ثمن الخطيئة
وهكذا دفعت مصر مع جنرالات العسكر الثمن غاليا على فرض السيسى وابنة محمود بعد ان جعلة عراب المخابرات دستور السيسى العسكرى عام 2019 على الشعب المصرى
جاءت وزارة الدفاع ضمن الحقائب الوزارية التي شملها التغيير الحكومي الواسع في مصر، باختيار الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي للفريق أول عبدالمجيد صقر خلفا للفريق أول محمد زكي. وأقال السيسي رئيس أركان القوات المسلحة، الفريق أسامة عسكر ليعين بدلا منه الفريق، أحمد خليفة، رئيسا جديدا لأركان للجيش.
والتغييرات التي أجراها السيسي في وزارة الدفاع المصرية أثارت تساؤلات بشأن دلالتها في مثل هذا التوقيت الذي يشهد تصاعد التوتر مع إسرائيل في ظل الحرب المستمرة في قطاع غزة على الحدود الشرقية لمصر.
تكهنات عن خلافات
أستاذ سياسات الشرق الأوسط في جامعة "سانت أندروز" البريطانية، ديفيد عماد، قال لموقع "الحرة" إن "قيادات الجيش والمجلس العسكري، وعلى رأسهم زكي وعسكر، ليسوا على وفاق مع القيادة السياسية للبلاد في مصر بقيادة السيسي حاليا وذلك بعد سلسة من الأحداث والمستجدات التي لم تشهدها مصر من قبل"، موضحا أن "هذا الأمر أصبح لا يخفى على أحد من المقربين من دوائر صناع القرار في مصر".
وأضاف أن "قيادات الجيش ترى أن القيادة السياسة الحالية قزمت دور مصر الإقليمي وحتى العسكري بشكل لم يسبق له مثيل، وذلك لعدة أسباب أبرزها المخاطر التي تواجهها مصر على حدودها وعدم اتخاذ قرارات حازمة للتدخل بشكل صحيح لحل تلك الأزمات".
وتحدث عن بداية تأزم الوضع داخل القوات المسلحة، قائلا إن "الاختلاف بين قيادات الجيش والنظام الحاكم بدأ منذ تنازل مصر عن تيران وصنافير لصالح السعودية، لكن ملامح هذه الأزمة لم تظهر على السطح بشكل واضح مثلما يحدث الآن، حيث روجت الإدارة السياسية لهذا القرار وقتها بأنه سيصب في صالح مصر وسيعزز موقفها الاقتصادي والسياسي فيما بعد، وهذا ما لم يحدث بالطبع خاصة بعد الخلاف الواضح بين الرياض والقاهرة حاليا".
أزمة أخرى تطرق إليها الخبير السياسي وهي "ملف سد النهضة مع إثيوبيا والتي فشلت فيه الحكومة المصرية، وهو ما يعتبره الجيش قضية أمن قومي"، موضحا أن "هذا الأمر فجر مشكلة أخرى لم تكن تظهر على السطح في السابق وهو تحجيم دور جهاز المخابرات المصري في مثل هذه القضايا الحساسة خاصة بعد تولي محمود السيسي، نجل الرئيس، زمام الأمور وإقصاء القيادات والخبرات الأعلى في الجهاز".
وما زاد من تعقيد الأوضاع بين الجيش والإدارة السياسية، بحسب ما يرى عماد، هو "الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة في مصر والتي دفعت النظام لاتخاذ قرارات أخرى تهدد الأمن القومي وتتعارض مع عقيدة الجيش وتوجهاته، وعلى رأسها صفقة بيع أراضي رأس الحكمة علي ساحل البحر المتوسط للإمارات، والتي يراها الكثيرون داخل الجيش تشكل خطرا على الساحل الشمالي لمصر وتمهد لدخول جنسيات أخرى هذه المنطقة وعلى رأسهم الإسرائيليين".
