الخميس، 29 أغسطس 2024

لجان التحفظ على الأموال في مصر تدير الشركات المتحفظ عليها دون رقابة كافية، مما يؤدي إلى إغلاق العديد منها وتفاقم الفساد المالي والإداري

 

الرابط

موقع زاوية ثالثة

غياب الرقابة.. من يجرؤ على مساءلة لجان التحفّظ على الأموال؟

لجان التحفظ على الأموال في مصر تدير الشركات المتحفظ عليها دون رقابة كافية، مما يؤدي إلى إغلاق العديد منها وتفاقم الفساد المالي والإداري


“مش مهم بيعرف يدير ولا لأ.. المهم هيعرف يسيطر على الشركات والفلوس ولا لأ؟، احنا كان عندنا معدل نمو سنوي ممتاز، لكن منذ التحفظ على الشركات وحجم العمل تقلص، وفيه محاولات لإجبار بعض مديري الأقسام المهمين على الاستقالة، وكل اللي بحاول أعمله حاليا هو الحفاظ على الحد الأدنى من القدرات التشغيلية وخطوط الإنتاج لغاية ما نقدر نسترد أملاكنا”. (ع.ح)، رجل أعمال مصري

“الشركة خلال سنة واحدة من التحفظ كان مقراتها في القاهرة وإحدى المحافظات اتقفلت.. مازالت سارية على الورق، ولكنها في الواقع متوقفة النشاط، تم حبسي أولًا عام 2014 ثم تم مصادرة الشركة عام 2015، ولأن مافيش حد ينفع يكون في مجلس الإدارة مع لجنة التحفظ، تم تعيين موظفة من الشركة القابضة للسياحة مع آخرين لإدارة الشركة… بعد 3 سنوات خرجت من السجن، ولكن الشركة لا تزال تحت التحفظ، ورفضوا حتى إطلاعي على الوضع المالي للشركة، أو حتى كيف تم التصرف في أصول الشركة، وكيف تم التعامل مع محتويات المقرات اللي تم غلقها”. (أ.ا)، صاحب شركة سياحة مصري

من بين مئات الشركات التي أُعْلِن التحفظ عليها من الحكومة المصرية عقب الإطاحة بحكم الرئيس المعزول محمد مرسي في 30 يونيو 2013، في هذا التحقيق قصص شركات تنسج رواية واحدة.. نمطٌ متكرر لسوء الإدارة الذي يصر بعض أصحاب الشركات على وصفه بـ”الفساد المتعمد” الذي استمر لنحو 10 سنوات تحت ظل إدارة لجان التحفظ، قبل أن يقرر البرلمان المصري مطلع هذا العام إنشاء جهاز جديد يتبع وزارة المالية ليضم كافة لجان التحفظ السابقة والإدارات الشبيهة التي أُنْشِئَت منذ منتصف القرن الماضي وحتى الآن، ليحصل الجهاز الجديد على كافة الصلاحيات في “إدارة أو التصرف” في الأموال والأصول المستردة والمتحفظ عليها.

في هذا التحقيق نتتبع أداء لجان التحفظ السابقة في مصر والجهاز الجديد – المعلن عنه والخفي- لنضع يدنا على مدى حكامة القوانين والسلوكيات التي تحكمها جميعا، ونكشف عن ماهية عمل هذه الأجهزة والتدقيق في شبه الفساد في أدائها من عدمه.

السنواتُ العشر الماضية لم يُكشف فيها عن إجمالي الأصول التي تُحُفِّظ عليها، ولم يقدم فيها حساب إلى البرلمان أو أي جهة رقابية حول إجمالي تلك الأصول، أو الوضع المالي لتلك الشركات، حين صدر قرار التحفظ وحتى الآن،  ورغم تداول تقارير إخبارية عام 2018 لصحف مملوكة للشركة المتحدة – شركة تابعة لجهاز المخابرات المصرية – بأن إجمالي ما تم التحفظ عليه من أصول وأموال سائلة يبلغ 60 مليار جنيه، فيما نشرت تقارير إخبارية عام 2020 أخبارعن التحفظ على أموال عدد آخر من الشركات وأموال رجال الأعمال، ومن بينهم سمير تحسين عبدالحليم عفيفي، الذي قدرت ثروته منفردًا بنحو 3 مليارات جنيه، إلا أنه لا يوجد تقرير رسمي يوثق هذه الأرقام، أو يؤكد غيرها.

