الخميس، 31 ديسمبر 2020

الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان : مشهد عبثي يدهس العدالة و القانون في مصر : تجديد حبس رضا عبدالرحمن في طرقات النيابة


الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان :

مشهد عبثي يدهس العدالة و القانون في مصر : تجديد حبس رضا عبدالرحمن في طرقات النيابة


موقع الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان / تقرير حقوقي صادر بتاريخ الخميس 31 ديسمبر 2020 / مرفق الرابط

قالت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان اليوم ، أن ما تم أمس في جلسة أمر سجين الرأي الباحث والمدرس “رضا عبد الرحمن” ما هو إلا مشهد عبثي و هادم للعدالة والقانون ، ضمن الانتهاكات الفظة التي يتعرض لها “رضا” بسبب انتمائه للمذهب القرأني ، منذ القاء القبض عليه و اخفاؤه  قسريا، قبل أن يظهر في نيابة كفر صقر على ذمة اتهامه باتهام هزلي وهو الانضمام الى تنظيم داعش.

وأضافت الشبكة العربية أن محاموها قد توجهوا أمس الى نيابة كفر صقر لحضور جلسة تجديد حبس رضا عبد الرحمن في القضية رقم 3418 لسنة 2020 جنح أمن دولة طوارئ كفر صقر، إلا أنهم قد فوجئوا بمشهد لا ينتمي للقانون او العدالة ، فلم يتم عرض “رضا” على أحد أعضاء النيابة العامة لسماع أقواله ودفاعه فيما هو منسوب إليه من اتهامات  كما ورد في قانون الإجراءات الجنائية، وانما فور وصول رضا من محبسه وفي طرقة النيابة حضر احد الأشخاص يحمل ملفات وقام بإبلاغه بتجديد حبسه 15 يوما وحصل على توقيعه على محضر الجلسة ورحل رضا مرة اخرى الى محبسه في مشهد عبثي ليكمل حلقات المشاهد العبثية التي يتعرض لها المعلم القرآني.

وكان رضا عبدالرحمن قد تعرض للقبض عليه في 22 أغسطس 2020 ، حيث حضرت قوة إلى منزله في قرية أبو حريز بمحافظة الشرقية والقت القبض عليه وشقيقه وعددا من أبناء عمومته وأبلغت الأسرة بتوجههم إلى مركز شرطة كفر صقر وفور وصولهم الى مركز الشرطة قاموا بإطلاق سراح شقيق رضا وأبناء عمومته و اقتادوه هو الى مكان غير معلوم وظل رهن الاختفاء القسري حتى يوم 6 أكتوبر 2020 ، حيث ظهر رضا عبد الرحمن داخل نيابة كفر صقر وتم التحقيق معه في القضية رقم 3418 لسنة 2020 جنح أمن دولة طوارئ كفر صقر بادعاء أنه تم القبض عليه صباح نفس اليوم بناء على إذن صادر من النيابة العامة بتاريخ 5  أكتوبر 2020 بضبطه وإحضاره وتفتيش مسكنه بناء على محضر تحريات محرر من قطاع الأمن الوطني بتاريخ 4 أكتوبر 2020 يزعم فيه انتماؤه الى تنظيم داعش الارهابي.  

يذكر إن “رضا” تعرض الى سلسلة من الانتهاكات بسبب معتقده الديني وانتمائه الى المذهب القرآني بدأت في عام 2008 عندما صدر قرارا اداريا باعتقاله بموجب قانون الطوارئ و في عام 2016 قام جهاز الأمن الوطني في محافظة الشرقية باستدعاء رضا وقام بمناقشته في معتقده الديني وامروه بوقف أي كتابات أو انشطة مرتبطة بالتعبير عن معتقده الديني وهو ما استجاب له المعلم القرآني.  

وطالبت الشبكة العربية النائب العام بسرعة اخلاء سبيل المعلم القرآني رضا عبد الرحمن علي لسقوط أمر حبسه الاحتياطي بقوة القانون و لعدم وجود مبررات لحبسه احتياطيا والكف عن استخدام الحبس الاحتياطي للتنكيل بالمواطنين بسبب أرائهم ومعتقداتهم وكذا التحقيق في واقعة اخفائه قسريا منذ تاريخ 22 أغسطس 2020 حتى ظهوره فى النيابة العامة بتاريخ 6 أكتوبر، ومراجعة وكلاء النائب العام بشكل دوري عن دورهم في إنفاذ القانون بشكل صحيح و محاسبة المتقاعسين عن دورهم ومن يساهمون في إهدار سيادة القانون، حتى لا يتحول مشهد تجديد الحبس في الطرقات الى اجراء عادي وطبيعي.

مؤسسة حرية الفكر والتعبير : ازدراء الأديان.. ذريعة لقمع الحرية الأكاديمية


مؤسسة حرية الفكر والتعبير :

ازدراء الأديان.. ذريعة لقمع الحرية الأكاديمية


موقع مؤسسة حرية الفكر والتعبير / تقرير حقوقي صادر بتاريخ الاربعاء 30 ديسمبر 2020 / مرفق الرابط

منهجية

 اعتمد التقرير على تقارير إعلامية وبيانات منشورة في مواقع صحفية، بشأن إحالة أساتذة الجامعات إلى التحقيق باتهامات تتعلق بازدراء الأديان، إضافة إلى مقابلة أجراها الباحث مع أحد أساتذة الجامعات. كما اعتمد التقرير على استعراض وتحليل القوانين ذات الصلة. ويغطي التقرير الفترة من عام 2014 إلى عام 2020.

مقدمة

 تطورت القضايا المعروفة بازدراء الأديان تاريخيًّا في مصر بداية من مسماها القديم: “قضايا الحسبة”، إلى النص الحالي المتضمن في المادة 98 من قانون العقوبات المصري، والتي استحدثت بعد ما عرف بـ”أحداث الفتنة الطائفية بالزاوية الحمراء”، في عام 1981. تقدمت حينها الحكومة بمشروع قانون لتعديل عدد من مواد قانون العقوبات، وإضافة مواد أخرى، منها مواد تتعلق بتغليظ العقوبة المنصوص عليها في المادة 160، المتعلقة بالحق في ممارسة الشعائر الدينية بعيدًا عن أعمال العنف، وتعديل المادة 201 الخاصة بتجريم إساءة استخدام خطاب ديني. وكان الهدف من هذه التعديلات هو معاقبة رجال الدين الذين “يسيئون استخدام الخطاب الديني” للتحريض على أعمال عنف وتهديد أمن المواطنين، ولكن بعد سنوات تم توسيع نطاق التجريم، ليشمل كل المواطنين بدلًا من رجال الدين فقط.

عندما قدمت الحكومة هذه التعديلات، كانت المادة 98 تنص على أنه “يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر ولا تتجاوز خمس سنوات أو بغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تجاوز ألف جنيه كل من استغل الدين في الترويج أو التحبيذ بالقول أو الكتابة أو بأية وسيلة أخرى لأفكار متطرفة لقصد إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي أو تكدير الأمن العام، ويعاقب بذات العقوبة المنصوص عليها في الفقرة الأولى كل من حاز بالذات أو بالواسطة محررات أو مطبوعات أو تسجيلات تتضمن ما ذكر..”، ولكن تم حذف الفقرة الثانية من هذه المادة أثناء عملية إقرار مشروع القانون، لما تمثله من قيد على حرية الأفراد المكفولة طبقًا للدستور، كما حُذفت عبارة: “أو تكدير الأمن العام”[1]، لعدم إمكانية تحديد معناها على نحو دقيق. وتضمن نص المادة النهائي اصطلاحين يحملان نفس الالتباس وهما: “الإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي”.

وجرى التوسع في استخدام تهمة “ازدراء الأديان” ضد من يعبِّرون عن آراء مخالفة للمعتقدات السائدة في المجتمع، سواء كان ذلك نقدًا للأديان أو الإيمان بملل وطوائف غير منتشرة داخل المجتمع، أو تعبيرًا حرًّا عن الرأي، طالما اقترب ولو من بعيد من الأديان السماوية. وأصبح من الممكن أن يؤدِّي أي عمل _حتى لو كان عملًا أدبيًّا أو علميًّا_ بصاحبه إلى الحبس بتهمة ازدراء الأديان.

وتعد قضية نشر كتاب “الشعر الجاهلي” من أشهر القضايا المتعلقة بازدراء الأديان، التي وجهت فيها الاتهامات إلى أكاديميين، حيث حققت النيابة العامة مع الدكتور طه حسين، عميد الأدب العربي والأستاذ بقسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة القاهرة، على خلفية نشره كتاب “الشعر الجاهلي”، بعد اتهامات أثارها رجال الدين. واستمرت التحقيقات حينها لمدة تقارب عشرة أشهر، حتى أصدرت النيابة قرارها بحفظ التحقيق. وبرَّأ النائبُ العام الدكتورَ طه حسين من الطعن في الدين الإسلامي، وجاء في حيثيات القرار أن ما ذكره طه حسين في الكتاب كان في سبيل البحث العلمي لا غير[2]. وأثنى النائب العام على مجهود الدكتور طه حسين العلمي، وقال: “إن للمؤلف فضلًا لا ينكر في سلوكه طريقًا جديدًا للبحث حذا فيه حذو العلماء الغربيين”.

ويرصد هذا التقرير تطور قضايا اتهام الأكاديميين بازدراء الأديان خلال السنوات الأخيرة، وما ارتبط بذلك من تحول إدارات الجامعات ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي إلى دور الرقيب الأول على أفكار أساتذة الجامعات، بدلًا من ضمان الحرية الأكاديمية واستقلال الجامعة عن تدخلات مؤسسات أو مجموعات من خارجها.

أولًا: حالات اتهام أعضاء هيئات التدريس بازدراء الأديان:

يتناول التقرير حالات اتهام أعضاء هيئات تدريس بازدراء الأديان أو الرموز الدينية، ويضم ما رصدته مؤسسة حرية الفكر والتعبير، من خلال التقارير الإعلامية والمقابلات، ولذلك فإنه قد تكون هناك حالات أخرى لم توثقها المؤسسة. ولا تتوقف الاتهامات التي توجه إلى أعضاء هيئة التدريس في ما يتناولونه بالبحث والنشر والتدريس على الأديان نفسها، إنما تمتد الاتهامات إلى الرموز الدينية، التي تراها بعض إدارات الجامعات غير قابلة للنقد.

في بداية مايو 2018، أوقفت جامعة دمنهور الأستاذ بقسم التاريخ بكلية التربية أحمد رشوان عن العمل لمدة ثلاثة أشهر، بعد إحالته إلى التحقيق على خلفية تدريسه كتاب: “دراسات في تاريخ العرب المعاصر”، والذي وصف فيه رشوان الشيخ محمد متولي الشعراوي والداعية عمرو خالد بالدجالين.

وجاء في الكتاب الذي يتناول عهد الرئيسين محمد أنور السادات وحسني مبارك:

“شهد عهدهما ظهور أكبر دجالينِ في تاريخ مصر الحديث، وهما الشيخ الشعراوي وعمرو خالد واللذان عملا بكل قوة عن قصد أو بغير قصد في تغذية روح الهوس الديني لدى الشعب المصري، وتدعيم التيار الإسلامي السياسي، وهكذا سيطر الإسلام السياسي وامتد حتى سقوط الاتحاد السوفيتي”.

قرر الدكتور عبيد صالح[3]، رئيس جامعة دمنهور، إحالة الأستاذ إلى التحقيق الفوري بتهمة سب وقذف الشعراوي وخالد، مؤكدًا أن الجامعة ليست ساحة لتصفية الحسابات السياسية والتعبير عن الرأي الشخصي والتقليل من الآخرين والنيل منهم، وخاصة الرموز.

وعلى خلفية ذلك، ندد أمين سر لجنة الشؤون الدينية بمجلس النواب، الدكتور عمرو الحمروشي، بالواقعة، وقال إنه سيتقدم إلى رئيس مجلس النواب بطلب عاجل لسرعة إصدار قانون تجريم إهانة الرموز الوطنية، كما طالب وزير التعليم العالي بتشكيل لجنة علمية محايدة لمراجعة الكتب الجامعية بالتنسيق مع أساتذة الجامعات: “وذلك لمواجهة تسريب أي أفكار شاذة أو متطرفة إلى الطلاب مما يشكل خطرًا داهمًا على مقومات الأمن القومي المصري”.

