بيع شركتي الجيش المصرى الوطنية وصافي.. وتشكيك في الأثر الاقتصادي
موقع الحرة / 31 ديسمبر 2020 / مرفق الرابط
"رجال الأعمال غير قادرون على المنافسة مع اقتصاد الجيش الذي يتمتع بمميزات ليست لدى باقي الشركات"، بهذه الجملة لخص رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس وضع الشركات التابعة لوزارة الدفاع التي لا تدفع ضرائب أو رسوم جمركية، كما أنها ليست بحاجة لترخيص عمل في السوق المصرية.
لكن هذه المنافسة "غير المتوازنة"، كما وصفها ساویرس، بین شركات الجیش والقطاع الخاص، یبدو أن الحكومة تسعى للبدء بتقلیصها، بعد تصریح حدیث لرئيسة مجلس إدارة صندوق مصر السيادي هالة السعید، للتلفزيون المصري، عن بیع شركتين تابعتين للمؤسسة العسكرية.
وتصف رانیا یعقوب، رئیسة مجلس إدارة شركة "ثري واي" (3way) لتداول الأوراق المالیة، هذا القرار بـ"الإيجابي"، قائلة إنه یساعد على خروج الدولة من مؤسسات القطاع العام، وتوفير سيولة تعيد هيكلتها في قطاعات أخرى، ورفع رأس مال البورصة، وجذب شريحة جديدة من المتعاملین، في وقت تسعى فیه الدولة لجذب استثمارات من القطاع غير الرسمي إلى الرسمي.
وترى يعقوب، في حديثها لموقع "الحرة"، أن بيع شركتي الوطنية للبترول و الوطنية لإنتاج وتعبئة المياه الطبیعیة (صافي)- اللتين تعملان في قطاعات قویة (مثل الوقود والمياه) يجذب المستثمرين ممن يبحثون عن عوائد أعلى في ظل اتجاه البنك المركزي لخفض الفائدة، تشجيعا للاستثمار.
كما وصف رجل الأعمال السعودي حسين شبكشي الخطوة المصرية بـ"الممتازة"، قائلا إن الطرح يمثل حراكا لصالح المستثمرين.
وأضاف في تصريحات لموقع "الحرة": "هذه فرصة استثمارية جيدة، ننظر إلى الشركات العسكرية المصرية باعتبارها درر التاج، كباقي شركات القطاع العام في مصر التي نهتم بطرحها".
وكمستثمر أجنبي، يبدي شبكشي اهتماما بالاستثمار في الشركات العسكرية المصرية المتخصصة في قطاعات التصنيع الغذائي والتشييد والبناء التطوير العقاري والصناعات الدوائية والأسمنت والحديد.
وعلى النقيض من ذلك، يعتقد يزيد صايغ، الباحث الرئيس في مركز مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط، أن أثر بيع الشركتين على الاقتصاد المصري "قليل نسبيا".
وأوضح صايغ، في حديثه لموقع "الحرة"، أن الحجم التجاري الفعلي للشركتين ليس ضخما "لأنهما يعملان بالتوزيع أكثر منه بالإنتاج التحويلي وزيادة القيمة المضافة".
ویمتلك جهاز مشروعات الخدمة الوطنیة، التابع لوزارة الدفاع، الوطنية للبترول والوطنیة لإنتاج وتعبئة المیاه الطبیعیة (صافي)، إلى جانب أكثر من 30 شركة في قطاعات تتنوع بين مواد البناء والغذاء والتعدین والبتروكیماویات.
وتخضع المشروعات التجارية التابعة للقوات المسلحة المصرية لثلاث جهات؛ وزارة الإنتاج الحربي التي تشرف على 20 شركة، ووزارة الدفاع التي تسيطر على العشرات، والهيئة العربیة للتصنیع المسؤولة عن 10 مصانع وشركات.
وتشرف وزارة الإنتاج الحربي على شركات (قها للصناعات الكيماوية، أبو زعبل للصناعات الهندسية، حلوان للصناعات غير الحديدية، أبو زعبل للكيماويات المتخصصة، إنتاج وإصلاح المدرعات، شركة حلوان للمسبوكات، أبو قير للصناعات الهندسية، بنها للصناعات الإلكترونية، شبرا للصناعات الهندسية، شركة المعادي للصناعات الهندسية، أبو زعبل للصناعات المتخصصة، حلوان للأجهزة المعدنية).
كما تشرف وزارة الإنتاج الحربي على عدد من المنشآت الرياضية، والنوادي الاجتماعية.
أما الهيئة العربية للتصنيع فتتولى المسؤولية عن مصانع (حلوان للصناعات المتطورة، قادر للصناعات المتطورة، المحركات، الطائرات، مهمات السكك الحديدية، الإلكترونيات) وشركات (العربية لصناعة الأخشاب، العربية الأميركية للسيارات، العربية للطاقة المتجددة، العربية البريطانية للصناعات الديناميكية).
