماضي حكمًا على الصحفية بالمصري اليوم غادة عبد الحافظ بالحبس سنتين وغرامة 100 ألف جنيه وكفالة 10 آلاف جنيه لإيقاف تنفيذ الحكم في القضية رقم 895 لسنة 2020.
وذلك لنشرها بوست على (فيس بوك) يتضمن شكوى بعض الموظفين من قيام محافظ الدقهلية بتعيين موظفة في منصب لا يتناسب مع مؤهلها الدراسي أو المسمى الوظيفي لها في سابقة هي الأولى حيث أنها خريجة كلية الآداب، وتم ترقيتها لتتولى منصب وكيل إدارة شبكات المرافق وهي الوظيفة التي لا يتولاها سوى المهندسين المتخصصين.
حذف حوار الطنطاوي مع المنصة من فيسبوك
في 12 مايو 2022 فوجئ المسؤولون عن موقع المنصة بحجب فيديو حوار مع رئيس حزب الكرامة والبرلماني السابق أحمد الطنطاوي من صفحة المنصة على فيسبوك، من قبل القناة الأولى، بدعوى استخدام مادة مملوكة لها حصريًّا خلافًا للحقيقة. المادة المستخدمة هي 24 ثانية من خطاب السيسي في حفل إفطار الأسرة المصرية. وهو الأمر الذي يخالف القانون والأعراف الإعلامية السائدة فيما يتعلق بخطابات الرئيس.
وأكدت المنصة في بيان لها أنها ستتقدم بثلاث شكاوى ضد القناة الأولى المصرية إلى كلٍّ من رئاسة الجمهورية والهيئة الوطنية للإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام.
وتعد تلك الواقعة هي الأولى من نوعها حيث لم يسبق أن استخدم التلفزيون المصري للتضييق على عمل المواقع الصحفية والمستقلة وقد شرحت المؤسسة خطورة هذا الانتهاك ومدى قانونيته من خلال ورقة تحت عنوان “سين وجيم حول حذف حوار السياسي أحمد الطنطاوي مع موقع المنصة من فيسبوك، بعد بلاغ من القناة الأولى المصرية[12]“.
لاحقًا تراجعت القناة الأولى عن شكواها ضد الموقع وهو ما أدى إلى رفع الحجب عن الحوار قبل أن يتم حجب الموقع بالكامل.
المنع من التغطية انتهاك اعتيادي مستمر
يُعد المنع من التغطية واحدًا من أكثر الانتهاكات الاعتيادية ضد حرية الصحافة خلال السنوات السبع السابقة، وهو الانتهاك الذي يخالف بشكل منهجي مفهوم حرية الصحافة والحق في المعرفة وتداول المعلومات خاصة في القضايا التي أثارت الرأي العام أو كان المتهمون فيها مسؤولين حكوميين، فقد رصدت المؤسسة[13] في 26 يونيو 2022 قرار محكمة جنايات المنصورة، بحظر النشر في القضية المعروفة إعلاميًّا بـ”مقتل فتاة المنصورة: نيرة أشرف”.
وفي 21 مايو 2022 أعلن المركز الكاثوليكي المصري للسينما في بيان له عن منع الصحفيين ووسائل الإعلام المختلفة من تغطية حفل الختام في الدورة الـ70، وقال البيان: إذا قررت اللجنة العُليا للمهرجان والمكتب الإعلامي عدم السماح لأي مراسل أو مصور أو صحفي أو خلافه لتغطية حفل الختام، والاكتفاء بالنشرة الصحفية مصحوبة بالصور الفوتوغرافية التي يتم إرسالها لحضراتكم لمن يرغب في النشر، بجانب الاعتداء بالضرب على مراسل قناة الحياة أبانوب رجائي، بجانب “دفع بالأيدي” من قبل أمن المركز لصحفية موقع العين إسراء شاهين، ومراسلة نايل دراما مروة عمارة.
القسم الثالث: الحرية الأكاديمية والحقوق الطلابية
على مستوى الحرية الأكاديمية فقد أعلن رئيس قسم الإذاعة والتلفزيون بكلية الإعلام جامعة القاهرة، أيمن منصور ندا، استقالته من منصبه في 9 يونيو 2022 اعتراضًا على سوء إدارة الجامعة وفسادها، فضلًا عن صدور قرار بتجديد إيقافه عن العمل لمدة ثلاثة شهور في 31 مايو 2022، للمرة السادسة على التوالي بالرغم من عدم استدعائه للمثول أمام أية جهة تحقيق أو حتى مجلس التأديب، وهو ما يشير إلى رغبة إدارة جامعة القاهرة في التضييق على ندا[14].
