الخميس، 7 نوفمبر 2024

موقع زاوية ثالثة يبحث كارثة مدن اشباح السيسى التى تم اهدار مليارات الشعب المصرى عليها وخراب البلد دون استفادة

 

موقع زاوية ثالثة يبحث كارثة مدن اشباح السيسى التى تم اهدار مليارات الشعب المصرى عليها وخراب البلد دون استفادة

رغم التكلفة العالية… لماذا أخفقت المدن العمرانية الجديدة في جذب السكان؟

إخفاق المدن العمرانية الجديدة في مصر في جذب السكان، رغم الاستثمارات الضخمة التي 

تجاوزت تريليون و300 مليار جنيه بين عامي 2014 و2023


تزامنًا مع انعقاد الدورة الـ12 من المنتدى الحضري العالمي الذي ينظمه برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (الموئل)، و تستضيفه العاصمة القاهرة في الفترة من 4 إلى 8 نوفمبر الجاري، تبرز العديد من المشكلات والتحديات التي تواجه منظومة التخطيط العمراني في مصر، يتعلق جانب كبير منها – وفق خبراء ومراقبين-، بالمدن العمرانية الجديدة التي تواجه تحديات مستمرة تظهر عدم القدرة على جذب الكثافات السكانية المستهدفة وفق برامج الحكومة، ونقص الخدمات والبنى التحتية في بعض المدن، فضلًا عن ارتفاع أسعار المعيشة وبُعدها عن المراكز الحضرية وعدم ملاءمة العديد منها للسكن، نظرًا لـ البُعد الجغرافي عن مراكز العمل والخدمات. 

تحت شعار “كل شيء يبدأ محليًا: الإجراءات المحلية للمدن والمجتمعات المستدامة”، يُعقد المنتدى الحالي. من جانبه، ركز الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في كلمته، على تسليط الضوء على “إنجازات مصر في السنوات الأخيرة، لاسيما من خلال مشاريع مثل حياة كريمة وسكن لكل المصريين، وكذلك المدن الجديدة مثل العاصمة الإدارية”، معلنًا إطلاق “الاستراتيجية الوطنية للمدن الذكية” و”التحضر الأخضر” لتعزيز الجهود التنموية وفق المعايير العالمية، مؤكدًا أن المنتدى الحضري يمثل منصة دولية مهمة للتعاون وتبادل الخبرات حول تحسين جودة الحياة في المدن​.

وتشارك الأمم المتحدة في دعم العديد من المشروعات العمرانية في مصر، إذ تعمل بالشراكة مع وزارة الإسكان والمجتمعات العمرانية، وفق برنامج تطوير الإسكان والتجديد الحضري والارتقاء بالمستوطنات العشوائية، الذي يهدف إلى مجابهة التحديات التي تواجه توفير مسكن ملائم للجميع، مع إتاحة فرص الوصول إلى الخدمات الحضرية الأساسية، وكذلك منع إقامة المناطق العشوائية وغير الآمنة في مصر، وتطوير القائم منها. ويقدم البرنامج الخدمات الاستشارية الفنية على الصعيدين الوطني والمحلي – على حد سواء – بهدف بناء القدرات اللازمة على الصعيدين المؤسسي والتشريعي لتخطيط مدن احتوائية متكاملة مستدامة في مصر، وتنفيذها.

تكاليف مرتفعة

أنفقت القاهرة في الفترة من 2014 – 2023، نحو تريليون و300 مليار جنيه على إنشاء نحو 61 مدينة، منها 975 مليار جنيه لإنشاء وتنمية مدن الجيل الرابع بنسبة 75% من الاستثمارات، و325 مليار جنيه لتطوير ورفع كفاءة مدن الأجيال السابقة بنسبة 25% من الاستثمارات. ووفق تصريحات رسمية، فقد تطور معدل الإنفاق الاستثماري على المجتمعات العمرانية الجديدة بشكل ملحوظ في عهد الرئيس الحالي، إذ أنه ما بين العامين 1978/ 2014، أنفق نحو 64 مليار جنيه، بمعدل إنفاق سنوي مقدر بنحو 1.7 مليار جنيه، بينما خلال تسع سنوات من حكم السيسي، أنفق نحو 1.3 تريليون جنيه، أي بمعدل إنفاق سنوي 144 مليار جنيه.