على مر عقود، شهدت مصر تأسيس عدة أجهزة ولجان مختصة بالتحفظ على الممتلكات وإدارتها، يُقال إنها جاءت في إطار تنفيذ سياسات الدولة وفقًا لما تطلبته الظروف في تلك الفترات. بدأ هذا المسار مع إنشاء صندوق الإصلاح الزراعي عام 1952، والذي أُعلن أنه يسعى لتحقيق توزيع أكثر إنصافًا للأراضي الزراعية بعد الثورة. وفي عام 1956، تم تأسيس الإدارة العامة للأموال المستردة ضمن الهيئة العامة للخدمات الحكومية، بزعم أنها مسؤولة عن إدارة الأصول المستردة من المتهمين في قضايا مالية.

وفي تطور لاحق، برزت الإدارة المركزية لموارد وتعويضات الإصلاح الزراعي في عام 1971، والتي يُقال إنها كانت تهدف إلى إدارة وتعويضات الأراضي المصادرة وفق قوانين الإصلاح الزراعي. ثم جاء جهاز تصفية الحراسات عام 1974، بزعم تصفية وإدارة الممتلكات التي وُضعت تحت الحراسة خلال الفترة التي تلت الثورة.

وفي الأعوام الأخيرة، تحديدًا في عام 2018، تأسست لجنة إجراءات التحفظ والإدارة والتصرف في أموال الجماعات الإرهابية، والتي يُفترض أنها جزء من جهود الدولة المعلنة لمكافحة الإرهاب وضبط مصادر تمويل الجماعات المتطرفة. وأخيرًا، في عام 2024، أُعْلِن عن جهاز إدارة والتصرف في الأموال المستردة والمتحفظ عليها، الذي يُقال إنه يسعى إلى توحيد وتنظيم جهود الدولة في إدارة الأصول المتحفظ عليها أو المستردة، بما يتماشى مع السياسات الحالية.

أجهزة حكومية ولجان قضائية متعاقبة أُنْشِئَت بقوانين رسمية منذ ثورة يوليو 1952 وحتى مطلع عام 2024، كان الهدف المشترك بين تلك الأجهزة هي التحفظ على أموال وممتلكات المعارضين للنُظم السياسية الحاكمة المتعاقبة خلال نحو 72 عامًا ومصادرتها، ورغم تحديث القوانين المتعلقة بعمل تلك الأجهزة، إلا أنه لأول مرة يقرر البرلمان المصري دمج كافة الأجهزة بجهاز واحد باسم “جهاز إدارة والتصرف في الأموال المستردة والمتحفظ عليها” ليسيطر على كافة الممتلكات والأصول التي صُودِرَت والتحفظ عليها خلال 72 عامًا.

شركات تحت التحفظ أغلقت أبوابها

(أ.تورز) شركة سياحة متخصصة في السياحة الدينية والمؤتمرات، بلغ حجم أعمال الشركة عام 2013 نحو 150 مليون جنيه، وكان معدل الأرباح السنوي يبلغ 12% بالمتوسط، وفقًا لـ (أ.ا) مدير الشركة وأحد الشركاء المؤسسين.

وقال: تم حبسي بنهاية عام 2014 بتهم سياسية، كانت الشركة تعمل بشكل جيد، كان لنا مقرين عمل بالقاهرة وإحدى المحافظات، وكان لدينا خطة للتوسع عام 2015 بالمجال، وبرامج سياحية جديدة وبأسعار منافسة للتغلب على حالة الركود في ذلك الوقت، ولكن بعد شهور من حبسي صدر قرار بالتحفظ على الشركة وأموال الشركاء.