ويتعرض أستاذ الرأي العام والاتصال السياسي، للعديد من الانتهاكات بعد نشره عددًا من المقالات على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” انتقد خلالها إدارة الدولة لملف الإعلام كما انتقد ندا الوضع الذي وصفه بغير المهني الذي وصل إليه الإعلام المصري، ومستوى الإعلاميين المتصدرين للإعلام ووجه انتقادات إلى العديد منهم وعلى رأسهم الإعلامي بقناة صدى البلد أحمد موسى، الذي انتقد أداءه على الشاشة واصفًا إياه بعدم امتلاكه أي مواصفات من الواجب توافرها في المذيع كما تقول الكتب، ورغمًا من ذلك تفرد له مساحات واسعة على الهواء. كما نشر ندا عدة مقالات أخرى ينتقد فيها ما سماه فساد إدارة الجامعة ممثلة في رئيسها محمد عثمان الخشت.
وتعرض ندا للملاحقة الأمنية والقضائية على خلفية تلك الانتقادات، ففي سبتمبر 2021، أمرت النيابة العامة بحبس ندا على ذمة التحقيقات في القضية رقم 23 لسنة 2021 حصر استئناف القاهرة، والمتهم فيها باتهامات من بينها سب وقذف عدد من قيادات جامعة القاهرة، في سياق نشره عدة مقالات على حسابه على “فيسبوك” يتهم فيها إدارة الجامعة بالفساد. أخلت النيابة سبيله في 17 نوفمبر من نفس العام.
وفي 31 مارس 2022 أصدرت محكمة القاهرة الدائرة 27 جنوب حكمًا بالحبس لمدة عام مع إيقاف التنفيذ وغرامة 20 ألف جنيه، وذلك في القضية رقم 9840 لسنة 2021 جنح التجمع الخامس. جاء قرار المحكمة بمعاقبة ندا بالحبس والغرامة على خلفية اتهامه بالخوض في عرض رانيا هاشم المكلفة بعضوية المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، واستخدام حساب على موقع فيسبوك في ارتكاب الجرائم.
كما قررت المحكمة براءة ندا من جميع الاتهامات الأخرى التي شملت نشر أخبار كاذبة حول الإعلام المصري وسب المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام وعدد من أعضائه، وكذلك رفضت المحكمة الدعوى المدنية المُقامة من كرم كامل إبراهيم جبر المكلف برئاسة المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام ضد ندا.[15]
وفي 28 إبريل 2022، قررت محكمة الجنايات (الدائرة 27 جنوب جنايات القاهرة)، إحالة القضية رقم 16036 لسنة 2021 جنح التجمع الأول، والمقيدة برقم 18 لسنة 2021 حصر تحقيق نيابة استئناف القاهرة، المُقامة ضد ندا، إلى محكمة استئناف القاهرة لنظرها أمام دائرة أخرى. ويأتي قرار المحكمة بإحالة القضية نظرًا إلى أن نفس المحكمة قد أصدرت حكمًا بحبس ندا لمدة عام مع إيقاف التنفيذ على ذمة قضية تتضمن وقائع وجرائم مشابهة للقضية الحالية، وهي القضية رقم 9840 لسنة 2021 جنح التجمع الخامس، وهو الأمر الذي اعتبرته المحكمة إفصاحًا عن عقيدتها في الدعوى. وكانت النيابة العامة قد وجهت إلى ندا اتهامات تتعلق بإهانة الإعلام المصري، وسب كرم جابر المكلف برئاسة المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، واستخدام حسابه على الفيسبوك في ارتكاب تلك الجرائم.
وبالتوازي مع الملاحقات القضائية والأمنية فقد أحالت جامعة القاهرة ندا إلى التأديب في الدعاوى أرقام: 14، 15، 17، 18، 19، 20، 21 لسنة 2021، بسبب مقالات نشرها تنتقد حال جامعة القاهرة وبعض المخالفات المالية والإدارية المدعومة بالمستندات والوثائق[16].
وتبرز تلك الوقائع حجم التضييقات التي يتعرض له الأكاديميون المصريون في حال قاموا بالتعبير عن آرائهم حتى في تلك الموضوعات المرتبطة بشكل وثيق بمجالات عملهم الأكاديمي، حيث جاءت استقالة ندا تتويجًا لتلك الملاحقات القضائية والإدارية.