وتشير تقديرات  رسمية إلى أن العاصمة الإدارية الجديدة وحدها تكلّفت نحو 800 مليار جنيه؛ منهم 500 مليار جنيه على أعمال البنية التحتية والمباني ضمن المرحلة الأولى. ومن المخطط أن تتكلف المرحلة الثانية ما بين 250 إلى 300 مليار جنيه. وقد نفّذت شركة العاصمة الإدارية الجديدة للتنمية العمرانية ما يصل إلى 100 ألف وحدة سكنية، واستقبلت 1200 أسرة. فيما بلغت تكلفة مشروع مدينة العلمين الجديدة نحو 300 و37 مليون دولار.

كان المأمول من هذه الاستثمارات، تخفيف الكثافة السكانية عن المدن القديمة ومضاعفة المعمور المصري من 7% إلى 14%، من أجل توفير الفرص التنموية المختلفة وإيجاد أوعية جديدة للعمران تستوعب الزيادة السكانية، وكل الأنشطة التي يحتاج إليها السكان بحلول عام 2025. لكن الهدف لم يتحقق، وحتى بداية عام 2024، كان يعيش 1.7 مليون نسمة في المدن الجديدة التابعة لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة في جميع أنحاء البلاد، بحسب مرصد العمران المصري، وحازت محافظة القاهرة على العدد الأكبر من سكان المدن الجديدة  إذ وصل إلى 550 ألف نسمة، تليها محافظة الجيزة بـ 476 ألف نسمة، بينما كان عدد سكان محافظة أسوان الأقل: 121 نسمة فقط. إضافة إلى ذلك، لم يبدأ بعد سكن أي مواطنين في مدن جديدة بـ 11 محافظة، العام الجاري، نظرًا للبدء في تنفيذها حديثًا.

واستهدفت المشروعات تعمير مدينة العلمين الجديدة بنحو ثلاثة ملايين مواطن، فيما لا يتجاوز عدد سكانها إلى اليوم نحو عشرة آلاف نسمة، وبينما استهدفت الحكومة تعمير العاصمة الإدارية الجديدة بنحو ستة ملايين مواطن، فلا يتجاوز عدد السكان حتى منتصف عام 2024 نحو 500 عائلة، من المتوقع أن يصل إلى ألف عائلة بنهاية العام، وفق تصريحات رسمية.

ويتطلب تقييم تأثير هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة على التنمية العمرانية المحلية حساب مساحة الأراضي التي تمتلكها الهيئة كنسبة من إجمالي المساحة المأهولة في مصر، التي بلغت نحو 112.174 كيلومتر مربع منتصف عام 2023، أي ما يقارب 11.2% من إجمالي مساحة الجمهورية، وتبلغ مساحة الأراضي التي تمتلكها هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة نحو 9,001 كيلومتر مربع، أي ما يمثل فقط 8% من إجمالي مساحة مصر المأهولة، ما يعد نسبة صغيرة نسبيًا. وتشمل بقية الأراضي المأهولة المناطق العمرانية القائمة، والأراضي الزراعية القديمة والمستصلحة، إضافةً إلى أراضي التنمية الصناعية والسياحية ومناطق الطاقة.

وتشكل أراضي الهيئة 100% من الأراضي المأهولة في محافظة القاهرة، و40.7% من الأراضي المأهولة في محافظة مطروح، و31.6% في السويس، بينما تمثل ما بين 20 إلى 25% من المساحة المأهولة في القليوبية، والمنوفية، والجيزة. أما في صعيد مصر، فإن أراضي الهيئة لا تتجاوز 5% من المساحة المأهولة، وتكاد تكون ذات تأثير ضئيل أو معدوم في محافظات مثل الأقصر والوادي الجديد والبحيرة والإسماعيلية.

