الاثنين، 19 سبتمبر 2022

قصة طاغوتية استبدادية فى مصر اغرب من الخيال..

رابط التقرير

قصة طاغوتية استبدادية فى مصر اغرب من الخيال..

نص تقرير ''منصة اللاجئين في مصر'' الصادر اليوم الاثنين 19 سبتمبر 2022

عفو رئاسي من السيسى بعد توسط أمير قطر عن لاجئ سياسي تشادي فى مصر … اعتقل سرا وحُبس وأُخفى قسريا وحوكم أمام محكمة جنايات أمن الدولة بمصر بدون ان يعرف احد فى مصر اى شئ


قرر رئيس الجمهورية بالعفو الرئاسي عن بعض المحكوم عليهم، قرار رقم ٤١٥ لسنة ٢٠٢٢ الصادر في ١٢ سبتمبر الماضي، من بين المعفو عنهم السياسي البارز واللاجئ في مصر “توم ارديمي”، في القضية ١٠٠٤ لسنة ٢٠٢٠ حصر أمن دولة عليا. كان قد صدر الحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات من محكمة أمن الدولة في ١٠ سبتمبر ٢٠٢٢.

وثقت “منصة اللاجئين في مصر” الانتهاكات لشروط المحاكمة العادلة التي تمت بحق السيد ارديمي وا ختفائه قسريا بعد تلقيها شكوى من العائلة في أكتوبر٢٠٢٠، بصفته ملتمس لجوء في مصر. ثم وصول أخبار حول التحقيق معه أمام نيابة أمن الدولة العليا باتهامات لم تكن تعلمها الأسرة. كما شاركت المنصة مع عائلته في حث المنظمات والمجموعات للضغط علي الحكومة المصرية للإفراج عنه نظرا لعدم وجود أدلة ضده وبطلان إجراءات اعتقاله لمخالفتها لقانون الإجراءات الجنائية المصرية.

من هو توم ارديمي؟ 

توم ارديمي، ٦٧ عامًا، تشادي الجنسية وعالم جيوفيزيائي ومدير تنفيذي تشادي كبير سابق، شغل عدة مناصب في الإدارة العامة التشادية، وكان عميد كلية العلوم الدقيقة والتطبيقية، ورئيس جامعة تشاد، وممثل تشاد في اتحاد النفط في هيوستن (الولايات المتحدة الأمريكية) ومنسق الاتحاد بوحدة التنسيق والمراقبة في مشروع دوبا النفطي. 

كان توم ارديمي مديرًا لمجلس وزراء الرئيس السابق ديبي في عام ١٩٩١، ومسؤولًا عن مجموعة من الأنشطة المتعلقة بالنفط في الدولة الواقعة في وسط إفريقيا. ثم تمرد هو وشقيقه عام ٢٠٠٥ على الحاكم الراحل، وشنوا عدة هجمات بهدف الإطاحة بالحكومة، وحُكم عليهما بالإعدام غيابيا أثناء وجودهما في الخارج.

غادر توم تشاد بسبب معارضته للنظام وعاش في الولايات المتحدة متنقلا منها كثيرا إلى إفريقيا لا سيما مصر، حيث يعيش جزء من عائلته فيها، ثم في نوفمبر ٢٠١٤ قرر الانتقال بشكل دائم إلى مصر ليكون قريبا من عائلته وأقاربه، -بحسب عائلته و ما تشير إليه الوثائق الرسمية-. 

بعد وصوله إلى مصر، حرص “توم” على التسجيل لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين حيث تقدم بطلب التماس لجوء لدى مكتبها في القاهرة في أبريل  ٢٠١٥ – بحسب صورة ضوئية من وثيقة التماس اللجوء الخاصة به، اطلعت عليها منصة اللاجئين في مصر.

حصل توم ارديمي على بطاقة طالب لجوء في مصر في ديسمبر ٢٠١٩، ما يعني أنه مسجل لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤن اللاجئين، والتي من المفترض أن تحمي الفارين من بلادهم خوفا من الأنظمة الاستبدادية. تقر المادة (91) من الدستور المصري بالحق في اللجوء “السياسي لكل أجنبي اضطهد بسبب الدفاع عن مصالح الشعوب أو حقوق الإنسان أو السلام أو العدالة”، ووفقا لـ”اتفاقية 1951 الخاصة باللاجئين وبروتوكول 1967 المكمل لها”، اللذين وقّعت عليهما مصر، فإن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والحكومة المصرية ملتزمتان بحماية “توم ارديمي” لكن ما حدث كان عكس ذلك.

كيف اختفى توم؟

بحسب ما أبلغتنا به عائلة توم ارديمي: كانت أخر مكالمة تلقتها عائلة السيد “توم”  في ٢٥ سبتمبر ٢٠٢١، ثم في الأول من أكتوبر ٢٠٢٠ اتصل به أحد أصدقائه كان لديهم موعد في اليوم التالي ولكن لم يقم “توم”  بالرد عليه ولم يتصل لاحقا على غير عادته، عندما لم يسمع منه صديقه حتى مساء يومها، اتصل هاتفيا بمسؤول العقار الذي كان يسكن فيه توم ليسأله عن حاله، أخبره مسؤول العقار أنه بالخارج وعندما يعود سوف يتحقق من الأمر.