استمرار استهداف طلاب على خلفية نشاطهم الطلابي
وعلى مستوى الحقوق الطلابية فقد رصدت مؤسسة حرية الفكر والتعبير الحكم على 4 قيادات طلابية سابقة هم: رئيس اتحاد طلاب جامعة سوهاج السابق: أدهم قدري، أمين حركة طلاب مصر القوية السابق: عمرو أحمد خطاب، ونائب رئيس اتحاد طلاب جامعة طنطا الأسبق: معاذ الشرقاوي، ورئيس اتحاد طلاب جامعة طنطا الأسبق، والفائز بمنصب نائب رئيس اتحاد طلاب مصر قبل إلغائها من قبل وزير التعليم العالي: عمرو الحلو، بسبب نشاطهم السابق في الجامعة.
وحكم على جميع الطلاب غيابيًّا بالحبس 15 عامًا باستثناء معاذ الشرقاوي والذي حكم عليه حضوريًّا بحضور المحامي لمدة 10 سنوات. واتهمت محكمة أمن الدولة العليا طوارئ القيادات الطلابية الأربعة باتهامات، من بينها: الانضمام إلى جماعة إرهابية مع العلم بأغراضها في القضية رقم 1059 لسنة 2021 جنايات أمن الدولة طوارئ التجمع الخامس والمقيدة برقم 707 لسنة 2021 كلي القاهرة الجديدة، والمتهم فيها رئيس حزب مصر القوية، عبد المنعم أبو الفتوح، ونائبه، محمد القصاص.
ويعد هذا الحكم نهائيًّا ولا يمكن الطعن عليه نظرًا إلى صدوره عن محكمة أمن الدولة العليا طوارئ وهي محكمة استثنائية يحال إليها المتهمون في ظل سريان حالة الطوارئ، إلا أنه يمكن لرئيس الجمهورية إلغاء الحكم أو تخفيفه أو إعادة المحاكمة أو التصديق عليه وفقًا لقانون الطوارئ الذي أوقف رئيس الجمهورية العمل به للمرة الأولى منذ سبع سنوات، مطلع أكتوبر الماضي.
لم يكن الحكم على الطلاب الأربعة هو الاستهداف الأول لهم فقد أدرجت محكمة جنايات القاهرة الأربعة على قوائم الإرهاب في فبراير 2018 بعد مذكرة مقدمة من النائب العام يطلب إدراجهم، على خلفية اتهامهم في القضية رقم 440 لسنة 2018 حصر نيابة أمن الدولة العليا طوارئ.
جدير بالذكر أن قرار الإدراج على قوائم الإرهاب قد نسب الطلاب الأربعة إلى مناصبهم القيادية في الاتحادات الطلابية بالرغم من تخرج أغلبهم وهو ما يشير إلى الدوافع الحقيقية لاستهداف هؤلاء الطلاب والذي كان لهم نشاط ملحوظ داخل الجامعات باعتبارهم أعضاء الاتحادات الطلابية المنتخبة.
وبالإضافة إلى الانتهاكات المذكورة أعلاه فقد تعرض نائب رئيس اتحاد طلاب جامعة طنطا الأسبق، معاذ الشرقاوي، لعدة انتهاكات أمنية على خلفية نفس القضية، بدأت بالقبض عليه في 19 سبتمبر 2018 بعد توقيفه من قبل قوات الأمن في إحدى نقاط التفتيش الأمنية بسيناء، أثناء سفره مع أحد الأفواج السياحية إلى محافظة جنوب سيناء، حيث كان يعمل فى شركة سياحة تنظم رحلات. اختفى الشرقاوي لأكثر من 25 يومًا أنكرت خلالها وزارة الداخلية القبض على الشرقاوي بالرغم من القبض عليه أمام أكثر من 50 شخصًا هم قوام الرحلة. واستمرت الداخلية في إنكار وجوده في مقراتها إلى أن ظهر في 13 أكتوبر 2018 أمام نيابة أمن الدولة العليا بالتجمع الخامس متهمًا على ذمة التحقيقات في القضية رقم 440 لسنة 2018. في 4 مارس 2020 أخلت محكمة الجنايات سبيل الشرقاوي بتدابير احترازية بعد سنة ونصف من الحبس الاحتياطي.[17]
القسم الرابع: حرية الإبداع
استمرت السلطات المصرية في وضع قيود على الإبداع خلال الربع الثاني من 2022 حيث سجلت مؤسسة حرية الفكر والتعبير 5 وقائع اشتملت على 7 انتهاكات لحرية الإبداع تنوعت بين الاستهداف الأمني لعدد من ناشري محتوى على مواقع التواصل الاجتماعي ينتقدون الأوضاع المعيشية الحالية في مصر، أو قرارات المجلس الأعلى للإعلام ضد أعمال إبداعية تحت حجج فضفاضة لا تعبر إلا عن محاولة تلك الجهات الوصاية على المجتمع. فضلًا عن قرار لجنة الرقابة على المصنفات الفنية منع عرض فيلم Doctor Strange2 في جميع دور العرض المصرية، بسبب وجود مشاهد اعتبرتها اللجنة تروّج للمثلية الجنسية. وجاءت أبرز أنماط الانتهاكات خلال الربع الثاني، كما يلي:
الاستهداف الأمني للمواطنين على خلفية أعمال ساخرة تنتقد الأوضاع المعيشية
في 31 مارس 2022 تم استدعاء كلٍّ من عطية محمد عبد العزيز رشوان، عنتر فهمي رشوان محمد، حمادة محمود سيد عيد، المعروفين بـ”ظرفاء الغلابة” إلى قسم شرطة منفلوط بمحافظة أسيوط على خلفية نشرهم فيديو ساخرًا يعيدون فيه تمثيل وأداء أغنية قدمها الفنان أكرم حسني من قبل في برنامجه الساخر “أسعد الله مساؤكم” يتناول قضية غلاء الأسعار بشكل ساخر.