 نقص الخدمات الأساسية

استطلعت زاوية ثالثة آراء (50 شخص بين ذكر وأنثى من أعمار مختلفة) من المواطنين يقيمون في المدن العمرانية الجديدة للتعرف على أبرز المشكلات التي تواجههم، وتمثلت في نقص الخدمات العامة، والبعد عن مراكز العمل، وعدم توافر وسائل المواصلات بأسعار مناسبة.

يقول محمد بخيت - من سكان منطقة دهشور بمدينة السادس من أكتوبر-، في حديثه معنا : "عندما انتقلت للعيش في المدينة، توقعت أن تكون الحياة هنا أكثر هدوءًا وأقل ازدحامًا مما اعتدت عليه في وسط القاهرة، لكني وجدت أن البنية التحتية لم تكتمل بشكل كافٍ بعد، أو بها مشكلات ونقص في الخدمات، خصوصًا في مناطق الخدمات مثل. المستشفيات والمدارس. كلما احتاج أطفالي إلى عناية طبية، أضطر للتنقل مسافة طويلة للوصول إلى مستشفى جيد في القاهرة أو الجيزة أو مكان خارج دهشور عمومًا."

ويشير إلى أن المواصلات العامة غير متوفرة بما يكفي؛ إذ يعتمد معظم السكان على سياراتهم الخاصة أو على خدمات التوصيل الخاصة، التي تكون مكلفة، ما يخلق مشكلة إضافية عند انتهاء العمل، حيث يصبح الازدحام في الطرق الرئيسية المؤدية إلى القاهرة أو الجيزة أمرًا لا يُطاق. ومع قلة وسائل النقل العام، يواجه الأشخاص الذين لا يمتلكون سيارات صعوبة بالغة في التنقل، خاصةً في الساعات المتأخرة، ومع ارتفاع أسعار وسائل النقل يزداد الأمر صعوبة. 

أما فاطمة التي انتقلت مع أسرتها للسكن بمدينة بدر منذ ثلاث سنوات، تقول إن "المدينة أسعارها كانت مناسبة مقارنة بالقاهرة، لكن بمرور الوقت بدأنا نواجه مشكلات مثل. ارتفاع أسعار وسائل المواصلات وبعد المدينة عن القاهرة، ما يستغرق وقتًا طويلًا للوصول إلى العاصمة، حيث يعمل والدي، وأنا أيضًا أضطر للانتظار وقتًا طويلًا حتى أتمكن من الوصول إلى عملي في مدينة نصر. المواصلات هنا قليلة، وغالبًا مزدحمة، ما يجعل التنقل اليومي تحديًا كبيرًا."

وتضيف: "من جانب آخر، نُعاني من انقطاعات المياه المتكررة، وأحيانًا تعرض شبكات الكهرباء لـ أعطال تستمر لساعات، ما يعيقنا عن استكمال أي عمل منزلي أو الاستفادة من الخدمات الإلكترونية. أشعر أن الحياة هنا لم تكتمل بعد؛ فالخدمات الأساسية متقطعة، ويبدو أن الحلول غير متوفرة في القريب العاجل. وأتمنى أن يتم تطوير أسواق ومرافق ترفيهية في المدينة نفسها حتى لا نضطر للسفر إلى القاهرة بحثًا عن حاجياتنا الأساسية."

في السياق نفسه، يقول ياسر عبد البر: "كنت متحمسًا للانتقال إلى العاصمة الإدارية الجديدة بعد وعود بأنها ستكون مدينة ذكية ومتطورة. وبالفعل، تبدو المباني حديثة وجميلة، لكن من حيث الخدمات، لا يزال هناك العديد من التحديات، مثلًا. في المناطق السكنية، لا توجد حتى الآن مراكز صحية متكاملة أو محلات بقالة بشكل كافٍ، ما يضطرنا للذهاب إلى المناطق المجاورة لتلبية احتياجاتنا الأساسية."، مشيرًا إلى محدودية خدمات النقل الداخلي بين الأحياء، ما يدفعه في معظم التنقلات إلى استخدام سيارات خاصة أو تطبيقات سيارات الأجرة، التي قد تكون مكلفة. ومبينًا أن المدينة لم تكتمل بعد من حيث البنية التحتية والخدمات التي تجعل الحياة اليومية أسهل.