وتزامن الإعلان عن طرح الوطنیتین للاستثمار مع تقرير حديث للبنك الدولي قال فیه إن القطاع الخاص في مصر ممنوع من الاضطلاع بدور أكبر في الاقتصاد، رغم إصلاحات نشطة للاقتصاد الكلي على مدار السنوات الأربعة الماضیة، وأن هناك حاجة إلى مساعدة حكومية.
وقال البنك الدولي: "رغم نمو السوق المحلية في مصر وقربها من الأسواق الدولیة، لم تجتذب مصر بعد تدفقات قویة من الاستثمار الأجنبي المباشر".
إما البورصة أو الاستثمار المباشر
ولم توضح مصر بشكل قاطع ما إذا كانت الوطنیة للبترول أو صافي ستعرضان أمام الإدراج المباشر أم الطرح عبر البورصة، لكن وكالة بلومبرغ قالت إن كلا من شركتي "أدنوك" الإماراتیة، و"طاقة عربیة" المصریة من بین مقدمي عروض شراء حصة أغلبیة من الشركة، الأمر الذي یشیر إلى احتمالیة إدراج الوطنیة للبترول أمام الاستثمار المباشر.
وفي هذا الإطار، قالت هالة السعید، وهي وزيرة التخطيط أيضا، في تصريحاتها الأخيرة، إن حصص الوطنية للبترول وصافي قد ُتعرض في بادئ الأمر على مستثمرين استراتیجیین على أن تباع النسب المتبقية في طرح عام أولي.
ويستلزم الطرح الأولى، وهو طرح الأسهم العادية لإحدى الشركات في سوق الأوراق المالیة (البورصة) أن تفصح الشركات عن میزانیتها لعدد من السنوات الماضیة، وكذلك عن وضعها القانوني والإداري.
ولا تنشر مصر میزانیة وزارة الدفاع التي يناقشها مجلس الدفاع والأمن القومي برئاسة رئیس الجمهورية. ولا تعلن المؤسسة العسكریة في مصر عما تملكه من أصول، ومصادر التمویل، أو ما تحققه من أرباح.
وتقول یعقوب إن الطرح في البورصة یحتاج إلى النظر في ثلاثة عوامل رئیسة؛ التوقیت والترويج وسعر الطرح، مشيرة إلى الأثر السلبي لأزمة جائحة كورونا على أسواق الأسهم مقابل الملاذات الآمنة التي لجأ إليها المستثمرين.
وأضافت "الطرح عبر البورصة قد لا یكون الخیار الأمثل، بینما الاستثمار المباشر هو الخيار الاستراتيجي الآن".
ويعتقد صايغ ذلك أيضا، قائلا: "التفضيل سيكون للشراكات الاستراتيجية (مثلا مع أدنوك) قدر المستطاع، وذلك لتفادي متطلبات الكشف المالي الكامل والحوكمة المطلوبة للطرح في البورصة".
لماذا الآن؟
وفي أكتوبر 2019، قال الرئيس عبد الفتاح السیسي إنه ينبغي السماح للشركات المملوكة للجيش بطرح أسهمها في البورصة، جنبا إلى جنب مع شركات حكومية أخرى يجري إعدادها للخصخصة.
وعن أسباب الطرح الآن، بعد مرور عام على تصريحات الرئيس المصري، قال صايغ: "السيسي يبحث عن سبل لزيادة رأسمال الشركات العسكرية، دون تحميل خزينة الدولة ذلك العبء، خاصة أنه والحكومة يبحثان عن سبل ترشيد الإنفاق العام، وتقليص خسائر الشركات المملوكة للدولة".
وأضاف صايغ "القطاع الخاص يشتكي من المزاحمة العسكرية في قطاعات إنتاجية كان يسيطر عليها (إلى جانب بعض شركات قطاع الأعمال العام)، ومن ممارسات تتيح للجيش احتكار سعر البيع وسعر الشراء في آن".
ويرى الباحث الرئيس في مركز مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط أن بيع الوطنية للبترول وصافي لا يعني تفكيك الاقتصاد العسكري مطلقا، بل رسملة بعضه بطرق جديدة.
وفي أكتوبر الماضي، أصدر صايغ تحليلا بعنوان "المؤسسة العسكرية المصرية كرأس حربة لرأسمالية الدولة"، قال فيه إن الإدارة المصرية تحمِّل مستثمري القطاع الخاص جزءا من عبء تركيزها على الأنشطة التي تقودها الدولة ذات الكثافة الرأسمالية.
وأضاف "خفضت الحكومة بشكل كبير الإنفاق على دعم الطاقة والغذاء وأجور القطاع العام، وخفضت نسبة القروض المتعثرة. كما وافق مجلس النواب على بيع الشركات المملوكة للدولة التي تتعرض إلى خسائر تزيد على نصف رأس مالها".
لكن هذه الإجراءات لم تكن كافية لتوليد رأس المال بالحجم الذي يسعى إليه الرئيس، حسبما يقول صايغ، مما أجبر الحكومة على الاقتراض ورفع نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 90.3 في المئة بحلول يونيو 2019 والدين الخارجي إلى 112.7 مليار دولار بحلول ديسمبر.