في اليوم التالي: الجمعة ٢ أكتوبر ٢٠٢٠، توجه صديق توم بنفسه إلى الشقة التي يقيم بها توم في منطقة أرض اللواء بمحافظة الجيزة برفقة مدير العقار وبعد التحقق تبين أن صوت رنين الهاتف يخرج من الشقة ولكن بدون اجابة على طرقات ورنين الباب.

نظرا لوجود الهاتف ورنينه داخل الشقة، ظنوا أنه ربما قد يكون أصابه سوء وقاموا بفتح الباب والدخول، بعد دخولهم وجدوا كل شيء كما هو وهاتفه المحمول مازال موجودا بالمنزل ولكنهم لم يعثروا عليه. ثم في يوم الأحد تلقى صديقه مكالمة هاتفية من “توم” من رقم مختلف غير رقمه أخبره فيها أنه محتجز لدى المخابرات المصرية في فيلا وأنه يعامل بشكل جيد، ثم في السادس من أكتوبر ٢٠٢٠ توجه صديقه إلى مقر الصليب الأحمر في القاهرة لابلاغهم باعتقال توم ووضعه الحالي.

ثم في ٧ أكتوبر تلقى صديق “توم” -والذي فضل عدم ذكر اسمه- مكالمة هاتفية منه يخبره فيها بأنه بخير ووعده بالاتصال به مرة أخرى، ثم في ٢ نوفمبر ٢٠٢٠ كان الاتصال الأخير الذي تلقاه صديق ” توم” وكان ملخص المكالمة أنه يطلب منه أن لا يتم إعلان خبر اعتقاله في مصر وأن على صديقه أن يقوم بإخبار عائلته أنه لم يرتكب أية جريمة، كما أوضح لصديقه خلال هذه المكالمة أن المخابرات المصرية تحتجزه في محاولة منهم للاطمئنان حول أمر هو لا يعلم عنه أي شيء وأنه سوف يكون حر قريبا، ثم انقطع الاتصال معه. 

انقطعت الأخبار عن “توم” ولم تستطع عائلته الحصول على أي معلومات حول وضعه وظروف احتجازه وسببه والإجراءات التي يتم اتخاذها بحقه لفترة طويلة من الوقت.

أخبرت العائلة في وقت لاحق وسائل الإعلام والمنظمات الدولية المعنية وجمعيات حقوق الإنسان أن “توم” كان يشعر بالخوف على حياته قبل اختفائه، وأنه كان يشعر بـ خضوعه للمراقبة، بينما تضاربت الأخبار خلال العام الماضي عن ترحيله إلى تشاد بطلب من الحكومة التشادية إلا أن العائلة أعلنت حينها أنه مازال محتجزا بمصر وأن لديهم الأدلة الدامغة على ذلك – والتي لم يعلنوا عنها حينها-.

أثناء ذلك لم تصرح الحكومة المصرية بأي معلومات حول وضع السيد توم منذ وقت القبض عليه وحتى إعلان قرار العفو الرئاسي عنه، فيما قالت إذاعة راديو فرنسا الدولي – أثناء لقاء مسجل مع الأسرة نشر في يوليو ٢٠٢١ – أن الإذاعة تواصلت مع السلطات المصرية دون تحديد الجهة التي تم التواصل معها، وجاء الرد أن ” توم أرديمي إرهابي خطير زعزع استقرار ليبيا لصالح قطر”، دون نفي او تأكيد اعتقاله من قبل السلطات المصرية.

بلاغات من العائلة ومطالبات بمعرفة مصيره!

“لم تعلن الأسرة أي معلومات حول اختفاء السيد توم منذ نهاية عام ٢٠٢٠، وظل الأمر أنه ربما تعرض لوعكة صحية أدت لانقطاعه عن التواصل، واستمر هذا الوضع حتى وفاة السيد إدريس ديبي في ١٩ أبريل ٢٠٢١، ولأن الجميع توقع رد فعل من السيد توم على الأقل، مع تغير الوضع السياسي في تشاد، اضطرت السلطات المصرية للتشاور مع الفريق العسكري الجديد الذي استولى على السلطة في تشاد. وهكذا، التقى وفد برئاسة الوزير عباس كامل ورئيس المخابرات المصرية مع رئيس CMT (المجلس الانتقالي العسكري) في نجامينا تشاد، في ١٩ يونيو ٢٠٢١. ناقشوا أثناء المقابلة، من بين أمور أخرى، قضية توم ارديمي، ثم تم إعلان اختفائه/اعتقاله في ٢٨ يوليو ٢٠٢١”، بحسب مصادر مطلعة على الوضع، تحدثت معها منصة اللاجئين في مصر خلال توثيق اختفاء السيد توم. 