وفي 15 أكتوبر الماضي، شهدت مدينة الجلالة الجديدة حادثًا مأساويًا، راح ضحيته 12 طالبًا وأصيب 29 آخرين، بعد انقلاب حافلة كانت تقل عددًا من طلاب جامعة الجلالة على الطريق إلى القاهرة، وفيما كشفت تقارير رسمية أن الحادث وقع بسبب السرعة الزائدة، أشار مراقبون أن الطريق لم تكن ممهدة بالشكل الكافي، خاصة أن تقارير الأمن قد أشارت إلى أن الحافلة لم يكن بجوارها أية مركبات أخرى، ما يعني عدم وجود أي عوامل خارجية أخرى تسببت في الحادث.

وتعد مدينة الجلالة من المدن الجديدة التي لاقت دعاية واسعة. وتشير تقديرات رسمية إلى أن حجم الاستثمارات في مشروع الجلالة بلغ حتى عام 2022، نحو 100 مليون دولار أمريكي. وقد قسمت الخريطة الاستثمارية التي أطلقتها وزارة الاستثمار والتعاون الدولي، مدينة الجلالة إلى ثلاثة قطاعات؛ يقام القطاع (أ) على 5550 فدانًا، و2050 فدانًا للقطاع (ب)، و 6900 فدان للقطاع (ج ). 

مدن أشباح!

من جهته، يرى سيف الدين فراج - أستاذ الاقتصادي العمراني- أن "تعد الخدمات العامة والبنية التحتية الأساسية من أهم مقومات نجاح المدن الجديدة، إذ أن توفير المرافق الضرورية مثل. المستشفيات، والمدارس، والخدمات التجارية، يضمن أن يكون السكن في هذه المدن متكاملًا وليس مجرد مكان للإيواء. وجود العمل بالقرب من مكان الإقامة، وتوفر المواصلات العامة والطرق المناسبة، يسهم في تقليل المسافات والوقت الذي يقضيه المواطن للوصول إلى عمله أو لتلبية احتياجاته الأساسية."

ويضيف في حديثه مع زاوية ثالثة أنه "من المهم أيضًا أن تتضمن المدن الجديدة وسائل مواصلات عامة متاحة وبأسعار مناسبة، لأن الاعتماد على السيارات الخاصة فقط يؤدي إلى ازدحام مروري كبير، ما يقيد الاستفادة من الطرق والبنية التحتية، وأن توفير وسائل مواصلات آمنة، تلبي احتياجات الجميع، من شأنه أن يسهم في زيادة نسب الإشغال، ويجعل المدينة أكثر جاذبية للمواطنين."، إضافة إلى ذلك، تتطلب المدن الجديدة استثمارات كبيرة في البنية التحتية الأساسية كالمياه الصالحة للشرب، وشبكات الصرف الصحي، والكهرباء والغاز، لضمان حياة عادلة للمواطنين، فالعديد من المدن تفتقر لهذه المقومات، ما يجعلها تبدو "كمدن أشباح"، حيث يجد المواطن نفسه محاطًا بالفراغ دون سكان آخرين، وفق "فراج".

ويؤكد الخبير العمراني ضرورة أن يكون هناك تنوع في فرص العمل، لتلائم مختلف الطبقات والتخصصات في المجتمع، ويوضح أن ارتفاع أسعار الأراضي في بعض المدن كـ العاصمة الإدارية أو العلمين موجه لفئات محددة، لذا نجد أن هناك مناطق مجاورة بأسعار ملائمة لذوي الدخل المحدود، بهدف تحقيق توازن بين مختلف المستويات الاقتصادية داخل محيط عمراني واحد. يقول: "في النهاية، يعتمد نجاح المدن الجديدة على توافر الخدمات، وتنوع فرص العمل، والبنية التحتية القوية، ليشعر المواطن أن حياته فيها متكاملة، وليس مجرد مكان للسكن فقط."