وأضاف: كنت أنا الوحيد بين الشركاء الذي لديه خبرة في مجال السياحة، لذلك بعد التحفظ على الشركة اللجنة القضائية انتدبت موظفة من الشركة القابضة للسياحة لتكون مديرة تنفيذية.

خلال أول شهرين من إدارتها تسببت في تسرب أغلب طاقم العمل الرئيسي، وبدأت تقوم بتعيين بدائل أخرى، تواصل معي بعض الموظفين خلال فترة محاكمتي، وأطلعوني على عدة قرارات اتخذتها المديرة المنتدبة من اللجنة القضائية أثرت بشكل بالغ على جودة الخدمات المقدمة، ما أدى لهروب الكثير من عملاء الشركة الرئيسيين من شركات أو رجال أعمال إلى المنافسين، وقبل نهاية العام الأول من التحفظ بدأت الشركة في الانهيار، ولم تعد قادرة على سداد رواتب الموظفين.

خلال تلك الفترة بدأت أصول الشركة تتداعى، أبلغني آخر موظف من الموظفين الذين قمت بتعيينهم بأنه شهد عمليات بيع لبعض الأصول لتوفير سيولة نقدية للشركة، وذلك قبل أن يستقيل وينتقل إلى شركة أخرى لتنقطع أخبار الشركة عني بشكل كامل.

وأوضح: حين خرجت من السجن، ذهبت لأتفقد الشركة وجدت أن المقرين تم إغلاقهم، ولكن السجل التجاري ورخصة العمل مازالت سارية حتى الآن، بينما الشركة ليس لها أي نشاط حقيقي، وعرفت من بعض الأصدقاء بشركات سياحة أخرى أن حصة شركتي من تأشيرات الحج والعمرة تم بيعها بشكل داخلي بين الشركات تحت اسم (التضامن) أكثر من مرة خلال السنوات الماضية.

وأضاف: حاول المحامي الخاص بي أن يصل إلى أي تقارير من اللجنة القضائية حول وضع الشركة المالي، ونشاطها الراهن، ولكن لم يتم إطلاعنا على أي أوراق، ولا نعرف حقيقة وضع الشركة الآن.

لم تكن شركة (أ.تورز) هي الشركة الوحيدة التي أغلقت أبوابها عقب التحفظ عليها، إذ بتتبع قوائم الشركات التي خضعت للتحفظ، فإن عشرات الشركات أغلقت أبوابها بشكل كامل بعد التحفظ عليها، وانتداب لجان لإدارتها، كان العامل المشترك بينها هو عدم وجود مُلاكها الأساسيين في لجنة الإدارة المشكلة.

إذ تقوم اللجان القضائية بتشكيل لجنة تنفيذية لإدارة الشركات المتحفظ عليها، تتشكل تلك اللجان عادة من شخص خبير في مجال العمل يُرَشَّح من إحدى المؤسسات الحكومية العاملة بذات المجال، مع آخرين تابعين للبنك المركزي وشخصيات تمثل لجنة التحفظ، ويُسْمَح لرئيس مجلس إدارة الشركة أو أحد أعضاء المجلس بالمشاركة في تلك اللجنة، على أن تكون القرارات المالية والإدارية مشتركة بين المالك الأصلي وبين المدير التنفيذي الجديد الذي يُنْتَدَب.

إلا أن الشركات التي أغلقت بشكل كامل، رغم تعدد مجالات عملها كان العامل المشترك بينها عدم وجود مُلاكها الرئيسيين ضمن اللجنة التنفيذية المنتدبة للإدارة، إما بسبب القبض على كل الملاك، أو خوف الملاك من المشاركة في الإدارة وتفضيل السفر خارج البلاد تجنبًا لتصاعد الأمور والتعرض للسجن.

