موقع ميدل إيست البريطانى Middle East Eye:
المعادلة الشيطانية الجهنمية: امريكا لا تريد رئيس مصلح لمصر بل تريد ديكتاتور طاغية مستبد عديم الرحمة والذمة والضمير والإنسانية لكى يكون طرطور لها نظير التستر على قمعة واستبداده و انحرافه وفساده وتوريث الحكم لنفسه
السيسي ليس استثناءً.. أمريكا اعتمدت دوماً على “الديكتاتوريين المفضلين” لتنفبذ ماربها الشيطانية على حساب الشعوب بتواطوء الحكام الطغاة
موقع ميدل إيست البريطانى / 5 ديسمبر 2020 / مرفق الرابط
يُقال إنَّ انتصار جو بايدن بالانتخابات الأمريكية ينبئ بالمتاعب لـ"الديكتاتور المٌفضَّل" لدى دونالد ترامب، الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي. وجاء في أحد التقارير الإخبارية: "سارع الرئيس المصري بتهنئة بايدن، على الرغم من أنَّ خطاب الرئيس المنتخب بشأن حقوق الإنسان والسجناء السياسيين ينبئ بصراع قادم".
ولهذا السبب تحديداً، سرَّع الجنرال السيسي قمعه للمدافعين عن حقوق الإنسان قبل مغادرة ترامب لمنصبه، مُعرِّضاً ديكتاتوره "المُفضَّل" لمواجهة الإحراجات الليبرالية من كلام الرئيس الأمريكي المقبل عن حقوق الإنسان.
كيف بدأ "الديكتاتور المفضل"؟
ولعبارة "ديكتاتوري المفضل" الغريبة هذه تاريخ بعيد وقريب. ففي أغسطس/آب 2019، أثناء انتظار ترامب لمقابلة السيسي خلال قمة مجموعة السبع في مدينة بياريتز الفرنسية، أُفِيدَ بأنَّ ترامب مزح، بصوتٍ عالٍ بما فيه الكفاية ليسمعه الأمريكيون والمصريون في محيطه بوضوح، قائلاً: "أين ديكتاتوري المفضل؟".
لكن للعبارة أيضاً جذور أعمق في لغة السياسة الخارجية الأمريكية، فهي تعبير مُلطَّف وبالكاد مستتر لعبارة أقدم وأكثر حيوية تُنسَب إلى الرئيس الأسبق فرانكلين روزفلت في إشارة إلى ديكتاتور نيكاراغوا أناستاسيو سوموزا: "قد يكون سوموزا وغداً، لكنَّه وغدنا نحن".
تحاكي إشارة ترامب إلى السيسي باعتباره "ديكتاتوري المفضل" إشارة روزفلت إلى سوموزا باعتباره "وغدنا نحن". هنالك بعض الجدل حول القائل الحقيقي لعبارة "وغدنا نحن" وعمَّن قالها، لكن من الأفضل أن ننظر إلى العبارة باعتبارها أسطورة سياسية، أي عنصر دال بدون مرجع. أمَّا الشيء الثابت في معظم تنويعات تلك العبارة فهو شعور الولايات المتحدة وطريقة تعاملها تجاه ديكتاتور محدود القدرات في مكانٍ ما في آسيا أو إفريقيا أو أمريكا اللاتينية.
وعودة هذه النعوت التعبيرية لتلاحق الأمريكيين أنفسهم، في ظل تزمت ديكتاتورهم التنحي عن عرشه، لن يكون له أي تأثير حقيقي على محورية "الأوغاد" هؤلاء في السياسة الخارجية الأمريكية في السنوات المقبلة. ومثلما كتب بروس فين في صحيفة The Washington Post الأمريكية عام 2017، "كانت موسيقى الخلفية لسياستنا الخارجية طوال قرن هي: "قد يكون وغداً، لكنَّه وغدنا نحن".
الرقص مع الديكتاتوريين
في عام 2002، بين الغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق، وبَّخ داعية الحرب الصهيوني السابق لدى صحيفة The Washington Post، تشارلز كروثامر، صحيفة The New York Times الأمريكية لإدانتها "رقص أمريكا مع الديكتاتوريين". ولم يكن لدى كروثامر مشكلة مع ذلك: "مذنبون بالتهمة الموجَّهة إلينا. ونرقص. بلا أسف. بلا أسف أكثر مما قدَّمه فرانكلين روزفلت حين أُفِيدَ بقوله عن رئيس نيكاراغوا أناستاسيو سوموزا: (قد يكون وغداً. لكنَّه وغدنا نحن)".
وأضاف: "كان روزفلت راشداً. واتخذ قرارات حاسمة. وقتل مخاوفه واحداً تلو الآخر. كان يدرك أنَّنا لا نعيش في أفضل العوالم الممكنة. وأدرك أنَّه في ظل ساحة عالمية مليئة بالأوغاد، عليك أن تُميِّز بينهم، أو أنَّك ستموت".