تشير دراسة صادرة عن المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية إلى أن "إنشاء مدن جديدة يعتبر تحديًا، ولكن جذب أعداد مناسبة من السكان للعيش فيها يعد هو التحدي الأكبر، خاصة أنه يستغرق بعض الوقت ويتطلب سياسات خاصة قد تكون في بعض الأحيان استثنائية. وتوضح الدراسة أن المدن الجديدة قد تكون نسبة السكان بها أقل بصورة كبيرة من المستهدف والقدرة الاستيعابية، وأن تلك الظاهرة تعاني منها عدد من المدن حول العالم، تم ضخ استثمارات عقارية كبيرة بها ولكنها لم تنجح في جذب السكان، لعدم تمكنها من خلق سبب فعلي يقنع السكان بالانتقال الدائم إليها، أو خلق محفزات مغرية تدفع المؤسسات الاقتصادية إلى ضخ استثمارات تؤدي إلى وجود فرص عمل مستدامة هناك، ما يؤدي إلى ندرة الخدمات المتاحة وعدم جدوى وسائل المواصلات إن كان قد تم تنفيذها بالفعل.

ووفق أحمد الخولي الأكاديمي والخبير في التخطيط العمراني في دراسته المنشورة بموقع حلول للسياسات البديلة، يعتبر تغير المناخ والتحديات المرتبطة به من القضايا الأساسية التي تعالجها تخطيطات المناطق الحضرية، إذ يقوم المخططون بالعمل على تطوير استخدامات الأراضي وإدارة العمران من خلال استراتيجيات فنية وسياسية. مضيفًا: "رغم التحذيرات المتكررة بشأن مخاطر ارتفاع مستوى سطح البحر وغمر سواحل دلتا النيل، استمرت الحكومة في توسيع مشاريع التنمية العمرانية. على سبيل المثال، في عام 2017، بدأت الحكومة في إنشاء مدينة المنصورة الجديدة على سواحل دلتا النيل، حيث تمتد المدينة على 15 كيلومترًا من الساحل وتغطي 6.271 فدانًا لاستيعاب 713 ألف نسمة، ما يشير إلى كثافة إجمالية قدرها 113 شخصًا لكل فدان. ورغم إجراء تقييم الأثر البيئي لكل مشروع، كما يتطلب قانون 4 لسنة 1994، وقانون 9 لسنة 2009، وقانون 105 لسنة 2015، إلا أن المخطط الاستراتيجي القومي للتنمية العمرانية لا يزال يعاني من العديد من أوجه القصور."

بحسب الخولي، المخططين لا يولون اهتمامًا كافيًا للفقراء أو للبيئة، ففي منطقة مصر الجديدة، أقدمت الحكومة على إزالة خطوط الترام والمساحات الخضراء المجاورة لها لتوسيع الشوارع، ثم قامت بإنشاء جسور علوية لتحسين حركة المرور، متجاهلة مبدأ تدرج عروض الشوارع. وغالبًا ما يؤدي توسعة شبكة الطرق إلى زيادة عدد المركبات، ما يسهم في انبعاث المزيد من غازات الدفيئة ويزيد من خطر عبور المشاة للطرقات. مطالبًا السلطة بتبني استراتيجية تتضمن تكنولوجيا ملائمة للوضع المحلي، قابلة للتكيف مع آثار تغير المناخ كجزء من التنمية العمرانية المستدامة، ويجب أن تتحول الأطر المؤسسية المعنية باتخاذ القرار نحو تمكين الفقراء من الوصول إلى الموارد والمشاركة في المشروعات.

محاولات بلا جدوى: تاريخ تعمير الصحراء في مصر

أطلقت الحكومة المصرية مجموعة من الاستراتيجيات الوطنية ذات مقاربات متنوعة في مجال التنمية العمرانية، وفي منتصف السبعينيات من القرن الماضي، دعت الاستراتيجية القومية إلى إنشاء مدن صحراوية جديدة وإعادة تأهيل مدن منطقة قناة السويس. وتم تطوير الجيل الأول من المدن الصحراوية الجديدة لتصبح مراكز صناعية، وتضمنت هذه المدن؛ العاشر من رمضان، والسادس من أكتوبر، والسادات. ورغم من نجاح مدينة العاشر من رمضان في أن تصبح مدينة صناعية مزدهرة، إلا أنها لم تتمكن من جذب السكان، وفق ورقة بحثية نشرها مركز حلول للسياسات البديلة.