شركات تقاوم سوء الإدارة

“مصير الشركات كان متوقف على الأشخاص الذين تم انتدابهم للمشاركة في الإدارة كممثلين للجنة التحفظ، انا تم حبس بعض أفراد أسرتي بتهم سياسية، وتم وضع شركاتنا وممتلكاتنا كلها تحت التحفظ، ولكني قررت عدم الانسحاب، والمشاركة في إدارة الشركات كممثل للمالكين وكعضو أصيل بمجلس الإدارة لحين حصولنا على حكم قضائي برفع الحراسة عن شركاتنا”. هكذا سرد رجل الأعمال (ع.ح) تجربته مع لجان التحفظ على شركات أسرته والتي كانت تعمل في مجالات عدة، قبل أن يتقلص حجم نشاطها وتتوقف بعضها.

وقال: بعض المشروعات الصغيرة لم أنتبه لها، لأن تركيزي كان على الشركة الرئيسية التي يتركز فيها رأس مالنا الأساسي، لذلك بعض الشركات الفرعية توقفت بعد فترة من التحفظ عليها… في بداية التحفظ على الشركات كانوا متخيلين انهم داخلين مغارة على بابا، ولكنهم تفاجئوا بالوضع المالي للشركات، وأن أغلب رأس مالنا بضائع وأموال في السوق وأصول، لذلك كان هدفهم الرئيسي هو السيطرة على كل الأصول وكل السيولة المالية المتاحة، خاصة بالعملة الأجنبية، وهو ما سبب إشكاليات كبيرة بالبداية، وتوقفت بعض خطوط الإنتاج لأننا نعتمد على العملة الأجنبية للاستيراد، ولكنهم منعونا من التصرف في رصيدنا، لكني قررت المواجهة، وأوجدت بدائل وتمكنت من حل المشكلة نسبيا، لكن أكبر تحدي كان ممارساتهم الإدارية مع الموظفين ورؤساء الأقسام، استخدموا سياسية لمحاولة إجبارهم على الاستقالة، لتعيين بدلاء يكون ولائهم لأعضاء لجنة التحفظ، ونجحوا بشكل جزئي، لكني تمكنت من الحفاظ على الأشخاص الأساسيين الذين لا يمكن أن يستمر العمل بدونهم في ظل تلك الظروف.

وأضاف: أستطيع أن أقول بعد قرابة 10 سنوات من التحفظ، إننا حققنا معجزة  كون الشركات مستمرة حتى الآن، صحيح عدد الفروع أصبح أقل، وحجم الإنتاج أقل، بعد أن كنا نحقق نسب نمو سنوية أكثر من جيدة، أصبح الآن كل عام يحدث تراجع،  لكن مازلنا متواجدين في السوق، وقادرين على تحقيق أرباح رغم كل معوقات لجنة التحفظ.

وأوضح: لا أستطيع القول بأن لجنة التحفظ كانت متعمدة الإضرار بالشركات، لكنهم موظفون، وأهم هدف عندهم هو الوصول لكل قرش من ثروة الأسرة، وأكثر من مرة يتعمدوا تعطيل مسارات عمل للضغط علينا لإجبارنا على الكشف عن أي مخازن لم نفصح عنها أو أموال بالسوق نعمل على تحصيلها خارج الأوراق الرسمية، لكنهم أدركوا بالنهاية أن لدينا نظام إداري ومالي صارم، وكل الوارد والصادر يتم تدوينه بدقة، هذا الصراع أثر على الشركات بشكل كبير، ومازال مؤثر، لكني على يقين إذا تم رفع الشركات من قوائم التحفظ سنتمكن من توسيع مجال العمل مجددا والعودة لحصتنا السوقية الأساسية وأكثر، لكن المعوقات الإدارية أو سوء الإدارة سواء كان متعمدا أو غير متعمدا حاليا يمنع ذلك.

حصرنا 50 شركة خضعت للتحفظ بين أعوام 2015 و 2018، حرصنا خلال رصد الشركات أن تكون جميعها أُعْلِن عن التحفظ عليها من جانب اللجان القضائية، ونُشِر قرار التحفظ عليها عبر وسائل الإعلام المصرية، كما راعينا التنوع الجغرافي للشركات ليشمل 8 محافظات وهي (القاهرة – الجيزة – القليوبية – الإسكندرية – الدقهلية – الشرقية – المنوفية – الغربية).

