علاء الأسواني: تناقضات معركة السيسي العشوائية ضد فيروس كورونا
لاشك أن أي مصري وأي إنسان يتمنى أن تنجح السلطات المصرية في السيطرة على وباء كورونا. لا يعكس ذلك بالطبع تغيرا في موقفنا ضد نظام السيسي القمعي لكن النجاح في السيطرة على الوباء يعني إنقاذ حياة ملايين المصريين وهذا هدف أسمى من أي هدف آخر على أن المتابع للمعركة التي تجرى في مصر ضد كورونا سرعان ما يتبين التناقضات التالية:
أولا: أعلن الرئيس السيسي في بداية الأزمة أنه سيخصص 100 مليار جنيه لمحاربة وباء كورونا، ومن حقنا أن نسأل عن مصدر هذه الأموال؟ هل هي معونات خارجية أم ديون جديدة تضاف إلى الديون الثقيلة التي تسبب فيها السيسي؟ هل سيأخذ السيسي هذا المبلغ من ميزانية الدولة أم من ميزانية القوات المسلحة التي لا نعرف عنها شيئا؟
إن وجود هذه الأموال الطائلة تحت تصرف السيسي يتناقض مع ما صرح به مرارا من أننا دولة فقيرة جدا. إن السيسي ينفق أموال الدولة وكأنها ماله الخاص وهو لا يعتبر نفسه ملزما بتفسير أي قرارات يتخذها لأن سلطته مطلقة، وهو لا يرى أن من حقنا كمصريين أن نعترض أو نناقشه في قراراته. وبالطبع فإن مجلس الشعب الصوري المصنوع في المخابرات تتلخص مهمته في تأييد الرئيس والإشادة بعبقريته أما الوزراء فليسوا في الواقع إلا أفراد سكرتارية تابعين للزعيم يتبارون في طاعته ومديحه.
ثانيا: يفاجئنا السيسي بقرارات غير مفهومة فقد أرسل وزيرة الصحة هالة زايد إلى الصين من أجل التضامن معها ضد كورونا وكثرت التكهنات عن السبب الحقيقي لهذه الزيارة. وبينما تشكو مستشفيات مصر جميعا من قلة الإمكانيات وتكرر نقابة الأطباء طلبها بتوفير الكمامات وأدوات الحماية للأطباء وهيئة التمريض، فقد فاجئنا السيسي بإرسال مليون كمامة هدية إلى الشعب الإيطالي. نحن بالطبع نؤيد التضامن الإنساني مع إيطاليا لكن لا توجد بلد في العالم تستغني عن تجهيزات طبية هي في أمس الحاجة إليها لترسلها إلى بلد آخر.
إن الأطباء وأفراد التمريض يخوضون معركة نبيلة للدفاع عن المصريين وهم يصابون كل يوم بالعدوى لأن الدولة لا توفر لهم كمامات، فلماذا يرسل السيسي مليون كمامة إلى ايطاليا بينما أطباؤنا يحتاجون إليها ولماذا أرسلها إلى إيطاليا ولم يرسلها إلى إسبانيا المنكوبة أيضا بكورونا؟ الإجابة ان من مصلحة السيسي تحسين العلاقات مع الحكومة الإيطالية بغرض دفن قضية جوليو ريجيني وهو باحث ايطالي تم تعذيبه حتى الموت في مصر، واستطاعت إيطاليا أن تحدد أسماء الضباط الذين قتلوه وهي تطالب السيسي بتسليمهم.
ثالثا: أوضحت الأزمة أن رجال الإعمال في مصر عندهم تفكير مختلف عن رجال الأعمال في العالم، فبينما تبرع رجال الأعمال في البلاد الغربية المنكوبة بمئات الملايين لمساعدة المتضررين، فوجئنا ببعض رجال الأعمال المصريين يؤكدون أن مصلحة مصر الحقيقية تقتضى إعادة تشغيل المصانع والشركات حتى لو أدى ذلك إلى مرض ووفاة العمال والموظفين.
إن هذا المنطق المشين يعتبر المال أهم بكثير من الحياة الإنسانية. إن رجال الأعمال المليونيرات في مصر لا يتحملون فكرة خسارتهم المؤقتة أو حتى توقف مكاسبهم حتى لو كان الثمن وفاة آلاف المواطنين الأبرياء.
رابعا: الديكتاتورية هي المجال الخصب للمحسوبية والفساد والاستثناءات ولا يمكن تحقيق المساواة والعدالة إلا في نظام ديمقراطي. قررت الحكومة المصرية إغلاق المساجد والكنائس والمقاهي والمطاعم وتعطيل الأنشطة الرياضية والفنية ومنع كل التجمعات التي تؤدى إلى انتشار الوباء. كل هذه إجراءات صحيحة وضرورية اتخذتها كل الحكومات في العالم لكننا فوجئنا أيضا بقرار الحكومة استئناف العمل في المشروعات التابعة الجيش التي تنفذها شركات مقاولات خاصة وقرار آخر باستمرار التصوير في المسلسلات التليفزيونية التي تنتجها شركات تابعة للمخابرات وهكذا تفعل الحكومة الشيء ونقيضه في نفس الوقت مما يفقد إجراءات الحظر مصداقيتها أمام المواطنين.
خامسا: في الدول الديمقراطية تعتبر العودة إلى الوطن من الحقوق الأساسية ولا تملك أية سلطة منع المواطن من العودة إلى بلاده وعندما قرر الرئيس ترامب إغلاق الولايات المتحدة أمام المسافرين أصدر قسم الهجرة الأمريكي بيانا أكد فيه أن المواطنين الأميركيين والمقيمين (حاملي البطاقة الخضراء) لن يشملهم الحظر لأن من حقهم قانونا العودة إلى أمريكا في أي وقت. بدأت الحكومة المصرية في إعادة المصريين في الخارج ثم قررت تنفيذ الحجر الصحي في فنادق فاخرة على حساب العائدين وعندما اعترضوا قام السيسي بدفع التكاليف لكن الحكومة أعلنت أنها لن تعيد إلا العالقين الذين انتهت تأشيراتهم. أما المقيمون في الخارج فهي لن تعيدهم وفي ذلك انتهاك لأبسط حقوق المواطن المصري في العودة إلى بلاده.
سادسا: في مصر عشرات الآلاف من المحبوسين احتياطيا ومعظمهم معارضون سلميون اعتقلتهم الحكومة لأنهم عبروا عن آراء معارضة للنظام. السجون في مصر مكدسة بالمساجين وقد طالبت هيئات عديدة من ضمنها الأمم المتحدة السلطات المصرية بإطلاق سراح المحبوسين احتياطيا ومراقبتهم في منازلهم (كما فعلت دول كثيرة) حتى تتوفر أماكن فسيحة وصحية لبقية السجناء. السجون بوضعها الحالي بمثابة قنبلة موقوتة ولو انتقل الوباء إلى السجون لا قدر الله سيفقد آلاف المصريين حياتهم لكن نظام السيسي يتجاهل هذا الخطر لأن رغبته في الانتقام من معارضيه أقوى من رغبته في محاربة الوباء.
إن مصر تمر بلحظة دقيقة وعصيبة ونحن المصريين جميعا في خندق واحد ولا يمكن أن ننتصر على وباء كورونا إلا بالعمل المخلص والشفافية والعدل لأن الوباء لا يميز بين الأغنياء والفقراء ولا بين معارضي النظام ومؤيديه.
الديمقراطية هي الحل