بين عامي 1982 و 1995، بدأت الحكومة المصرية في تطوير الجيل الثاني من المدن الصحراوية الجديدة، بما في ذلك مدن الشيخ زايد، والعبور، والشروق، تحت شعار حماية الأراضي الزراعية القيمة وجذب السكان من المناطق المكتظة في وادي ودلتا النيل. وفي عام 2000، تم إنشاء حي القاهرة الجديدة الذي يبعد خمسة كيلومترات عن شرق مدينة نصر. ويبلغ عدد سُكانه اليوم نحو مليوني نسمة، ويحتوي على 330 مجمعًا سكنيًا.

إضافة إلى ذلك، عملت الحكومة على إنشاء العديد من المدن الصحراوية الجديدة، بما في ذلك العاصمة الإدارية الجديدة. كما ستشغل مدينة العلمين، وهي مدينة صحراوية أخرى قيد الإنشاء، مساحة قدرها 4.813.082 فدانًا، حيث من المتوقع أن تستوعب مليوني نسمة.

تقول الباحثة والصحفية المهتمة بجغرافيا العمران، صفاء عاشور، إن السياسة السكانية في مصر، ركزت منذ 23 يوليو 1952 بالتوسع في إنشاء المدن العمالية والتجمعات للطبقة المتوسطة والفقيرة بتسهيلات كبيرة، بهدف توفير بديل للسكان عن المدن التي دمرتها الحرب إبان تلك الفترة، لكن هذه الخطط ركزت بشكل كبير على المناطق الحضرية في القاهرة والإسكندرية ولم تمتد للريف الذي اتجهت جهود التنمية فيه بشكل أكبر للمجال الزراعي.

وتضيف في حديثها معنا: "القوانين في هذه الفترة أسهمت في توفير سكن مناسب لغالبية المواطنين، إذ أن قانون الإيجار القديم كان يضع السلطة كطرف لصياغة التعاقد بين المالك والمستأجر وبشروط وقيمة محددة؛ ما ساهم في توفير السكن، بمناطق مميزة مثل مصر الجديدة والمعادي، وقتها كانت تلك هي المدن الجديدة."

وتتابع، كذلك حاول الرئيس محمد أنور السادات التعامل مع الكثافة السكانية، بافتتاح مدن جديدة أبرزها مدينة السادات، لحل مشكلة الزحام. وكانت مصر أول دولة تجاوز عدد سكان العاصمة بها مليون شخص في إفريقيا، لكن لم تنجح فكرة السادات كمدينة سكنية وقتها، بسبب نقص الخدمات والبنية التحتية، لكنها نجحت بالمقابل كمدينة صناعية.

"في حقبة الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، لم تكن السياسة السكانية محددة المعالم بشكل كبير وبدأت تظهر في عصره توجهات نحو دعم السكن للشباب، ومنحهم أراضي فضلًا عن السكن، لكنها لم تكن مفيدة، وكان منها قرى الظهير الصحراوي التي تعد أكبر خدعة في عصره، إذ دشن مبارك مناطق على الظهير الصحراوي لتخفيف الكثافة السكانية بالمحافظات وتوفير فرص عمل للشباب، وكان يفترض توفير الخدمات بكل قرية، لكن حتى الآن المعمر منها قليل جدًا بسبب عدم توافر الخدمات، بحسب صفاء.

تستكمل الباحثة والصحفية المهتمة بـ جغرافيا العمران: "في عصر مبارك بدأت تظهر (الكمبوندات) التي مثلت تحول كبير في النمط السكاني في مصر، ولكنها ظلت قاصرة على فئات محددة جدًا، نظرًا لارتفاع أسعارها. لم تكن الحكومة تتدخل بها، فقط كان يتم طرح الأراضي للمستثمرين، ويقومون هم بتأسيسها، وبيعها بأسعار مرتفعة تناسب شرائح محددة."