بتحليل الشركات ال50 التي تحرينا حولها عبر الزيارات الميدانية أو التواصل الهاتفي ومتابعة نشاطها بالأسواق، تبين أن 29 شركة من أصل 50 أغلقت أبوابها خلال فترات زمنية تتراوح بين عام إلى عامين من إدراجها ضمن قوائم التحفظ وانتداب مديرين تنفيذيين لها من جانب اللجنة القضائية. بينما 21 شركة ما زالت تعمل حتى الآن، 14 منها تعمل بذات حجم الإنتاج والعمل، و7 شركات منها تعمل مع تخفيض حجم الإنتاج أو مقرات العمل.

وهو ما يعني أن 58% من الشركات التي رصدناها قد أغلقت أبوابها كليا، بينما 28٪ منها تعمل بشكل طبيعي، و14% تعمل ولكن مع تخفيض حجم الإنتاج والعمل.

لجان التحفظ خارج نطاق الرقابة

يقول ناصر أمين، الخبير القانوني والمحامي الجنائي الدولي، إن القانون حدد دور هذه اللجان بالحفاظ على الأموال المتحفظ عليها وحصرها، ثم إدارتها بالطريقة التي لا تضر بها، بل وتنميها ثم إعادتها بعد انتهاء التحقيقات أو قرارات المحاكم لأصحابها بغلتها، هذا هو الدور الكامل لما تُسمى بلجان التحفظ.

وأوضح “ناصر” أن القانون منح فقط رئيس اللجنة القضائية الاختصاص والحرية لتشكيل اللجان الخاصة لإدارة الشركات وفقا لكل حالة، لكن يجب أن يراعى فيها فقط – وفقا لمعايير موضوعية – جانب قانوني وجانب فني وجانب إداري، هذا ما تنص عليه اللوائح، ولكن واقعيا هناك حالة فوضى في تشكيل هذه اللجان، واقعيا هناك محسوبية ضخمة جدا في تشكيل هذه اللجان، وأحيانا تُمنح إدارة الشركات لأشخاص ليس لهم أي علاقة بإدارة هذه الأمور، مكاتب محامين لهم علاقة بالدولة يتولون إدارة هذه الأموال، أو يكونوا أعضاء في هذه اللجان، دون أن يكون لهم أي علاقة بالطبيعة التقنية للشركة المتحفظ عليها، وهذا مناخ خطر جدا.

وأضاف: وفقا لأحكام القانون، الجهة المنوط بنا التظلم إليها من تلك الممارسات هو اللجنة القضائية المعنية بالتحفظ على الأموال، لكن واقعيا لا ينظر إلى مثل هذه الشكاوى وغالبا؛ نظرا لأن معظم المتحفظ عليهم محبوسين هم أو ذويهم فالجميع يخشون بطش هذه اللجان التي تضع يدها على الأموال والتي تديرها بشكل كامل.

وأشار “ناصر” إلى أن اللجنة المنتدبة لإدارة الشركات المتحفظ عليها تقدم تقرير سنوي للجنة القضائية المسؤولة عن التحفظ على الأموال، يشمل التقرير الأموال التي تحصلت عليها والأرباح التي حققتها إن حققت أرباح، والتوقف عن النشاط إن حدث، ومن حق اللجنة أن تحقق في أسباب توقف النشاط، أو تشكل اللجنة مرة أخرى، لذا فإذا أردنا أن نشير بأصابع الاتهام إلى جهة عن مسؤولية توقف نشاط الشركات أو تردي أوضاعها، فالمسؤولية تقع على عاتق اللجنة القضائية المسؤولة عن التحفظ.

وأوضح “ناصر” أنه لا توجد أي رقابة مطلقا على أعمال هذه اللجان التي تتولى إدارة الشركات، بل على العكس هم يمثلون سلطة مطلقة على الشركات التي يتولون إدارة التحفظ عليها، ولا يوجد رقيب عليهم إلا اللجنة القضائية التي انتدبتهم، مما يؤدي إلى اتساع نطاق الفساد.

