بيان من تسع مؤسسات و700 شخصية مصرية
أوقفوا هدم جبانات القاهرة التاريخية… تراثنا ليس مجرد أحجار
تتعرض جبانات مصر التاريخية منذ أربع سنوات لموجات من التدمير الممنهج على مراحل متتالية. تتوقف تلك العمليات مؤقتًا مع تصاعد الرفض المجتمعي الذي يعبر عنه الفزع من مشاهد الجرافات وهي تزيل حجارة يعود عمرها لأكثر من ألف عام، وتدك عظام الموتى بقسوة وعنف غير مسبوقين، دون أي اعتبار للتاريخ أو الأعراف الإنسانية أو الديانات السماوية.
بات مشهد الجرافات التي تهاجم المواقع التراثية المقدسة لدى المصريين بكل أطيافهم وانتماءاتهم، وتنشر الدمار والخراب، يثير الحزن والأسى، وكأننا نشهد ساحة معركة.
إن المشاهد الصادمة التي وثقناها تُظهر قبابًا فريدة تتحطم في لحظات، وشواهد تحمل آيات قرآنية وأقوالًا وأشعارًا متناثرة وملقاة على الأرض، وسط أنقاض من الحجارة وجذوع الأشجار الممتدة على مدى البصر. تلك المدافن التي كانت بالأمس مثوىً أخيرًا لأجدادنا وأنيقة في هيئتها، ستظل عالقة في ذاكرة الأجيال القادمة كتذكار لعصرٍ دمر فيه البعض تراثًا حافظ عليه السكان الأصليون والغزاة على حدٍ سواء على مرّ القرون.
خلال السنوات الماضية، تعرضت عشرات المدافن ذات القيمة المعمارية والمعنوية للهدم، وهي جزء من نسيج متجانس حافظ على هويته المتفردة طوال القرنين الماضيين. وفي مواجهة ردود الفعل الغاضبة الرافضة لضياع هذا التراث المصري الأصيل، ودرءًا لمخاطر القضاء على حقب مهمة من تطور العمارة الجنائزية في مصر ومحو ذاكرة المكان وأعلامه المدفونين في ثرى جباناتها التاريخية، يتم الآن تنفيذ تراجع تكتيكي كما في المرات السابقة، مع الإعلان عن توقف الهدم مؤقتًا، دون تقديم أي تبرير لهذا الدمار الشامل، الذي طال أهم المدافن ذات القيمة الكبيرة، وخاصة تلك المدرجة على قائمة جهاز التنسيق الحضاري في العام الماضي. هذا يدفعنا للتساؤل عن الهدف الحقيقي وراء هذا الاستهداف المتعمد والإصرار عليه، بل وعن سبب إخراج نصف المدافن المسجلة من قائمة الجهاز تمهيدًا لإزالتها.
إن هذه الهجمة على جبانات القاهرة التاريخية لا تملك أي مبرر منطقي، خصوصًا في ظل وجود بدائل للإزالة قدمتها لجنة شكلها مجلس الوزراء من متخصصين في التخطيط العمراني والحفاظ على التراث عام 2003، برئاسة وزير التعليم العالي. وقد أجرت اللجنة دراسة لجدوى مشروع الطرق والكباري المقترح من الحكومة والذي بدأ تنفيذه في 2020، وأثبتت أنه غير مجدٍ لأنه لا يوفر سوى دقيقتين من وقت الرحلة. كما قدمت اللجنة مشروعًا بديلًا يعتمد على استغلال شبكة الطرق الحالية والمستحدثة دون المساس بالجبانات التاريخية.
أثبتت اللجنة أن اقتراحها لحل مشكلة الحركة سيظل صالحًا لعشر سنوات قادمة، بل قدمت تصورًا لاستغلال الموقع للسياحة الدينية والثقافية من خلال إنشاء مسارات وحل مشكلة ارتفاع منسوب المياه الجوفية، وغيرها.
وفي الوقت الذي تسعى فيه مصر لترشيح شخصية لتولي منصب مدير أكبر منظمة عالمية معنية بالثقافة والتراث (اليونسكو)، ينبغي عليها أولًا أن تثبت للعالم أنها تحافظ على تراثها.
وبناءً عليه، فإننا نطالب بالآتي:
. استعادة اللجنة المشكلة سابقًا للبدء في تنفيذ المشروع الذي اقترحته اللجنة وتمت الموافقة عليه، مع الأخذ في الاعتبار التغيرات المؤسفة التي حدثت العام الماضي.
. إلغاء مشروع المحاور المرورية الحالي وإحلال مشروع اللجنة البديل محله.
. التخلي عن مشروع إزالة الجبانات التاريخية للقاهرة المقترح ضمن المخطط الاستراتيجي للقاهرة.
. إعادة المدافن المشطوبة، التي لم تُزَل بعد، إلى قائمة جهاز التنسيق الحضاري.
. إعادة تركيب المآذن الأربعة التي تم فكها في قرافة السيوطي، وهي:
– مئذنة الغوري
– مئذنة المسيح باشا
– مئذنة السلطانية
– مئذنة قوصون الساقي
. منع سرقة العناصر المعمارية الثمينة من المدافن التاريخية وفرض أقصى العقوبات على تجار الشواهد والتركيبات الفريدة بجميع أنواعها.
إننا، الموقعون على هذا البيان من نقابات مهنية وجمعيات وأفراد، نهيب بكل شرفاء الوطن الوقوف ضد هذه الجريمة التي تستهدف جزءًا عزيزًا بل مقدسًا من تراثنا الثقافي، ونطالب بوقف الهدم بشكل كامل في جبانات القاهرة التاريخية.
رابط البيان الذى يضم اسماء المؤسسات والشخصيات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.