غضب مكتوم على أبواب اللجان: انتهاكات جسدية لطلاب الثانوية
تتسبب إجراءات التفتيش الذاتي المتكررة والمهينة لطلاب الثانوية العامة في مصر في غضب واستياء كبيرين
غضب مكتوم واستنكار شديد تعيشه مي وليد – الطالبة بالصف الثالث الثانوي- بعد تعرضها للتفتيش الذاتي أكثر من أربع مرات خلال أدائها اختبار اللغة العربية يوم السبت 22 يونيو. إذ أنهت الفتاة التي لم تبلغ عامها العشرين الاختبار، وعادت إلى منزلها تروي لوالدها ما تعرضت له من تفتيش – وصفته بالمهين- سواء قبل الدخول إلى اللجنة أو أثناء الاختبار، ليسألها والدها بغضب عن عدم تقديمها شكوى أو تحرير محضر ضد ما تعرضت له من انتهاكات.
تقول “وليد” لزاوية ثالثة: “أنا منتقبة، أعلم جيدًا أن رفع النقاب والكشف عن ملامح الوجه إجراء روتيني متبع، وعندما طُلب مني رفع النقاب على باب المدرسة استجبت للطب دون غضب أو توتر لأنني أعلم أهمية هذا الإجراء في التأكد من حقيقة هوية الطالبات”.
تضيف:”ما أزعجني استمرار التفتيش الذاتي الذي تكرر لأكثر من أربعة مرات سواء قبل الاختبار أو خلاله لمجرد فقط أن مراقب اللجنة شك في حملي سماعة أذن، ورغم تعرضي للتفتيش الذاتي أو الإلكتروني ولم يعثروا على شيء، ظل التفتيش مستمرًا بطريقة مهينة حتى الدقائق العشر الأخيرة من الوقت المحدد للاختبار”.
حالات مشابهة وغضب على صفحة الوزارة
انطلقت امتحانات الثانوية العامة للعام الدراسي الجاري 2024 في يوم 10 يونيو الجارى، إذ يؤدى الامتحانات قرابة 745 ألف طالب وطالبة موزعين على 1981 لجنة سير بمختلف المحافظات.
لم تكن مي وليد وحدها التي تعرضت للتفتيش الذاتي سواء على أبواب اللجان أو في داخل اللجنة، فقد رصدت زاوية ثالثة تعليقات غاضبة من طلاب وطالبات الثانوية العامة على صفحة وزارة التربية والتعليم عقب أداء اختبار اللغة العربية، وتعددت أسباب الغضب ما بين انقطاع الكهرباء أثناء أداء الامتحان وعدم وجود مراوح أو مكيف للهواء وسط أجواء حارة؛ ما ضاعف من الأجواء الضاغطة على الطلاب. كان من بين التعليقات الغاضبة أيضًا شكاوى الطالبات اللاتي تعرضن للتفتيش الذاتي خلال أداء اختبار اللغة العربية.
وخلال العامين الأخيرين، تكررت شكاوى الطلاب والطالبات من عملية التفتيش الذاتي التي تسبق دخول الطلاب والطالبات اللجان، عبرت الطالبات عن ذلك في تعليقاتهن على تدوينات وزارة التعليم الخاصة بمتابعة سير اختبارات الثانوية العامة.
تروي ريهام عبد الحليم في حديثها معنا تفاصيل ما تعرضت له خلال اختبار إحدى مواد الثانوية العامة العام الماضي، تقول: “أثناء اختبار مادة الكيمياء العام الماضي، أصر مشرف اللجنة تفتيش ذراعي بعد أن شك في وجود سماعات بسبب وضع يدي على أذني”.
تضيف: “حرك المشرف قلمه بشكل حاد وموتر على أجزاء من ذراعي، للتأكد من عدم وجود سماعات أو وسيلة للغش، الأمر الذي تسبب في توتري بشكل كبير وفقداني للتركيز؛ ما نتج عنه عدم تذكري لإجابات الأسئلة. أصبت بحالة نفسية سيئة أثرّت على باقي المواد، ونتج عن ذلك رسوبي وإعادة السنة الدراسية من جديد”.
