سجن بورسعيد للنساءنص تقرير الجبهة المصرية لحقوق الانسان الصادر بتاريخ يوم الجمعة 7 أغسطس 2020 عن سجن بورسعيد للنساء
اعتمدت الجبهة المصرية لحقوق الإنسان في اعداد هذا التقرير عن سجن بورسعيد للنساء على أخبار صحفية وتقارير موثقة من قبل منظمات حقوقية بالإضافة إلى مقابلة شخصية مع إحدى المحتجزات سابقا بالسجن، وذلك لعرض أحوال السجن منذ 2013 وحتى تاريخ كتابة هذه الصفحة. وقد خلصت الجبهة بشكل عام إلى أن المحتجزات بالسجن يعانين من التكدس وسوء التهوية وضعف الخدمات الطبية، بالإضافة لرداءة الأطعمة المقدمة بالسجن وعدم كفايتها، وعدم صلاحية مياه السجن للشرب، وهو ما يرفع تكلفة البقاء في السجن بالنسبة للسجينات وأهلهن، فضلًا عن مضاعفة معاناة أولئك اللاتي لا يتلقين زيارات من ذويهن.
بيانات السجن
لم تستطع الجبهة المصرية أن تصل إلى التاريخ المحدد إنشاء سجن بور سعيد، لكن الوثيقة الأقدم التي توصلت إليها، هي قرار وزير الداخلية رقم 72 لسنة 1959، وأشار القرار إلى السجن بوصفه قائمًا بالفعل.
يقع سجن بور سعيد بدائرة قسم الشرق بجوار السوق التجاري الجديد، ويحده من من الجهة البحرية شارع الصباح، ومن الجهة الغربية شارع مغلق ملاصق للسجن المركزي للقوات المسلحة، ومن الجهة القبلية طريق مواجه لشركة مصر للأسواق الحرة، ومن الجهة الشرقية طريق بوابة للمساكن الشعبية. ووفقًا لقرار وزير الداخلية رقم 12299 لسنة 1999، فإن سجن بور سعيد سجن عمومي ينقسم إلى عنبرين، واحد للنساء والآخر للرجال، لاستقبال المحكوم عليهم بالحبس أو السجن، وأشار القرار أن السعة الصحية للسجن هي 768 مسجون ومسجونة.
ووفقًا لشهادة إحدى المحتجزات السابقات، يتكون قسم النساء بالسجن من مبنى واحد يقع في وسط ساحة مفتوحة محاطة بجدران من الصاج. تعبر السجينات إلى ساحة السجن من الباب الرئيسي المطلّ على قفص الزيارة وغرفة رئيس المباحث والمبنى الإداري، مرورًا بالباب الخاص بسجن النساء، ثم بممرّ ضيق يقود إلى باب ساحة السجن. يتكون سجن النساء ببورسعيد من 4 زنازين و5 غرف كبيرة نسبيًا ومكتبة. لا يوجد بالسجن زنازين خاصة للحبس الانفرادي. تجدر الإشارة إلى أن انتقال السجينات من وإلى السجن يكون في سيارات ترحيلات مصنوعة بالكامل من الحديد، ما يرفع بشدة من درجة حرارتها ويمثل خطرًا على صحة المحتجزات، خاصة وأنهنّ قد يمضين قرابة 12 ساعة في سيارة الترحيلات.
حالة الزنازين والعنابر ومرافق السجن
التكدس والتهوية ونظافة العنابر
تتراوح مساحة الغرف بالسجن بين غرف صغيرة “زنازين” مساحتها (2 متر في 2 متر)، وغرف أكبر حجمًا “عنابر” قد تصل مساحتها أربعة أمتار في أربعة أمتار. الأسرّة في السجن عبارة عن “ملل” حديدة تتكون الواحدة منها من 3 أسرّة فوق بعضها البعض. تضم الزنازين الصغيرة حوالي 8 أسرّة (ملّتين وعدد 2 سرير منفرد)، بينما يصل عدد الأسرة بأكبر العنابر إلى 16 سريرًا. لا تكفي الأسرّة المحتجزات وتتوزع عليهن حسب أقدميتهنّ بالسجن، ما يضطر السجينات الجدد إلى النوم على الأرض. تسمح الإدارة بدخول الوسائد الإسفنجية من الخارج، لكنها تمنع المراتب، وتلجأ السجينات إما لاستخدام مراتب قديمة تركتها نزيلات أفرج عنهن وإما لخياطة بطانيتين أو ثلاث للنوم عليها بدلًا من المراتب. أما بقية الأغطية ومستلزمات الأسرّة فتحصل عليها النزيلات من الزيارات.
