السبت، 27 أغسطس 2022

لعبة الديون: ما فشلت فيه سيريلانكا ويهدد مصر

رابط تقرير مدى مصر

لعبة الديون: ما فشلت فيه سيريلانكا ويهدد مصر


بدأ الأمر بصورة الثوار السريلانكيين يسبحون في مسبح الرئيس الهارب، ويجولون في قصره حتى غرفة نومه الفاخرة، في خضم احتجاجات شعبية واسعة على خلفية أزمة طاحنة من شح النقد الأجنبي عجزت معه الدولة الآسيوية الصغيرة عن سداد مديونيات خارجية والوفاء باحتياجاتها من الواردات. وسرعان ما أصبحت سيريلانكا بعدها أشهر نموذج على موجة من العجز عن سداد المديونيات الخارجية في عدد من الدول، ما انتشرت معه التكهنات بشأن من قد يلحق بها في قائمة طويلة من الدول من ضمنها مصر.

كان القلق من التخلف عن السداد مبعثًا لتخلص المستثمرين الأجانب من السندات المصرية في السوق الثانوي بأسعار زهيدة، وصلت إلى نصف سعر شرائها في بعض الأحيان، بحسب شريف عثمان، النائب السابق لبنك المؤسسة العربية المصرفية.

ومع المشاهد القادمة من سريلانكا، والأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها مصر بسبب نقص الدولار وصعوبات الاستمرار في الاقتراض، تساءل البعض عن احتمالية أن تواجه مصر مصيرًا مماثلًا. وعلى الرغم من أن أزمة الديون المصرية لم تكن بهذا السوء من قبل، إلا أن اختلافات في طبيعة هيكل الديون بين مصر وسريلانكا يجعله غير مرجح.

المثال السيريلانكي، كأبرز حالة من حالات التخلف عن السداد وصولًا حتى للعجز عن الاستيراد بسبب شح العملة الأجنبية، يكشف الكثير في المقابل حول الوضع في مصر. ثمة مفارقة واضحة، فبعكس ما قد يبدو لأول وهلة، كان النمو في الدين الخارجي السيريلانكي خلال عشر سنوات بطيئًا ويميل للاستقرار عمومًا بعكس الحالة في مصر، التي نما دينها الخارجي بنسبة تتخطى 450% في نفس الفترة -من 2012 وحتى 2022

.وفي نفس الوقت، عانى البلدان، وإن كان على نحو متفاوت، من ارتفاع الدين الخارجي بشكل متسارع كنسبة إلى احتياطي النقد الأجنبي. كما أن البلدين متقاربان على نحو كبير من حيث حجم الدين الخارجي بالنسبة إلى الصادرات، باعتبارها أبرز موارد الدول المستدامة من النقد الأجنبي. ففي الحالتين، تشير البيانات المتوفرة لدى البنك الدولي إلى ارتفاع كبير للغاية في الدين الخارجي إلى الصادرات، بحيث تعد الدولتان ضمن أسوأ النماذج عالميًا في هذا السياق، إذ تبلغ تلك النسبة في مصر 228%، فيما تبلغ في سريلانكا 278.6%.

البيانات التاريخية المتوفرة من البنك الدولي تشير إلى مفارقة ملفتة للنظر. فقد واصل احتياطي النقد الأجنبي إلى إجمالي الدين الخارجي في مصر وسريلانكا على السواء مسار التراجع بدءًا من العام 2017، بالرغم من الفارق بين البلدين في هذه النسبة عمومًا.

تراجع الاحتياطي إلى إجمالي الدين الخارجي في مصر من 43% في عام 2017 إلى 29.6% عام 2020، وهو أسوأ مستوى له منذ العام 1991. وفي المقابل، شهد الاحتياطي النقدي الأجنبي إلى الدين الخارجي في سريلانكا تراجعًا من 15.7% إلى 10.1% في نفس الفترة.