لم يتوقف رئيس لجنة الشؤون الدينية في مداخلته بالمجلس عند حدود واقعة الدكتور رشوان، وإنما سعى إلى العصف بأبسط معاني الحرية الأكاديمية والتضييق على حق الأساتذة في البحث والنشر والتدريس عن طريق تشكيل لجان لما ينشره ويدرسه الأساتذة في الجامعات.

وقال الدكتور رشوان في مقابلة مع باحث بمؤسسة حرية الفكر والتعبير[4]: “كنت قد ألغيت هذا الفصل من الكتاب ولم أدرسه للطلاب. ما حدث أن إحدى الطالبات عرضت على أبيها _وهو شيخ بالأزهر_ ما جاء بالكتاب، ما دفعه إلى الاتصال برئيس الجامعة وإخباره. رئيس الجامعة بدوره اتصل بالإعلام وصعَّد الموضوع، وأحالني للتحقيق. على خلفية ذلك عقد اجتماع لمجلس القسم وقيل في محضر الاجتماع أن مجلس القسم يحترم الأزهر وعلمائه. بعد اجتماع مجلس القسم في 2 مايو اصطحبتني عميدة الكلية إلى رئاسة الجامعة لحضور التحقيق، دون إبلاغ رسمي، حضرت التحقيق أمام الدكتور أشرف شيحة وكيل كلية الحقوق بجامعة طنطا والمستشار القانوني لرئيس جامعة دمنهور“.

أصدر الدكتور عبيد صالح، رئيس جامعة دمنهور قرارًا بإيقاف الدكتور رشوان لمدة ثلاثة أشهر عن العمل[5]. وتُعد هذه الواقعة نموذجًا واضحًا على خضوع الجامعات لضغوط مجتمعية تؤثر سلبًا على حرية البحث العلمي والتدريس، في ظل غياب أي حماية من إدارات الجامعات لأعضاء هيئات التدريس في تدريس ما يرونه مناسبًا، طالما كان يستوفي المبادئ العلمية المطلوبة. حيث سعت الجامعة إلى إحالة الدكتور إلى التحقيق دون أن تتحقق أولًا من استخدامه منهجًا علميًّا سليمًا في كتابه من عدمه.

وفي أكتوبر 2016، أوقفت جامعة الأزهر الأستاذ بكلية أصول الدين يسري جعفر[6]عن العمل لمدة ثلاثة أشهر، بقرار من رئيسها، لاتهامه بالإلحاد ومحاولة إحياء فكر محمد عبده وطه حسين، والهجوم على التيار الإسلامي، ووصفه بالتيار الظلامي، وشكلت الجامعة لجنة تحقيق قامت بتوجيه أسئلة إلى جعفر حول محتوى محاضراته وآرائه العلمية ورؤيته للأزهر، ووجهت إليه عدة اتهامات، منها الدعوة إلى الإلحاد وانتقاد صحيح البخاري، ودعوته إلى تعديل المناهج الأزهرية، ما نفاه جعفر حيث وضَّح أنه يدعو إلى التنوير.

وأصدرت جامعة الأزهر[7]، في 13 يونيو 2018، قرارًا بإيقاف الدكتور جمال محمد سعيد عبد الغني، أستاذ العقيدة والفلسفة بكلية أصول الدين في المنوفية، عن العمل لمدة ثلاثة أشهر بعد إحالته إلى التحقيق الإداري بسبب اتهامه “بالتشيع”. وقالت الجامعة في بيان لها إن الأستاذ الجامعي منسوب إليه الانتماء إلى الجماعة الأحمدية القطيانية الشيعية، وسبق اعتبار هذه الجماعة من العناصر المرتدة عن الدين الإسلامي، وقالت إن قرار إيقافه كان حرصًا على مصلحة الطلاب وحمايتهم من أصحاب الفكر المنحرف.

تظهر هذه الوقائع انتهاك جامعة الأزهر الحرية الأكاديمية باستخدام قرارات إيقاف الأستاذين عن العمل، ولم تراعِ أي أسس علمية في تناولها العمل الأكاديمي، بل إنها تدخلت في معتقد الأستاذ الجامعي جمال عبد الغني. ولم تُشِر الجامعة إلى مخالفات أكاديمية، واكتفت بذرائع حماية الطلاب من أصحاب الفكر المتطرف.

في نوفمبر 2020، تم إيقاف الأستاذ بالمعهد العالي للخدمة الاجتماعية بالإسكندرية محمد مهدلي عن العمل،[8] بعد إحالته إلى التحقيق على خلفية انتشار مقطع مصور، يُظهر نقاشًا بينه وبين طلابه في إحدي المحاضرات، اتهم بسببه بالإساءة للإسلام. بينما قالت وزارة التعليم العالي إنها تلقت شكوى من طلاب بالمعهد، قررت بعدها إيقاف الأستاذ محمد مهدلي إلى حين الانتهاء من التحقيق في الواقعة.

وبحسب تصريحه لبي بي سي عربي[9]، فإن المقطع المنتشر تم اجتزاؤه من سياقه وأنه لم يقصد أي إساءة. وأكمل: “فسر البعض ما قلت بأنه إساءة للدين الإسلامي، أنا مسلم وأحترم جميع الأديان. وأقدم اعتذاري لأبنائي الطلاب ولكل من شعروا بإهانة مما قلت”. وقال مهدلي إنه في محاضرته عن المجتمع الريفي والحضري تناول أمثلة عن الزواج والطلاق وأن ما صدر منه ردًّا على استشهاد أحد الطلاب بآية قرآنية كان “تجاوز غير مقصود، خانتني فيه كلماتي في لحظة انفعال وجدل حاد”.

وكان قد انتشر مقطع مصور من إحدى محاضرات مهدلي يتحدث فيه عن مهر الزواج في الإسلام، واعترض أحد الطلاب على طرح الأستاذ، مستشهدًا بآية قرانية، لينفعل مهدلي ويطرد الطلاب المعترضين خارج القاعة. وقال المتحدث باسم وزارة التعليم العالي حسام عبد الغفار، إن مهدلي أحيل إلى تحقيق إداري تجريه لجنة من أساتذة كلية الحقوق بجامعة الإسكندرية. وأضاف أن الوزارة تلقَّت شكوى من الطلاب قررت على خلفيتها إيقاف الأستاذ حتى صدور نتيجة التحقيق خلال 48 ساعة.

وبعد عرض نتيجة التحقيق الذي أجراه الدكتور فايز محمد حسين وكيل كلية الحقوق بجامعة الإسكندرية الذي انتهى بإقرار مهدلي بصحة الوقائع الموجودة في مقطع الفيديو المنتشر، قررت وزارة التعليم العالي[10] إحالة الواقعة إلى النائب العام للتحقيق في ارتكاب الدكتور مهدلي جرائم ازدراء الأديان، وإهانة ثوابت الشريعة الإسلامية، وسب الطلاب _كما ورد في نص التحقيق_ كما أحال وزير التعليم العالي مهدلي إلى مجلس تأديب المعاهد العليا الخاصة مع استمرار وقفه عن العمل. ومن جهة تحقيقات النيابة فقد تقرر حبس[11] الدكتور محمد مهدلي 4 أيام على ذمة التحقيقات في اتهامه بازدراء الأديان وتحليل زواج المحارم. توفى مهدلي، في 24 ديسمبر 2020، إثر تدهور حالته الصحية.

وفي ظل التوسع في الرقابة على الحرية الأكاديمية، بدأ الطلاب في تصيد ما يعتبرونه إساءة للأديان، ومع استجابة الجامعة لشكاوى الطلاب، فهي لا توفر مناخًا يسمح بالمناقشة الحرة بين الطلاب والأستاذ ويحمل الأساتذة على مزيد من الرقابة الذاتية على ما يتناولون من آراء وموضوعات علمية داخل قاعات الدراسة. ويعد ما فعله وزير التعليم العالي بتحويل التحقيق إلى النيابة العامة انتهاكًا صارخًا لقيمة الحرية الأكاديمية وحق الأساتذة في المناقشة الحرة داخل المحاضرات، وكان على إدارة معهد الخدمة الاجتماعية بالإسكندرية أن تكتفي بالتحقيق في احتداد الأستاذ مهدلي على طلابه، وطردهم من قاعة المحاضرات، لأن في ذلك ما يمنع النقاش العلمي الحر مع الطلاب.

وفي جامعة قناة السويس، أصدر الدكتور السيد عبد العظيم الشرقاوي قرارًا رقم 187 بتاريخ 15 مايو 2018 بعزل منى البرنس أحمد رضوان المدرس بقسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب[12]، من وظيفتها مع احتفاظها بالمعاش أو المكافأة، بعد تحقيقات استمرت 14 شهرًا، بدأت بإحالة البرنس إلى التحقيق لتواجه عدة تهم، من بينها نشرها مقاطع فيديو لها وهي ترقص على مواقع التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى السفر دون إذن الجامعة، والتهمة الأهم هنا هي “العيب في الذات الإلهية والحديث مع الطلاب في المعتقدات الدينية”، حسب ما جاء في التحقيقات التي أجراها مع البرنس عميد كلية الحقوق بجامعة المنصورة.

كان اتهام البرنس بازدراء الأديان بسبب تدريسها نصًّا من القرن السابع عشر وهو “الفردوس المفقود” للأديب الإنجليزي جون ملتون، وهي قصيدة ملحمية تبدأ بخروج “آدم وحواء” من الجنة، وقد ردت عليه أستاذة الأدب الإنجليزي قائلة: “لم يحدث أن قمت بالإساءة إلى الأديان داخل الجامعة على الإطلاق”. كما ذكر المحامي مهاب سعيد[13] الذي حضر التحقيق مع البرنس، أن تطرق دكتور منى البرنس إلى نص “الفردوس المفقود” كان من منطلق أدبي وأكاديمي إذ طلبت من طلابها أن يقارنوا بين النص وبين نصوص عربية مثل رواية أولاد حارتنا لنجيب محفوظ، وقصيدة كلمات سبارتكوس الأخيرة للشاعر أمل دنقل. مضيفًا أن تلك النصوص لم تسئ لأي دين ولم يعاقَب مؤلفوها، بينما تُعاقَب البرنس على تدريس تلك النصوص.

اتهمت جامعة قناة السويس دكتورة منى البرنس بناءً على تدريسها نصوصًا أدبية بحتة تُقرأ وتُدرس في كل مكان وغير ممنوع مناقشتها أو تدريسها بأي شكل، إنما أصبح مجرد تناول أي موضوع  يتصل بالأديان من قريب أو بعيد قد يعرِّض عضو هيئة التدريس لخطورة اتهام ازدراء الأديان وفقد وظيفته.

لم يتوقف التدخل فيما يتناوله أساتذة الجامعة عند حدود الإسهام العلمي أو ما يتم تناوله في قاعات التدريس أو الكتب وإنما امتد إلى الآراء الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي. ففي جامعة الزقازيق[14]، أصدر الدكتور خالد عبد الباري، رئيس الجامعة، قرارًا رقم 1620 لسنة 2017، في 22 أغسطس، بوقف الدكتور ماهر المغربي، أستاذ الأمراض النفسية والعصبية بكلية الطب، عن العمل لمدة ثلاثة أشهر وإيقاف صرف ربع راتبه مع إحالته إلى مجلس تأديب ومنعه من دخول الجامعة إلا لحضور جلسات التحقيق بسبب نشره على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” عبارات مسيئة إلى الدين الإسلامي، حسب بيان كلية الطب بالجامعة. وذلك رغم نفي المغربي كتابة المنشورات المنسوبة إليه، حيث قال إنه تجاهل صفحته على “فيسبوك” من عام 2014، لعدم درايته بأمور الإنترنت.

