نص بيان المبادرة المصرية للحقوق الشخصية الصادر اليوم الجمعة 31 يناير 2025
تقرير توصيات الاستعراض الحقوقي الأممي لمصر يكشف: العالم يرى الحقيقة رغم محاولات التجميل
حضرت قضايا التعذيب و"تدوير" المحبوسين والاعتقال السياسي والإخفاء القسري وسن القوانين المعيبة للإجراءات الجنائية، واللجوء، والجمعيات، وملاحقة الصحفيين والحقوقيين، وحقوق النساء وتراجع الإنفاق الاجتماعي، وغيرها من الانتهاكات الحقوقية الممنهجة في مصر في تقرير توصيات الاستعراض الدوري الشامل لسجلها الحقوقي، لتكشف فشل كل المحاولات الحكومية في تجميل الوجه القبيح لحالة حقوق الإنسان المتدهورة في مصر على مدى السنوات الماضية وحتى اليوم.
التقرير النهائي -الذي يُعتمد اليوم الجمعة بجنيف- بشأن مخرجات وتوصيات جلسة الاستعراض المنعقدة في 28 يناير الجاري، يتضمن أكثر من 370 توصية قدمتها للحكومة المصرية 137 دولة من كافة المجموعات الجغرافية، لتقدم في مجملها وصفًا حقيقيًا لأزمة حقوق الإنسان غير المسبوقة التي تمر بها مصر الآن. وسيناقش مجلس حقوق الإنسان ويعتمد التقرير في صورته النهائية، بما في ذلك عدد التوصيات التي ستعلن الحكومة قبولها والالتزام بتنفيذها، أثناء دورة المجلس المنعقدة في الفترة من 16 يونيو إلى 11 يوليو 2025.
وقالت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، التي شاركت كمراقب في أعمال جلسة الاستعراض بجنيف، إن على الحكومة المصرية أن تدرك أن كافة محاولات الدعاية والإنكار التي قدمتها قبيل وأثناء الجلسة لا تخدع أحدًا، وأن العالم يرى بجلاء كافة أبعاد الوضع الكارثي لحقوق الإنسان في مصر اليوم ومدى الحاجة الملحة والعاجلة للتصدي لهذا الوضع.
وأوفدت الحكومة المصرية إلى جنيف خلال الأسبوع الجاري ما أطلق عليها أحد الدبلوماسيين وصف "الجيش الصغير" لعرض تقريرها أمام الجلسة، حيث تكون الوفد من 39 مسؤولًا حكوميًا، بينهم ثلاثة وزراء فضلًا عن معاونيهم التنفيذيين، إلى جانب المدافعين عن الحكومة وسجلها الحقوقي المشين من أعضاء المجلس القومي لحقوق الإنسان والجمعيات الأهلية الصديقة للحكومة. غير أن "الجيش الصغير" لم يمنع الدول الأعضاء بالأمم المتحدة من إثارة طائفة واسعة من الانتهاكات الحقوقية المرتكبة في مصر، والواردة تفصيلاً في التقارير المقدمة لآلية الاستعراض من المنظمات الحقوقية المستقلة المصرية والدولية، والتقرير المجمع لآليات وهيئات حقوق الإنسان الأممية الذي أعدته المفوضية السامية لحقوق الإنسان، وتقرير اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب التابعة للاتحاد الإفريقي، بل وحتى التقرير المجمع المقدم من مكتب الأمم المتحدة بالقاهرة والذي شمل مساهمات من 14 من هيئات الأمم المتحدة العاملة داخل مصر. وجاءت هذه التقارير في مجملها لتسقط كافة الادعاءات الحكومية الكاذبة حول الواقع الموازي الذي تعيشه مصر من احترام وحماية لحقوق المصريين الذين يعيشون في سعادة وأمان غير مسبوقين.
