زاوية ثالثة
مصريون في سجون الأسد: هل يعودون بعد سقوط النظام؟
أحمد عبد الجواد، الذي يبلغ من العمر 33 عامًا، هو ابن المحلة الكبرى في محافظة الغربية. كان يعمل حارسًا لإحدى العقارات في مدينة جبيل اللبنانية، حيث تمكن من الحصول على إقامة سارية، وادّخر مبلغًا من المال لزيارة مصر في عطلته السنوية بهدف خطبة فتاة. لكن، في السادس من إبريل 2020، اختطفه عناصر تابعون لجماعة حزب الله اللبناني من قارعة الطريق في سيارة مجهولة واتجهوا به إلى جهة غير معلومة، لتنقطع أخباره عن أسرته تمامًا.
بعد عامين من الاختفاء، وفي عام 2022، انضم شقيقه محمد إلى إحدى مجموعات التواصل الخاصة بالمفقودين في الوطن العربي. لدهشته، تواصل معه شخص سوري عبر حساب وهمي، وأخبره أنه يعمل سجانًا في أحد مراكز الاحتجاز في قرية الحيدرية بمحافظة حمص السورية، وأن أحمد محتجز في أحد الزنازين. وفقًا لهذا الشخص، كان أحمد متهماً بسب وقذف أحد قياديي حزب الله، وكان السجان يراه يوميًا في الساعة 11 صباحًا أثناء تقديم الطعام للسجناء.
في محادثة هاتفية مع “زاوية ثالثة”، يروي محمد قائلاً: ‘طلب مني توكيل محامٍ لإنقاذ أخي قبل نقله إلى سجن صيدنايا، الذي يعتبره البعض بمثابة حكم بالإعدام. ثم أخبرني أنه سيغلق الحساب بعد هذه المحادثة. بعد أن لجأنا إلى نقيب المحامين، لم تتمكن أي جهة من مساعدتنا. بعدها تواصلت وزارة الخارجية معنا، وأكدوا أنهم سيعملون على إعادة أحمد، لكنها مسألة وقت فقط.
أثارت أنباء سقوط النظام السوري في الثامن من ديسمبر الجاري 2024، بعد سيطرة فصائل مسلحة على دمشق، أسرة أحمد التي باتت تتابع الأخبار وتفتش عبر مواقع التواصل الاجتماعي؛ بحثًا عن صورة أو مقطع فيديو يظهر خلاله ضمن السجناء المحرَرين من سجون النظام، أو ورود اسمه في الكشوفات المسربة لأسماء المعتقلين بتلك السجون، حتى وجدوا ضالتهم في مقطع فيديو، نشرته قناة العربي الجديد، يظهر هروب السجناء من سجن صيدنايا، في 8 ديسمبر الجاري، ظهر فيه وجه شقيقهم بوضوح بعد اختفاء دام أكثر من أربع سنوات، لكنه لم ينجح حتى اليوم في التواصل مع أسرته التي تناشد الحكومة المصرية بالعثور عليه وإعادته سالمًا إلى مصر.
هجرة غير نظامية
تختلف ملابسات اختفاء أحمد، عن قصة الحسيني محمد – ابن مركز دسوق في محافظة كفر الشيخ-، الذي كان في عامه الـ17، حين اتخذ قرار الهجرة إلى تركيا، بحثًا عن عمل يمكنه من الإنفاق على أسرته بعدما تدهورت الحالة الصحية لوالده الذي تورط في الديون ليزوج ابنته.
ودّع الشاب المراهق أسرته وغادر مدينته دسوق متجهًا إلى القاهرة، قاصدًا المطار ليستقل الطائرة المتجهة إلى إسطنبول، وهناك أقام رفقة عدد من المصريين، وعمل مدة شهر في تنظيف الأطباق داخل أحد الفنادق، لكنه لم يتلق مستحقاته المالية، لذا فكّر في مغادرة تركيا، والتقى مجموعة من المهاجرين غير النظاميين، كان بينهم 14 شابًا مصريًا، يخططون لدخول الأراضي السورية بغرض الهجرة غير النظامية إلى لبنان عبر الحدود، حينها تحمس “الحسيني” للفكرة لكون أبناء عمومته يعيشون ويعملون في لبنان منذ سنوات بعيدة.