وللطلاب أيضًا نصيب من سوط تهمة ازدراء الأديان، حيث صدر في 16 فبراير 2015 حكم[15] بحبس الطالب بجامعة قناة السويس شريف جابر عبد العظيم في القضية رقم 7419 لسنة 2014 جنح ثالث الإسماعيلية، بالحبس سنة وغرامة قدرها ألف جنيه لإيقاف التنفيذ في تهم تتعلق بازدراء الأديان.

وكان رئيس جامعة قناة السويس قد حرر محضرًا ضد الطالب بتهمة إنشاء مجموعة على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” تحت اسم “ملحدين”، وتحركت على إثره قوة أمنية من أقسام ثانٍ وثالث الإسماعيلية بضبطه والتحفظ عليه في 26 أكتوبر للتحقيق في اتهامه بازدراء الأديان، ولم يتم إخلاء سبيله إلا في 3 ديسمبر 2014 بكفالة قدرها 7500 جنيه على ذمة القضية انتهاءً بالحكم النهائي بالحبس سنة مع إيقاف التنفيذ. وتعد قضية الطالب شريف جابر امتدادًا لتوسع الجامعات في تقييد حرية التعبير عن المعتقد لأعضائها طلابًا وأساتذة.

وهكذا، يتبين من خلال استعراض هذه الحالات أن نمط انتهاك الحرية الأكاديمية بسبب اتهامات بازدراء الأديان قد تكرر في أكثر من جامعة مصرية، وفي فترات زمنية مختلفة، سواء كان التحرك تجاه عقاب الأساتذة نابعًا من إدارات الجامعات أو بضغط من الطلاب من خلال مواقع التواصل الاجتماعي.

ثانيًا: اتهامات ازدراء الأديان وانتهاك الحرية الأكاديمية وحرية التعبير:

لا يمكن أن نرى هذه القرارات بمعزل عن السياسة التي اتبعتها الدولة في السنوات الماضية من خلال انتهاك الحريات الأكاديمية واستقلال الجامعات، والتضييق على الحريات الشخصية وحرية الفكر والتعبير، حتى ولو خارج أسوار الجامعة، إضافة إلى تقييد الحق في التنظيم والعمل السياسي للأساتذة والطلاب. تخدم الإجراءات التأديبية المتخذة في حالات “ازدراء الأديان” هذه السياسة، وتكرس الاعتماد على أسلوب الحفظ والتلقين، بدلًا من التدريب على التفكير النقدي وإعمال وترسيخ قواعد البحث العلمي.

ويحفل الدستور المصري بمواد ضامنة لحرية الفكر والتعبير[16]، حيث نصت المادة 65 في باب الحقوق والحريات، على أن حرية الفكر والرأي مكفولة. ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول، أو بالكتابة، أو بالتصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر. كما يضمن الدستور استقلال الجامعات وتمتع أعضاء المجتمع الأكاديمي بالحرية الأكاديمية اللازمة لقيام الجامعة المصرية بدورها في التقدم العلمي ونشر الثقافة والارتقاء بالمجتمع، حيث نُصَّ في المادة 21 منه على: “تكفل الدولة استقلال الجامعات العلمية واللغوية..”، وأقرت المادة 22 أن: “المعلمون وأعضاء هيئات التدريس الركيزة الأساسية للتعليم، وتكفل الدولة رعاية حقوقهم الأدبية بما يضمن جودة التعليم”، بينما أكدت المادة 23 من الدستور على كفالة الدولة حرية البحث العلمي وتشجيع مؤسساته.

ولا يتم ضبط التشريعات وفق هذه المواد، حيث تحوي القوانين مواد تهدر هذه الحريات والحقوق المكفولة للأفراد. إذ تنص المادة 98 (و) من قانون العقوبات على: “يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر ولا تتجاوز خمس سنوات أو بغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تجاوز ألف جنيه كل من استغل الدين في الترويج بالقول أو الكتابة أو بأية وسيلة أخرى لأفكار متطرفة لقصد إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية”.

وتعتبر هذه المادة هي حجر الأساس في كل التهم المتعلقة بازدراء الأديان. وكان الهدف من استحداث هذه المادة، نظريًّا، هو محاسبة رجال الدين في حال استخدامهم خطابًا دينيًّا يشارك في إحداث فتن داخل المجتمع. وكان اختيار رجال الدين نظرًا إلى تأثيرهم الديني والعقائدي على المؤمنين بهذه الأديان والمعتقدات، بخلاف عامة الناس الذين لا يمتلكون هذا التأثير في آرائهم التي تعبر عن أفكارهم الخاصة، لا وجهة نظر الدين نفسه. إلا أن المادة استخدمت بالطبع ضد الجميع.

تستخدم هذه المادة بشكل واسع جدًّا للتضييق على حرية الفكر والتعبير. وهي تتميز بقابليتها للتأويل حسب أي موقف وتبعًا لرأي السلطة السياسية أو استجابة للقيود الاجتماعية والدينية، التي يَجِبُ ألًّا تكون عائقًا أمام ممارسة أعضاء المجتمع الأكاديمي عملهم بحرية وحقهم في الإدلاء بآرائهم العلمية بحرية.

وكانت الحكومة المصرية قد تقدمت في عام 1981 بمشروع قانون لتعديل وإضافة عدد من مواد قانون العقوبات المصري، كانت من ضمنها المادة 98 المعروفة الآن بمادة “ازدراء الأديان”. فكان الهدف من مشروع القانون هو مواجهة ما عرف إعلاميًّا وقتها “بأحداث الفتنة الطائفية بالزاوية الحمراء” بإضافة مواد تتعلق بالحق في ممارسة الشعائر الدينية بعيدًا عن أعمال العنف وتهديد المجتمع. وكان الهدف هو معاقبة “المتشددين من الشيوخ والقساوسة” الذين يستخدمون الخطاب الديني للتحريض على العنف والكراهية في المجتمع. ولم يكن هدف المُشرِّع حينها هو معاقبة المفكرين أساتذة الجامعات على آرائهم العلمية والفكرية والتضييق على حقهم في الحرية الأكاديمية وحرية التعبير عن الدين أو المعتقد.

ويسمح استخدام وصف “أفكار متطرفة” بتأويلات غير محدودة لكل الآراء، ويصعِّب ذلك تحديد من المنوط به أن يقرر ما إذا كانت تلك الأفكار متطرفة أم لا. كما يترك ذلك مجالًا للقاضي أو المحقق أن يحدد وفق ما يراه مدى تطرف الأفكار في القضايا التي ينظرها وتتعلق بازدراء الأديان، والمعروف أن السائد من أفكار ومعتقدات في المجتمع قد يختلف مع تطور الزمن واختلاف الظروف، ويتغير مفهوم التطرف وفقًا لاختلاف المعتقدات أو الثقافات.

وبالإضافة إلى مواد قانون العقوبات، فإن إدارات الجامعات تستخدم في إحالتها أعضاء هيئات التدريس إلى التأديب[17]، مواد قانون تنظيم الجامعات التي تمنح الحق في تأويل أي ممارسة طبيعية للحرية الأكاديمية كالمناقشة أو البحث العلمي بأنها ” أفعال تحط من القيم والأعراف الجامعية”.

إلى جانب إعطاء قانون تنظيم الجامعات الحرية لجهة التحقيق في توقيع أي عقوبة يختارها دون تحديد تناسب العقوبات بالأفعال المخالفة لأحكام القانون.

وينص العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية[18] في المادة 18 منه على أن: “لكل إنسان الحق في حرية الفكر والوجدان والدين ويشمل ذلك حريته في أن يدين بدين ما، وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره، وحريته في إظهار دينه..”. كما تنص المادة 19 من العهد نفسه على: “لكل إنسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها.”

وأكد التعليق العام رقم 13 للجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية[19] على المادة رقم 13 من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية[20] الخاصة بالحق في التعليم على تمتع أفراد المجتمع الأكاديمي بصورة فردية وجماعية بالحرية في متابعة وتطوير ونقل المعارف والأفكار عن طريق الأبحاث أو التعليم أو الدراسة أو المناقشة أو التوثيق أو الإبداع أو الكتابة.

ويشرح إعلان الحرية الأكاديمية الصادر في 2005 أنه: “مع أن كل واقع وطني يشكل بلا شك رؤيته الخاصة لمعنى وممارسة الحرية الأكاديمية، إلا أنه كحد أدنى يجب أن يخضع أداء أعضاء هيئة التدريس وتعبيرهم داخل قاعات الدرس وفي السياقات التعليمية الأخرى للتقدير المهني لزملاؤهم وحدهم”، ويخالف ذلك ما يحدث في مصر، حيث يتم إخضاع كل منتج للأكاديميين المصريين لقيود عدة منها الدينية أو السياسية أو المجتمعية، دون اكتراث بمعايير البحث العلمي.

وتحيل إدارات الجامعات الأساتذة إلى التحقيق طبقًا لقانون تنظيم الجامعات[21] إذا ارتكبوا أفعالًا “تحط من القيم والأعراف الجامعية”. كما افتقد قانون تنظيم الجامعات في لائحته التنفيذية الخاصة بتأديب أعضاء هيئة التدريس الدقة اللازمة في تحديد العقوبات، فضمن القانون عقوبات عدة، مثل: التنبيه واللوم والعزل والوقف عن العمل، دون أن يحدد أي الأفعال المجرَّمة تناسب كل عقوبة منها وفي ذلك إطلاق ليد إدارات الجامعات في توقيع عقوبات جزافية وفقًا لتقدير القائمين على التحقيق.

وأكدت المحكمة الدستورية العليا[22] في حكمٍ لها على أن النصوص العقابية الغامضة: ” يكون تطبيق تلك النصوص من قبل القائمين على تنفيذها عملًا انتقائيًّا، ومحددًا على ضوء أهوائهم الشخصية، ومبلورًا بالتالي خياراتهم التي يتصيدون بها من يردون، فلا تكون إلا شراكًا، لا يأمن أحد معها مصيرًا”، كما أنه من القواعد القانونية العامة[23] أن القوانين تخاطب كل أفراد المجتمع بغض النظر عن طبيعة عملهم أو ثقافتهم، لذلك يجب أن تكون نصوص القوانين الموجهة إلى المواطنين واضحة ومحددة وسهلة الفهم والاستيعاب لكي تصل إلى كافة المواطنين على حدٍّ سواء، لتحقق في ذلك المبدأ القانوني: “عدم جواز الاعتداد بالجهل بالقانون”، فيجب أن يفهم الناس القانون فهمًا واضحًا غير ملتبسٍ حتى تنطبق عليهم القاعدة القانونية.

ويؤدي غموض النصوص القانونية والتوسع في تأويلاتها إلى الإضرار بحقوق وحريات المواطنين، في حالة مادة “ازدراء الأديان” فإن الأمر ينسحب على الإخلال بالحق في حرية الفكر والتعبير وحرية المعتقد. وتقول المحكمة الدستورية[24] في هذا الصدد إن “المواطنين الذين اختلط عليهم نطاق التجريم والتوت بهم مقاصد المشرع، يقعدون عادة _حذر العقوبة وتوقيًا لها_ عن مباشرة الأفعال التي داخلتهم شبهة تأثيمها، وإن كان القانون في معناه العام يسوغها”.

ما يعني أن المواطنين عندما لا يفهمون على نحو دقيق نصوص القانون وماهية الأفعال المجرَّمة طبقًا للنص، يخافون ممارسة حقوقهم المصانة وفقًا للقانون والدستور خوفًا من أن يطالهم تفسير هذه النصوص الفضفاضة بالعقوبة.

لذا، فإنه من الضروري لحماية الحرية الأكاديمية وحرية التعبير لأعضاء هيئات التدريس أن يعمل المشرعون على ضبط التشريعات بما يتوافق مع مواد الدستور المصري التي تضمن الحرية الأكاديمية وحرية التعبير، بما ينهي هذا التناقض بين الدستور والقوانين السارية.

ثالثًا: الإدارات الجامعية كرقيب على أعضاء هيئة التدريس:

في 3 مارس 1932 صدر قرار عن وزير المعارف محمد علي عيسى بإقالة الدكتور طه حسين من منصبه كعميد لكلية الآداب بجامعة فؤاد الأول ونقله إلى ديوان الوزارة ليعمل كمفتش عام. جاء قرار الإقالة نتيجة رفض حسين طلب الوزير بمنح درجات الشرف لعدد من الطلاب الأجانب، وبعض الطلاب المصريين من كبار الأعيان، على أن يوزعها عليهم الملك فؤاد في حفل بالجامعة.