وحول أسباب عزوف السكان عن المدن الجديدة، تضيف إنه لابد في البداية من الإشارة إلى ظاهرة الفقر الحضاري التي تعاني منها مصر وعدد من الدول الإفريقية، السبب فيها هو هجرة مجموعات من أهالي الريف للمدن دون أن يندمجوا في حالة تحضر كافية، فنجدهم يلجأون للمدن، لكن عادة ما يسكنون على أطرافها ويعملون بعدد محدد من الوظائف دون أن يحدث لهم نمط تطور حقيقي، وبالتالي يؤثرون سلبيًا على المدن.

وتشير صفاء إلى أن هذه الطبقة بالإضافة للطبقة الوسطى التي تمثل غالبية سكان مصر، تعتبر أساس التركيبة السكانية في المدن العمرانية الجديدة. ولا تجد الطبقة المتوسطة في الوقت الراهن عناصر جذب في تلك المدن مثل. توافر الوظائف أو الخدمات، لذلك لا يوجد دافع لترك الأماكن الراهنة إلى المدن الجديدة، ومن المفترض أن تقدم الحكومة امتيازات خاصة لهذه الطبقة في المدن الجديدة لإغرائها بالسكن. موضحة أنه يجب توفير سبل عيش ووظائف للفقراء وقاطني المناطق العشوائية الذين يتم نقلهم من مساكنهم لمدن أخرى.

تبين الباحثة العمرانية أن تروج لبعض المدن الجديدة مثل العاصمة الإدارية الجديدة، باعتبارها منطقة استثمارية وليست سكن للطبقة المتوسطة، وحتى الموظفين والعمال الذين تم نقلهم للعاصمة يفضلون التنقل يوميًا عن الإقامة في العاصمة بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة. 

في السياق نفسه، يقول أستاذ الاقتصاد السياسي كريم العمدة، إن التوجه الحضاري من جانب السكان يسجل ارتفاعًا ملحوظًا نحو المدن، في العالم كله، لذلك تولي غالبية الحكومات أهمية خاصة بتطوير المدن والعمل على تدشين مدن جديدة مع توفير الخدمات والبنى التحتية التي يحتاج إليها المواطنون للسكن والحياة. 

ويوضح في حديثه معنا أن "عوامل الجذب في المدن يجب أن تتمثل في توافر فرص العمل، ورفع مستوى الخدمات، وتوفر كافة سبل المعيشة الراقية والعادلة، لكن الأمر يبدو مختلفًا في مصر، مع زيادة التضخم وانخفاض مستوى المعيشة من جهة، وارتفاع أسعار العقار وانخفاض القدرة الشرائية من جهة أخرى، ما يضع المواطن بين شقي الرحى، وبالتالي بدأت الناس بالعودة إلى المدن أو اللجوء للمناطق العشوائية منخفضة التكلفة، بعدما كانت الحكومة قد قاربت من معدلات القضاء عليها، وبالتالي هناك ارتداد فيما يتعلق بحركة السكن في مصر." 

ويشير "العمدة" إلى ارتفاع أسعار العقار بشكل مبالغ فيه في المدن العمرانية الجديدة، ما يدفع المواطن للمناطق العشوائية مرة أخرى، فضلًا عن بُعد المدن عن العمران، وعدم وجود مواصلات، متوقعًا أن تسهم شبكة النقل سواء المترو أو القطار الكهربائي أو النقل العام في حال توافرها في نمو حركة السكان داخل هذه المدن في المستقبل القريب.

وبالتزامن مع المنتدى العالمي الذي تستضيفه مصر حاليًا، يتساءل المواطنون حول جدوى المدن الجديدة التي لن يستطيعوا الانتقال إليها، بسبب تصاعد الهوة بين الطبقات الاجتماعية في مصر، في الوقت الذي يدفعون فيه فاتورة إنشاء تلك المدن أيضًا.

رابط التقرير

https://zawia3.com/urban-cities/

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.