في نوفمبر عام 2013، تلقت أسرة الحسيني الاتصال الأخير منه، ليبلغهم أنه في طريقه مع رفاقه ليقطعوا الحدود السورية وصولاً إلى لبنان، ثم انقطعت أخباره ولم تعد أسرته تعلم شيئًا عن مصيره، قصد والديه وزارة الخارجية للتقدم ببلاغ حول اختفاء نجلهم، واستدعى جهاز الأمن والده لجمع المعلومات، دون أن يخبره أحد عن مصير الابن، وبعد أشهر من المعاناة أدركت الأسرة أن رفاق ابنهم الـ14 مصري فُقدوا في سوريا، وتواصلت مع محامي سوري ليبحث عن ابنهم، فأبلغهم أن أولئك الشباب ألقي القبض عليهم على بعد أربعة كيلو متر من الحدود اللبنانية، وتم توزيعهم على ثلاثة سجون سوريّة (صيدنايا، وفرع فلسطين/ يعرف أيضًا بفرع 235 وهو أحد السجون التي تديرها المخابرات السورية، وسجن مطار المزة العسكري)، لكن المحامي لم يستطع تحديد مكان ابنهم بالتحديد، بحسب ما يروي والده إلى زاوية ثالثة.
11 عامًا مرت على فقدان الشباب المصريين الـ14 داخل الأراضي السورية، دون أن تتمكن أسرهم من معرفة معلومات عنهم، والتأكد من كونهم لا يزالون على قيد الحياة، وفي الوقت الذي سيطر فيه اليأس عليهم، تفاجئوا بسقوط نظام الأسد وفتح السجون السورية، فتجدد الأمل لديهم في العثور على ذويهم بين الٌمحررين، فأخذوا ينشرون صورهم على مجموعات التواصل الاجتماعي الخاصة بالسجون السورية والمفقودين في سوريا، وسرعان ما عثروا على اسم “الحسيني” ورقم جواز سفره، هو ورفاقه الـ 13 الآخرين، وهم (محمد عوني أبو هجم، وعلي عبد الرحمن علي، وإبراهيم حمدي أبو النجا، ومحمد عبد الغفار السيد، ومصطفى محمد عبد الباري، وخالد إبراهيم علي، ومحمد رمضان إبراهيم، وجمال محمد أحمد، وجمال محمد أحمد البدري، وحسين سعيد عبد المطلب، ورمضان علي محمد، ورمضان صالح الشحات، وحاتم فكيه عبد الجبر، وخالد المهدي محمد)، وذلك ضمن كشف بأسماء السجناء المصريين في سجن فرع فلسطين، اطلعت زاوية ثالثة على صورة منه.
وعقب فتح سجن صيدنايا عثرت أسرة مصطفى محمد عبد الباري – أحد المصريين الـ14 المختفين-، على صورة له ضمن السجناء المحررين، لكنها لم تستطع التواصل معه حتى الآن.
يقول محمد، والد الحسيني، إلى زاوية ثالثة: “نكاد نموت حزنًا على أولادنا الذين ضاع شبابهم، قصدنا مكتب وزير الخارجية السابق، سامح شكري، قبل سنوات للبحث عن معلومات عنهم، وتلقينا وعودًا بإعادتهم، لكنها لم تتحقق، وفي شهر فبراير الماضي استقبلنا وزير الخارجية، بدر عبد العاطي، وأخبرنا بإعادة فتح ملف المصريين الـ14، متعهدًا بإعادتهم. كل ما نريده هو معرفة مصير أولادنا.”