لم تنس “عبد الحليم” التي تؤدي اختبارات الثانوية العامة للعام الثاني على التوالي، ما تعرضت له من انتهاكات العام الماضي. تفيد بأنها مازالت تتعرض للتفتيش الذاتي؛ ما يزيد من شعورها بالتوتر والغضب، لكنها في المقابل لا تملك رفاهية الرفض، على حد وصفها.
رغم تكرار شكاوى التفتيش الذاتي التي يتعرض لها الطلاب والطالبات – حتى كتابة هذا التقرير- لم تتخذ وزارة التربية والتعليم أية خطوات للحد من هذا الإجراء. وكان وزير التربية والتعليم، رضا حجازي، قد كشف عن آليات تفتيش دخول الطلاب قبيل بدء اختبارات الثانوية العامة، مؤكدًا على أن التفتيش سيكون باستخدام العصا الإلكترونية مع التنبيه بعدم التفتيش مرة أخرى أثناء انعقاد اللجان، لكن يجري السماح بالمرور بالعصا الإلكترونية بين الصفوف للكشف عن أي أجهزة إلكترونيّة.
على أبواب اللجان
تعليقًا على تلك الإجراءات، تصف عزيزة الطويل – المحامية بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية- ما يتعرض له الطلاب والطالبات من تفتيش ذاتي على أبواب اللجان بـكونه “هتك عرض” يستوجب محاسبة مرتكبيه وفقًا لنص القانون، كما أنه يستوجب على وزارة التربية والتعليم إجراء تحقيق حول الأمر دون تأخير أو مواربة.
تشير إلى أنها أطلعت على شكاوى من طلاب وطالبات يتعرضون للتفتيش الذاتي أثناء دخول اللجان أو خلال أداء الاختبارات بطريقة “مهينة”، موضحة أن هناك شكاوى من بعض الطلاب بأن التفتيش يصل إلى أماكن حساسة في الجسد سواء للإناث أو الذكور وهذه الشكوى تكررت على مدار عامين، وهذا هو العام الثالث لها.
تضيف المحامية بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية أن طلاب الثانوية العامة قدموا شكواهم من نفس المشكلة العام الماضي، دون أي اهتمام أو تحرك رسمي من الوزارة، التي وفقًا لـ “الطويل” كان يتعين عليها الإعلان بشكل عاجل عن تحقيق لإثبات صحة الوقائع والوقوف على حقيقة الأمر ومحاسبة المسؤول عن هذه الممارسات.
وتؤكد “الطويل” أن ما يتعرض له الطلاب من تفتيش ذاتي مهين على أبواب اللجان يعتبر جريمة هتك عرض وفقًا لنص المادتين 268 و269 من قانون العقوبات المصري. مشيرة إلى أن المشرّع المصري غلظ من مرتكبي هذه الممارسات والجرائم إذا كان صاحب سلطة (في هذه الحالة يكون المراقب/المشرف أو المدرس أو ناظر المدرسة) الذي يقوم بملامسة أجساد الطلاب والطالبات بذريعة التفتيش لمنع الغش. وتصل عقوبة مرتكب هذه الجريمة إلى السجن مدة سبع سنوات مشددة.
تنص المادة 268 من قانون العقوبات المصري على أنه:”كل من هتك عرض إنسان بالقوة أو بالتهديد أو شرع في ذلك يعاقب بالأشغال الشاقة من ثلاث إلى سبع سنوات. وإذا كان عمر من وقعت عليه الجريمة المذكورة لم يبلغ 16 سنة كاملة أو كان مرتكبها ممن نص عنهم في الفقرة الثانية من المادة 267 يجوز إبلاغ مدة العقوبة إلى أقصى الحد المقرر الأشغال المؤقتة”.
كما تنص المادة 269 في قانون العقوبات المصري بأنه “كل من هتك عرض صبى أو صبية لم يبلغ سن كل منهما 18 سنة كاملة بغير قوة أو تهديد يعاقب بالحبس، وإذا كان سنه لم يبلغ سبع سنوات كاملة أو كان من وقعت منه الجريمة ممن نص عليهم في الفقرة الثانية من المادة 267 تكون العقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة”. فيما تنص الفقرة الثانية من المادة 267 على أنه إذا كان الفاعل من أصول المجني عليها أو من المتولين تربيتها أو ملاحظتها أو ممن لهم سلطة عليها أو كان خادما بالأجرة عندها أو عند من تقدم ذكرهم يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة.