لكن، كل هذا لم يكن الفيصل في أزمة سيريلانكا، ولم يكن سببًا كافيًا في اقتراب مصر من حافة الخطر. «فحجم الاحتياطي إلى إجمالي الدين الخارجي قد لا يعني الكثير في حال كانت استحقاقات الدين في الأجل القريب لا تمثل عبئًا كبيرًا، وكان معظم الدين الخارجي يستحق في مراحل زمنية أبعد قد يكون الاحتياطي وقتها قادرًا على الوفاء بها»، حسبما يقول لـ«مدى مصر» مسؤول بارز سابق في البنك المركزي.

وفي المقابل، كان أسوأ ما واجه سيريلانكا، وما استطاعت مصر تجنبه حتى الآن، هو الدين قصير الأجل كنسبة من الاحتياطي. إذ تشير البيانات التي جمعها «مدى مصر» إلى ارتفاع كبير للغاية في الدين قصير الأجل إلى احتياطي النقد الأجنبي.

على المدى الأقصر، تشير البيانات المتوفرة من البنك المركزي السريلانكي، إلى تفاقم كبير للغاية في أزمة الدين الخارجي قصير الأجل في سيريلانكا. بنهاية الربع الأول من العام الحالي -نهاية مارس 2022- قبيل انفجار الأزمة، كان الدين الخارجي قصير الأجل إلى الاحتياطي النقدي الأجنبي قد بلغ 467% مقابل 200% في الربع المناظر من العام الماضي.

وتمثل الديون قصيرة الأجل، تلك التي يقل أجل سدادها عن سنة واحدة، بحسب تعريف البنك الدولي. وهو أكثر خطورة من الديون طويل الأجل، وخاصة فيما يتعلق بالدين الخارجي.

وبصورة عامة، توضح بيانات الدين الخارجي السيريلانكي الأبعد مدى تاريخيًا، أن الدين قصير الأجل إلى احتياطي النقدي الأجنبي كان على الدوام جانبًا من جوانب الضعف الشديد في علاقة سيريلانكا مع العالم الخارجي. فخلال عشر سنوات كاملة، من العام 2012 وحتى العام الحالي، كانت أفضل نسبة للدين الخارجي قصير الأجل إلى الاحتياطي النقدي الأجنبي تتجاوز 80%.

ما حدث في سريلانكا أن «ارتفاع الدين قصير الأجل عمومًا عن حد معين قد أدى إلى في ارتفاع مخاطر الديون، وهو ما ساهم مجددًا في عرقلة قدرتها على الاقتراض أكثر فأكثر»، كما يقول عمرو عادلي، أستاذ الاقتصاد السياسي المساعد في الجامعة الأمريكية. ما تعنيه صعوبة الاقتراض في هذه الحالة هو صعوبة في زيادة حجم الاحتياطي من النقد الأجنبي، وهو ما أمكن رصده في حالة سيريلانكا خلال السنوات القليلة الماضية بوضوح. ويؤدي انخفاض الاحتياطي من النقد الأجنبي في حد ذاته إلى ارتفاع نسبة الدين قصير الأجل إلى الاحتياطي، وهو ما يعني زيادة جديدة في مخاطر الدين الخارجي، كما لو كان الأمر حلقة مغلقة. 

وبحسب عادلي فـ«من المهم هنا أن نتذكر أن السياسة كانت جزءًا من الصورة، ففي أوقات شح العملة الأجنبية -كما هو الحال في خروج الأموال الساخنة- بما يعنيه من ضغوط على الاحتياطي، تدخل الخليج لسد هذا الفراغ، وهو ما حدث في حالة سريلانكا أيضًا في أوقات سابقة حين تلقت دعمًا من الهند، ولكن على نحو لم يكن كافيًا».

يختلف الأمر بوضوح في الحالة المصرية، فبالرغم من أن الدين الخارجي قصير الأجل إلى الاحتياطي النقدي الأجنبي يعد مرتفعًا بصورة عامة حاليًا قياسًا إلى العقد الأول من القرن الحالي، إلا أن مسار الدين الخارجي قصير الأجل خلال السنوات القليلة الماضية يعبر بوضوح عن التوجه المعلن بخفض هذه النسبة. تراجع الدين الخارجي قصير الأجل من 50.5% من الاحتياطي النقدي الأجنبي عام 2016 بشكل متواصل ليصل إلى حوالي 30% من الاحتياطي النقدي الأجنبي في العام 2020، تبعًا لأحدث بيانات متوفرة من البنك الدولي، قبل أن ترتفع قليلًا إلى 31% تقريبًا في 2021.