تجدد الأمل
قبل أكثر من 20 عامًا قرر علي حسين (36 عامًا)، تصفية أعماله في السعودية وإعادة زوجته وأولاده إلى مصر، قبل أن يعيد افتتاح مطبعته في سوريا. في تلك الأثناء اعتاد التواصل هاتفيًا مع عائلته المقيمة بمحافظة الجيزة، إلا أنها فقدت الاتصال به منذ إبريل عام 2004. لجأت العائلة آنذاك لمسؤولين أمنيين ووزارة الخارجية المصرية، ووكلت محامٍ شهير لتولي القضية، وبحثت عنه في جميع السجون المصرية، على أمل أن يكون قد تم ترحيله إلى مصر وسجنه.
وتواصل أبويه بصاحب الرقم الهاتفي الذي اتصل منه ابنهما الأكبر في المرة الأخيرة، للسؤال عن مصيره؛ فأخبرهما أنه مصاب، وحين عاودا الاتصال به زعم أنه توفى، فخيم الحزن على الأسرة، ونصبت عزاء له، رغم عدم تسلمها جثمانه أو شهادة وفاته، بحسب ما تحكي شقيقته مريم إلى زاوية ثالثة.
بعد مرور 20 عامًا عاشت خلالها العائلة مرارة فقد علي، الذي صنفته السلطات المصرية مفقودًا في سوريا، ووفاة والده حزنًا عليه وتدهور صحة والدته التي أصبحت قعيدة، تواصل مع الأسرة أحد المعتقلين السوريين المحررين من سجن صيدنايا، عقب سقوط نظام الأسد، وأبلغهم أنه التقى علي في العام 2006، بينما كان يتم ترحيلهما من سجن مطار المزة العسكري، وفي حين أُرسل هو إلى صيدنايا فإن علي تم ترحيله إلى سجن فرع فلسطين، ليتجدد الأمل في احتمالية كونه لا يزال على قيد الحياة، وإمكانية العثور عليه بين السجناء المحررين من سجون النظام.
تقول شقيقته: ” كان أخي سلفي، ملتحي، يصلي في المسجد ويهتم بالدعوة، لكنه لم يكن له نشاط سياسي قبل سفره إلى سوريا، ولم ينضم إلى الإخوان المسلمين أو جماعة إسلامية، ربما لهذا السبب تم سجنه، إذا كان أخي حيًا سيكون الآن في الـ56 من عمره، مازال لدينا أمل في عودته.”
اتهامات بالتجسس
في نهاية مارس من العام 2011، اهتز الرأي العام المصري بسبب قيام السلطات السورية، باعتقال مهندسين مصريين، هما: خالد عبداللطيف الغايش، ومحمد أبوبكر رضوان، وتعذيبهما والتحفظ عليهما في مقرات احتجاز وسجون سورية، واتهامهما بالتجسس لصالح الاحتلال الإسرائيلي. حينئذٍ انطلقت حملة تضامن واسعة معهما ووقفات احتجاجية، أسفرت عن تحركات للدبلوماسية المصرية، قبل أن تخلي عناصر أمن نظام الأسد، سبيلهما وتسمح لهما بمغادرة الأراضي السورية.
يتذكر خالد الغايش في حديثه إلى زاوية ثالثة، كيف حصل على عطلة من عمله كمهندس حاسبات في إحدى الشركات اللبنانية، في نهاية مارس من عام 2011، وأراد قضاءها في جولة سياحية بمدينتي دمشق وحلب السوريتين، وهناك شاهد تظاهرات محدودة خرجت ضد النظام السوري وحشود جماهيرية لتأييد الأسد، لكنه لم يتوقع أن تنتهي رحلته وهو في طريق العودة على نحو مأساوي، وأن تقوم عناصر أمنية بإنزاله من الحافلة المتجهة من حلب إلى لبنان، بمجرد رؤية جواز سفره المصري، وطرح الأسئلة عليه وتفتيشه بشكل ذاتي وفحص مقتنياته والصور الموجودة على الكاميرا الخاصة به، وحين شاهدوا بعض صوره في ميدان التحرير، إبان ثورة 25 يناير، قاموا بعصب عينيه وتكبيله وأخذه إلى وجهة غير معلومة.