تذكر بعض التقارير وجود نوافذ كبيرة الحجم ببعض غرف السجن (مترين في متر)، لكن إحدى المحتجزات سابقًا بالسجن أفادت للجبهة المصرية بأن في مكان احتجازها كان الشباك كان صغيرًا جدًا، كما أن كل النوافذ مغطاة بالسلك، ما يجعل من تهوية الغرف ضعيفة للغاية، خاصة مع التدخين المستمرّ من قبل المحتجزات داخل الغرف، ووجود مروحة سقف واحدة. وبالإضافة لكل ذلك فإن جدران “الصاج” المحيطة بالسجن تساهم أيضا في ارتفاع درجة الحرارة داخل الغرف، حتى في فصل الشتاء. وعلى الرغم من نفاذ الضوء إلى داخل الغرف بشكل كافٍ لإضاءتها أثناء النهار، إلا أن الغرف لا تتعرض مباشرة لأشعة شمس. ولا تنفذ أشعة الشمس كذلك إلا لمساحة صغيرة من ساحة التريض بسبب الجدران الصاج، وهو ما يؤثر سلبا على صحة النزيلات بالسجن.
تتولى سجينات كل غرفة “بالدور” مسؤولية تنظيف الزنزانة أو العنبر الخاص بهنّ مرتين يوميًا، بما في ذلك تنظيف حمام الغرفة وإخراج القمامة منه. وتدفع بعض السجينات “بونات” بقدر 20 جنيهًا للبون، أو خرطوشة سجائر (10 علب) مقابل قيام أخريات بالتنظيف بدلًا منهنّ. وعلى الرغم من ذلك، تنتشر الصراصير بغرف السجن، ما أدى إلى إصابة بعض المحتجزات بأمراض جلدية. وتواردت أخبار كذلك عن دخول الثعابين والفئران إلى بعض العنابر – بل إن محتجزة سابقة قالت أن رئيس المباحث بالسجن عرّض أحد العنابر لما يسمى بـ”التكدير” بسبب صراخ السجينات إثر عثورهنّ على ثعبان داخل العنبر. وتتولى مهمة غسل الملابس بعض السجينات ممن يقضين مددًا طويلة داخل السجن مقابل 200 جنيه شهرياً ( ما قبل عام 2016)، أو ما يعادل ثمن 100 علبة سجائر
مرافق السجن
يوجد بالغرف الكبيرة ومتوسطة الحجم دورة مياه ضيقة بها حمام “بلدي” و”دش” للاستحمام، كما يوجد بالمبنى خارج العنابر منطقة حمامات تسمى “المغسلة”، وتستخدمها السجينات لغسل الملابس وطبخ الطعام. وبالرغم من نظافة المياه بالسجن نسبيًا، إلا أن احتوائها على مادة “الشابّة” يجعلها غير صالحة للشرب وتعرض السجينات لتساقط الشعر ومضاعفات صحية كالقيء المستمر. ويضطر ذلك السجينات إلى الاعتماد على المياه المعدنية التي يحضرها الأهالي في الزيارة، ما يرفع من تكلفة بقائهنّ في السجن.
تدخل إدارة السجن يوميًا إلى كل غرفة ما يسمى بـ”الجراية” وهي صندوق كرتوني به بعض المواد الغذائية كالزيت الجبن والخيار والبصل والطماطم. تحصل كل سجينة على ثلاثة أرغفة خبز يوميًا، وتقدم الإدارة بيضتين للسجينة مرتين في الأسبوع. ويعدّ السجن وجبات تسمى”التعيين”، إلا أن جودته سيئة للغاية، فحسب شهادة إحدى المحتجزات سابقًا للجبهة المصرية:
“الحاجات دي كانت تقرف. لو حيوانات مش هتاكلها. ف كانوا بيكبوها في البلاعة… كانوا بياخدوا اللحمة بس. واللحمة أصلًا مكناش بناخدها لأن شكلها كان مقرف واحنا مش محتاجين يعني فكنا بنسيبها كدا كدا لو حد عايزها ياخدها”
تعتمد بعض السجينات على الزيارات للحصول على الطعام، ويوفر السجن لكل المحتجزات ثلاجة واحدة و”ديب فريزر” مجانًا لحفظ تلك الأطعمة على أن يتم تسخينها أو طهيها فيما بعد على سخانات كهربائية يحضرونها من الخارج. وتقوم بعض السجينات كذلك بالطبخ باستخدام المواد الغذائية التي يوفرها السجن. أما من لا يتلقين زيارات فلا يكفيهن طعام الجراية، ويلجأن لأخذ ما يفيض من طعام السجينات الأخريات. لا يوجد كانتين أو كافتيريا بسجن بورسعيد للنساء، بل يحضر بائع بعض صناديق الأطعمة الجافة المعلبة وغيرها إلى ساحة السجن لتشتريها السجينات مقابل البونات التي بحوزتهن.