ظلت مصر إذن تعمل بشكل حثيث على خفض تلك النسبة، وساهم في ذلك التوسع في الاستدانة الخارجية التي راكمت المزيد من العملة الأجنبية في الاحتياطي، ما ساهم في خفض نسبة الدين الخارجي إلى الاحتياطي. أي أن مصر كانت تحاول الاستدانة بآجال أطول، ما يزيد إجمالي الدين الخارجي من ناحية، لكن يحافظ على الاحتياطي عند مستويات عالية من ناحية أخرى، وهو ما يخفض من نسبة الدين الخارجي قصير الأجل عند مستويات أقل، وهذا ما لم يحدث في الحالة السريلانكية. وبعبارة أخرى، تمكنت مصر من الاستدانة بشكل ضخم على نحو استطاعت معه على الدوام -حتى الآن على الأقل- تأجيل الأزمة، وهو ما لم تتمكن منه سيريلانكا.

وتواصل «نجاح» مصر في الاستدانة لخفض الدين قصير الأجل إلى إجمالي الاحتياطي، حتى خرج الأمر عن السيطرة لأول مرة منذ خمس سنوات تقريبًا. ففي مارس الماضي، قفز الدين قصير الأجل قياسًا إلى ديسمبر الماضي بشكل كبير ما أدى إلى ارتفاع الدين قصير الأجل إلى الاحتياطي ليتجاوز 70% لأول مرة، بالرغم من أن هذا المستوى يعد بعيدًا جدًا طبعًا عن الوضع في سريلانكا.

وبحسب المسؤول السابق في البنك المركزي، الذي طلب عدم ذكر اسمه، يمثل الدين قصير الأجل كنسبة من الاحتياطي أبرز المعايير التي يمكن الاستناد إليها في تقييم التصنيف الائتماني، لأنه يمثل ما هو مطلوب سداده في فترة قصيرة كديون خارجية، ما يمكن بسهولة مقارنته مع حجم الاحتياطي. وفي هذا السياق، يعترف المصدر بأن ارتفاع الدين قصير إلى احتياطي النقد الأجنبي في مصر في نهاية مارس الماضي إلى مستوى تجاوز 70% كما يتضح من الشكل السابق، يعد «أمرًا مقلقًا بالطبع ومستوى مرتفع للغاية»، على حد قوله.

وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن مستوى الدين قصير الأجل إلى الاحتياطي النقدي في مارس الماضي (71.3%) يمثل أعلى مستوى للدين قصير الأجل إلى الاحتياطي النقدي منذ العام منذ 1990، وهو العام الذي شهد ترتيبات إلغاء جانب من الديون المصرية على خلفية أزمة الديون الخارجية المصرية وقتها، حين اقتربت مصر من التعثر في السداد، وهي ترتيبات ارتبطت بدورها بالدور الذي لعبته مصر في حرب الخليج الثانية -الحرب على العراق تحت قيادة الولايات المتحدة.

بالرغم من اختلاف الكثير من المؤشرات بين مصر وسيرلانكا، إلا أن «أبرز الفوارق التي جنبت الديون المصرية مصير الديون السيريلانكية هو حجم المديونية قصيرة الأجل إلى إجمالي الدين الخارجي وإلى الاحتياطي النقدي الأجنبي»، حسبما يقول عادلي، مضيفًا أنه «كلما زاد الدين الخارجي قصير الأجل إلى الاحتياطي النقدي كلما كان ذلك يعني ببساطة تعريض الدول، التي تواجه مشاكل في توليد العملة الصعبة، لمخاطر التخلف عن الوفاء بالتزاماتها [الخارجية]».