إجراءات استثنائية وتعجيزية

“أمتلك مختبرًا للتحاليل الطبية صدر قرار بالتحفظ عليه و3 أفرع له بذات المحافظة عام 2014، صباح يوم جاءت لجنة إلى المقر الرئيسي للمختبر بصحبة قوة أمنية وقاضي وأستاذ جامعي من كلية الطب ومحاسب من الإدارة الصحية بالمحافظة، وبعد ذلك تم إضافة كيميائية من إدارة العلاج الحر بوزارة الصحة، وأخبرونا بصدور قرار بالتحفظ على المختبر، وسيتم عرضه للبيع بالمزاد، وإذا أردنا أن نشتريه يمكننا ذلك!

زوجتي هي مديرة الموارد البشرية للمختبر، تواصلت مع عدة جهات للتعرف على القرار الرسمي، وأنه ليس من حقهم بيع المختبر طالما أن القرار هو التحفظ وليس المصادرة، فأخبرتها اللجنة بعد ذلك بأن إيرادات المختبر سيتم إيداعها في حساب بنكي جديد باسم مالك النشاط لحين صدور قرار نهائي بشأن المختبر، ولكن لحين ذلك سيتم تأجير المختبر ويمكننا أن نقوم باستئجاره منهم إذا أردنا، فأصبحنا ندفع لهم مبالغ شهرية كقيمة إيجار للمختبر الذي أمتلكه أنا بالأساس!

كان يتابع النشاط بعد ذلك محاسب تابع للإدارة الصحية بالمحافظة فقط، ويقوم باستلام الايجار بإيصال مبهم ليس به أي تفاصيل، ولا نعرف حقيقة وضع هذه الأموال، ولم يتم إطلاعي على بيانات الحساب البنكي الذي يتم إضافة تلك الأموال إليه!

بعدها بأشهر قليلة بدأت التعاقدات الحكومية مع المختبر يتم إلغاؤها، إذ كان لدينا تعاقد مع الجامعة، وكان لدينا تعاقد مع التأمين الصحي، كانت تمثل تلك التعاقدات أكثر من 60% من دخل المختبر، وحين تواصلنا مع بعض المعارف داخل تلك الجهات أخبرونا أن الأمن الوطني أبلغ تلك الجهات لإنهاء التعاقد معنا، وهو ما أثر بشكل بالغ على نشاط المختبر.

ورغم ذلك قررت أن أستمر في العمل والحفاظ على اسم المؤسسة، ولكنهم منعونا من تحديث أجهزة المختبر، رغم أن تحديث الأجهزة بشكل دوري كل 4 سنوات هو أحد أهم نقاط القوة التنافسية للمختبر، لذلك فإيرادات المختبر انخفضت بشكل كبير جدا، وأصبح الآن الدخل يكفي بالكاد رواتب الموظفين وقيمة الإيجار.

عام 2016 قررت اللجنة القضائية بشكل مفاجئ سحب المختبر مجددا وإسناد إدارته لكيميائية من إدارة العلاج الحر بوزارة الصحة، واستمر ذلك لمدة أسبوع واحد قبل أن يعرضوا علينا إعادة تأجيره لنا ولكن بقيمة مالية أكبر، واضطررنا لقبول ذلك لأن الأسبوع الذي أشرفت عليه تلك الكيميائية كادت أن تنهي عمل نصف فريق عمل المختبر، فضلا عن سوء الإدارة مع العملاء، لذلك قررت قبول اعادة استئجاره بقيمة مالية أعلى على أمل أن نحصل على حكم قضائي بإلغاء التحفظ واستعادة ممتلكاتي مجددًا“. د. أ.س – استشاري تحاليل طبية، ومالك سلسلة مختبرات للتحاليل بدلتا مصر

الجهاز الجديد.. صلاحيات أوسع بلا رقابة

ينص القانون رقم 6 لسنة 2024 على إنشاء “جهاز إدارة والتصرف في الأموال المستردة والمتحفظ عليها” ليحل محل كافة الأجهزة السابقة، وليتسلم كافة الممتلكات والأصول التي تديرها كل الأجهزة السابقة، كما سيتم نقل كافة الموظفين في الإدارات والأجهزة السابقة إلى الجهاز الجديد، ليصبح الجهاز الجديد صاحب أكبر صلاحيات من بين كافة الأجهزة السابقة.