معاملة المحتجزات بالسجن
لا تتبع إدارة السجن قواعد تسكين السجينات حسب التهم المحتجزات على خلفيتها، فتتوزع بعض المحبوسات احتياطيًا على خلفية تهم سياسية وسط المحكومات في قضايا جنائية. ويتم التمييز في المعاملة بين “السياسيات” و”الجنائيات”، فلا يسمح للسياسيات بالعمل داخل السجن،حيث أن مسيّرات الغرف لا يخترن إلا من بين الجنائيات. وتعتمد الإدارة على المسيّرات لمراقبة باقي السجينات – خاصة المحتجزات على خلفية تهم سياسية – وإدارة شؤون الزنازين والعنابر. وتقوم السجينات بدفع المال أو السجائر للمسيّرات حتى لا تتعرضن للمضايقات.
تتنوع الإجراءات العقابية في السجن بين الإهانات اللفظية والضرب بالأيدي والضرب بـ”الفلكة” وتشريد السجينة خارج عنبرها أو تغريبها إلى سجن آخر. وأحيانًا تقوم الإدارة بإخلاء الزنازين الصغيرة لتنفيذ الحبس الانفرادي على السجينة، لكن ذلك لا يتجاوز عادة الثلاثة أيام. ويقوم الضباط بتوقيع أغلب تلك العقوبات، وخاصة الضرب بالفلكة، حيث يربطون أقدام السجينة عاليًا لضربها إلى أن تتورم.
لا توجد إجراءات موحدة للشكوى وتوقيع العقوبة بالسجن، بل تشتكي السجينات شفاهة، ولا يقوم الضباط دائمًا بالتحقيق مع كافة الأطراف والشهود، بل يوقعون العقاب حسب أهواءهم أو حالتهم المزاجية، وقد ذكرت إحدى المحتجزات السابقات قيام الضباط بمعاقبة نزيلتين بشدة لأن صوت شجارهما “أيقظ الضباط من النوم”.
الرعاية الصحية
لا يوجد مستشفى بسجن بورسعيد للنساء، بل توجد عيادة واحدة داخل المبنى الإداري تفتقر لمعايير النظافة ولجاهزية التعامل مع الأمراض المختلفة. وحسب بحث ميداني أجرته المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، يُنظر لطبيب السجن على أنه “ممارس عام” ولا تثق السجينات بقدرته على تقديم الرعاية الصحية الأمثل. وقد أكّدت ذلك شهادات المحتجزات السابقات وذويهن، فقالت محتجزة سابقة تحدثت إليها الجبهة المصرية بأنها لم تتمكن من معرفة ما إذا كان طبيب السجن طبيبًا بالفعل، خاصة وأنه كان يرتدي زي الضباط، وكانت تفضل أن تتولى إحدى زميلاتها في السجن رعاية حالتها الصحية إن دعت الحاجة. وبحسب شهادتها، فإن الطبيب يتوجه بعض أيام الأسبوع إلى ساحة السجن، وتخبره النزيلات شفاهةً بشكاواهنّ الطبية فيصرف لهنّ مسكنات أو مضادات حيوية دون كشف طبي حقيقي.
يحضر إلى السجن على فترات متباعدة بعض الأطباء من تخصصات أخرى كالأسنان والنساء والولادة، ويمكثون ساعات قليلة فقط، ما يضطر السجينات للانتظار طويلًا للعرض على الطبيب المختص. وتميز الإدارة بين السجينات في إجراءات النقل للمستشفيات الخارجية، فكانت تتعامل بحرص أكبر مع بعض المحتجزات على خلفية تهم سياسية، بينما لا تتعامل بالاهتمام ذاته مع المحتجزات على إثر تهم جنائية إلا في أشد الحالات خطورة. كما أن إجراءات التبليغ عن الحالات الصحية الحرجة وأخذ الإذن بعرضها على مستشفى خارج السجن تأخذ وقتًا طويلًا يحول دون التدخل الطبي العاجل وقد يؤدي لتدهور صحة السجينات، فعلى السجينة تبليغ المسيّرة التي تبلّغ بدورها الحارسة لتبلّغ رئيس المباحث، الذي يبلغ بدوره مصلحة السجون لتعطي الإذن أو تمنعه.