الدور الاقتصادي للجیش
وفي السنوات الأخیرة، تعالت الأصوات المنتقدة للدور الاقتصادي للقوات المسلحة، مما دفع الرئيس المصري في 2016 إلى قوله إن نسبة مشاركة المؤسسة العسكرية في الاقتصاد القومي تبلغ ما بين 1.5 و2% على أقصى تقدير.
وفي افتتاح منشأة عسكرية لإنتاج الكلور لأغراض تنقية المیاه، نفى السیسي ما تردد عن أن اقتصاد القوات المسلحة یمثل 20 أو حتى 50 في المئة من الاقتصاد، قائلا: "یا ریت القوات المسلحة كانت تمتلك 50 في المئة من اقتصاد مصر".
وأرجعت رانيا یعقوب هذه الانتقادات إلى "التوقیت"، قائلة إن الجيش تدخل في الوقت الحرج، حيث كانت مصر تعاني اضطرابات ما بعد انتفاضتي (25 ینایر 2011، و 30 یونیو 2013) من احتكار السوق، وعدم وضوح الرؤية الاقتصادیة، مثلما فعل خلال أزمتي نقص حليب الأطفال والسكر في 2016.
وأضافت "تدخل الجيش لحماية الاقتصاد المرتبط بالأمن القومي. ولمنع الممارسات الاحتكاریة؛ قام ببناء الصوامع والمصانع والمجمعات الاستهلاكیة، وتحكم في بعض المشروعات الزراعية. وبعد استقرار الأوضاع حالیا یعلن طرح بعض شركاته".
وكثيرا ما أعرب بعض رجال الأعمال المصريين والمستثمرين الأجانب عن انزعاجهم من دخول الجيش في أنشطة مدنیة، والامتيازات الضریبیة الممنوحة لشركاته. وكانت تصريحات ساويرس التي كررها في أكثر من لقاء خير دليل.
وفي سبتمبر 2017، حذر صندوق النقد الدولي من أن تطوير القطاع الخاص وخلق الوظائف "قد تعوقهما مشاركة كيانات تخضع لوزارة الدفاع".
ويقول رجل الأعمال السعودي حسن شبكشي، لموقع "الحرة" إن الدور الاقتصادي للجيش كان يمثل نوعا من التكامل و"الإضافة المهمة" للاقتصاد المصري، وأحيانا المنافسة لبعض الشركات الخاصة.
وفيما يتعلق بتنامي الانتقادات الموجهة للمؤسسة العسكرية بهذا الخصوص، قال رجل الأعمال السعودي إنه "تم تسييس" الدور الاقتصادي للجيش، مضيفا أنه على غرار القطاع الخاص، ضم القطاع العام، بما يشمله من أنشطة تابعة للقوات المسلحة، شركات ضعيفة وقوية".
حصص الصندوق السيادي
وعن اهتمام شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) بشراء الحصة الأكبر في الشركة الوطنية للبترول، قالت یعقوب لموقع الحرة: "هذا ما تسعى إليه الدولة وخطة الإصلاح القویة التي أعدتها الحكومة؛ مشاركة الشركات الأجنبية والاستثمار الأجنبي المباشر".
وكان الصندوق السيادي المصري أعلن أن القاهرة تخطط لعرض حصص تصل إلى 100٪ لنحو 10 شركات يمتلكها جهاز مشروعات الخدمة الوطنية.
وحاليا یساعد الصندوق السيادي جهاز مشروعات الخدمة الوطنية في اختیار أصوله وترويجه للمستثمرین، وربما المشاركة في استثمارها عن طريق الحصول على حصص أقلية.
وتأسس صندوق مصر السيادي عام 2018، فيما أقر السیسي تشكيل مجلس إدارته في 2019، برأسمال بلغ 12 مليار دولار.
ومن المقرر أن يشارك صندوق مصر السيادي الجهة الاستثمارية التي ستفوز بعطاء الشركة الوطنية للبترول، وهي شركة توزيع وقود تابعة للجیش، تمتلك أكثر من 200 محطة وقود.
وفي هذا الإطار، تقول یعقوب: "الصندوق يساعد في عمليات الاستحواذ، ويسعى لبروتوكولات تعاون وجذب مستثمرين عرب وأجانب لبعض الأصول الحكومیة، وقد يتقاسم مجموعة منها، مما يعظم استفادة الشعب المصري، وهذا أمر إیجابي، في ظل رقابة خبراء ومتخصصين".
بينما يرى صايغ أن مشاركة الصندوق السيادي للفائز بعطاء الوطنية تعني أن "صانعي القرار المعنيين لا يريدون خصخصة كاملة، بل جزئية فقط، لكي تظل السيطرة الفعلية بين أيدي الدولة، كما حدث مع الشركات العامة التي خصخصتها الحكومة جزئيا بعد عام 1991".
وكان الرئيس التنفيذي لصندوق مصر السیادي، أیمن سلیمان، أشار إلى أن إن الوطنیة "اجتذبت الكثير من المستثمرين"، لكنه امتنع عن تحديد هويتهم. بينما استبعدت یعقوب أن یكون لدى مصر "أفضلية" لشركات معینة في خیارات عطاء الوطنیة.