"فشل سياسي"
واتفق الأستاذ في قسم دراسات الحرب بكلية كينغز في لندن، يحيي أبو السعود، مع ما قاله عماد، وقال في حديثه لموقع "الحرة" إنه "بسبب استمرار تدهور الوضع الاقتصادي والضعف الحكومي والإداري في مصر تضغط حاليا السعودية لإتمام صفقة رأس جميلة بشرم الشيخ على البحر الأحمر في جنوب سيناء والتي تطل على جزيرتي تيران وصنافير التي تنازلت عنهما مصر للسعودية عام 2016 بمقتضى اتفاق أقره البرلمان أثار ردود فعل شعبية كبيرة. وتقع أيضا بالقرب أيضا من موقع سيقام فيه جسر عبر البحر الأحمر، وهي فكرة كشفها ملك السعودية، سلمان بن عبدالعزيز، خلال زيارة إلى القاهرة، عام 2016".
وفي غياب أي إعلان رسمي بشأن صفقة جديدة محتملة مع السعودية، ذكرت تقارير عدة نقلا عن مصادر أن السعودية تقترب من التوصل إلى صفقة بقيمة 15 مليار دولار مع الحكومة المصرية، لكن منصور عبد الغني، المتحدث باسم وزارة قطاع الأعمال، نفى خلال مداخلة هاتفية مع برنامج "الحكاية"، عبر قناة "أم بي سي" وجود أي جهة تتفاوض مع الوزارة من أجل الاستثمار في منطقة "رأس جميلة".
وتحدث أبو السعود عما وصفه بـ"الأزمة الكبرى التي تواجه مصر حاليا على حدودها الشرقية وهي حرب غزة"، قائلا إن "وصول القوات الإسرائيلية إلى محور فيلادلفيا وانتهاك الحدود المصرية أمام العالم واتفاقية كامب ديفيد، وقتل هذا الكم الهائل من الفلسطينيين على يد إسرائيل على الحدود المصرية بدون أي رد فعل قوي من النظام المصري الحالي أثار استياء وغضب العديد من قيادات الجيش وأفراده".
وأضاف أن "ظهور شخصية إبراهيم العرجاني على الساحة السياسية ومنحه صفة رسمية فيما يتعلق بما يحدث في سيناء وغزة كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة للعلاقة بين قيادات الجيش والمجلس العسكري والإدارة السياسية بقيادة السيسي".
وتابع "تصاعدت الأصوات المنتقدة لتأسيس (اتحاد القبائل العربية) في سيناء برئاسة العرجاني، وأعرب منتقدون داخل الجيش عن مخاوفهم من وجود كيان أقرب للميليشيا، يحظى بدعم أعلى هرم للسلطة في مصر".
وفي مطلع مايو الماضي، عُقد ما يعرف بـ"اتحاد القبائل العربية" في سيناء مؤتمره التأسيسي الأول. وأعلن حينها عن تولي السيسي رئاسته الشرفية. وأقيم المؤتمر في مدينة سكنية جديدة سميت "بمدينة السيسي" في رفح بشمال سيناء.
وأوضح أبو السعود أنه "منذ إطلاق هذا المؤتمر، لم تتوقف التساؤلات وكذلك الانتقادات داخل المؤسسة العسكرية، بشأن ماهية هذا الكيان، الذي يرأسه رجل ثار بشأنه جدل واسع، خاصة بعد اندلاع الحرب في غزة، ألا وهو إبراهيم العرجاني، الذي تعود أصوله إلى قبيلة الترابين البارزة في سيناء".
ويرى الخبير السياسي أن "اختيار العرجاني لهذا المنصب فتح بابًا واسعًا من التساؤلات، إذ يمتلك العرجاني شركة سياحة باتت متهمة بتقاضي مبالغ باهظة من سكان غزة، الراغبين في الفرار من أتون الحرب المشتعلة في القطاع، ليدخلوا إلى مصر من خلال معبر رفح البري، وهو المنفذ الحدودي الوحيد الذي يربط غزة بالعالم الخارجي، بعيدا عن سيطرة إسرائيل".