وتضمنت التوصيات التي وردت في التقرير النهائي -الذي جاء في 22 صفحة- عدة إشارات إلى ممارسة "التدوير" سيئة السمعة، حيث يعاد توجيه الاتهامات المشابهة للمعتقلين السياسيين في قضايا جديدة لضمان عدم الإفراج عنهم بعد صدور قرارات بإخلاء سبيلهم أو قضائهم الأحكام الصادرة ضدهم أو استنفاذ الحد الأقصى القانوني لحبسهم احتياطيًا. وأشارت لممارسة "التدوير" بالاسم كل من كوستاريكا وبلجيكا وألمانيا وبريطانيا. وجاءت مسألة الإفراج عن المحبوسين ممن قضوا بالفعل الحد الأقصى للحبس الاحتياطي في مداخلات كل من بلغاريا وسويسرا وأستراليا وكندا. وطالبت المغرب بالتوسع في استخدام بدائل الحبس الاحتياطي. كما أوصت بالإفراج عن المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي كل من نيوزيلاندا والدنمارك وأستراليا وبريطانيا، التي أوصت ومعها لوكسمبورج بالإفراج الفوري عن السجين السياسي علاء عبد الفتاح بعد قضائه عقوبة حبس ظالمة بسبب مشاركة منشور على موقع فيسبوك حول تعذيب مسجون آخر. وطالبت زامبيا وتايلاند واليونان وهولندا وكندا باحترام ضمانات المحاكمة العادلة. أما المخاوف بشأن مشروع قانون الإجراءات الجنائية المعيب الذي يناقشه البرلمان حاليًا، فقد وردت في مداخلات كل من النمسا وأستراليا وبريطانيا. وأوصت الكاميرون وتشيلي بضمان استقلال القضاء والنيابة العامة.
وجاءت ممارسات التعذيب وتقاعس أجهزة الدولة عن التحقيق فيها ومحاسبة مرتكبيها في عدة مداخلات من بينها كولومبيا والجبل الأسود والنرويج والنمسا ولكسمبورج وليختنشتاين والنمسا وحتي روسيا، فضلًا عن إيطاليا التي طالبت تحديدًا بمحاسبة المسؤولين عن "القتل الوحشي" للطالب الإيطالي جوليو ريجيني في 2016. وظهر القلق الدولي من تفشي ممارسة التعذيب المنهجية في مصر في عدد كبير من المداخلات التي طالبت مصر بالانضمام للبروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، والذي يتضمن إنشاء آلية وطنية لمنع التعذيب عبر التفتيش الدوري لأماكن الاحتجاز، حيث جاءت في مداخلات دول من بينها مدغشقر وغانا وكوت ديفوار وقبرص وإستونيا والتشيك وأوكرانيا والدنمارك ومقدونيا الشمالية وسلوفينيا والسويد وليختنشتاين. وأوصت جنوب أفريقيا وروسيا بتحسين أوضاع الاحتجاز في السجون المصرية.
أما مسألة الإخفاء القسري فقد وردت في قرابة 14 من توصيات الدول، التي طالب أغلبها مصر بالانضمام إلى اتفاقية الأمم المتحدة لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، والسماح لجميع المحتجزين بالتواصل الفوري مع أسرهم ومحاميهم. ومن بينها جامبيا وغانا والمكسيك ومقدونيا الشمالية وكوريا الجنوبية وأوكرانيا ومنغوليا وإسبانيا وأنجولا وكندا وكولومبيا وكوت ديفوار وكرواتيا وفرنسا.
تلقت الحكومة المصرية أيضًا ما لا يقل عن 25 توصية بوقف ملاحقة الحقوقيين والصحفيين والمحامين وضمان حرية عمل المجتمع المدني، جاءت تلك التوصية من لاتفيا والنرويج والتشيك وإستونيا ولختنشتاين وإسبانيا والرأس الأخضر ولكسمبورج والسويد وتشيلي وألبانيا ونيوزيلاندا وسويسرا وكوستاريكا وبلجيكا والبرازيل ونيجيريا وكوريا الجنوبية وهولندا والتشيك. فيما أوصت عدة دول تحديدًا بتعديل قانون العمل الأهلي المعيب الصادر في 2019 وهي دول ليتوانيا والنمسا والتشيك ونيوزيلاندا وبلجيكا.