بعد صدور القرار بأيام في 9 مارس تقدم الدكتور أحمد لطفي السيد باستقالته من رئاسة الجامعة[25] احتجاجًا على نقل حسين من عِمادة كلية الآداب، وجاء في نص خطاب استقالته: “أسفت لنقل الدكتور طه حسين، عميد كلية الآداب، إلى وزارة المعارف، لأن هذا الأستاذ لا يعوض، لا من جهة الدروس التي يلقيها على الطلاب، ولا من جهة البيئة التي خلفها حوله، وبث فيها روح البحث الأدبي… وعلى الأخص لأن على هذه الصور دون رضا الجامعة ولا استشارتها كما جرت التقاليد منذ نشأة الجامعة، كل ذلك يذهب بالسكينة والاطمئنان الضروريين لإجراء الأبحاث العلمية”.

جاءت استقالة السيد دفاعًا عن استقلال الجامعة عن السلطة التنفيذية ما يوفر للأساتذة وهيئة التدريس بيئة أكاديمية حرة تمكنهم من تطوير المعرفة والأبحاث العلمية ما يعود على الطلاب والمجتمع بالتقدم والازدهار. ظلت ذكرى استقالة لطفي السيد من منصبه كرئيس للجامعة المصرية باقية إلى الآن، إذ أصبح 9 مارس يومًا للاحتفاء باستقلال الجامعة والتذكير بأهميتها البالغة.

على العكس من لطفي السيد، لم تلعب الإدارات الجامعية في هذه الآونة دورًا في الدفاع عن حرية واستقلال أعضاء هيئة التدريس، وتعد هذه الإدارات المسؤول الأول عن التضييق على الحرية الأكاديمية واستقلال الجامعة. ففي كل الحالات التي رصدها التقرير قام رئيس الجامعة باتخاذ قرار بوقف عضو هيئة التدريس عن العمل مباشرة كإجراء عقابي إلى حين استكمال التحقيقات، وفي كل الوقائع لم تكن هناك مخالفة علمية أو إخلال من طرف عضو هيئة التدريس بواجباته تجاه العملية التعليمية سوى ما أتى به الدكتور محمد مهدلي من منع الطلاب من النقاش. وإنما كانت القرارات تدخلًا في الحرية الأكاديمية للأساتذة تارَة وتعديًا على حقهم في حرية التعبير والحياة الخاصة تارَة أخرى.

وإذا كان على الأساتذة والطلاب أن يراجعوا قائمة طويلة من الممنوعات الدينية والاجتماعية والسياسية التي يجب ألا يتطرقوا إليها لا بالبحث ولا المناقشة، فلن يتبقى لهم إلا الموضوعات التي تحددها السلطة سواء كانت سلطة دينية أو مجتمعية تخضع لها السلطات التنفيذية. وتعد المبادرة باتخاذ إجراء تأديبي قاسٍ كالوقف عن العمل لمدة ثلاثة شهور بمجرد وصول الشكوى إلى رؤساء الجامعات قبل انتهاء التحقيقات _والذي ينتهك حقوق أعضاء هيئة التدريس من الأساس_ مغالاة وسوء استخدام للسلطة التأديبية الممنوحة لهم.

ويستند رؤساء الجامعات في قرارهم بوقف الأساتذة[26] أو الهيئة المعاونة عن العمل لمدة ثلاثة أشهر على المادة 106 من قانون تنظيم الجامعات التي تنص على: “لرئيس الجامعة أن يوقف أي عضو من أعضاء هيئة التدريس عن عمله احتياطيًّا _إذا اقتضت مصلحة التحقيق معه ذلك_ ويكون الوقف لمدة لا تزيد على ثلاثة أشهر، ويترتب على وقف عضو هيئة التدريس عن العمل وقف صرف ربع راتبه ابتداء من تاريخ الوقف”.

رغم أن القانون _وفقًا لصياغته_ لم يشترط الوقف عن العمل في حالة التحقيق مع عضو هيئة التدريس، وإنما وضعه كقرار ممكن في حالة حاجة مصلحة التحقيق إليه، فإن رؤساء الجامعات تعاملوا مع هذه الإمكانية كضرورة في كل الحالات.

وساهمت التعديلات التي أدخلت على قانون تنظيم الجامعات وقانون تنظيم الأزهر في إطلاق يد إدارات الجامعات في فصل وتوقيع العقوبات التأديبية القاسية على الأساتذة. وكان آخر هذه التعديلات تصديق الرئيس عبد الفتاح السيسي على قانون رقم 152 لسنة 2019، بتعديل بعض مواد قانون تنظيم الجامعات[27] رقم 49 لسنة 1972. استهدفت التعديلات في المواد من 103 إلى 112 الخاصة بتأديب أعضاء هيئة التدريس، توسيع السلطة التأديبية الممنوحة لرؤساء الجامعات وتشديد العقوبات التي تصل إلى الفصل من الوظيفة والحرمان من المعاش، والوقف عن العمل لمدة ثلاثة أشهر _إذا اقتضت مصلحة التحقيق ذلك_ وهي المادة التي يُستنَد إليها في قرارات الوقف عن العمل المتكررة للأساتذة.

وهو نفس التعديل _تقريبًا_ الذي أدخل على قانون الأزهر[28]، إذ صدر قرار بتعديل المادة 72 من القانون 103 لسنة 1961 بشأن قانون تنظيم الأزهر بما يسمح لرئيس الجامعة بعزل أعضاء هيئة التدريس وفصل الطلاب من الجامعة نتيجة ادعاءات بالاشتراك في مظاهرات أو أعمال تخريبية، واستخدمت جامعة الأزهر هذا التعديل في فصل 18 أستاذًا[29]، بدعوى تحريضهم على التظاهر داخل الجامعة والانقطاع عن العمل لمدة جاوزت ستة أشهر، كان ذلك على خلفية تغيبهم عن العمل بسبب احتجازهم على ذمة قضايا سياسية، منهم الدكتور عبد الرحمن البر الأستاذ بكلية أصول الدين بالمنصورة، والدكتور محمد البلتاجي الأستاذ بكلية الطب بنين بالقاهرة.

وفي 2014، عدل قانون تنظيم الجامعات بما يشمل إلغاء آلية انتخاب القيادات الجامعية[30]، وجعل تعيين وإقالة رؤساء الجامعات من سلطة رئيس الجمهورية، ما ترتب عليه تدخلات أمنية عرقلت تعيين رؤساء جامعات بسبب انتماءاتهم السياسية.

إن روح هذه التعديلات بجملتها تهدف إلى تضييق الخناق على حرية أساتذة الجامعة في التدريس والنشر والبحث من ناحية، وحريتهم الشخصية في التعبير عن مواقفهم في مختلف الموضوعات من ناحية أخرى. كما أحكمت هذه التعديلات سيطرة السلطة التنفيذية على الجامعات.

خاتمة وتوصيات

 تقيد اتهامات ازدراء الأديان التي توجه إلى الأساتذة الحرية الأكاديمية، التي تشتمل على حرية البحث والتدريس والنشر والمناقشة والابتكار، التزامًا بالمعايير العلمية والأكاديمية، والتي تعد الأساس في قيام الجامعة بالأدوار المنوطة بها، من نشر المعرفة وتطوير البحث العلمي وخدمة المجتمع، وبناء أجيال قادرة على التفكير النقدي والإبداع. ويجب أن تتوقف هذه الانتهاكات لما لها من تأثير سلبي يمنع الجامعة من القيام بأدوارها ويحرم أعضاء هيئات التدريس من حقوقهم المكفولة في الدستور المصري، وفي سبيل ذلك توصي مؤسسة حرية الفكر والتعبير بالآتي:

على إدارات الجامعات والكليات والمعاهد العليا وقف إحالة أعضاء هيئة التدريس إلى التحقيق بسبب ممارسة الحرية اﻷكاديمية أو حرية التعبير عن الدين أو المعتقد.

يجب أن توقف إدارات الجامعات والكليات والمعاهد العليا تدخلاتها في اختيار الأساتذة موضوعات أبحاثهم العلمية، وطريقة التدريس والمناقشة داخل قاعات المحاضرات والبحث.

على رؤساء الجامعات عدم التغول في استخدام سلطتهم التأديبية، والعمل على حماية أعضاء هيئة التدريس من الضغوط السياسية والدينية والاجتماعية حتى يتمكنوا من ممارسة عملهم بحرية.

يجب أن يلغي مجلس النواب المنتخب المادة 98 (و) من قانون العقوبات بسبب عدم دستوريتها وإخلالها بالحق في حرية التعبير والحرية الأكاديمية.

على مجلس النواب المنتخب العمل على تعديل قانون تنظيم الجامعات بما يضمن الحرية الأكاديمية والاستقلال الفعلي للجامعات عن السلطة التنفيذية، وإلغاء سلطة رئيس الجمهورية في تعيين رؤساء الجامعات وعمداء الكليات.

يجب على مجلس النواب المنتخب إلغاء استخدام مصطلح “الأعراف والتقاليد الجامعية” من قانون تنظيم الجامعات، والذي يستخدم عادة للتضييق على حرية الأساتذة وأعضاء الهيئات المعاونة.

مؤسسة حرية الفكر والتعبير : وزارة الدولة للإعلام.. بين الإفصاح عن المعلومات وصراع الهيمنة على الإعلام فى مصر


مؤسسة حرية الفكر والتعبير :

وزارة الدولة للإعلام.. بين الإفصاح عن المعلومات وصراع الهيمنة على الإعلام فى مصر


موقع مؤسسة حرية الفكر والتعبير / تقرير حقوقي صادر بتاريخ الخميس 31 ديسمبر 2020 / مرفق الرابط

منهجية

اعتمدت الورقة على تحليل خطاب وزير الدولة للإعلام من خلال ما أجراه من لقاءات تلفزيونية أو حوارات صحفية، وكذلك من خلال منشورات الوزارة التي تحمل تصريحات الوزير وبيانات الوزارة على صفحة الوزارة على موقع فيسبوك. فضلًا عن رصد ردود الفعل تجاه مواقف وزارة الدولة للإعلام بين أوساط الجماعة الصحفية والإعلامية. كما اعتمدت الورقة على عدد من الدراسات والأبحاث الرسمية وغير الرسمية، وكذلك بعض الإحصاءات التي تتعلق بنسب المشاهدة وتطور استخدام الهواتف الذكية في الولوج إلى الإنترنت ومطالعة الأخبار والمعلومات ومشاركتها.

واستعرضت الورقة قرار مجلس الوزراء المتعلق بتحديد اختصاصات وزير الدولة للإعلام والمنشور في تقارير إعلامية، إضافة إلى قانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 180 لسنة 2018.

مقدمة

اتسم واقع المشهد الصحفي والإعلامي في مصر إبَّان ثورة يناير 2011 بالسيولة الشديدة، التي وصلت في بعض الأحيان إلى فوضى إعلامية. حيث عانت الصحافة القومية والتلفزيون الرسمي من حالة ارتباك بعد تنحي الرئيس الأسبق “مبارك”، خصوصًا بعد الدور الكبير الذي لعبته في دعم النظام السياسي _آنذاك_ على حساب معايير المهنية والاحترافية والاستقلال التي يجب أن يتمتع بها إعلام الخدمة العامة.

تعالت الأصوات المنادية بتطهير وسائل الإعلام والصحافة المملوكة للدولة، وإعادة هيكلتها وتطويرها بالشكل الذي يمكِّنها من أداء الخدمة الصحفية والإعلامية باحترافية ومهنية واستقلال عن السلطة السياسية والتنفيذية. ونتيجة لحالة عدم الاستقرار والصراع السياسي الذي أعقب ثورة يناير 2011، وفي ظل غياب أية رؤية إستراتيجية ومنهجية لإعادة هيكلة وتطوير منظومة الصحافة القومية وإعلام الخدمة العامة، استمرت إدارة المشهد الإعلامي بنفس الطريقة المركزية القديمة، وسارعت الأنظمة المتوالية بعد الثورة في استغلاله وتوجيهه لخدمة مصالحها.