حسناً، كروثامر ميت الآن، لكنَّ حكمة تبصُّراته في السياسة الخارجية الأمريكية تبقى موافقة لتوقعاته.
فلا يوجد "سوء تقدير"- مثلما قال جورج بوش الابن، أحد الأمثلة الرئيسية الأخرى على هذا النمط- للأهمية الكبيرة للديكتاتوريين في السياسة الخارجية الأمريكية. وأود أن أقترح أنَّهم في الواقع يمثلون الأساسات الرئيسية للسياسة الخارجية الأمريكية. احرموا أمريكا من هذا المدد الوفير الديكتاتوريين حول العالم، بما في ذلك شرذمة في العالم العربي والإسلامي، وسيضطر الأمريكيون للاعتماد على ديكتاتورييهم والتوقف عن استغلال موارد الآخرين.
مخزون ضخم
يحتاج العرب والمسلمون لرجالهم لتحقيق أهدافهم. ويتعين أن نأخذ الشجاعة والإلهام من تأميم رئيس الوزراء الإيراني السابق محمد مصدق للنفط الإيراني، وتأميم الرئيس المصري جمال عبدالناصر لقناة السويس، ونؤمم بدورنا ديكتاتوريينا.
وكي نكون منصفين، بدأ علماء السياسة والفلاسفة الأمريكيون في البحث جدياً عن أوغادهم ورجالهم. ففي أطروحة مهمة عُنوِنَت بذكاءٍ بـ"Assholes: A Theory" (الحمقى: نظرية)، ركَّز آرون جيمس، الأستاذ بجامعة كاليفورنيا إيرفين، على الفئة المهمة للديكتاتوريين الأمريكيين من خلال تسليط الضوء على الحمقى منهم.
وكتب الفيلسوف الأمريكي هاري فرانكفورت، الأستاذ الفخري بجامعة برنستون، سابقاً دراسة أخرى مهمة، بعنوان "On Bullshit" (عن الهراء)، تُقدِّم تحليلاً تفصيلياً عن ابتذال وسياسة السياسيين "الأوغاد" الأمريكيين. ولاحقاً، نشر مارك مانسون، وهو شخصية ناقدة أخرى كبيرة في هذا الميدان، كتابين من بين الأفضل مبيعاً، "Everything is Fucked: A Book About Hope" (كل شيء مُزرٍ: كتاب عن الأمل) و"The Subtle Art of Not Giving a Fuck: A Counterintuitive Approach to Living a Good Life" (الفن اللوذعيّ لعدم الاكتراث: مقاربة غير متوقعة لعيش حياة طيبة)، أظهرت نجاحاتهما بوضوح أنّ الناس حول العالم في حاجة ماسة لتعلُّم كيفية التعامل مع الديكتاتوريين والحمقى أصحاب النفوذ في بلدانهم.
اتحاد الأوغاد
نحن كعرب وإيرانيين ومسلمين يتعين أيضاً أن نُميِّز بين الأوغاد المتسلطين على رقاب البشر، لأنَّ هناك اختلافات عميقة ومهمة بين النظراء المصريين والإيرانيين والسعوديين والسوريين والإماراتيين والبحرينيين. فبعضهم يجيد تقطيع منتقديهم إرباً داخل السفارات، والبعض الآخر متميز في ذبح شعوبهم، في حين يتفوق آخرون في إرسال اللاجئين الأفغان إلى سوريا لقتال تنظيم الدولة الإسلامية "داعش".
والبعض خبراء في قيادة مجلس عسكري مكون من متسلطين أوغاد للقيام بانقلاب عسكري والاستيلاء على ثورة شعب، والبعض الآخر شرقيون كارهون للذات يندفعون لتطبيع السرقة التاريخية لفلسطين. وكل هذه تنويعات في مسألة ما يُسميه الأمريكيون "أوغادنا".
ومن الممكن أيضاً أن يكون اتحادٌ عابر للحدود الوطنية من أولئك الأوغاد. وتُظهِر بعض الأمثلة بعينها، مثل انقلاب إيران عام 1953، ولاحقاً الانقلابين في غواتيمالا وشيلي، تعاوناً نشطاً بين الأمريكيين والبريطانيين والأوغاد المحليين.
نحتاج في نهاية المطاف أن يأتي تحالفٌ دولي من كل الأوغاد أولئك بتعريف عملي لمَن هو بالضبط الوغد، ويوجد لذلك مجموعة كاملة من التعريفات المرشحة بمواصفات مختلفة. وكما يقول الكتاب المقدس: "إنَّ المدعوّين كثيرون، أمّا المُختارون فقليلون".