كما ثارت قضية الحجب غير القانوني للمواقع الصحفية وضمان حرية الإعلام التقليدي والرقمي في مداخلات من كل من الهند والبرازيل وألمانيا وسويسرا ونيوزيلندا. وأشارت كوستاريكا تحديدًا إلى وقف استخدام تقنيات التنصت بشكل غير قانوني. وأوصت كل من المكسيك والهند وأيرلندا والتشيك وغيرها بتعديل قانون الإرهاب الصادر عام 2015، وخص بعضها بالإشارة تعريف الإرهاب الفضفاض وواسع النطاق الوارد في مادته الأولى. كما أوصت باحترام حقوق الإنسان الأساسية في إطار مكافحة الإرهاب. وورد ملف حقوق الإنسان في شمال سيناء في توصيات كل من كولومبيا وجمهورية الدومينيكان وكوستاريكا؛، حيث أوصوا بضمان حماية الأطفال والمدارس في شمال سيناء والامتناع عن استعمال المدارس كقواعد عسكرية والانضمام للمبادرة الدولية بشأن المدارس الآمنة.
وجاء العدد الضخم من التوصيات المتعلقة بعقوبة الإعدام ليعكس القلق الدولي المتزايد من التوسع المهول في عدد أحكام الإعدام الصادرة سنويًا خلال السنوات الماضية، حيث جاءت مصر في المركز الثاني بين جميع دول العالم في عدد أحكام الإعدام الصادرة التي رصدتها منظمة العفو الدولية في تقريرها السنوي الصادر عام 2024، بإجمالي 590 حكم بالإعدام على الأقل في العام السابق لجلسة الاستعراض لتسبقها فقط الصين. التوصيات المتعلقة بتخفيض عدد الجرائم المعاقب عليها بالإعدام، وإعلان التعليق المؤقت لتنفيذ تلك الأحكام تمهيدًا لدراسة إلغاء العقوبة والانضمام للبروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية بشأن عقوبة الإعدام، جاءت في ما لا يقل عن 29 توصية صدر عدد منها من دول أفريقية منها موزمبيق وسيراليون، ليدحض المبررات الثقافية المزعومة التي تستخدمها الحكومة المصرية.، تكررت تلك التوصية أيضًا من باراجواي وتشيلي وكولومبيا والمكسيك والبرتغال وإستونيا وفنلندا وفرنسا ولختنشتاين وألمانيا ولكسمبورج ونيوزيلندا والنرويج وسلوفينا وإسبانيا وإيطاليا وأستراليا والنمسا وبلجيكا وسويسرا وأوكرانيا وألبانيا وكرواتيا والتشيك وأيسلندا وأيرلندا.
أثير قانون لجوء الأجانب المعيب الصادر الشهر الماضي وضرورة ضمان اتساقه مع التزامات مصر بموجب القانون الدولي في توصيات كل من فرنسا و الإكوادور وسويسرا. فيما تلقت مصر توصيات بوقف الإعادة القسرية المحظورة دوليًا لملتمسي اللجوء، وباحترام حقوق اللاجئين والمهاجرين وملتمسي اللجوء من كل من النيجر والسنغال وزامبيا وزيمبابوي وأوغندا وباكستان بنجلاديش والبرازيل وهندوراس.
تقاعس الحكومة المصرية عن إصدار قانون للمساواة ومنع التمييز وإنشاء مفوضية مناهضة التمييز المنصوص عليها دستوريًا منذ 2014، جاء في مداخلات من كل من المكسيك وباكستان وجنوب أفريقيا وتوجو وبلغاريا وكولومبيا وجمهورية الدومينيكان. كما أثار قضية ضمان حرية الدين والمعتقد ومناهضة التمييز والعنف على أساس ديني كل من المغرب وباكستان وروسيا وسيراليون والكونغو وحتى البحرين. وتطرق عدد كبير من المداخلات لمسألة التمييز ضد النساء في سوق العمل (10 توصيات)، والانضمام لاتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 190 بشأن العنف والتحرش في أماكن العمل (موريشيوس والدنمارك)، وإصدار قانون العنف ضد المرأة وتجريم كافة أشكاله (14 توصية)، وجاء طلب تعديل قانون الأحوال الشخصية لإزالة التمييز ضد النساء في أربع توصيات من بينها توصية الهند التي أشارت تحديدًا للتمييز في مسائل الطلاق. كما أوصت خمس دول أفريقية هي ناميبيا ورواندا وكوت ديفوار والكونغو الديمقراطية وإسواتيني بانضمام مصر للبروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية مناهضة التمييز ضد المرأة (السيداو). وأثارت كل من تشيلي وإسبانيا وكندا وأيسلندا قضية ملاحقة وتجريم الأفراد على أساس ميولهم الجنسية أو هويتهم الجندرية الحقيقية أو المفترضة، وضرورة التزام مصر بوقف الفحوص الشرجية القسرية وتعديل مادة الفجور المستعملة لتجريم السلوك الجنسي الرضائي بين البالغين.