لم يعرض ظرف الغلابة على أية جهة تحقيق حتى تم عرضهم في 18 و19 إبريل 2022 على نيابة أمن الدولة العليا متهمين على ذمة التحقيقات في القضية رقم 440 لسنة 2022 حصر أمن دولة. وجهت إلى المتهمين اتهامات الانضمام إلى جماعة إرهابية أسست على خلاف أحكام الدستور والقانون، ونشر أخبار كاذبة. في 7 مايو 2022 قررت نيابة أمن الدولة العليا إخلاء سبيل ظرفاء الغلابة[18].
وفي نفس السياق جرى استدعاء جمال محمد سلامة من قبل جهاز الأمن الوطني ببلبيس عن طريق شيخ الغفر الخاص بقريته قرملة مركز بلبيس، في محافظة الشرقية، في 26 إبريل 2022، حيث طلب منه الذهاب معه إلى مركز الشرطة وهو ما وافق عليه سلامة. بمجرد وصول سلامة إلى المركز تم اصطحابه إلى مكان غير معلوم حيث جرى استجوابه بشكل غير قانوني حول حسابه على تطبيق تيك توك وخاصة أحد الفيديوهات التي قام بنشرها والتي تتضمن محاكاة لإحدى الأغنيات التي أصدرها الفنان أكرم حسني ضمن شخصية أبو حفيظة والتي ينتقد من خلالها غلاء الأسعار[19].
خلال استجوابه بمقر الأمن الوطني أجاب سلامة بأن الهدف من وراء إنشاء حساب على تيك توك هو نشر فيديوهات بهدف “التسلية” وجمع المشاهدات.
في 17 مايو 2022 عرض سلامة على نيابة أمن الدولة العليا بالتجمع الخامس لأول مرة متهمًا على ذمة التحقيقات في القضية رقم 440 لسنة 2022 حصر نيابة أمن الدولة العليا باتهامات من بينها الانضمام إلى جماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تقرر حبسه 15 يومًا على ذمة التحقيقات.
يعمل جمال محمد محمد سلامة والبالغ من العمر ثلاثة وأربعين عامًا (ترزي)، لديه حساب على موقع تيك توك يقوم من خلاله بنشر فيديوهات ترفيهية.
المجلس الأعلى للإعلام يفرض وصايته على المحتوى الإبداعي
يستمر المجلس الأعلى للإعلام في فرض وصايته على الإبداع حيث رصدت مؤسسة حرية الفكر والتعبير إصداره قرارين يوقف من خلالهم عرض إعلان لشركة دايس للمنتجات القطنية على القنوات المصرية في 3 إبريل 2022. وقال بيان المجلس[20] إن وقف الإعلان جاء نتيجة مخالفته عددًا من المعايير التي حددها المجلس للإعلانات والبرامج ضمن الأكواد؛ وتحديدًا مخالفة كود الأعمال الدرامية والإعلانية خاصة بند رقم (4) الذي ينص علي عدم اللجوء إلى الألفاظ البذيئة وفحش القول والحوارات المتدنية والسوقية والمادة (16) من لائحة الجزاءات و التي تنص على أن استخدام ألفاظ تؤذي مشاعر الجمهور مخالفة تقتضي توقيع الجزاء على المخالف.
بالإضافة إلى استياء الجمهور وخاصة نقابة الأطباء وذلك لما تضمنه الإعلان من محتوى يتعارض مع آداب وأخلاقيات المجتمع المصري، كما يتعارض مع الآداب العامة والذوق العام، وفقًا لنص الإعلان.