سياسة مصر فيما يخص الديون قصيرة الأجل، من وجهة نظر عادلي، لا تنفي وجود خلل هيكلي في الدخل من العملة الأجنبية كانت السبب الدائم في اللجوء للمزيد من الاستدانة، ولكن كل ما حدث هو إعادة هيكلة للدين بحيث جرى تكييف الالتزامات بمهارة بما يتناسب مع الدخل الدولاري، بحيث تُظهر مؤشرات الدين وضعًا جيدًا يفيد قدرة البلد على خدمة الدين، ما يسمح باستمرار القدرة على الاقتراض.

هذا «التكييف» الذي  يشير إليه عادلي، قد يبدو واضحًا فيما أسمته الحكومة والبنك المركزي بـ«إطالة متوسط عمر الدين»، وهو ما يعني باختصار أن الالتزامات على المدى القصير تصبح أخف عبئًا عمومًا مقارنة بالموارد المتوفرة بالعملة الأجنبية. على سبيل المثال، وصلت آجال بعض شرائح طروحات للسندات المصرية إلى 40 عامًا، في عامي 2019 و2021. وسمح هذا التوجه لمصر بابقاء الدين الخارجي قصير الأجل عند مستوى مستقر ما بين نهاية 2019 و2021، بحيث لم تتجاوز الزيادة فيه مليار دولار تقريبًا، بينما تجاوزت الزيادة في الدين طويل الأجل 20 مليار دولار.

من وجهة نظر سلمى حسين، الباحثة في مكتب الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مؤسسة فريدريش إيبرت، تلعب الصورة التي يختلقها مستوى منخفض من الديون قصيرة الأجل للاحتياطي دورًا في تشجيع المستثمرين الأجانب في أدوات الدين المصرية التي تطرح محليًا، والتي لا يشملها الدين الخارجي، لكنها تشكل مع ذلك التزامات خارجية كونها التزامات يجب سدادها بالعملة الأجنبية مثلها مثل الديون الخارجية. «يمكن القول إنها عملية واعية تمامًا لتجميل صورة مؤشرات الدين الخارجي»، تقول حسين، مضيفة: «نظريًا يعد هذا النوع من الديون جزءًا من المديونية المحلية، لكن عمليًا هذه الديون تعد ديونًا خارجية متخفية في صورة دين محلي».

وتقول حسين إن الحكومة المصرية تنظر لهذا النوع من القروض باعتبارها «أداة سهلة للتمويل، لأن المعتاد أن الأجانب لا يتخارجون من هذا السوق بعد نهاية أجل الدين ويعيدون استثمار أموالهم في أذون خزانة جديدة» لكن «الأمر ليس بهذه البساطة»، لأن استثمارات الأجانب في هذا الدين الخارجي المتخفي هو قصير الأجل بالتعريف لأن أقصى أجل لهذه الأوراق المالية لا يزيد عن تسعة أشهر بحد أقصى. و«يمكنهم أن يقرروا التخارج من السوق بدلًا من إعادة استثماره لأي سبب، مثلما حدث بالفعل خلال الشهور القليلة الماضية».

وفضلًا عن ذلك، فسياسة إدارة الدين الخارجي على هذا النحو، بحيث تمتد آجاله قدر الإمكان، وبحيث تجري الاستدانة للحفاظ على الاحتياطي النقدي عند مستوى عالٍ نسبيًا، يسمح على الدوام بأن يبقى الدين الخارجي قصير الأجل منخفضًا كنسبة لهذا الاحتياطي، «هي سياسة ذات كلفة عالية في المقابل على مستوى الفوائد نفسها لأن الآجال الطويلة للديون تقابلها بطبيعة الحال فوائد مرتفعة»، كما يقول شريف عثمان.

بصورة عامة، يستند الخطاب الرسمي المصري الموجه للرأي العام فيما يتعلق بالدين الخارجي المصري وقدرته على الصمود أو «استدامته» -بعبارة أخرى- على معيار الدين الخارجي كنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي، كما يقول رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، مثلًا. وفي هذا السياق، يقارن هذا الخطاب بين هذه النسبة في مصر والعالم للوصول لاستخلاص مفاده أن هذه النسبة في مصر تعد في الحدود الآمنة. فتبعًا لتقرير الوضع الخارجي المصري، لم تتعدَ تلك النسبة بنهاية العام الماضي 33.2%، مقابل 51.8% كمتوسط في منطقة الكاريبي وأمريكا اللاتينية و42.4% كمتوسط في الشرق الأوسط ومنطقة وسط آسيا. 