وكانت عائلة توم ارديمي قد تقدمت ببلاغ للنائب العام المصري، طالبت فيه السلطات المصرية بالإفصاح عن مصير السيد “توم” ولكن دون رد من السلطات.

إلي جانب ذلك، نظمت أسرته وقفات احتجاجية على مدار العام الماضي، أمام السفارة المصرية في العاصمة التشادية نجامينا والتي فضتها السلطات بالقوة وتبعها وقفات احتجاجية أمام مؤسسات مصرية في العاصمة التشادية كان من بينها مكتب شركة مصر للطيران وشركة المقاولون العرب، و في العاصمة الكندية أوتاوا والعاصمة الفرنسية باريس نظمت العائلة والمناصرين وقفات احتجاجية للمطالبة بالافصاح عن مصير السيد توم، وكانت قد أعلنت العائلة سابقا توجهها إلى المحكمة الجنائية الدولية للإبلاغ عن قضيتهم.

قرب نهاية عام ٢٠٢١، أخبرنا أحد أفراد عائلة ارديمي، أن “المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في مصر لم تتابع هذه القضية أبدًا. لم يخالف توم إرديمي أي قانون مصري أو أجنبي. ذنبه الوحيد أنه عارض نظام الراحل ديبي. كان يعيش بسلام دون أي مشاكل حتى اعتقاله من قبل المصريين.”

محاكمة توم والإفراج عنه

أوائل ٢٠٢٢، علمت “منصة اللاجئين في مصر” من مصادر مطلعة على القضية أن “توم ارديمي” تم التحقيق معه من قبل نيابة أمن الدولة العليا في نوفمبر ٢٠٢٠ (بعد شهرين تقريبًا من اختفائه قسريًا)، وأنه كان متهما أمام محكمة جنايات أمن الدولة بـ “القيام بأعمال يفترض أن تضر بالعلاقات المصرية التشادية” و”القيام بعمليات ضد النظام الحاكم في تشاد”. وفي ديسمبر ٢٠٢١ تمت إحالة قضية “توم” إلى محكمة جنايات أمن الدولة وكان يحاكم توم وفق المادة 77 من قانون العقوبات، والعقوبات المحتملة المذكورة في المادة هي السجن لأجل غير مسمى، أو السجن لمدة 25 سنة، أو الإعدام.  

وفي غضون ذلك، كان توم محتجزا في سجن استقبال طره الواقع بمجمع سجون طره بعد أن ظل محتجزًا لمدة عام تقريبًا في مقر احتجاز سري تابع لأحد الأجهزة الأمنية.

بعد وفاة الرئيس التشادي “ادريس ديبي”، الذي تمرد ضده كل من “توم وتيمان ارديمي” وأصدر ضدهما حكما غيابيا بالإعدام، تمت دعوة المعارضة في داخل وخارج تشاد لحضور منتدى “الحوار الوطني”، بهدف تسليم السلطة إلى المدنيين بعد مرحلة انتقالية مدتها ١٨ شهرا قابلة للتجديد مرة واحدة، وإجراء حوار مصالحة وطنية، لتمهيد الطريق أمام “انتخابات حرة وديمقراطية”.

وفي بادرة تهدئة في نوفمبر ٢٠٢١، منح المجلس العسكري الحاكم في تشاد “عفواً عاماً” للمتمردين، مؤكداً أنه يريد “إزالة الآثار الموروثة من الفترات المظلمة لبلدنا”.

تمت دعوة تيمان ارديمي، شقيق “توم”، للمشاركة بالحوار الوطني في تشاد. وكان الإفراج عن توم ارديمي أحد شروط انضمام “اتحاد قوى المقاومة” إلى الحوار الوطني الشامل الذي يُعقد حاليا في نجامينا بين ممثلي المجتمع التشادي بناء على وعد من الرئيس الانتقالي الحالي محمد إدريس ديبي إيتنو الذي تولى السلطة في أبريل ٢٠٢١ بعد وفاة والده إدريس ديبي على الجبهة.

قالت عدة مصادر أن السلطات التشادية تدخلت لإطلاق سراح توم إرديمي، وأن قطر توسطت لإتمام ذلك، على الرغم من أن قطر لم تكشف عن أيّ دور لها، إلا أن السلطات التشادية ألمحت إلى دورها في تسهيل إطلاق سراح توم من خلال اتصالات أجرتها مع الحكومة المصرية. وأكد اتحاد قوى المقاومة (UFR) التشادي إن قرار العفو عن “توم” صدر “نتيجة للضغط التشادي على حكومة القاهرة”.

بشكل غير متوقع، تم الحكم على توم ارديمي بالسجن ثلاث سنوات من محكمة أمن الدولة في ١٠ سبتمبر ٢٠٢٢، ثم بعد يومين فقط، صدر قرار العفو الرئاسي عنه. أُطلق سراح توم ارديمي يوم الثلاثاء الماضي وعاد إلى بلاده يوم الجمعة للانضمام إلى محادثات بشأن المستقبل السياسي لتشاد بعد أن أمضى قرابة عامين في السجن في مصر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.