كانت نقابة الأطباء قد قدمت شكوى إلى المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام تطالب بوقف إعلان نتيجة ظهور الطاقم الطبي والمواطن المصري بشكل لا يليق. ويتضمن الإعلان مشهدًا تمثيليًّا لأحد المواطنين يطلب الكشف الطبي، ويقوم الطبيب والممرضة بالسخرية من ملابسه الداخلية الممزقة، قبل أن ينتهي الإعلان بالدعاية لماركة الملابس الداخلية الخاصة بالشركة، وهو الأمر الذي يقع في إطار حرية الإبداع.
وعلى جانب آخر أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في 2 إبريل 2022 قرارًا بوقف عرض الحلقة الأولى من مسلسل دنيا تانية[21] لعدم حصوله على تصريح من جهاز الرقابة على المصنفات الفنية. ويأتي القرار على خلفية شكوى قدمها رئيس جهاز الرقابة على المصنفات الفنية خالد عبد الجليل والذي أكد في شكواه وفقًا لبيان المجلس على أن الحلقة الأولى من المسلسل تم فرض الرقابة عليها ولكن قناة النهار تحايلت وبثت الحلقة متضمنة المشاهد المحذوفة.
وأكد المجلس وفق بيانه على التنبيه على جميع القنوات الحاصلة على حق العرض، بعدم إذاعة أي مصنف غير حاصل على ترخيص بالعرض، بالإضافة إلى أنه لن يتوانى في تطبيق المعايير التي يتضمنها الكود الإعلامي المعلن عنه، وأنه سيطبق النصوص الواردة في قانونه حال المخالفة. وتتضمن المشاهد والتي كانت سببًا في وقف الحلقة اكتشاف بطلة المسلسل خيانة زوجها مع أختها.
القسم الخامس : الحقوق الرقمية
تزايدت حالات استهداف مستخدمي الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي في الربع الثاني من العام 2022 مقارنة بما تمكنت مؤسسة حرية الفكر والتعبير من رصده في الربع الأول من نفس العام، حيث رصدت المؤسسة خلال الربع الثاني ما لا يقل عن 29 حالة انتهاك في 13 واقعة مختلفة. ألقت الأجهزة الأمنية القبض على 11 شخصًا في 7 وقائع مختلفة، إلى جانب 14 حالة انتهاك في واقعتين مختلفتين من المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام ما بين قرارات بحجب مواقع أو غلق حسابات شخصية، إضافة إلى ثلاثة أحكام قضائية بالسجن وتأييد الحبس ورفض استشكال في ثلاث وقائع نشر محتوى رقمي، وقرار بحظر النشر والتصوير من غرفة شركات ووكالات السفر والسياحة؛ ذلك مقارنة بـ 13 حالة انتهاك في 12 واقعة رصدتها المؤسسة في الربع الأول. وجاءت أبرز أنماط الانتهاكات في الربع الثاني من العام 2022، كما يلي:
الأجهزة الأمنية: الحبس مستمر بسبب المحتوى الرقمي (الجاد أو الساخر) المؤرِّق للسلطات
استمرت الأجهزة الأمنية خلال الربع الثاني على نفس النهج المتّبع منذ بضع سنوات من الترصد والعقاب لمستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي وصانعي المحتوى الرقمي، حيث رصدت المؤسسة 11 حالة قبض ارتكبتها أجهزة الأمن في 7 وقائع مختلفة مرتبطة بشكل وثيق بحرية الرأي والتعبير الرقمي المكتوب أو المرئي.
على سبيل المثال، ألقت قوة من الشرطة القبض على المحامي نبيل أبو شيخة[22] من منزله في شبين القناطر، محافظة القليوبية، في 11 إبريل 2022، على خلفية نشره تدوينات على حسابه على موقع فيسبوك ينتقد ويسخر فيها من أداء الممثل المصري ياسر جلال والذي قام بتجسيد دور الرئيس عبد الفتاح السيسي في الموسم الثالث من مسلسل الاختيار. عُرض أبو شيخة على نيابة أمن الدولة العليا في اليوم التالي على ذمة القضية رقم 93 لسنة 2022 حصر نيابة أمن الدولة العليا وذلك لاتهامه بنشر أخبار كاذبة والانضمام إلى جماعة إرهابية.
كما ألقت قوات الأمن القبض على أحمد محمد موسى عبد الخالق[23] في 19 مارس 2022 من منزله في الجيزة، بسبب نشره بعض الكتابات على موقع فيسبوك عن غلاء أسعار المعيشة، وظهر موسى أمام نيابة أمن الدولة العليا لأول مرة في 3 إبريل 2022، ووجهت إليه اتهامات بالانضمام إلى جماعة إرهابية، التحريض على فعل إرهابي، ونشر أخبار كاذبة، على ذمة القضية رقم 330 لسنة 2022 حصر أمن دولة.