ونفت السلطات المصرية تلك الاتهامات. وقال ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، إن بعض وسائل الإعلام، تداولت "ادعاءات كاذبة تتعلق بما يتم تحصيله من رسوم على المسافرين عبر منفذ رفح، معتمدة على مصادر مجهولة".
ونفى رشوان ما وصفه بمزاعم التحصيل الرسمي لأي رسوم إضافية على القادمين من غزة، وكذلك "ادعاءات تقاضي أي جهة غير رسمية لأي مقابل مادي نظير العبور إلى الأراضي المصرية".
وتحدث أبو السعود عن "فشل النظام المصري في إدارة ملف حرب السودان وإدخال السودانيين بأعداد كبيرة، ومن ثم مساعي ترحيلهم سرًا، أثارت غضب وحفيظة قائدي الجيش الذين يرفضون هذا التخبط السياسي في قضية تمس الأمن القومي لمصر جنوبًا".
ويرجح الخبير السياسي أن "عدم قبول أحد من المجلس العسكري تولي وزارة الدفاع في الفترة الحالية، دفع السيسي للبحث خارج الموجودين بالخدمة، ووقع الاختيار على صقر، محافظ السويس السابق، كما كان لابد من إزاحة عسكر، خاصة في ظل ما يتردد عن خلافاته مع السيسي".
وقال إن "الاختيار المفاجئ لوزير الدفاع الجديد تخطى من خلاله السيسي الفريق عسكر، والذي يجعل منصبه ورتبته اختيارًا منطقيًا للمنصب بحكم أقدميته ضمن قادة القوات المسلحة الموجودين في الخدمة، لكن بإزاحته يصبح الاختيار في يد السيسي وحده".
الخطوة الأجرأ
وقال الخبير العسكري، اللواء أركان حرب كمال شرف الدين، لموقع "الحرة" إن "مصر تعاني اضطرابات متعددة على مختلف حدودها سواء غربًا في ليبيا أو جنوبًا في السودان أو شرقًا في غزة، ولذلك كان لابد من التعامل على مستوى الحدث وعدم الاعتماد على الاستقرار الداخلي بدون تحديث وتطوير خطط واستراتيجيات تأمين الحدود وتعزيز الأمن القومي".
وأضاف أن "هذه تعتبر الخطوة الأجرأ منذ أكثر ١٠ سنوات على مستوى وزارة الدفاع أن يأتي رئيس الجمهورية بشخصية خارج المجلس العسكري وخارج الخدمة على رأس القيادة العسكرية".
ووزير الدفاع الجديد كان يشغل منصب محافظ السويس (شمال شرق) منذ 2018، قبل ترقيته، الأربعاء، إلى رتبة فريق أول وتعيينه وزيرا للدفاع، وتدرج في مناصب عسكرية عديدة كان أبرزها مساعد وزير الدفاع في 2015، بحسب صحيفة الأهرام الحكومية.
وتابع الخبير العسكري أنه "لا تتوفر معلومة مؤكدة حتى الآن، لكن تشير بعض التكهنات إلى أن محمد زكي هو من طلب التنحي عن الوزارة لأسباب مرضية، وهو ما اتسق مع توجه القيادة السياسية في المرحلة الحالية بضرورة تغيير الوجوه والاستراتيجيات".
وقال إن "الدستور يكفل للرئيس الجمهورية حق اختيار وزير الدفاع بحرية وبدون وصاية، ومع ذلك استشار السيسي القيادات العسكرية متمثلا في المجلس الأعلى للقوات المسلحة قبل أن يختار صقر".
وأضاف أن "اختيار منصب بحجم وخطورة وزير الدفاع لا يتم بشكل عشوائي بل بعد دراسة دقيقة لخلفية الأسماء المرشحة ومدى قدرتها على القيادة العسكرية والسياسية في المرحلة الحالية"، متابعا أن "لكل مرحلة متغيرات خاصة بها تفرض نفسها على اختيار المرشح، وليس شرطا أن يقع الاختيار على الموجودين بالخدمة فقط أو من داخل المجلس العسكري، خاصة أن دور وزير الدفاع يعتبر سياسيا أكثر منه عسكريا، وذلك بخلاف منصب رئيس الأركان".