كان من اللافت أن حتى الأدوات الدعائية التي استخدمتها الحكومة المصرية للإيحاء باهتمامها بحقوق الإنسان لم تنجُ من التوصيات التي كشفت عن محدوديتها. ففيما يتعلق بالاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان -التي مضى على اعتمادها ثلاثة أعوام من أصل خمسة دون تطبيق يذكر؛ أوصت لبنان الحكومة بإعلان برنامج تنفيذي لها وتوفير الموارد المالية والبشرية اللازمة لتنفيذها، وأوصت البحرين بضرورة استحداث آليات للمتابعة والتقييم لتنفيذ ما جاء بها، فيما أوصت تايلاند بوجوب تنفيذ الالتزامات الواردة فيها، تحديدًا فيما يتعلق بالحقوق المدنية والسياسية. وبالمثل فيما يخص الحوار الوطني، جاءت توصية تركيا للحكومة بضرورة التقييم الدوري لتنفيذ مخرجاته، في إشارة واضحة لعدم تنفيذ الحكومة ولو لتوصية واحدة من تلك الصادرة عن محوره السياسي بما في ذلك في مجال حقوق الإنسان، بعد قرابة ثلاثة أعوام من إطلاقه.
وتلقى المجلس القومي لحقوق الإنسان طائفة واسعة من الانتقادات المبطنة بعد إعلان عدم امتثاله لقواعد الأمم المتحدة بشأن الاستقلال والفاعلية والكفاءة (مبادئ باريس)، جاءت من عدة دول من بينها كينيا والسنغال وجامبيا وتركيا وماليزيا وكوبا والبرتغال والدنمارك. وتلقت الحكومة كذلك عددًا كبيرًا من التوصيات المتعلقة بأثر الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة على الحماية الاجتماعية وحقوق الفقراء، تضمنت توصيات من كل جامبيا وبروناي وبيلاروس ومقدونيا الشمالية، فضلًا عن توصيات محددة بشأن زيادة الإنفاق على الصحة والتعليم والضمان الاجتماعي من بينها تلك الصادرة عن نيوزيلندا وجمهورية الدومينيكان.
وفي تعليقها على التقرير النهائي للاستعراض قالت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية إن على الحكومة المصرية أن تدرك أنها لن تقدر على خداع كل العالم كل الوقت. وأن جميع أبعاد الأزمة الكارثية التي طالت كافة حقوق الإنسان في مصر، لا يمكن إخفاؤها بوفد عملاق يقدم استراتيجيات ورقية وإجراءات تجميلية ليس بمقدورها صرف الأنظار عن الواقع البادي للجميع. إن السبيل الوحيد لتحسين صورة مصر هي تغيير واقع مصر.
كانت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية قد تقدمت بخمسة تقارير منفصلة لآلية الاستعراض الدوري الشامل قبل عقد الجلسة، تضمنت تقريرًا فرديًا قدم لمحة عامة حول تدهور الوضع الحقوقي منذ جلسة الاستعراض السابقة عام 2019، فضلًا عن تقارير جماعية، تناول أولها الانتهاكات المنهجية داخل منظومة العدالة الجنائية كالتعذيب والإخفاء القسري والمحاكمات غير العادلة وسوء أوضاع الاحتجاز، فيما غطى الثاني حقوق المدافعين عن حقوق الإنسان وإساءة استخدام قوانين الإرهاب لمعاقبتهم، وتطرق الثالث إلى أزمة حقوق النساء والفتيات في مصر، بينما خُصِّص الرابع لرصد انتهاكات الحريات الرقمية وحرية التعبير والإعلام. كما شارك بهجت كمتحدث في الجلسة السابقة للاستعراض في جنيف نوفمبر الماضي بتقرير تناول التدهور غير المسبوق في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بمصر خلال فترة الاستعراض. وأصدرت المبادرة المصرية كذلك تعليقًا على تقرير الحكومة المقدم للاستعراض الدوري الشامل حمل عنوان "الواقع الموازي".
المبادرة المصرية للحقوق الشخصية
رابط البيان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.