كما ألقي القبض على الحسيني فرغلي عثمان نفادي[24] في 5 إبريل 2022 في أثناء جلوسه داخل مقهى بحي السلام بمحافظة القاهرة، على خلفية نشره مقاطع مصورة على قناته الشخصية على موقع يوتيوب بخصوص قضية سد النهضة، وحققت نيابة أمن الدولة العليا في 7 إبريل 2022 مع فرغلي على ذمة القضية رقم 330 لسنة 2022، باتهامات الانضمام إلى جماعة إرهابية، ونشر أخبار كاذبة، والتحريض على فعل إرهابي.
واستهدفت الأجهزة الأمنية المحتوى الرقمي المرئي بشكل أكبر من المحتوى المكتوب في الربع الثاني، وتوسعت في ترصد مستخدمي الإنترنت من غير المهتمين وغير الفاعلين في الشأن السياسي، بهدف الترهيب المجتمعي ودفعهم إلى فرض رقابة ذاتية تحد من حرية التعبير الرقمي أو تداول المعلومات، كما اتجهت الأجهزة الأمنية إلى تلفيق المحاضر والقبض العشوائي في بعض الوقائع على أشخاص لا علاقة لهم بالمحتوى المنشور، فقط من أجل استيفاء الشكل القانوني للقضية بضرورة وجود متهمين.
حيث ألقت قوات الأمن القبض على كل من محمد أشرف عبد المبدئ عبد الرحمن[25] (20 عامًا) وإسماعيل أبو زيد إسماعيل، في 11 إبريل 2022، على خلفية انتشار فيديو هزلي عبر تطبيق تيك توك يستعرض أطفالًا يلقون (أكياس) بلاستيكية مملؤة بالمياه على المارة في شوارع محافظة بورسعيد في أثناء وقت أذان المغرب (موعد الإفطار) في رمضان. فبعد انتشار الفيديو قامت قوة أمنية بالقبض العشوائي على بعض الأشخاص الموجودين في الشارع محل الواقعة وكان من بينهم المتهمون المذكورون الذين ظهروا في نيابة أمن الدولة لأول مرة في 14 إبريل 2022 بعد اختفائهم ثلاثة أيام على ذمة القضية رقم 41 لسنة 2022 حصر أمن دولة عليا، ووجهت إليهم النيابة اتهامات من بينها الانضمام إلى جماعة إرهابية، ونشر أخبار كاذبة، والتحريض على فعل إرهابي.
وفي 7 مايو 2022 ألقت قوات الشرطة القبض على اثنين من المرشدين السياحيين على خلفية نشر مقطع مصور يرصد تحرش عدد من الصبية بسائحات أجنبيات في منطقة الأهرامات السياحية بمحافظة الجيزة. وكان أحد المرشدين المقبوض عليهم قام بتصوير الواقعة ونشرها على إحدى المجموعات الخاصة بالمرشدين السياحيين على تطبيق واتساب قبل أن يقوم شخص آخر بنشر الفيديو على موقع فيسبوك ما دفع أجهزة الأمن إلى القبض على مرتكبي الواقعة بدعاوى الإساءة إلى سمعة البلاد السياحية. جدير بالذكر أنه عقب تلك الواقعة أصدرت “غرفة شركات ووكالات السفر والسياحة” قرارًا بإحالة أي عامل بالقطاع السياحي إلى التحقيق والمساءلة القانونية إذا قام بتصوير ونشر أية وقائع سلبية تمس السائحين، وحذرت العاملين من نشر أية مقاطع مصورة على مواقع التواصل الاجتماعي لبعض الممارسات غير اللائقة وغير المقبولة التي يواجهها بعض السائحين أثناء زياراتهم، حتى لا يصل انطباع سلبي لدى من يشاهد بأن تلك الممارسات معتادة ومقبولة لدى الشعب خلافًا للحقيقة، مما “يسيء إلى سمعة البلاد السياحية”، حسب ما صرحت به الغرفة، في تعدٍّ واضح على حق المواطنين في التعبير عن آرائهم وتداول المعلومات عبر الإنترنت وهو ما يتناغم مع السياسات الأمنية والتشريعية التي دأبت السلطات المصرية عليها في محاولة لتأميم الإنترنت باعتباره آخر منافذ التعبير عند المصريين.