وأشار إلى أن "اختيار شخصية عسكرية متقاعدة سبق وحدث في مصر من قبل، وذلك عندما اختار الرئيس المصري السابق، محمد حسني مبارك، وزير الدفاع الأسبق الفريق صبري أبو طالب، في الفترة من عام 1989 إلى 1991، بعد أن كان محافظاً للقاهرة، خلفا للمشير محمد أبو غزالة".
وفيما يتعلق باختيار وزير الدفاع، نصت المادة 234 من الدستور المصري على "تعيين وزير الدفاع بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة". وذكرت المادة 201 أن "وزير الدفاع هو القائد العام للقوات المسلحة، ويُعيّن من بين ضباطها".
ويعد صقر ثالث وزير يتولى منصب وزير الدفاع، منذ تولي السيسي رئاسة الجمهورية في 2014، حيث سبقه الفريق أول صدقي صبحي، واستمر في المنصب 4 سنوات من مارس 2014 حتى يونيو 2018، وأعقبه الفريق أول محمد زكي، لمدة 6 سنوات من يونيو 2018 حتى يوليو 2024.
وجوه جديدة
ونفى اللواء أركان حرب والمستشار بأكاديمية ناصر العسكرية، سامح المنوفي، ما يتردد عن "وجود خلافات بين قيادات الجيش والسيسي أو ما يثار عن محاولات انقلاب على النظام الحالي"، قائلا إن "هدف الكثيرين سواء داخل مصر أو خارجها أن يروا سقوط الجيش والنظام لكن هذا لن يحدث".
وقال إن "زكي وعسكر وقبلهما وزير الدفاع الأسبق، صدقي صبحي، تجمعهم علاقات قوية وعميقة مع الرئيس السيسي لأنهم يعتبرونه هو من خلص مصر من الحكم الإرهابي للإخوان، ولذلك من المستحيل أن ينقلبوا عليه لأنه ببساطة ليس محمد مرسي".
وترأس زكي الحرس الجمهوري، بعد أشهر قليلة، من تولي الرئيس السابق محمد مرسي منصب رئيس الجمهورية، عام 2012، واستمر زكي في منصبه حتى عيّنه السيسي، في يونيو 2018، وزيرًا للدفاع خلفًا للفريق صدقي صبحي. وسبق أن شهد زكي أمام المحكمة بتحمل مرسي والنائب السابق لرئيس ديوان الجمهورية أسعد الشيخة، مسؤولية العنف الذي وقع أمام قصر الاتحادية الرئاسي، قبل أن يتولى مهمة اعتقالهم وآخرين، في الثالث من يوليو 2013.
وبالنسبة لعسكر، قال اللواء المنوفي إنه "ببساطة انتهت مدة ولاتيه التي يحددها القانون، وكان منطقيا اختيار وجوه جديدة لقيادة المرحلة القادمة".
وأضاف أنه "في أكتوبر 2021، عين السيسي عسكر رئيسًا لأركان حرب القوات المسلحة، وهو ثالث أكبر منصب في القوات المسلحة بعد رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة، ووزير الدفاع".
وتابع أن "الترقية الأخيرة لعسكر سبقها إصدار الرئيس، في يوليو من العام نفسه، تعديلًا تشريعيًا بقصر مدة بقاء رئيس الأركان وقادة الأفرع ومساعدو وزير الدفاع في مناصبهم على عامين بدلًا من أربع أعوام ما لم يقرر الرئيس مد خدمتهم بها".
ونفى الخبير العسكري ما يقال بشأن إن باختياره صقر، تخطي السيسي عسكر، قائلا إنه "ليس شرطا أن يتم تعيين وزير الدفاع بالأقدمية، كما أن رأي رئيس الأركان في اختيار وزير الدفاع يعتبر اختياريا وليس إجبارًا".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.