وكانت مبادرة (speak up) – مبادرة نسوية غير حكومية-، قد دعت طالبات الثانوية العامة خلال اختبارات العام الماضي 2023، إلى ضرورة الإبلاغ عن وقائع التفتيش الذاتي التي يتعرضن لها قبل دخولهن اللجان. وحثوا الفتيات اللاتي تعرضن للتفتيش الذاتي على إبلاغ رئيس اللجنة أو مدير المدرسة؛ وفي حال عدم اتخاذ إجراء إرسال شكوى لوزارة التربية والتعليم وإلى مجلس الوزراء.
صدمات نفسية بدلًا عن المساعدة
من جانبها، ترى ألفت علام – استشاري الطب النفسي- أن تعرض الطلاب والطلبات للتفتيش الذاتي قبل وأثناء الامتحان يزيد من شعورهم بالقلق والتوتر، بخاصة أن أجواء اختبارات الثانوية العامة المعروفة شعبيًا بوصفها (عام تحديد المصير) في مصر ضاغطة بما يكفي.
تؤكد في حديثها مع زاوية ثالثة أن وزارة التربية والتعليم كان يتعين عليها مساعدة الطلاب بدلًا عن زياد الضغط عليهم، من خلال توفير بيئة هادئة تساعد على التركيز، بدلًا عن الأجواء الضاغطة الناتجة عن اختراق المساحة الخاصة وانتهاك أجساد الطلاب/ الطالبات.
وتوضح استشاري الطب النفسي أن تفتيش الطالبات والطلاب ذاتيًا له أثارا سلبيًا سيئة سواء أثناء الاختبارات من توتر وقلق وضعف في التركيز والشعور بالإهانة، كما له أثارا سلبيًا على المدى الطويل لكلا الجنسين الذين يعاملون كما لو كانوا مجرمين شديدي الخطورة. مؤكدة أن التفتيش الذاتي ليس الطريقة الوحيدة والمجدية للكشف عن حالات الغش؛ لكنه “يرسخ للإهانة وكسر الخصوصية لأجساد أولادنا، والتأثير الأكبر يقع على الفتيات اللاتي من الصعب أن يتناسين تعرضهن لهذا الفعل غير القانوني أو الإنساني على الإطلاق”، مطالبة الوزارة بضرورة اتخاذ إجراء حازم وسريع لوقف هذا الانتهاك، انصافا واحتراما لأجساد الطلاب والطالبات الذين تم العبث بهم وبأجسادهم.
في السياق نفسه، تقول الاستشاري النفسي هبة إبراهيم – أستاذ علم النفس الإكلينيكي في جامعة المنيا- إن القلق إذا تزايد عن الإنسان عند مرحلة معينة يفقده القدرة على التركيز ومن الممكن أن يصيب البعض بنوبة هلع التي فيها يشعل الإنسان بسرعة في دقات القلب ورعشة والخوف من الموت أو أعراض شبيهة لنوبة القلب.
وتؤكد أن هناك آثارًا نفسية قد تمتد مع الطلاب/ الطالبات مثل اضطرابات النوم وفقدان الشهية وكثرة البكاء، والخوف من التعامل مع آخرين، ووفق وصفها فإن الإساءة الجسدية تتسبب في إساءة نفسية، وما يحدث للطلاب والطالبات من تفتيشهم ذاتيًا يخلق لديهم شعورًا بالإهانة يوازيه شعور أخر بالخضوع والإجبار، لعدم قدرتهم على الرفض، خوفًا من منعهم من دخول اللجان وضياع مستقبلهم الدراسي.
وتشهد لجان اختبارات الثانوية العامة إجراء تفتيشًا ذاتيًا ودقيقًا للطلاب، للتأكد من عدم حيازة الهاتف المحمول أو أي وسيلة غش إلكترونية، في محاولة من وزارة التربية والتعليم لمجابهة استخدام وسائل التكنولوجيا؛ ومن بينها التليفون وسماعات الأذن في الغش وبخاصة مع انتشار تسريب الاختبارات الذي انتشر خلال الأعوام الأخيرة.