وانتشر مقطع مصور على وسائل التواصل الاجتماعي لشاب يقوم بالغناء والرقص داخل أحد المساجد، تبين فيما بعد أنه نقّاش (عامل بناء) حسب بيان الداخلية المصرية، ويقوم ببعض أعمال الصيانة والترميم في مسجد بمحافظة كفر الشيخ. تقدمت وزارة الأوقاف المصرية ببلاغ إلى النيابة العامة، تحركت على إثره الأجهزة الأمنية في 16 يونيو 2022 وألقت القبض على ثلاثة أشخاص: الشخص الظاهر في المقطع المصور، محمد ماجد حمدان عبد العزيز (18-19 عامًا)، إلى جانب الشخص الذي قام بالتصوير، رائد عادل سيد أحمد خطاب (18-19 عامًا)، فضلًا عن أحمد وليد عبد المنعم (18-19 عامًا) من قام بنشر المقطع المصور على مواقع التواصل الاجتماعي[26].
يذكر أن المتهمين الثلاثة من منطقة
القناطر الخيرية بمحافظة القليوبية ويعملون في أعمال البناء وكانوا يمارسون عملهم داخل المسجد الذي كان خارج الخدمة في تلك الفترة، بما في ذلك مكبر الصوت الخاص بالمسجد، فلم ينزعج أي شخص في نطاق المسجد ولم يعرف أحد بالواقعة إلا من خلال المقطع المصور المنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي.
تعرّض المتهمون الثلاثة للإخفاء القسري لمدة 4 أيام قبل أن يظهروا لأول مرة في نيابة أمن الدولة العليا يوم 20 يونيو 2022، ووجهت النيابة إليهم اتهامات بالانضمام إلى جماعة إرهابية، وتعمد نشر أخبار وبيانات كاذبة، واستخدام حساب خاص على شبكة المعلومات الدولية بهدف ارتكاب جريمة النشر، على ذمة القضية رقم 440 لسنة 2022، واللافت في الأمر، هو التحقيق مع المتهمين أمام نيابات أمن الدولة باتهامات متعلقة بالإرهاب وليس من بينها الغناء في المسجد، كما أن التحقيق جاء على ذمة قضية أخرى لا علاقة لها بالبلاغ الذي تقدمت به وزارة الأوقاف المصرية من الأساس.
السلطات القضائية: المحاكم تراقب الأخلاق وتعاقب فتيات التيك توك
تتبارى الأجهزة الرسمية في الدولة في استهداف صانعي المحتوى الرقمي، خاصة الفتيات، بدافع حماية ما يُسمّى منظومة الأخلاق المجتمعية وقيم الأسرة المصرية، وتمكنت المؤسسة من رصد ثلاثة أحكام قضائية بين الحكم بالسجن أو تأييد حكم سابق بالحبس أو رفض استشكال على حكم سابق، ضد صانعات محتوى رقمي على مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي باتهامات متعلقة بالاتجار بالبشر والتعدي على قيم الأسرة المصرية والتحريض على الفسق، حيث قضت محكمة جنايات القاهرة (الدائرة 15 جنوب القاهرة) في 18 إبريل 2022، بمعاقبة صانعة المحتوى حنين حسام عبد القادر[27] بالسجن 3 سنوات وغرامة 200 ألف جنيه، في الدعوى رقم 4917 لسنة 2020 جنايات الساحل، والمقيدة برقم 2106 لسنة 2020 كلي شمال القاهرة، والمعروفة إعلاميًّا بقضية الاتجار بالبشر، كما ألزمتها المحكمة أيضًا بالمصاريف الجنائية[28].
وفي 13 مايو 2022، قضت محكمة جنح مستأنف الطفل، بتأييد الحكم الصادر ضد صانعة المحتوى نانسي أيمن صبحي الشهيرة بـ”موكا حجازي”[29] بالحبس لمدة عامين عن التهمة الثانية في القضية رقم 5459 لسنة 2022 مستأنف الطفل والمقيدة برقم 188 لسنة 2022 جنح الطفل. وكانت محكمة جنح الطفل بالجيزة في 24 فبراير 2022 قضت بحبس حجازي لمدة سنة عن تهمة اعتياد ممارسة الدعارة مع الرجال بدون تمييز مقابل أجر مادي، وسنتين عن التهمة الثانية، وهي أنها أعلنت عن نفسها بإحدى طرق العلانية بدعوة تتضمن الإغراء لممارسة الفجور[30].
