مجلة فورين بوليسي
ديكتاتور ترامب المفضل لم يعد كذلك بعد ان فقد حظوته الاستبدادية عند استاذة
عودة ترامب تعني مزيد من المشاكل والمتاعب للسيسي
قائد مصر قد يكون كان يومًا ما الديكتاتور المفضل لترامب، لكن مطالب واشنطن الأخيرة تهدد مصالح القاهرة
عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض منذ شهر نوفمبر أثارت موجات قلق في القاهرة، حيث يحاول الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ودائرته الداخلية فهم تداعيات إدارة ترامب الثانية. فعلى الرغم من أن ولاية ترامب الأولى اتسمت بخطاب ودي تجاه السيسي حتى أنه وصفه علنًا بالديكتاتور المفضل إلا أن طبيعة العلاقة كانت أكثر تعقيدًا، وفي بعض الأحيان ضارة بمصالح السيسي.
يعتمد نظام السيسي بشكل كبير على الدعم المالي والسياسي الخارجي، ولذلك نظر إلى رئاسة ترامب على أنها سيف ذو حدين. فرغم الخطاب الودي، فإن سياسات ترامب وعدم القدرة على التنبؤ بها قوضت في كثير من الأحيان الأهداف الاستراتيجية للسيسي. ومع عودة ترامب إلى منصبه، تأكدت مخاوف السيسي منذ الأسبوع الأول، عندما أصر ترامب على حل أزمة غزة عبر إجبار مصر والأردن على استقبال أكثر من مليون لاجئ فلسطيني لكل منهما، وهو الأمر الذي كان من شأنه زعزعة استقرار نظام السيسي بشكل كبير، إن لم يكن تقويضه بالكامل.
ردت الدولة المصرية على مطلب ترامب المتعلق بغزة ببيان صارم وواضح لم يذكر ترامب بالاسم، مما دفعه إلى التشبث بمطالبه. وكان رد الفعل على وسائل التواصل الاجتماعي المصرية لافتًا في وحدته، حيث اتحد مؤيدو النظام القليلون ومعارضوه العديدون خلف السيسي في مواجهة ترامب.
الموقف في البلاد يتغير بسرعة، خاصة عند مقارنته بتفاؤل السيسي بعلاقته مع ترامب قبل ثماني سنوات.
عند انتخاب ترامب لأول مرة، رأى السيسي في ذلك فرصة لتعزيز موقفه تجاه دول الخليج. ففي عام الفين وستة عشر، توصلت مصر والسعودية إلى اتفاق مثير للجدل لنقل سيادة جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية مقابل ما يقدر بستة عشر مليار دولار من المساعدات والاستثمارات. وقد قوبلت الصفقة بمعارضة شعبية واسعة في مصر، حيث اتهم المنتقدون السيسي ببيع الأراضي المصرية.
كان السيسي يخطط للحصول على الأموال وتأجيل تسليم الجزر إلى السعودية إلى أجل غير مسمى، مستخدمًا علاقته بترامب للضغط على دول الخليج، لا سيما ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. لكن هذه الاستراتيجية ارتدت عليه خلال قمة الرياض في عام الفين وسبعة عشر، حيث ضغط ترامب على السيسي للإسراع في تسليم الجزر. امتثل السيسي على مضض، لكن مصر منذ ذلك الحين استخدمت تأخيرات بيروقراطية وتحديات قانونية لعرقلة النقل الكامل.
ورغم أن ترامب كان ودودًا ظاهريًا مع السيسي، إلا أن إدارته في ولايته الأولى لم تقدم دعمًا ملموسًا لمصر. حيث لم تحصل مصر على زيادة كبيرة في المساعدات المالية بسبب نفور ترامب من المساعدات الخارجية، كما لم تكن هناك صفقات أسلحة جديدة كبيرة بين البلدين.
في ذلك الوقت، لم يكن هذا النقص في الدعم مشكلة كبيرة، ولكن منذ جائحة فيروس كورونا والحرب الروسية الأوكرانية وسوء إدارة السيسي المالية التي زعزعت استقرار الاقتصاد المصري تمامًا، أصبح نظام السيسي يعتمد بشكل متزايد على التمويل الخارجي للبقاء على قيد الحياة.
كان أحد المجالات التي شكلت فيها رئاسة ترامب تحديًا للسيسي هو ملف حقوق الإنسان. فرغم سمعة ترامب في التغاضي عن انتهاكات حقوق الإنسان في الدول الحليفة، إلا أن إدارته قطعت بعض المساعدات عن مصر لأسباب تتعلق بحقوق الإنسان، ونجحت في تأمين إطلاق سراح الناشطة المصرية الأمريكية آية حجازي من السجن المصري.
كان هذا الإفراج، الذي تم تحت ضغط غربي كبير، لافتًا لأنه كان آخر مرة خلال السنوات السبع الماضية التي يؤدي فيها الضغط الدولي إلى إطلاق سراح ناشط في مصر.