وفرض قانون مكافحة أعمال الإخلال بالاختبارات رقم 205 لسنة 2020، عقوبات مغلظة على جرائم الغش أو الشروع فيه باختبارات الثانوية العامة، عقوبات على كل من طبع أو نشر أو أذاع أو روج أو تداول اختبارات الثانوية العامة 2024 وأجوبتها أو ساعد في ذلك، بأي وسيلة كانت، بقصد الغش أو الإخلال بالنظام العام للاختبارات، بالحبس بمدة لا تقل عن سنتين ولا تزيد عن سبع سنوات، وبغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه ولا تزيد عن 200 ألف جنيه.
ويعاقب كل من ساعد على الشروع في ارتكاب أي فعل من نشر أو طبع أو أذاع أو روج لأسئلة اختبارات الدبلومات الفنية 2024 (الثانوية العامة الفنية)، بالحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه، ولا تزيد على 50 ألف جنيه. كما يعاقب القانون الطالب الذي يرتكب غشًا أو شروعًا فيه أو أي فعل من الأفعال المنصوص عليها سابقًا، بالحرمان من أداء اختبار الدور الذي يؤديه والدور الذي يليه من العام نفسه، ويعتبر راسبًا في كافة المواد الدراسية.
مبادرات شعبية لطلاب الثانوية بسبب قطع الكهرباء
تجرى اختبارات الثانوية العامة العام الجاري، وسط أجواء استثنائية شديدة الصعوبة بسبب تكرار انقطاع الكهرباء ضمن خطة تخفيف الأحمال التي أعلنت عنها حكومة القاهرة.
ودفع انقطاع الكهرباء المتكرر عن المنازل ما بين ثلاث إلى ست ساعات، عدة أماكن من بينها مؤسسة مرسال للأعمال الخيرية وكنائس ومساجد ونقابات وكافيهات، إلى فتح أبوابها أمام طلاب الثانوية العامة للاستذكار والدراسة حتى نهاية فترة الاختبارات التي تنتهي في 20 يوليو المقبل.
وقد شهدت عدة محافظات إطلاق مبادرات تعمل على توفير ملاذات آمنة لطلاب الثانوية العامة والدبلومات المهنية والفنية، خلال فترة انقطاع التيار الكهربى، مع توفير قاعات مكيفة ومجانية بالمكتبات العامة ومراكز الشباب والأندية وغيرها، لمساعدة الطلاب على المذاكرة والاستعداد للاختبارات، وحمايتهم من الأجواء شديدة الحرارة التى تشهدها البلاد حاليًا، إذ وصلت في بعض المحافظات إلى 50 درجة مئوية؛ ما تسبب في بعض الوفيات. كما أعلنت مكتبة الإسكندرية عن فتح أبوابها طوال أيام الأسبوع حتى العاشرة مساء، وتوفير أماكن للدراسة بالمجان، وأكد مدير مكتبة الإسكندرية، أحمد زايد، أن قاعات المكتبة تستوعب نحو ثلاثة آلاف و500 طالب/ طالبة، وأن دخول المكتبة يكون من خلال تسجيل رقم الجلوس المخصص للاختبارات. أيضًا- أعلن النادي اليوناني ومطرانية الأقباط الأرثوذكس (في كنائس كنيسة السيدة العذراء مريم بشارع محمد على، وأبى سيفين بحى الزهور، ومار جرجس ببورفؤاد) بـ محافظة بورسعيد (إحدى محافظات القناة)، عن فتح أبوابهما للطلاب مجانًا.
وطالب عدد من الصحفيين نقابة الصحفيين المصرية، بمد ساعات العمل بالنقابة التي تنتهي في حدود الساعة 12 صباحًا يوميًا، مع توفير أماكن لأبنائهم للمساهمة في تهيئة أوضاعهم للمذاكرة.
في المقابل، خرج رئيس وزراء القاهرة، مصطفى مدبولي، مؤكدًا أن الأزمة في طريقها للحل، مبينًا أن سبب الأزمة وزيادة ساعات قطع الكهرباء تمثلت في ارتفاع استهلاك الطاقة بشكل غير مسبوق، وتوقف إنتاج الغاز من أحد حقوله في دولة مجاورة لم يعلن عن اسمها.
زاوية ثالثة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.