أما على مستوى الإعلام الخاص، فعلى الرغم من هامش الحرية الكبير الذي تمتعت به وسائل الإعلام والصحافة الخاصة بعد ثورة يناير 2011، فإن حالة السيولة كما أنتجت نماذج إعلامية إيجابية من ناحية، أدت أيضًا إلى انتشار خطابات الكراهية والتحريض على العنف، وانتُهكت الحياة الشخصية للمواطنين بشكل فجٍّ من ناحية أخرى. وكان لغياب ميثاق الشرف الإعلامي والتأخر الكبير في تعديل القوانين المنظِّمة للشأن الصحفي والإعلامي دور كبير في الحالة، التي أصبح عليها واقع الصحافة والإعلام في مصر.

استجابت لجنة الخمسين لتعديل الدستور (2013–2014) لمطالبات الجماعة الصحفية والإعلامية والحقوقية المنادية بإعادة هيكلة المؤسسات المسؤولة عن إدارة الشأن الصحفي والإعلامي بما يمنحها استقلاليتها عن السلطة السياسية والتنفيذية، فنصَّت على إلغاء وزارة الإعلام والمجلس الأعلى للصحافة واتحاد الإذاعة والتلفزيون (ماسبيرو).

وقد شكَّل إلغاء وزارة الإعلام فراغًا جديدًا، حاولت لجنة الخمسين للدستور تفاديه مسبقًا عن طريق استحداث ثلاث هيئات جديدة لتنسيق شؤون الإعلام، ولكن افتقرت الدولة إلى من يمثلها ويعمل على إيصال المعلومات إلى مواطنيها وتشجيع مؤسساتها على التعاون مع الإعلام، فصدر قرار جمهوري ينص على استحداث وزارة دولة للإعلام[1] في ديسمبر 2019، وتولَّى مسؤوليتها الرئيس السابق للجنة الإعلام والآثار والثقافة بالبرلمان، أسامة هيكل. وكان من بين الأهداف التي طرحها كُتَّاب مقربون من الرئيس أن وجود وزير دولة للإعلام من شأنه تخفيف الضغط على الرئيس، الذي يضطر إلى الحديث إلى الرأي العام في تفاصيل كثيرة.

وبالرغم من مرور عام كامل على استحداث وزارة الدولة للإعلام، فإن الجدل حول أهمية استعادة منصب وزير للإعلام للمساعدة في ضبط عشوائية وفقر المشهد الصحفي والإعلامي في مصر لا يزال مستمرًّا.[2] وتم حسم الجدل الدستوري بتغليب الرأي القائل إن الدستور لم يمنع إنشاء وزارة دولة للإعلام، طالما أن ذلك لا يشمل عودة وزارة الإعلام باختصاصاتها في تنظيم الإعلام، والتي تم النص على إلغائها.

وبينما ينشغل متابعو المشهد الإعلامي في مصر وأطراف المصالح فيه بالجدل حول أهمية وجود الوزارة من عدمه، وصلاحيات الوزير والمجالس والهيئات المستقلة، تغيب عن الأنظار ماهية السياسات من حيث حوكمة الإعلام، والسياسات الإعلامية وإفصاح مؤسسات الدولة عن المعلومات باعتباره عاملًا رئيسيًّا لعمل وسائل الإعلام.

يكتفي وزير الدولة للإعلام أسامة هيكل بطرح خطوط إستراتيجية عريضة مع توليه الوزارة. لذلك تحاول الورقة استخلاص سياسات وزارة الدولة للإعلام، من المصدر الوحيد المتاح لها وهو تصريحات وخطابات الوزير نفسه خلال عام كامل من توليه الحقيبة الوزارية المستحدثة. وتستخلص الورقة أبرز التوجهات التي تعبِّر عن الركائز الأساسية للسياسة الإعلامية في ثلاثة محاور:

سوق إعلامي أكثر انفتاحًا وحرية،

الاهتمام بدور الدولة ومؤسساتها المختلفة في توفير وإتاحة المعلومات بدلًا من المنع والحظر،

الاهتمام بمستقبل مهنتي الصحافة والإعلام خصوصًا في ظل التطورات المتلاحقة التي يشهدها سوق تكنولوجيا الاتصالات في العالم.

ويمكن القول في المجمل إنه مع نهاية عام الوزير الأول فإن الملامح الرئيسية للسياسة الإعلامية التي يتبناها هيكل تعبر عن توجهات محمودة، ورغم أنها كانت سببًا في حملة شرسة للهجوم عليه وصلت إلى حد مطالبته بالاستقالة، فإنها توجهات تستحق الدعم والتأييد من كافة الأطراف المدافعة عن حرية الصحافة والإعلام.

القسم الأول: ملامح المشهد الإعلامي بعد إلغاء وزارة الإعلام:

استجابت لجنة الخمسين لتعديل الدستور (2013–2014) لمطالبات الجماعة الصحفية والإعلامية والمنظمات الحقوقية، التي نادت بإعادة هيكلة المؤسسات المسؤولة عن إدارة الشأن الصحفي والإعلامي، بما يمنحها استقلاليتها عن السلطة السياسية والتنفيذية، فنصَّت على إلغاء وزارة الإعلام والمجلس الأعلى للصحافة واتحاد الإذاعة والتلفزيون (ماسبيرو).

واستحدثت لجنة الخمسين للدستور ثلاث هيئات جديدة لتنسيق شؤون الإعلام، إلا أن هذه الكيانات الوليدة استغرقت في الانشغال بتنظيم أمورها والصراع على الاختصاصات من ناحية، وممارسة أدوار الرقيب المجتمعي على وسائل الإعلام من ناحية أخرى، في الوقت الذي تمددت فيه أجهزة أمنية وسيطرت بشكل احتكاري على وسائل الإعلام في غفلة أو ربما تواطؤ من قِبَل الهيئات الإعلامية الجديدة التي غضَّت الطرف عن تلك الممارسات الاحتكارية.

في هذا القسم من التقرير نحاول تسليط الضوء على اختصاصات الهيئات الجديدة الثلاث، وتضارب وعشوائية القوانين المنظِّمة لها، وكيف شهدت هذه الفترة التالية لإلغاء وزارة الإعلام ظهور محتكرين جدد من خلف الستار.

تنظيم الإعلام: استحداث ثلاث هيئات جديدة:

جرى استحداث ثلاث هيئات جديدة كمحاولة لملء الفراغ الناتج عن وزارة الإعلام، وذلك وفقًا للدستور المعدل في 18 يناير 2014. وتتمتع هذه الهيئات بالاستقلال المالي والإداري والفني، ولكل منها موازنة مستقلة وشخصية اعتبارية قائمة بذاتها. وهي المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، الهيئة الوطنية للصحافة والهيئة الوطنية للإعلام، على الترتيب.

تختص الهيئة الوطنية للصحافة بإدارة وتنظيم شؤون الصحافة القومية. بما يشمل وضع السياسات الخاصة بتطوير وهيكلة مؤسسات الصحافة القومية، وكذلك الإشراف والرقابة على عملية اختيار رؤساء وأعضاء مجالس إدارات تلك المؤسسات ورؤساء تحرير الإصدارات المختلفة. فضلًا عن دور الهيئة في إيجاد آليات فعالة للتعامل مع أزمات الصحافة القومية من تراجع الانتشار والتوزيع والعمالة الزائدة والديون والخسائر المتراكمة. كما تختص الهيئة الوطنية للإعلام بنفس الأدوار ولكن فيما يتعلق بإدارة وتنظيم شؤون الإعلام المرئي والمسموع المملوك للدولة (التلفزيون والإذاعة الرسميين).

بينما يختص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بإدارة وتنظيم شؤون الصحافة والإعلام بشقيه الخاص والمملوك للدولة، وأيَا كان وسيطه (مقروء/ مرئي/ مسموع/ رقمي). حيث يختص بإصدار التراخيص الخاصة بالصحف ووسائل الإعلام الخاصة، ويضع اللوائح والضوابط اللازمة لتنظيم الساحة الصحفية والإعلامية، ويراقب ويشرف على تنفيذها. كما يقر اللوائح الخاصة بالعقوبات على المؤسسات الصحفية والإعلامية حال مخالفتها أيًّا من الضوابط، سواء المتعلقة بالترخيص أو ميثاق الشرف الإعلامي إلخ. فضلًا عن تنسيق العلاقة والإشراف على عمل الهيئتين الوطنيتين للصحافة والإعلام.

بعد تأخر دام عامين منذ إقرار الدستور الجديد في 2014، خرجت أول نسخة من قانون تنظيم الصحافة والإعلام الموحَّد في 2016. وجرى تشكيل الهيئات الإعلامية المنصوص عليها دستوريًّا، إلا أن الهيئات المستحدثة عانت في بداية عملها تخبطًا كبيرًا على مستوى القوانين الحاكمة لعملها، حيث جرى إقرار ثلاثة قوانين جديدة لتنظيم الصحافة والإعلام في 2018، ما أدى إلى تغيير كافة اللوائح التي كانت قد أقرت بعد صدور القانون الأول. كذلك جرى تشكيل الهيئات الإعلامية من جديد وفق القوانين الأخيرة، ما معناه أن هناك قانونين وخمسة لوائح جرى العمل بها في ثلاثة أعوام فضلًا عن تشكيلين مختلفين لعضوية مجالس تلك الهيئات.

تسببت حالة الارتباك وعدم الاستقرار التي شابت المرحلة التأسيسية من عمر الهيئات الإعلامية في تخبط أدائها بدرجة كبيرة، ما جعلها غير قادرة على أداء مهامها المنوطة بها قانونيًّا في إدارة وتنظيم الشأن الصحفي والإعلامي. أدى ذلك إلى عودة الجدل مرة أخرى حول أهمية استعادة منصب وزير الإعلام، باعتباره أحد أشكال العودة إلى القديم، الطريقة المضمونة والمجربة في السيطرة على الإعلام بشكل مركزي، بينما كان هناك رأي آخر يدعو إلى عودة وزارة الإعلام باعتبارها أداة مهمة لشرح سياسات الدولة وتمثيلها أمام وسائل الإعلام بهدف تخفيف الضغوط عن الرئيس الذي يضطر إلى الحديث عن كل تفاصيل عمل مؤسسات الدولة.

وأسهم وزير الدولة للإعلام أسامة هيكل في صدور هذه القوانين المنظمة للإعلام، أثناء توليه سابقًا منصب رئيس لجنة الإعلام والثقافة والآثار بالبرلمان طوال أربع سنوات، حيث أُقِرت من خلاله وعبر إشرافه وتدخله كافة التشريعات، التي تنظم الشأن الصحفي والإعلامي في مصر.

سوق الإعلام: احتكار مسكوت عنه:

جرت عمليات واسعة من انتقال الملكية في سوق الإعلام خلال الأعوام الأخيرة، والتي نجم عنها سيطرة عدد محدود من الكيانات على كافة الشاشات الصغيرة في مصر، يمتلك تلك الكيانات بشكل مباشر أو غير مباشر أجهزة أمنية واستخباراتية. أدت هذه العمليات إلى مشهد إعلامي فقير موجه وفاقد الانتشار والتأثير، ما دفع الكثير من المشاهدين إلى العزوف عن متابعة الإعلام الخاص المصري ومتابعة القنوات الخارجية كمصدر للمعلومة والتعرُّف على الرأي الآخر وتقصي الحقيقة[3].

اكتفى المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، منذ إنشائه، بدور “شرطة السلوك والأخلاق” داخل المجتمع الصحفي والإعلامي، حيث اقتصر اهتمام المجلس على ممارسة أدوار رقابية وعقابية[4]، وانشغل بفرض سيطرته، عبر رئيسه السابق مكرم محمد أحمد، على الهيئتين الوطنيتين للصحافة والإعلام، بينما أهمل المجلس الأعلى للإعلام أدواره التنظيمية والسياسية، المتعلقة بإدارة المشهد الصحفي والإعلامي المصري.