حين أُزيلت العصابة السوداء من على عيني خالد وجد نفسه في مكان يعج بصور الرئيس السوري، بشار الأسد، ووالده حافظ الأسد – رئيس سوريا الأسبق-، وصدم برؤية العديد من الأشخاص الذين تم إلقائهم على الأرض وتركوا ينزفون دمًا وتظهر عليهم آثار التعذيب الذي تعرضوا له. حسب حديثه لم يعلم مكانه ولا سبب احتجازه، فقط اقتادوه إلى زنزانة مع ثلاثة معتقلين آخرين، وفي اليوم التالي، حققت معه جهات أمنية متهمة إياه بالجاسوسية لصالح الاحتلال الإسرائيلي، وسرعان ما اكتشف أنه محتجز في سجن حِمص المركزي.
يقول: “كان ضابط التحقيق يصب أسئلته حول ما أفعله في سوريا، ويسألني عما إذا كنت أزور سيناء، ويتهمني بالعمالة لتل أبيب، وينهال عليّ بالصفعات والضربات ويكيل لي الشتائم، ويهددني بالتعذيب وإرسالي إلى سجن لا يعرف أحدًا له طريق، ويقول لي إن زميلي اعترف على نفسه (يقصد محمد رضوان، المهندس المصري الذي كان يعمل في دمشق وشاهد تظاهرة خرجت بعد صلاة الجمعة فقام بالتقاط صور لها فتعرض للاعتقال والتعذيب الشديد)، لكني في الواقع لم أكن أعرفه.”
محمد رضوان – مهندس مصري حامل للجنسية الأمريكية، وكان يبلغ من العمر وقتئذٍ 32 عامًا-، كان قد تعرض للاعتقال في دمشق يوم 25 مارس من عام 2011، اشتباهًا في كونه جاسوسًا بعد ضبطه يلتقط صورًا للمتظاهرين في الجامع الأموي بالعاصمة السورية، وتحت وطأة التعذيب أجبرته السلطات السورية على الظهور على التلفزيون السوري الرسمي، والإدلاء باعترافات، مفادها أنه التقى بجماعة في القدس قدموه عبر الإنترنت إلى شخص كولومبي، وعرض عليه الكولومبي مائة جنيه مصري مقابل كل صورة يلتقطها للمتظاهرين في دمشق، إلا أن نظام الأسد أخلى سبيله في مطلع إبريل 2011.
يضيف خالد، الذي غادر محبسه في الرابع من إبريل 2011: “كنت أشعر بالخوف الشديد، وفجأة بعد انقضاء ثمانية أيام قاموا بإخلاء سبيلي، وسمحوا لي بمغادرة سوريا، وحين اجتزت الحدود اللبنانية شعرت بأنني ولدت من جديد، كنت محظوظًا لنجاتي، فما حدث لي لم يكن سوى نقطة في بحر انتهاكات سجون نظام الأسد.”
تدخلات رسمية من الخارجية
لم تكن واقعة اعتقال كلٍ من خالد الغايش ومحمد رضوان، في عام 2011، هي الوحيدة، التي تم توثيقها خلال السنوات الأخيرة، لاحتجاز مصريين في سجون النظام السوري؛ إذ أعلنت وزارة الخارجية المصرية في 18 يوليو 2012، أن ثلاثة رجال أعمال مصريين اختفوا في دمشق أثناء توجههم إلى مطار العاصمة السورية للعودة إلى القاهرة.
رجال الأعمال المصريين الثلاثة المفقودين حينئذِ هم: (رامي محمد الخولي، وابن خالته، محمد صلاح الدين، وصديقهم، أسامة أنور عبادة)، وكانوا يمتلكون مصانع ملابس جاهزة للأطفال، وقد سافروا لسوريا في 14 يوليو 2012، للإطلاع على موديلات ملابس الأطفال بحثًا عن أفكار جديدة، إلا أن ذويهم فقدوا الاتصال بهم ولم يعودوا إلى مصر في الموعد المقرر لسفرهم.