«لكن في واقع الأمر لابد من الاعتراف أن هذا المعيار يعد أضعف معيار في تقييم قوة الدين الخارجي من عدمه»، يقول المسؤول السابق في البنك المركزي، «الناتج المحلي الإجمالي يعبر عن حجم الإنتاج في الدولة في لحظة ما مقومًا بالعملة المحلية، ولا يعني ذلك بحال من الأحوال توفر العملة الأجنبية بما يكفي لسداد المديونية الخارجية»، مضيفًا: «قد نجد مثلًا أن الدين الخارجي في بعض الدول المتقدمة مرتفع للغاية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، لكن لا يجب أبدًا أن تطرح دولة من تلك كنموذج للمقارنة لأن تلك الدول هي دول مصدرة لعملات دولية يمكن أن تكون عملة لسداد الالتزامات الدولية، ومثال على ذلك اليابان مثلًا التي يبلغ دينها الخارجي إلى الناتج المحلي مستوى مرتفع للغاية، لكن يمكنها طباعة الين واستخدامه في السداد، وهو ما لا يمكن مقارنته بمصر طبعًا».

وفضلًا عن ذلك، «فالناتج المحلي الإجمالي يمثل حجم الاقتصاد في لحظة ما، بما لا يحمل مؤشرًا يذكر حول علاقة ذلك بمجمل الدين الخارجي الذي قد تستحق أقساطه مثلًا في لحظة زمنية مختلفة»، كما يضيف المسؤول السابق في البنك المركزي. 

شيرين الشواربي، أستاذة الاقتصاد في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة، ترى أن مقارنة مصر بالعالم على مستوى الدين الخارجي إلى الناتج المحلي لا تعني الكثير على مستوى استدامة الدين الخارجي، مضيفة: «يمكن استخدام مؤشر أكثر دقة، وهو: هل تميل نسبة الدين الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى التراجع بشكل متصل من عدمه».

ولم يسجل الدين الخارجي إلى الناتج المحلي في مصر تراجعًا لسنتين متواصلتين منذ العام 2017 وحتى الآن، وواصل تذبذبه على نحو لم يقل فيه أبدًا منذ ذلك الحين عن مستوى 30%. 

وفي المقابل، تضيف الشواربي بعدًا آخر لمخاطر الدين الخارجي، «فبغض النظر عن آجال الدين، يعد الاعتماد على الودائع أمرًا خطرًا بعض الشيء، لأن الودائع ليست قروضًا بالمعنى المتعارف عليه، بل يمكن سحبها في أي وقت ولو نظريًا، ما يسمح للبعد السياسي بالتأثير على استدامة الدين الخارجي».

بالرغم مما يمثله الارتفاع الكبير في الدين قصير الأجل إلى الاحتياطي النقدي الأجنبي في مصر من مخاطر، وهو ما يسهل الربط بينه طبعًا وبين الأزمات التي واجهتها مصر على خلفية أوضاع أسواق الدين عمومًا على مستوى ارتفاع الفائدة وهروب الأموال الساخنة، «إلا أن مؤشرات الديون قصيرة الأجل تبقى بعيدة طبعًا عن الحالة في سيريلانكا»، كما يشير عادلي.

يعني ذلك أن الفارق الأكبر بين البلدين في هذا السياق، يبقى في «لعبة الديون»، إذا جاز التعبير، وكيفية تأجيل أزماتها قدر الإمكان، وهي إمكانيات تتقاطع مع العلاقات السياسية بالطبع. فحين تبخرت تلك الإمكانيات في حالة سيريلانكا كانت النتيجة لا مجرد أزمة مالية طاحنة، وإنما انتفاضة انتهت بالثوار في مسبح الرئيس.

مدى مصر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.