يقول الخبير القانوني ناصر أمين، أنه في القانون الجديد شُكِّل كيان واحد موحد ليقوم بمقام كل الجهات السابقة المسؤولة عن عمليات التحفظ والأموال المصادرة معا، وسيكون الجهاز الجديد تابعًا لوزارة المالية، وسيتم إدراج هذه الأموال في خزينة الدولة.

وأوضح: الخطورة هو أنه تم إدماج الأموال والأصول المتحفظ عليها مع الأموال المصادرة أو المستردة، وهذا خطير لأنها صلاحيات أوسع بما فيها الإدارة الكاملة لكل تلك الأموال لصالح وزارة المالية، هذا الجهاز الجديد يجب أن توضع له جهات رقابية، وللأسف غير مذكور إخضاع هذه الجهاز إلى رقابة الجهاز المركزي للمحاسبات، وهو الجهاز الذي يمكن أن يمارس هذه الرقابة بشكل أكثر حرفية، لاحتواء الجهاز المركزي للمحاسبات على عناصر وكفاءات فنية متنوعة محاسبية ووثائق تقنية إلى آخره، وهو المكان الوحيد القادر على إنجاز هذه الرقابة الحقيقية، لكن القانون لم يوضح أو يحدد الجهة التي تمارس الرقابة.

اللجنة القضائية تمتنع عن الرد

خلال العمل على التحقيق، كان لدينا عديد الشهادات من أصحاب الشركات المتحفظ عليها حول سوء الإدارة من جانب اللجان المكلفة من اللجنة القضائية لإدارة الشركات، بينما أصر بعض مُلاك الشركات على وصف أسباب إغلاق شركاتهم بالفساد، فضلا عن المسح الذي قمنا به على 50 شركة تحت التحفظ، وهو ما دفعنا إلى التواصل مع رئيس لجنة إجراءات التحفظ والإدارة والتصرف في أموال الجماعات الإرهابية والإرهابيين، عبر خطاب لمطالبته بالرد على الوقائع التي رُصِدَت خلال التحقيق.

ركزنا في الأسئلة التي وُجِّهَت إلى رئيس اللجنة القضائية على التعرف على عدد الشركات تحت التحفظ التي تم وقف نشاطها، والإجراءات التي تتخذها اللجنة تجاه الشركات تحت التحفظ التي يتوقف نشاطها، وهل يجري تحقيق مع الأشخاص المنتدبين لإدارة تلك الشركات؟ وهل مارست اللجنة الرقابة على أداء الأشخاص المكلفين بإدارة الشركات المتحفظ عليها، ثم تم وقف نشاطها؟ والمعايير التي تحددها اللجنة لاختيار الموظفين الذين يُعَيَّنُون لإدارة الشركات المتحفظ عليها؟ ومستقبل الشركات تحت التحفظ والشركات التي تم وقف نشاطها خلال عملية نقل تبعية تلك الشركات إلى الجهاز الجديد.

أرسلنا برقية مسجلة، والتي سُلِّمَت إلى مقر اللجنة القضائية بتاريخ 21 يوليو 2024، في تمام الساعة: 03:01 PM، ولم نتلق حتى نشر هذا التحقيق في 28 أغسطس 2024، أي إجابة من رئيس اللجنة القضائية بصفته أو من ينوب عنه، بينما ستظل متابعة وقائع هذه القضية مستمرة، لرصد آلية تسليم الشركات تحت التحفظ إلى الجهاز الجديد، وسياسات العمل التي ستُفْرَض، وما إذا سيتم تفعيل آلية رقابية على الجهاز الجديد أم لا؟

أُنتج هذا التحقيق ضمن برنامج شبكات، المدعوم من دائرة العمل الخارجيّ الأوروبّيّة.

الرابط

https://zawia3.com/seizure-of-funds/

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.