وذكر عمرو رشدي – المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية وقتئذٍ-، في بيان للخارجية، أن “السفارة المصرية في دمشق أجرت اتصالات عاجلة مع وزارتي الخارجية والداخلية السوريتين، لاستيضاح مصير ثلاثة رجال أعمال مصريين اختفوا صباح الثلاثاء أثناء توجههم إلى مطار دمشق الدولي للعودة إلى القاهرة، وطلبت السفارة تكليف الجهات المختصة بسرعة التحري عن مكان تواجد المواطنين المصريين، داعيًا لتوخى الحذر الشديد عند الذهاب إلى سوريا، على ضوء استمرار تردى الأوضاع الأمنية والمعيشية في سورية واتساع دائرة العنف في البلاد.
في يوليو عام 2012، أعلن محمد الفيومي، القنصل المصري في دمشق وقتئذٍ، عن نجاح جهود السفارة المصرية في الإفراج عن 24 مصريًا كانوا محتجزين لدى السلطات السورية، مؤكدًا أنهم سيعودون إلى مصر خلال أيام. وكان مطار القاهرة الدولي، قد استقبل في الـ27 من يوليو عام 2012، 14 مصريًا، قادمين من مطار دمشق، كانوا محتجزين لدى السلطات السورية، حاولوا التسلل عبر السواحل الأردنية إلى سوريا، بغرض الهجرة غير النظامية إلى لبنان بحثًا عن فرص عمل هناك، ونجحت السفارة المصرية في تأمين الإفراج عنهم وترحيلهم على نفقة الدولة.
وفي 20 أكتوبر عام 2015، كشفت الخارجية المصرية عن مواصلتها البحث عن ثلاثة مصريين مفقودين قد اختفوا بشكل غامض في سوريا، بعدما تلقت بلاغات من أهالي المفقودين تؤكد احتجاز عدد من المصريين في سوريا أثناء عبورهم بطريق غير مشروع إلى لبنان قادمين من تركيا، وهم: (علي عبدالرحمن علي محمد البلتاجي، وحسين سعيد أبو عاصي، ومحمد عوني عبد الشفيع أبو هجم)، مؤكدة أنها وجهت البعثة القنصلية المصرية في دمشق، على الفور، بمتابعة القضية مع السلطات السورية، وتأمين عودتهم سالمين إلى أرض الوطن (وهم ضمن الـ14 مصريًا الذين ورد ذكرهم في بداية النص، ومازالت أسرهم تبحث عنهم بعد سقوط نظام الأسد).
سوريا الأسد ثقب أسود
لا تتوفر قائمة بأسماء المصريين المفقودين في سوريا، حتى اللحظة، إلا أن زاوية ثالثة في رحلة بحثها وثقت أسماء وبيانات 20 منهم. فقد اختفى قسريًا في سوريا المصري علي حسين محمد على، منذ 2004، وفُقد رمضان علي عامر، على حدود دمشق عام 2008، كما فُقد ثلاثة مصريين آخرين في سوريا منذ 2008، هم: (منير أبو صالح الشحات الدريني، وجمال محمد أحمد البدري، وحاتم فكيه عبد الجبار)، ويُرجح ذويهم كونهم كانوا من سجناء صيدنايا أو فرع فلسطين، بينما اختفى خالد المهدي محمد بركات في 2012، ويعتقد ذويه أنه كان محتجزًا في سجن المزة العسكري، وألقي القبض على كل من: (الحسيني محمد فتح الله، ومحمد عوني أبو هجم، وعلي عبد الرحمن علي، وإبراهيم حمدي أبو النجا، ومحمد عبد الغفار السيد، ومصطفى محمد عبد الباري، وخالد إبراهيم علي، ومحمد رمضان إبراهيم، وحسين سعيد عبد المطلب، رمضان علي محمد، رمضان صالح الشحات، خالد المهدي محمد)، بالقرب من الحدود السورية اللبنانية عام 2013، وظهرت أسماؤهم بين معتقلي سجن فرع فلسطين، واختفى عبد القادر علي رضوان، منذ عام 2015، ويعتقد ذويه أنه كان محتجزًا في سجن صيدنايا، وفُقد أحمد عبدالجواد علي ابراهيم في مدينة جبيل اللبنانية عام 2020، وشاهده ذويه في مقطع فيديو للمحررين من سجن صيدنايا.
