الجمعة، 30 أغسطس 2024

''جلاد مصر''

 


''جلاد مصر''

أنزل بهذا الشعب كل هوان = و أعد عهود الرق للأذهان

و اقتل به ما استطعت كل كرامة = و افرض عليه شريعة القرصان

أطلق زبانية الجحيم عليه = من بوليسك الحربي و الأعوان

و اصنع به ما شئت غير محاسب = فالقيد لم يخلق لغير جبان

يا باعث الوادي أما من جنة = للمتقين بجانب النيران ؟

هدمت صرح فساده لكن على = حرية الأرواح و الأبدان !

ما بين محكمة تقام و أختها = مني الضمير بغفوة النعسان

الشعب يلعنها و تقرن باسمه = أرأيت كيف تبجح البهتان ؟

فيها القضاة هم الخصوم و إنها = لعدالة مختلة الميزان

هبني خدعت بكل ما زيفته = عن سادة الأحزاب و الإخوان

هل خان قائدنا نجيب عهدنا = أم راح نهب الحقدِ و الأضغان ؟

لم يرض بالحكم انفرادا غادرا = بعد العهود و بيعة الرضوان

أو كل شهم لا يطيق خداعكم = أضحى لديكم خائن الأوطان ؟

إن الشهيد قتيلكم و طريد كم = حر و ليس سجينكم بمدان

كفلوا لكل مواطن حرية = في الرأي إن أثنى على الطغيان

من ذا الذي يخشى الكلام و هاهموا = قد أطلقوا للزور كل لسان

هذي الصحافة حرة أقلامها = في جوف أربعة من الجدران

لم تخش بأس رقابة من بعد أن = ألقوا بها في ظلمة القضبان

أما الإذاعة فهي بوق دعاية = عادت بداء الوقر للآذان

ملئت بكل مخدر و مضلل = من مائع الأخبار و الألحان

زعموه عهد تقدم نحو العلا = جعل المواطن صاحب السلطان

فعجبت كيف يريد مجد بلاده = من راح يطبعها على الخذلان

جلبوا الشقاء لنا فأي نقيصة = لم تنتشر فينا بكل مكان

وصفوا الدواء لرشوة مذمومة = فإذا بها أنكى من السرطان

و تظاهروا بفناء محسوبية = و شيوعها ما احتاج للبرهان

و دعوه عهد تحرر من قيدنا = لبسوا مسوحا فيه للرهبان

فرأيت شعبا مستذلا صاغرا = نحو السجون يساق كالقطعان

يستعمل الأشرار في تعذيبه = ما فاق كل وسائل الشيطان

الرفق بالحيوان أصبح واجبا = أفلا ننال الرفق بالإنسان ؟!

قالوا: القضاء على الفوارق بيننا = و إزالة الألقاب مقترنان

أي الثمار أصاب بعد زوالها = من بات يجرع سابق الحرمان

قد أبدل الباشا القديم بسيد = و الشعب بينهما المريض العاني

كم جائع قد خاف جلادا له = فأسر بالشكوى إلى عريان

و معذب سمع الدجى أناته = متعللا بالصبر و الإيمان

ما رد جوعا أو كسا عُرْيَانَنا = تحديدهم ملكية الأطيان

المال قد أفنوه كي يتظاهروا = بتتابع التشييد و العمران

ماذا أفاد النيل من كورنيشه = إن كان يشكو ذلة و يعاني

إن السجين إذا ارتدى من سندس = في القيد لا يرتاح للسجان

شغل الكماه الغر كل وظيفة =وتسلموا في النيل كل عنان

وتربعوا في دست كل وزارة = لم يتركوا للكفء أي مكان

حتى كأن بمصر كل كفاءة = قصرت على أبطالها الفرسان

و أرى العدو ببابنا متربصا = و يكاد أن ينقض كالعقبان

كم شن عند حدودنا من غارة = قد قوبلت بالصفح و الغفران

و الجيش مشغول بإذلال الحمى = هل خوض معركتين بالإمكان ؟

يكفيه عرض الجند في حفلاته = و الكشف عمن فيه من شجعان

لن ندرك النصر المراد إذا التقى = بوما بإسرائيل في ميدان

أتريد من جيش هزيل قاده = غَرُ دفاعاً ساعة العدوان ؟

جلاد مصر ويا كبير بغاتها = مهلا فأيام الخلاص دواني

من أي غاب قد أتيت بشرعة = ما إن يساس بها سوى الحيوان

و بأي قانون حكمت فلم تدع = شيئا لطاغية مدى الأزمان

أبرأيكم ؟ و الله يشهد أنه = فيه الهوى و الغي يلتقيان

أم ذاك رأي الشعب و هو مكبل = فحياته و الموت يستويان

قد بات مثل الزوج مخدوعا متى = يعلم فبعد تحدث الجيران

لو كان عهدك قبل عهد محمد = للعنت يا فرعون في القرآن

في ظل فترة الانتقال بنا إلى = دار البقاء و رحمة الديان

هجرا لقضاء الحرِ مجلس دولةٍ = قد نام ملء العين و الأجفان

و أُضيع دستور البلاد و حقها = في برلمان ثابت الأركان

نيرون لو قيست بكم أفعاله = سيكون رب الخير و الإحسان

يا رب مغلوب ينام على الأذى = لكن بمقلة ساهر يقظان

لا يغرينكموا بضرب رقابنا = هذا السكون فإنه لأوان

و من العواصف ما يكون هبوبها = بعد الهدوء و راحة الربان

إن احتدام النار في جوف الثرى = أمر يثير حفيظة البركان

و تتابع القطرات ينزل بعده = سيل يليه تدفق الطوفان

كم من قوي ظالم قد ناله = من شعبه ما ليس في الحسبان

فتشت لم أر مستبدا ناجيا = دمع الضحايا فاحش الأثمان

عرف الشيشكلي قبلكم في سوريا = ماذا وراء الصمت و الإذعان

فاروق لم يكن الخيال يراه في = يوم الخروج يجر في الأحزان

ما كان فينا حالم بنزوله = عن عرشه في لحظة و ثوان

لكنه ظلم الطغاة شعوبها = جعل الحياة تدب في الجثمان.

هاشم الرفاعي

كتبها في مارس 1955 بعنوان

''جلاد الكنانة''

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.