على سبيل المثال، لم يحرك المجلس أو رئيسه ساكنًا إزاء عمليات الاحتكار وانتقال الملكية الواسعة التي جرت خلال السنوات الأخيرة في سوق الإعلام[5] المرئي (التلفزيون) رغم أن قانون تنظيم الصحافة والإعلام ينص في أكثر من موضع على دور المجلس في حماية التنافسية ومراقبة عمليات انتقال رؤوس الأموال ومنع الاحتكارات وحماية التنوع والتعددية ودعمهم. وأيضًا، يرى الكثير من الصحفيين والإعلاميين المؤيدين للسلطة أن الهيئات والمجالس المنوط بها إدارة وتنظيم شؤون الصحافة والإعلام لم تتمكن من مواجهة انتشار وتأثير ما يسمى “الإعلام المضاد للدولة أو إعلام الإخوان”.

القسم الثاني: حدود أدوار وزارة الدولة للإعلام:

يركز التقرير في هذا القسم على دراسة أدوار وزارة الدولة للإعلام وتأثيراتها على الإعلام، بعد سبع سنوات من إلغاء وزارة الإعلام. ومع استحداث هذه الوزارة في ظل وجود المجالس الإعلامية الثلاث، ازداد التداخل في الاختصاصات بين وزارة الدولة للإعلام والتي هي جزء من السلطة التنفيذية ومجالس الإعلام المستقلة بنص الدستور. وبات هناك صراع بين مؤسسات الدولة حول التحكم في الإعلام والسيطرة على تنظيم وإدارة أموره.

من يتحكم في الإعلام: الصراع بين مؤسسات الدولة:

رغم النص الدستوري القاضي بإلغاء وزارة الإعلام واستحداث عدد من المجالس والهيئات المستقلة، جاء مسمى “وزارة دولة”[6] بمثابة مخرج آمن يمكن من خلاله التحايل على النص الدستوري، وفي نفس الوقت تعيين وزير بدون حقيبة يعمل على تمثيل الدولة وشرح سياساتها بالأساس، إلى جانب وجود أجندة ومهام سياسية، تتعلق بوضع سياسة إعلامية وتنسيق العلاقة بين المجالس والهيئات الإعلامية.

ويبدو أن استقدام هيكل وزيرًا للدولة للإعلام قد نبه مكرم محمد أحمد رئيس المجلس الأعلى للإعلام آنذاك إلى أن هذه الخطوة قد تعني فشل مهمته. ولذا، لم تنتهِ حرب التصريحات بين مكرم وهيكل إلا بعد إعلان التشكيل الجديد للهيئات الإعلامية بقرار رئيس الجمهورية[7]. حيث تم استبعاد مكرم محمد أحمد وبات كرم جبر رئيسًا للمجلس الأعلى للإعلام.

واعتبر كثير من المراقبين أن ذلك القرار، الذي تأخر صدوره أكثر من عامين، بمثابة تمهيد لطريق الوزير الجديد من أجل رسم سياساته الإعلامية وبسط واستعادة سيطرة الدولة بشكل مركزي على الإعلام من جديد منذ إلغاء وزارة الإعلام في دستور 2014.

أما عن الاختصاصات وتضارب الأدوار، كما سنوضح لاحقًا، أصدر مجلس الوزراء قرارًا باختصاصات وزير الدولة للإعلام بالفعل، إلا أن القرار لم يوقف الجدل باعتباره جاء فضفاضًا يميل إلى التعميم ويغيب عنه الوضوح والتحديد الكافي.

وزارة الدولة للإعلام: اختصاصات غير واضحة:

لعل الأزمة الحقيقية التي يواجهها وزير الدولة  للإعلام أسامة هيكل منذ مجيئه، لم تكن في أيٍ من الجماعتين الإعلامية والصحافية ولا المعارك والحملات التي يروجونها ضده، بل مع “المَخرج الآمن” الذي سهَّل وصوله إلى المنصب، وهو مسمى “وزراة دولة”، حيث جاء إقرارها على اﻷرجح للتحايل على النص الدستوري القاضي بإلغاء وزارة الإعلام. بينما لم يحظَ هذا الطرح بالدراسة والتحضير الكافيين، فجاءت اختصاصات الوزير فضفاضة وغير واضحة، تتسم بالتعميم ولا تشتمل على صلاحيات وسلطات تمكنه من تنفيذ ملامح سياسته الإعلامية التي جاءت هي الأخرى إنشائية.

وفيما يتعلق بالاختصاصات، فقد انقسمت إلى اختصاصات متعلقة بالمهام السياسية للوزير الجديد، وأخرى تتعلق بالإشراف والتنظيم بما يسمح للوزير بالمساهمة في ضبط المشهد الصحفي والإعلامي. تضمنت الاختصاصات السياسية، أن يقوم الوزير بالتنسيق مع مختلف الوزارات لطرح وإبراز مجهودات الدولة ومشروعاتها القومية، يقوم بتمثيل الدولة بالمؤتمرات والمحافل الدولية التي تتطلب وجود ممثل عن الدولة في الإعلام، يعمل على إعداد خطط التعامل الإعلامي مع المواقف السياسية المختلفة محليًّا ودوليًّا بالتعاون مع الوزارات والأجهزة المختلفة، والتحضير لمؤتمرات رئيس الجمهورية محليًّا ودوليًّا ومراجعة البيانات التي تَصدُر عن الحكومة والرئاسة قبل نشرها.

أما الاختصاصات التنفيذية فتتعلق باقتراح السياسة الإعلامية للدولة بالتنسيق مع السيد رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، وتنفيذها بالتنسيق مع الهيئات المنظمة، الإشراف على خطط تطوير أداء وسائل الإعلام المرئية العامة والخاصة بالتعاون مع الهيئات المختصة، العمل بالتعاون مع الجهات المختصة على تدعيم الإعلام الرسمي للدولة وإعادته إلى المنافسة، تدعيم حرية الإعلام الخاص، العمل بالتعاون مع الجهات المختصة على تدعيم وسائل الإعلام الإلكترونية بشكل مهني بما يتماشى مع التطور العالمي في مجال الإعلام، والإشراف على مركز التدريب والدراسات الإعلامية للأفارقة ونقل تبعيته إلى وزارة الدولة للإعلام.

أما بخصوص سياسته الإعلامية، فقد عرض الوزير الجديد خمسة محاور تحكم إستراتيجية عمله، جاءت شديدة العمومية ولم تعبر عن أية تغييرات جوهرية في سياسة الدولة الإعلامية، وهي كالآتي: الحفاظ على منظومة القيم المصرية وتماسك الجبهة الداخلية، تنمية الشخصية المصرية على أسس منطقية وموضوعية، الحفاظ على وسطية الدولة بما يكفل البعد عن التطرف والمغالاة، إبراز جهود الدولة في المشروعات القومية وأثرها على مستقبل المواطنين، تقوية الإعلام المصري محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا، وزيادة قدرته على التعامل مع الأزمات المختلفة، ترسيخ وعي المواطنين بأحكام الدستور والقانون، ورفع حالة الوعي المجتمعي ذات التأثير.

ويبدو أن غياب ذلك القدر من التحديد والوضوح على مستوى الاختصاصات والسياسات كان أكبر المعوقات التي واجهت عمل الوزير. حيث ظلت الصلاحيات في أغلبها بيد المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، والذي بدوره ما زال متقاعسًا عن أداء مهامه السياسية والتنظيمية، رغم التشكيل الجديد للهيئات الإعلامية. وأدى غياب الاختصاصات الواضحة إلى جعل أغلب معارك الوزير إعلامية وكلامية، تفتقر إلى آليات التنفيذ، كما أنها لم ترقَ إلى استخدام أدوات سياسية معتبرة مثل إجراء النقاشات المجتمعية مع الفئات المستهدفة، ومحاولة خلق توافق حول السياسات العامة.

وزير الدولة للإعلام: انتقادات تثير حفيظة مؤيدي السلطة:

“الأعمار أقل من 35 سنة، ويمثلون حوالي 60 أو 65 في المئة من المجتمع، لا يقرءون الصحف ولا يشاهدون التلفزيون، وبالتالي من المهم التفكير في نمط حياة هذه الفئات”.

تسبب هذا التصريح الذي صدر عن وزير الدولة للإعلام أسامة هيكل في سيل من الانتقادات من إعلاميين مصريين ورؤساء تحرير صحف قومية وخاصة، طالبوا باستقالته، واتهموه بالانتماء إلى جماعة الإخوان الإرهابية، حسب وصفهم، فضلًا عن نعته بالفشل والتنظير والتقصير في أداء واجبات عمله[8]. وتصاعد الهجوم على “هيكل” إلى درجة أن التلفزيون الرسمي أذاع مكالمة هاتفية شخصية مسجلة[9]، جمعت وزير الدولة للإعلام مع رجل الأعمال ورئيس حزب الوفد السابق السيد البدوي، تناولت أمورًا تتعلق بتنسيق العمل مع جماعة الإخوان في الانتخابات البرلمانية. يبدو أن تاريخ المكالمة المسربة تعود إلى عام 2011 إبَّان ثورة يناير، إلا أن تسريب تلك المكالمة وعبر التلفزيون الرسمي يعبر عن حجم التحفز والغضب ضد وزير الدولة للإعلام من مختلف الأطراف.

تفاعل الوزير مع الحملة الإعلامية الشرسة ضده من خلال رسالة مصورة[10] بثتها الصفحة الرسمية لوزارة الدولة للإعلام على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، دعا فيها هيكل عددًا من الإعلاميين، ممن تصدروا حملة الهجوم عليه، إلى لقاء مفتوح في مقر الوزارة لمناقشة سياسة الوزارة الإعلامية وأدوارها خلال الفترة المقبلة، مؤكدًا أن حديثه المسرب تم اجتزاؤه وطرحه خارج سياقه، وأن هناك حملة مُدارة ومدبرة ضده. انعقد الاجتماع بالفعل وحضره عدد كبير من الإعلاميين ورؤساء تحرير بعض الصحف من المدعوين وغير المدعوين في مقر الوزارة[11].

اللافت للنظر هو أن مضمون التصريح في حد ذاته هو الأقرب لواقع معترف به من أوساط الإعلاميين والمهتمين بالشأن الاعلامى، ودعمته أخيرًا العديد من الإحصاءات والدراسات. وبالرغم من أن التلفزيون ما زال المصدر الأول وبفارق كبير عن أي وسيط آخر للحصول على الأخبار والمعلومات في مصر[12] فإن ذلك الفارق في تناقص ملحوظ. فقد كان التلفزيون يتصدر الوسائط الأخرى بنسبة 84٪ في 2013 وتراجع إلى 74٪ في 2017.

وإذا ما أخذنا فى الاعتبار عزوف الشباب من الفئة العمرية، التي أشار إليها الوزير في تصريحه، عن متابعة الإعلام المصري، سواء كان الخاص أو الحكومي، بسبب فقدانه المصداقية وغياب التنوع والتعددية، فإن تصريح الوزير لم يكن سوى ذريعة لشن حملة الهجوم عليه. ويبدو أن جذور الخلاف أبعد وأعمق من ذلك، ترتبط بما كانت تأمله نخبة الإعلاميين والصحفيين المؤيدين للسلطة من الوزير الجديد في مقابل الأجندة التي فاجأهم بها هيكل منذ توليه الوزارة، إذ تبنت تلك النخبة حملة الضغط من أجل عودة منصب وزير الإعلام ودافعت بشدة عن هذا التوجه بعد إقرار التعديل الوزاري بالبرلمان، آملين أن يتولى ثلاث مهام رئيسية وعاجلة: تحسين أداء الحكومة ومؤسسة الرئاسة الإعلامي، مواجهة التأثير المتزايد للإعلام المضاد للدولة والذي يُبَث من الخارج، وتنسيق العلاقة بين مجالس وهيئات الإعلام الثلاث، المجلس الأعلى و الهيئتين الوطنيتين للصحافة والإعلام.

بينما كانت أجندة أولويات الوزير مختلفة نسبيًّا، حيث اهتم بنقد الواقع السيئ الذي تعانيه مهنتا الصحافة والإعلام وتراجع دورهما وتأثيرهما وانتشارهما، إلى جانب أولويات تتعلق بوضع سياسة إعلامية وتحسين العلاقة بالإعلام الأجنبي وغيرها. وبناءً عليه، اصطدمت أولويات الوزير بالمكانة والاستحقاقات التي يوفرها المناخ الحالي لنجوم النخبة من الإعلاميين والصحفيين.