على النقيض من ذلك، وفرت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للسيسي بيئة أكثر ملاءمة، حيث قدمت له دعمًا ماليًا وخففت الضغط على قضايا حقوق الإنسان. كما واجهت مصر في ظل إدارة بايدن ضغوطًا أقل بشأن تسليم جزر البحر الأحمر، مما سمح للسيسي بالحفاظ على درجة من السيطرة هناك. كما تبنت إدارة بايدن نهجًا أكثر ليونة تجاه حقوق الإنسان، ونادرًا ما علقت على الانتهاكات في مصر، بل حتى حاولت الإفراج عن ثلاثمئة مليون دولار من المساعدات العسكرية المحتجزة في خطوة رمزية تم حظرها في النهاية من قبل مجلس الشيوخ الأمريكي.
من الناحية الاقتصادية، قدمت إدارة بايدن لمصر طوق نجاة حاسمًا من خلال تأمين اتفاق مع صندوق النقد الدولي بحجم يقارب ثلاثة أضعاف الاتفاقات السابقة، ودون فرض شروط صارمة، لضمان تعاون القاهرة مع إسرائيل خلال الحرب ضد حركة حماس في غزة. ودفعت هذه المساعدات المالية، إلى جانب الاستثمارات الخليجية، أكثر من خمسين مليار دولار إلى الاقتصاد المصري المنهار خلال عام الفين واربعة وعشرين وحده، مع وعود بمزيد من الدعم للحفاظ على العلاقة بين السيسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
كما وافقت وزارة الخارجية الأمريكية خلال فترة بايدن على بيع ما يقرب من خمسة مليارات دولار من الأسلحة المتقدمة لمصر، بما في ذلك دبابات أبرامز وصواريخ هيلفاير. ولو فازت نائبة الرئيس السابقة كامالا هاريس في الانتخابات الرئاسية لعام الفين واربعة وعشرين، فمن المرجح أن يكون هذا الترتيب من الدعم المالي وصفقات الأسلحة قد استمر.
لكن الآن، يواجه نظام السيسي تهديدًا وجوديًا يتمثل في إحياء الاتفاق الذي أطلق عليه ترامب ذات مرة اسم صفقة القرن.
ظل خطة ترامب المثيرة للجدل للسلام في الشرق الأوسط نقطة خلاف بينه وبين السيسي خلال ولايته الأولى، على الرغم من قبول السيسي العلني لها. وكان أحد أكثر بنود الخطة إثارة للجدل هو مطلب أن تتنازل مصر عن أراض في شبه جزيرة سيناء لإعادة توطين الفلسطينيين المشردين، وهو ما يعتبر خطًا أحمرًا بالنسبة للمؤسسة العسكرية المصرية، التي رأت فيه خطرًا أمنيًا وحكمًا بالإعدام السياسي للسيسي.
توقفت الخطة عندما تحول تركيز ترامب إلى إدارة جائحة فيروس كورونا وحملته لإعادة انتخابه في عام الفين وعشرين، مما جنب السيسي مواجهة فورية. لكن إعادة انتخاب ترامب تعني على الأرجح عودة الخطة إلى الواجهة. وقد بدأ ترامب من حيث توقف في عام الفين وعشرين، وتأتي جهوده في أسوأ وقت ممكن بالنسبة للسيسي، الذي يواجه وضعًا اقتصاديًا غير مسبوق وسخطًا داخليًا.
في ظل هذا السيناريو، أمضى السيسي العام الماضي في إعداد إجراءات مضادة لتجنب الوقوع في الزاوية. وبالنسبة لمصر، فإن المهمة واضحة وهي العثور على طريقة للنجاة من طموحات ترامب دون التضحية بالاستقرار أو السيادة.
من الناحية الاستراتيجية، تبنت مصر منذ فترة طويلة سياسة العرقلة المدروسة، من خلال تأخير وتعقيد أو إفشال المبادرات لاستخلاص تنازلات. وكما قال لي أحد الجنرالات المصريين قبل عشر سنوات بشرط عدم الكشف عن هويته، إذا جعلنا كل شيء يسير بسلاسة، فمن سيطلب منا تقديم تنازلات.
اليوم، تواجه هذه العقيدة اختبارًا ثلاثي الأبعاد يتمثل في عرقلة خطة ترامب بشأن سيناء، الضغط على إسرائيل لاحترام السيادة المصرية وسط تصاعد التوترات الحدودية، وإيجاد حليف إقليمي غير إسرائيلي لموازنة النفوذ الخليجي. وللقيام بذلك، أطلقت مصر حملة متعددة الجبهات من التمركز العسكري وإعادة التوجه الاستراتيجي.
لكن هذه المناورات تنطوي على مخاطر. حيث أصبحت إسرائيل قلقة بشأن الحشد العسكري المصري في سيناء، بينما تنظر دول الخليج إلى النفوذ التركي المتزايد على أنه تهديد غير مرحب به.
بالنسبة للسيسي، فإن الحسابات واضحة وهي أن العرقلة والفوضى أدوات للبقاء. لكن إذا أثبتت الأسابيع الأولى من رئاسة ترامب شيئًا، فهو أنه سيد الفوضى بحد ذاته، حيث إنه غير متوقع، لا يلين، وغالبًا ما يكون غير مقيد بالأعراف الدبلوماسية التقليدية. وقد يتحول اعتماد السيسي على العرقلة إلى سيف ذي حدين، حيث يمكن بسهولة أن يقلب ترامب الطاولة ويجعل القاهرة تكافح للتكيف مع لعبة تتغير قواعدها يوميًا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.