ولا توجد أي إحصائيات رسمية أو غير رسمية تظهر أعداد المصريين، الذي تم احتجازهم في السجون السورية خلال السنوات الأخيرة، كما نفى محامون حقوقيون بارزون في مصر، في حديثهم إلى زاوية ثالثة، وجود معلومات لديهم تتعلق بهؤلاء السجناء المصريون، معتبرين أن سوريا في عهد عائلة الأسد كانت بمثابة الثقب الأسود من يذهب إليها لا يعود، كما تبين أن بعض الأشخاص الذين زعمت عائلاتهم، اختفائهم القسري أو اعتقالهم في مصر، اتضح لاحقًا انضمامهم إلى داعش أو تنظيم القاعدة، وغيرها من الفصائل المسلحة في سوريا.
تواصلت زاوية ثالثة، مع مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن. يؤكد في حديثه عدم وجود أرقام دقيقة لأعداد السجناء الحاملين للجنسية المصرية، الذين كانوا في السجون ومقرات الاحتجاز التابعة لنظام الأسد، قبل الإطاحة به وفتح السجون، كما لا تتوفر لدى المرصد أي معلومات عن مصيرهم بعد تحرير السجناء، مشيرًا إلى لغز اختفاء أعداد كبيرة من المعتقلين في سجون النظام السوري السابق، ومن بينهم سجناء داعش الذين لم يعثر على أثر لهم.
بحسب تقرير صادر عن اللجنة الدولية المعنية بالأشخاص المفقودين، في 13 مارس عام 2023، فإن التقديرات، التي استشهدت بها الأمم المتحدة في عام 2021، تشير إلى أن هناك أكثر من 130 ألف شخص في عداد المفقودين نتيجة الصراع الحالي في سوريا، وكانت الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة، قد صوتت في يونيو 2023، على مسودة القرار الخاص بإنشاء مؤسسة أممية مستقلة، تعمل بشكل خاص على ملف المفقودين في سوريا.
وكان الدفاع المدني السوري المعروف باسم “الخوذ البيضاء”، قد أعلن في العاشر من ديسمبر الجاري، عن انتهاء عمليات البحث داخل سجن صيدنايا، شمالي العاصمة السورية، دون العثور على أي زنازين وسراديب سرية لم تفتح بعد، وعثر رجال الإنقاذ، في سجن صيدنايا، على عشرات الجثث المتفحمة والمتحللة ومبتورة الأطراف أو مقطوعة الرؤوس.
يعتقد السفير رخا أحمد حسن – مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق وعضو المجلس المصري للشئون الخارجية وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة-، أن معظم حالات اختفاء المصريين في سوريا، منذ 2011، ترتبط بانضمامهم إلى تنظيمات مسلحة وجماعات إرهابية، مثل: داعش وتنظيم القاعدة وهيئة تحرير الشام، الذين خرجوا من مصر بحجة السياحة، ثم سافروا إليها عبر تركيا أو لبنان، وبعضهم قتل في معارك مع الجيش السوري والمليشيات الشيعية التابعة لنظام الأسد، وتم دفنهم هناك دون إجراءات رسمية، في حين ألقي القبض على أعداد غير معروفة منهم وتعرضوا للتعذيب وغير معروف مصيرهم، بينما هناك حالات فردية لمصريين تعرضوا للقبض عليهم في سوريا قبل عام 2011 أو بعدها، ووجهت لهم تهمًا أبرزها الجاسوسية لقيامهم بالتقاط صور غير مصرح بها، وأحيانًا كان يخلى سبيلهم بعد تحقيقات وضغوطات.