مستقبل الإعلام: سوق حيوي ومفتوح أم إعادة توزيع مصالح

في أحد لقاءاته التلفزيونية،[13] قال هيكل إنه يرى “الإعلام صناعة وتجارة”. ويبدو للوهلة الأولى أنه تصريح بديهي وتقليدي جدًّا، إلا أن له وقعًا مختلفًا في الشأن المصري بعد عمليات الاحتكار والسيطرة التي جرت منذ عام 2016 لصالح أجهزة أمنية واستخباراتية. وبالرغم من أنه، في حواره مع قناة (فرانس 24)، لم ينكر أو يستنكر ملكية أجهزة أمنية عددًا من وسائل الإعلام، مؤكدًا أن هذا الأمر ليس “بدعة” وأن هناك العديد من الدول تمتلك أجهزتها الأمنية والاستخباراتية وسائل صحفية وإعلامية، فإن الوزير عاد وأكد ضرورة أن يكون السوق مفتوحًا، وأن الانغلاق سوف يؤدي إلى هروب المشاهد من أمام القنوات المصرية في عالم مفتوح، المنع فيه أصبح مستحيلًا.

وبالتالى أصبح السوق طاردًا للاستثمار بشكل كبير، ما انعكس على أدائه وجعله أكثر افتقارًا إلى التعددية. وقد عبَّر الوزير بوضوح في تصريحاته أكثر من مرة، عن أن سوق صناعة الإعلام في مصر يعاني بشدة على عدة مستويات تسببت في تراجع انتشاره وتأثيره.

لم تكشف تصريحات الوزير الستار عن حقيقة جديدة، حيث أظهرت نتائج تقارير بحوث نسب مشاهدة الفضائيات المصرية[14] التي أجرتها شركة (إبسوس) للأبحاث التسويقية تراجعًا ملحوظًا للقنوات المصرية في مقابل انتشار أوسع لشبكة قنوات (mbc مصر) السعودية. حيث رصدت تقارير الشركة منذ 2014 وحتى 2017 تطور انتشار قنوات mbc السعودية وقناة الشرق، المملوكة لرجل الأعمال المعارض بالخارج أيمن نور والتي تبث من دولة تركيا، وتحديدًا برنامج التوك شو الذي يقدمه الإعلامي معتز مطر، المحكوم عليه بعدة أحكام غيابية بتهم إرهاب، وتحقيقها نسب مشاهدة أعلى من القنوات المصرية، مثل: أون تي في، سي بي سي، ودي إم سي، رغم كل تلك الاستثمارات التي جرى ضخها من أجل الاستحواذ عليها.

كذلك أظهرت نتائج بحوث المشاهدة تراجع مشاهدة القنوات الإخبارية وتلك ذات المحتوى السياسي في مقابل نظيراتها من القنوات الاجتماعية والترفيهية. وجاءت قناة سكاي نيوز عربية الإماراتية الأعلى مشاهدة (في تقرير 2017) بفارق معتبر عن القنوات الإخبارية المصرية، مثل: سي بي سي إكسترا وغيرها من القنوات الإخبارية. بينما ارتفع تصنيف مشاهدة قناة الجزيرة الإخبارية المملوكة لدولة قطر[15].

ولم يكن من ملاك المؤسسات الإعلامية الخاصة والمؤسسات الرسمية آنذاك إلا أن يهاجموا بشدة شركة إبسوس، حيث تقدمت عدة قنوات ببلاغات رسمية ضد الشركة، وقررت حينها الجمعية التأسيسية لغرفة صناعة الإعلام بالإجماع فسخ تعاقدها مع شركة إبسوس. وأصدرت الجمعية بيانًا قالت فيه: “قررت الجمعية التأسيسية لغرفة صناعة الإعلام المرئي والمسموع[16] بالإجماع عدم تجديد تعاقدها مع إبسوس وفسخ التعاقدات التى كان بعض الأعضاء قد قام بتجديدها معها[17]. كما أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام قرارًا[18] في 21 يونيو 2017 بوقف استطلاعات الرأي التي تجريها الشركات أو الهيئات الخاصة لأبحاث التحقق من الانتشار والمشاهدة والاستماع. وأهاب المجلس بالشركات العاملة في هذا المجال مراجعة المجلس لتوفيق أوضاعها وكذا عدم إعلان أي نتائج لاستطلاعات تمت إلا بعد اعتمادها من المجلس. ومنذ ذلك الحين توقفت شركة إبسوس[19] عن العمل في مصر.

وكما هاجم مجتمع الإعلاميين إبسوس، فقد هاجموا هيكل بمزاعم أن تصريحاته ما هي إلا محاولة لدعم بعض رجال الأعمال وأصحاب المصلحة في العودة إلى سوق الإعلام بعد أن تواروا عن المشهد تحت ضغوط الاحتكار والسيطرة التي يديرها عدد من الأجهزة الأمنية والسيادية منذ 2016. حيث تمتلك اليوم الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية[20] النسبة الأعظم من سوق الإعلام المرئي بعد استحواذها عبر شركة “إعلام المصريين” على شبكة قنوات ON TV المملوكة لرجل الأعمال نجيب ساويرس والاستحواذ على النسبة الأكبر من شبكة قنوات CBC المملوكة لرجل الأعمال محمد الأمين وآخرين، فضلًا عن الاستحواذ على شبكة قنوات الحياة التي كانت ملك رجل الأعمال ورئيس حزب الوفد السابق السيد البدوي، وغيرها من المؤسسات الإعلامية والصحفية. أثَّر خروج كل هؤلاء المستثمرين من سوق الإعلام على تنوع وتعددية السوق الإعلامي إلى حد كبير.

في لقاء تلفزيوني سابق على تولي مهام منصبه في مارس 9102[21]، كان هيكل حينها رئيسًا للجنة الإعلام والآثار والثقافة بالبرلمان، أكد هيكل عدم رضاه عن أداء الإعلام المصري، وتراجع نسب مشاهدة القنوات المصرية وانخفاض تأثيرها خلال السنوات الأخيرة. وفي لقاء آخر[22] في نهاية مايو 2020 أكد على ضرورة فتح سوق الإعلام أمام الجميع وإعادة الحيوية إليه وتصحيح صورته، باعتبارها أولويات السياسة الإعلامية للوزارة الجديدة. وفي هذا السياق، عقَّب هيكل على غياب أبحاث التحقق من نسب المشاهدة والمتابعة والاستماع منذ خروج شركة إبسوس من مصر في 2017، بالقول إن “ما لا يمكن قياسه لا يمكن إدارته”.

ومنح قانون تنظيم الصحافة والإعلام المجلس الأعلى للإعلام سلطة الترخيص لشركات إجراء أبحاث التحقق من المشاهدة، كما يمتلك المجلس وفقًا للقانون صلاحية إنشاء شركة وطنية لممارسة هذا الدور. كما أن الأعلى للإعلام قد أعلن نيته أكثر من مرة إنشاء شركة وطنية لإجراء تلك الأبحاث. وأعلنت كذلك غرفة صناعة الإعلام رغبتها التعاون مع المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في هذا السياق. ولم تتخذ أية خطوات عملية حتى اللحظة دون مبررات رسمية معلنة مطروحة.

التحول الرقمي: لا مستقبل للصحافة الورقية:

وزير الدولة للإعلام أسامة هيكل هو أحد أبرز المؤمنين بأنه لا مستقبل للصحافة الورقية في العالم، وليس في مصر فقط، في ظل التنامي الواسع في استخدام مواقع الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي كمنصات بديلة مجانية للوصول إلى الأخبار والبيانات والمعلومات ونشرها وتداولها بشكل لحظي ومن قلب الحدث وأحيان كثيرة دون وسيط أو رقيب، عن طريق المواطنين كأحد أشكال صحافة المواطن. أضف إلى ذلك الارتفاع الكبير في أسعار الورق ومستلزمات الطباعة وتكلفة التوزيع، كل ذلك أدى إلى تراجع شديد في معدلات توزيع الصحف المصرية خلال السنوات الأخيرة[23]، ما أدى بدوره إلى هجرة المعلنين إما إلى التلفزيون وإما إلى الإنترنت لما يوفره كلا البديلين من مزايا أكبر في الوصول إلى الجمهور المستهدف.

بحسب هيكل فإن الصحف المصرية مجتمعة توزع اليوم متوسط 300 ألف نسخة يوميًّا، بينما كانت توزع جريدة الأهرام وحدها عام 1980 قرابة مليون نسخة يوميًّا[24]، حينما كان عدد المواطنين 40 مليون فقط. وهو ما أكده نقيب الصحفيين ورئيس الهيئة العامة للاستعلامات ضياء رشوان أن “توزيع الصحف المصرية انخفض بنسبة 90% منذ 2010”. وأوضح أن الصحافة المصرية كانت توزع مليون و100 ألف نسخة ورقية خلال عام 2010، مشيرًا إلى أن نسبة توزيع الصحف الورقية حاليًّا بلغت 300 ألف نسخة يوميًّا[25].

وبحسب تقرير[26] أصدره الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة “إن الصحف الورقية المصرية لم تتأثر بقوة بسبب الصحافة الرقمية، فقد بلغ معدل التوزيع اليومى 1.4 مليون نسخة عام 2018.”. وأضاف التقرير أن “عدد النسـخ الموزعة للصحف العامة محليًّا وخارجيًّا بلغ 547.2 مليـــون نسخة عـام 2018، مقابل 510.2 مليون نسخة عام 2017، بزيادة 7.2٪. وأن عدد الصحف العامة التي صدرت 70 صحيفة عامة، منها 3 صحف حزبية عـام 2018، مقابل 76 صحيفة عامة عام 2017، بانخفاض نسبته 7.9٪.

الحقيقة أن تلك الأرقام لا تعبر عن أي تناقض، لأن المنحنى البياني الخاص بمعدل توزيع الصحف يوميًّا في مصر يعاني انخفاضًا حادًّا وملحوظًا منذ العام 2013. ويوضح الجدولان التاليان عدد الصحف التي صدرت سنويًّا في مصر خلال السنوات العشر الأخيرة بالإضافة إلى المتوسط اليومي لتوزيع الصحف عن نفس الفترة، على الترتيب.

الأردن.. قرار بحل نقابة المعلمين وسجن أعضاء مجلسها


الأردن.. قرار بحل نقابة المعلمين وسجن أعضاء مجلسها


موقع الحرة / الخميس 31 ديسمبر 2020 / مرفق الرابط

أصدر القضاء الأردني، الخميس، قرارا بحل نقابة المعلمين، وسجن جميع أعضاء مجلس النقابة لمدة سنة بسبب نزاعات مع الحكومة بشأن الرواتب في المدارس الحكومية.

وفور صدور القرار، أوقفت السلطات كافة أعضاء مجلس النقابة الذين أبدوا استعدادهم للطعن بالقرار أمام محكمة استئناف عمان.

ووافقت محكمة صلح جزاء عمان على إخلاء سبيل كافة أعضاء نقابة المعلمين بكفالة مالية، مقدارها 700 دولار أميركي، لكل فرد منهم.

وقال محامي النقابة بسام فريحات للحرة: "كان يحضر بمحكمة صلح جزاء عمان خمسة فقط من أعضاء نقابة المعلمين تم توقيفهم، ثم تقدمنا بطلب كفالة لهم".

وأضاف "قرار الحكم كان متوقعا، والموكلون يشعرون بالظلم والإحباط، هم يمثلون كافة المعلمين في جميع أنحاء الأردن، وأن يحاكموا بتهم بينها التأثير على حرية الناخب لا يليق بالمعلم".

وفي سبتمبر 2019، قادت النقابة إضرابا لأربعة أسابيع في جميع أنحاء البلاد للمطالبة بزيادة الرواتب 50%، وهي زيادة قالت النقابة إن الحكومة وعدت بها في 2014، لكنها وافقت في النهاية على زيادة 35 إلى 75% بحسب رتبة المعلم. 