ورفضت محكمة جنايات القاهرة في 19 يونيو 2022 استشكال صانعة المحتوى مودة فتحي رشاد الشهيرة بـ”مودة الأدهم[31]” على الحكم الصادر في 20 يونيو 2021 بمعاقبتها بالسجن المشدد 6 سنوات وتغريمها 200 ألف جنيه في اتهامها بالاتجار بالبشر. وكانت النيابة العامة وجهت إلى مودة الأدهم اتهامات “الاعتداء على قيم ومبادئ الأسرة المصرية والمجتمع، والاشتراك مع آخرين في استدراج الفتيات واستغلالهن عبر البث المباشر، وارتكاب جريمة الاتجار بالبشر، وتلقي تحويلات بنكية من إدارة التطبيق مقابل ما حققته من مشاهدة ونشر فيديوهات تحرض على الفسق لزيادة نسبة المتابعين لها، والعضوية بمجموعة واتساب لتلقي تكليفات استغلال الفتيات، فضلًا عن تشجيع الفتيات المراهقات على بث فيديوهات مشابهة والهروب من العدالة ومحاولة التخفي[32].
المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام: سلاح الحجب ما زال فعالًا
يستمر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في ممارساته العقابية للحد من حرية التعبير والتضييق على حرية تداول المعلومات من خلال الاستمرار في استخدام سلاح حجب التطبيقات والمواقع الإلكترونية غير المتوافقة مع التوجهات الرسمية للدولة، بدعوات بث أخبار كاذبة أو التحريض أو العنصرية وغيرها من الأسباب الفضفاضة وغير المدلل عليها، حتى أن المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام لا يعلن أسماء المواقع المحجوبة في قراراته.
وأصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام قرارًا في 19 إبريل 2022 بحجب 12 موقعًا وحسابًا على مواقع التواصل الاجتماعي[33]، وفقًا للبيان الصادر عن المجلس والذي لم يذكر أسماء تلك المواقع، إلا أنها تضمنت مواقع إلكترونية، وحسابات وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي وقنوات على يوتيوب بالإضافة إلى تطبيق إلكتروني. ووفقًا للقرار، تعددت أسباب الحجب والمنع من النشر، ما بين بث أخبار كاذبة، أو ما يدعو أو يحرض على العنف أو الكراهية، أو ينطوي على تمييز بين المواطنين، أو يدعو إلى العنصرية، أو يتضمن طعنًا في أعراض الأفراد، أو سبًّا أو قذفًا لهم، أو امتهانًا للأديان السماوية أو للعقائد الدينية، أو تأسيس مواقع إلكترونية وإدارتها من خارج نطاق الجمهورية المصرية دون الحصول على ترخيص بذلك من المجلس، وفقًا للقانون رقم 180 لسنة 2018.
وكان المجلس قد قرر في 7 إبريل 2022 غلق حساب الفنان والممثل محمود المهدي (زوج الفنانة منة عرفة) على موقعي فيسبوك وإنستجرام[34]، وذلك لخرق الأكواد والمعايير الإعلامية وبث منشورات تمثل سبًّا وقذفًا، والإساءة إلى مهنة الفن والقائمين عليه، حسب ما أشار البيان. ذلك على خلفية شكوى تقدم بها نقيب المهن التمثيلية أشرف زكي إلى المجلس الأعلى للإعلام ضد محمود المهدي يتهمه فيها بالتشهير والطعن في الأعراض والتهديد ونشر إساءات تخص عددًا من الفنانين ومنهم الفنانة إلهام شاهين.
خاتمة وتوصيات
أخيرًا فإن مؤسسة حرية الفكر والتعبير وهي ترحب بإخلاء سبيل عدد من المحبوسين على خلفية تعبيرهم عن رأيهم ترى أن تلك التحركات ليست كافية لإبراز جدية السلطة الحالية في الحوار من أجل إصلاحات سياسية حقيقية تساهم في معالجة الوضع الحقوقي والسياسي المتردي الذي وصلت إليه مصر، كما ترى حرية الفكر والتعبير أنه لا معنى لأية حوارات تدعو إليها السلطة السياسية في نفس الوقت الذي لا تنعكس تلك الدعوة على الممارسات الحقيقية لأجهزتها المختلفة على الأرض، وعليه:
ندعو لجنة العفو المشكلة من قبل رئيس الجمهورية إلى إعلان المعايير التي من خلالها تقوم بعملها.
يجب على الأجهزة الأمنية التوقف عن استهداف المواطنين على خلفية تعبيرهم عن آرائهم بشتى الصور.
ندعو رئيس الجمهورية إلى العفو عن جميع من صدرت عليهم أحكام من قبل محكمة أمن الدولة العليا طوارئ على خلفية تعبيرهم عن آرائهم.
يجب على السلطات المصرية التوقف عن حجب المواقع الصحفية ووقف القيود التي تمارس ضد المواقع المستقلة.
ندعو النائب العام إلى الأمر فورًا بإخلاء سبيل جميع المحبوسين احتياطيًّا على ذمة قضايا الرأي والتوقف عن استهدافهم قضائيًّا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.