ويضيف عضو المجلس المصري للشئون الخارجية، إلى زاوية ثالثة، أنه في حالات اختفاء مواطن مصري بالخارج أو إلقاء القبض عليه، يتوجب على ذويه التوجه إلى الإدارة القنصلية بوزارة الخارجية المصرية والتقدم بمذكرة، وتتولى الإدارة التواصل مع وزارتي الخارجية والداخلية في الدولة المقيم بها المواطن، للاستعلام عنه، وفي حال كان قد ارتكب مخالفة لقانون تلك الدولة فإن القنصلية المصرية تقوم بتسوية الأمر للإفراج عنه، باستثناء حالات المتهمين بالجاسوسية أو الإرهاب، لاسيما في الدول التي تعاني من حروب أهلية، كما كان الحال في سوريا؛ إذ تتعمد سلطات تلك الدول التعتيم وعدم الكشف عن مكانه، لحين انتهاء سير التحقيقات.
ويتابع “هناك تنسيق أمني بين مصر وغيرها من الدول، فيما يتعلق بجرائم الإرهاب، وأنه يتعذر أي مصري بالخارج، مسجل على قوائم الإرهاب، العودة إلى مصر بشكل شرعي، لكون اسمه مدرجًا على قوائم ترقب الوصول في المنافذ الجوية والبرية والبحرية”.
من ناحيتها، قالت البرلمانية غادة عجمي – عضو مجلس النواب عن المصريين بالخارج-، في تصريح إلى زاوية ثالثة،إن “كفاءة وزارة الخارجية ويقظة جهاز المخابرات العامة المصرية، وكونهما على مقربة من أي مصري يقع في مشكلة خارج مصر، وأنه في حال تقدم أسرته ببلاغ باختفائه فإن الخارجية تتحرك من فورها وتقوم بإجراءاتها الدبلوماسية لمعرفة مكانه، متوقعة أن تشهد الأيام المقبلة تحركات رسمية لمساعدة الأهالي الباحثين عن ذويهم الذين تعرضوا للسجن في سوريا”.
دون جوازات سفر أو نقود
يكشف الكاتب والباحث السياسي السوري، قصي عبيدو، إلى زاوية ثالثة، أنه بعد فتح السجون وإخراج المعتقلين السوريين وبعض الموقوفين العرب، والذين تم نشر لوائح تضم أسماءهم ولائحة أخرى تضم أسماء الذين قضوا وماتوا منهم في السجون، لم يتم الحديث عن لوائح جديدة حتى الآن، ومازال البحث جاري عن أي سجون أخرى لمعرفة مصير المفقودين الذين لم يتم العثور على أسمائهم في لوائح من خرجوا ولا في لوائح الوفيات، وتم الإعلان عن مكافأة مالية لمن لديه معلومات عن أي سجون سرية وإبلاغ الجهات المختصة.
ويعتقد أن هناك أشخاص خرجوا من السجون يحملون جنسيات بعض الدول العربية ولاسيما لبنان والأردن ومصر ولكن ليس لديهم جوازات سفر وليس لديهم نقود، ولذلك سيتم ترتيب أمورهم لإجراء اتصالات مع ذويهم عبر القنوات الدبلوماسية عن طريق وزارة الخارجية السورية.
يقول: “لقد التقينا بأشخاص جائوا من لبنان للبحث عن موقوفين لهم في السجون السورية وبحثوا عنهم في المشافي العامة والتقوا بهم بالفعل، لذلك من الممكن أن يكون هناك أشخاص من مصر موجودين في المشافي العامة، لفحصهم وعلاجهم قبل عودتهم سالمين إلى وطنهم.”
وفي الوقت الذي لم تصدر فيه أي بيانات عن وزارة الخارجية المصرية أو أي مؤسسة رسمية بشأن المصريين المختفين في سوريا، وعدم توفر قائمة بأسماءهم، أو أي إحصائيات رسمية أو غير رسمية تظهر أعداد المصريين، الذي تم احتجازهم في السجون السورية خلال السنوات الأخيرة، فإن عشرات الأسر المصرية، لا تزال تحيا في عذاب يومي لعدم معرفتها بمصير ذويها المختفين منذ سنوات، وتستمر في البحث عنهم في لقطات الأخبار، وعلى صفحات المفقودين في سوريا، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مناشدين وزارة الخارجية المصرية بالنظر إلى معاناتهم، والعمل على إعادة الأحياء من أولئك المفقودين، والكشف عن أسماء المتوفيين منهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.