تعتمد بعض السجينات على زيارات الأهالي للحصول على الأدوية، فيصفن لذويهنّ أعراض الأمراض ليستشير الأهالي الأطباء خارج السجن ويأتوهنّ بما يحتجن من أدوية. وتسمح الإدارة بدخول الأدوية فيما عدا الحقن، وفي حال السماح بالحقن تبقيها الإدارة إما مع مسيّرة الزنزانة أو العنبر، أو في العيادة.
تجرى للسجينات الجدد اختبارات حمل على نفقتهنّ الشخصية قبل الدخول إلى السجن. تتواجد الحوامل والأمهات الحاضنات بعنبر يسمى عنبر “المتابعة”، وهو ضعيف التهوية بسبب التدخين المستمر كذلك، وتكون الأسرّة فيه أيضا من الملل ذات الطوابق الثلاثة. تحصل كل أم حاضنة على سرير خاص بها، بينما تنام الحوامل على الأرض. وعلى الرغم من أن الإدارة تقدم للحوامل والأمهات أغذية إضافية كاللبن والخبز و”علاوة” الحليب الصناعي للأطفال، إلا أنها لا تقدم دومًا بانتظام. ولا توفر إدارة السجن الفوط الصحية مجانا للنزيلات، كما لا تعرضها للبيع في السجن. فلا سبيل للنزيلات للحصول على الفوط الصحية سوى زيارات الأهالي، وتضطر من لا يتلقين الزيارات لاستعارة الفوط الصحية من السجينات الأخريات.
في 2013، رفضت وزارة الداخلية طلب منظمات مدنية زيارة وفد طبي لسجن بورسعيد رجال/ نساء، وذلك بعد أن تقدمت 3 منظمات ( مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف، والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، وائتلاف شباب الأطباء) استجابةً لشكاوى واستغاثات بعض أهالي المحتجزين، عقب منع الزيارة في 24 يناير 2013، وغلق العنابر والزنازين في سجن بورسعيد إثر تدهور الوضع الأمني. حيث أبدى الأهالي قلقًا شديدًا من عدم توفر العلاج الذي يحتاجه السجناء المرضى والمصابين، واحتمالية نقص الغذاء المناسب للسجينات الحوامل أو للأطفال الموجودين مع أمهاتهم داخل السجن، في ظل الوضع في ذلك الوقت.
الزيارات والمراسلات والاتصال بالعالم خارج السجن
تتلقى النزيلات زيارات الأهالي في نفس القفص مع النزلاء المحكوم عليهم بسجن الرجال. وكان الكثير من الأهالي يشكون من قصر مدة الزيارة ومنع النزيلات من الخروج لجلسات المحكمة قبل زيارة المجلس القومي لحقوق الإنسان لسجن بورسعيد في 8 مارس 2016، إلا أن الأوضاع تحسنت بعد تلك الزيارة، وقد ترددت أنباء عن قيام الإدارة بالتفاوض مع السجناء والسجينات قبل زيارة المجلس القومي لحقوق الإنسان لتحسين أوضاعهم مقابل إشادتهم بأوضاع الاحتجاز في السجن.
توفر الإدارة بعض الجرائد والمجلات للسجينات مقابل اشتراكات شهرية قد تفوق ثمنها العادي بقرابة 20 أو 30 جنيهًا (في الفترة السابقة لـ 2016) . كما توجد أجهزة تلفزيون بالغرف، تعرض القناتين الرسميتين الأولى والثانية فقط.
الحق في التعليم
تُعقد بسجن بورسعيد بعض لجان الامتحانات، كما تسمح الإدارة بدخول الكتب والملازم الدراسية طوال العام. إلا أن ظروف الاحتجاز تضطر الطالبات إلى الجلوس بأحد أركان ساحة السجن أو الانتظار حتى تنام باقي السجينات والدراسة ليلا. وتتوفر بالسجن مكتبة وتحضر الإدارة الكتب على فترات. أما الكتب التي يحضرها الأهل في الزيارات، فكانت تخضع لرقابة شديدة من قبل الإدارة، ويتوقف دخولها على التقييم الشخصي للضابط الذي يقوم بفحصها.