ثم توترت الأوضاع مجددا بعد أن جمّدت الحكومة في أبريل الماضي جميع زيادات أجور القطاع العام حتى نهاية 2020 بسبب أزمة فيروس كورونا.

وفي 25 يوليو الماضي داهمت الشرطة مقر نقابة المعلمين الأردنيين في عمان، و11 من فروعها في مختلف أنحاء البلاد، وأغلقتها، واعتقلت جميع أعضاء مجلس النقابة الـ13.

وأصدر نائب عام عمّان حسن العبداللات أمرا بإغلاق النقابة العمالية المستقلة المنتخبة، التي تمثل المدرسين في جميع أنحاء الأردن، لعامين بعد النزاعات البارزة بين الحكومة الأردنية والنقابة.

وفي 26 يوليو الماضي، أعلن وزير التربية والتعليم تيسير النعيمي أن الوزارة ستعيّن لجنة مؤقتة لقيادة النقابة. وتم تشكيلها في اليوم التالي.

صحيفة "الجارديان" البريطانية: اندلاع توترات جديدة بين مصر وإيطاليا بسبب حفظ مصر قضية قتل ريجيني واستبعاد محاكمة 4 ضباط شرطة مصريين وشروع ايطاليا فى محاكمة ضباط الشرطة المصريين الأربعة


صحيفة "الجارديان" البريطانية:

اندلاع توترات جديدة بين مصر وإيطاليا بسبب حفظ مصر قضية قتل ريجيني واستبعاد محاكمة 4 ضباط شرطة مصريين وشروع ايطاليا فى محاكمة ضباط الشرطة المصريين الأربعة


موقع صحيفة "الجارديان" البريطانية / الأربعاء 30 ديسمبر 2020 / مرفق الرابط


توقعت صحيفة "الجارديان" البريطانية اندلاع توترات جديدة بين مصر وإيطاليا بسبب حفظ مصر قضية خطف وتعذيب وقتل الطالب الايطالي جوليو ريجيني فى مصر واستبعاد محاكمة المسؤولين الأمنيين الأربعة فى قطاع الأمن الوطنى المصرى، فى نفس وقت شروع روما فى محاكمة المسؤولين الأمنيين الأربعة فى قطاع الأمن الوطنى المصرى، وهم: اللواء طارق صابر، والعقيد آسر إبراهيم، والرائد مجدي إبراهيم، والنقيب هشام حلمي، ربيع عام 2021 ، غيابيا، أمام محكمة ايطالية، فيما نقلت عن كبيرة المدعين، ميشيل برستيبينو، قولها إن "عدم استجابة السلطات المصرية لطلباتنا أعاق تحقيقنا".

ما خيارات روما للضغط على السيسي بعد غلق ملف ريجيني فى مصر؟


ما خيارات روما للضغط على السيسي بعد غلق ملف ريجيني فى مصر؟


موقع عربي21 / الخميس 31 ديسمبر 2020 / مرفق الرابط

في قرار مثير للجدل، ضربت مصر عرض الحائط بالمطالبات الإيطالية وبدعوات الاتحاد الأوروبي حول قضية الإيطالي، جوليو ريجيني، بعد أن أسدل النائب العام المصري الستار عن القضية معلنا استبعاده اتهام ضباط مصريين بقتل الباحث الإيطالي.

النائب العام المصري، وفي بيان الأربعاء، أكد أنه لا وجه لإقامة دعوى جنائية في جريمة خطف وتعذيب وقتل ريجيني، معلنا استبعاده الاتهامات الموجهة لأربعة ضباط بالأمن الوطني.

وقال إن التعذيب الذي ظهر على جثة ريجيني بسبب سرقته بالإكراه، موضحا أن جميع اللصوص الذين سرقوه ماتوا فلا وجه لإقامة دعوى فيها هي الأخرى.

وردا على نتائج تحقيقات النيابة الإيطالية، قالت النيابة المصرية، إن ما طرحته سلطة التحقيق الإيطالية من شبهات جاء نتيجة استنتاجات خاطئة لا يقبلها المنطق ولا توافق القواعد القانونية الجنائية المستقر عليها دوليا ومبادئ القانون الأساسية.

وأوضحت أن من تلك الشبهات استنتاج سلطة التحقيق الإيطالية تورط بعض المشتبه بهم في قتل المجني عليه "من مجرد تحريهم عنه عقب البلاغ الذي قدم ضده تشككا في سلوكه المريب، وأن سلوك المجني عليه غير المتناسب مع البحث الذي كان يجريه كان سببا كافيا يوجب على الأجهزة الأمنية لمتابعته".

 ملف قتل ريجيني، الذي لقي حتفه في القاهرة مساء 25 كانون الثاني/ يناير 2016، وأثار الغضب في الشارع الإيطالي على مدار 4 سنوات؛ خلصت فيه النيابة الإيطالية في 12 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، لاتهام 4 ضباط مصريين بالتورط في توقيف ريجيني وتعذيبه وقتله، وطالبت القاهرة بتسليمهم لمحاكمتهم بروما.

القضية لفتت الرأي العام الأوروبي والعالمي لجرائم نظام السيسي الحقوقية بحق المصريين أيضا، ما دفع الاتحاد الأوروبي لإصدار بيان هدد فيه بتفعيل آلية العقوبات ضد النظام المصري لانتهاكاته حقوق الإنسان.

رد القاهرة، جاء في 18 كانون الأول/ ديسمبر 2020، حيث طالب الإنتربول المصري، روما، بتسليم القنصل الفخري السابق لها بالأقصر لاديسلاف أوتكر سكاكال، والملحق الدبلوماسي بسفارتها بالقاهرة ماسيميليانو سبونزيللي، المتهمين بتهريب 22 ألف قطعة أثرية ‫مصرية منتصف 2018.

وزارة الخارجية الإيطالية، من جانبها وصفت موقف النيابة المصرية بـ"غير المقبول"، ووفقا لبيان نقلته وكالة رويترز، أعربت عن ثقتها بعمل القضاء الإيطالي، معلنة أن روما "ستواصل العمل بجميع المنتديات، وبينها الاتحاد الأوروبي، لتظهر حقيقة القتل الوحشي لريجيني".

صحيفة "الغارديان" توقعت اندلاع توترات جديدة بالقضية مع محاكمة روما للمسؤولين الأمنيين الأربعة، وهم اللواء طارق صابر، والعقيد آسر إبراهيم، والرائد مجدي إبراهيم، والنقيب هشام حلمي، ربيع عام 2021 ، غيابيا، فيما نقلت عن كبيرة المدعين، ميشيل برستيبينو، قولها إن "عدم استجابة السلطات المصرية لطلباتنا أعاق تحقيقنا".

"القانون الجنائي مع مصر"

وفي تعليقه على قرار النيابة المصرية، قال الدكتور نبيل مدحت سالم أستاذ القانون الجنائي بكلية الحقوق جامعة عين شمس: "مبدئيا وحسب القواعد العامة للقانون الجنائي المصري والجنائي الدولي فإن الواقعة حدثت على أرض مصرية".

وأكد في حديثه لـ"عربي21"، أنه "ولذلك فإن الاختصاص هنا نهائي وبلا جدال للنيابة المصرية، وأنه ليس للنيابة الإيطالية في روما ولا غيرها من النيابات أي دور في القضية، التي يجعلها القانون الجنائي المصري والدولي أيضا اختصاص مصري لا منازع لها فيه".

وحول ما قد تصدره روما من أحكام قضائية بحق من ذكرت أسمائهم بلائحة اتهامها من الضباط المصريين، جزم أستاذ القانون الجنائي المصري بأن "أية قرارات أو أحكام تصدر من نيابة أو قضاء إيطاليا لا تلزم مصر في شيء".

وأوضح أنه إن "كان لدى روما شكوى فليس أمامها سوى المحكمة الجنائية الدولية والتي تختص بالجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية"، معتقدا أن "قضية ريجيني ليس لها أساس يجعل الجنائية الدولية تقبلها".

وألمح إلى أن "أية تهديدات بعقوبات بحق مصر من الاتحاد الأوروبي حول هذا الأمر هو أمر مردود عليه؛ فمصر دولة ليست صغيرة ولا يجوز لأحد أن يتعامل معها من منطق السيادة".

"من هنا جاء الرفض"

من جانبه، قال المحامي والبرلماني المصري السابق ممدوح إسماعيل، إن "نظام السيسي يعتمد في تعامله مع المجتمع الدولي على ثلاثي يدعمونه هم إسرائيل، وأمريكا، والإمارات؛ وهم الذين يعطونه قوة فى ملف حقوق الإنسان خاصة، ولهذا لا يبالي بأية انتقادات حوله".

عضو مجلس الشعب المصري الأسبق أكد في حديثه لـ"عربي21" أن "تعامل السيسي مع إيطاليا في ملف رجيني يعتمد على أساس عدة نقاط، أولها: الشق القانوني".

وأضاف: "حيث أن الجريمة وقعت في مصر، والمتهمون مصريون متواجدون بأرض مصرية، وطبقا لإقليمية القوانين فتتم المحاكمة في مصر؛ بل وتعتبر محاكمة المتهمين في إيطاليا غيابيا، حيث لا تنفيذ لها مما يجعل دورها يقتصر على التشهير بنظام السيسي".

السياسي المصري، قال إن "النقطة الثانية: هي أن نظام السيسي، لديه ورقة تشهير خاصة بالمتهمين الإيطاليين كما يدعي في قضية تهريب الآثار من مصر إلى ميناء ساليرنو الإيطالي عبر حاوية دبلوماسية إيطالية".

وأشار إلى أن "النقطة الثالثة والأهم هي أن السيسي، يعلم حاجة إيطاليا للبترول الليبي؛ ونظام السيسي مع الإمارات قابضين على جزء مهم جدا منه، حيث أن خليفة حفتر، ومن تبعه لهم سيطرة على جزء كبير من النفط الليبي".

واعتبر المحامي والبرلماني المصري السابق أن "ورقة النفط الليبي هي الورقة التي يتم اللعب بها سريا في الحجرات المظلمة بين كل الأطراف".

وفي نهاية حديثه يعتقد إسماعيل، أن "إيطاليا ستمضي في محاكمة المتهمين بقتل رجيني، حيث أصبحت قضية سياسية عامة لا يمكن التراجع عنها، وستحكم فيها وتستخدمها كورقة ضغط في التفاوض مع نظام السيسي؛ هكذا السياسة".

بيع شركتي الجيش المصرى الوطنية وصافي.. وتشكيك في الأثر الاقتصادي


بيع شركتي الجيش المصرى الوطنية وصافي.. وتشكيك في الأثر الاقتصادي


موقع الحرة / 31 ديسمبر 2020 / مرفق الرابط

"رجال الأعمال غير قادرون على المنافسة مع اقتصاد الجيش الذي يتمتع بمميزات ليست لدى باقي الشركات"، بهذه الجملة لخص رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس وضع الشركات التابعة لوزارة الدفاع التي لا تدفع ضرائب أو رسوم جمركية، كما أنها ليست بحاجة لترخيص عمل في السوق المصرية.

لكن هذه المنافسة "غير المتوازنة"، كما وصفها ساویرس، بین شركات الجیش والقطاع الخاص، یبدو أن الحكومة تسعى للبدء بتقلیصها، بعد تصریح حدیث لرئيسة مجلس إدارة صندوق مصر السيادي هالة السعید، للتلفزيون المصري، عن بیع شركتين تابعتين للمؤسسة العسكرية.

وتصف رانیا یعقوب، رئیسة مجلس إدارة شركة "ثري واي" (3way) لتداول الأوراق المالیة، هذا القرار بـ"الإيجابي"، قائلة إنه یساعد على خروج الدولة من مؤسسات القطاع العام، وتوفير سيولة تعيد هيكلتها في قطاعات أخرى، ورفع رأس مال البورصة، وجذب شريحة جديدة من المتعاملین، في وقت تسعى فیه الدولة لجذب استثمارات من القطاع غير الرسمي إلى الرسمي.

وترى يعقوب، في حديثها لموقع "الحرة"، أن بيع شركتي الوطنية للبترول و الوطنية لإنتاج وتعبئة المياه الطبیعیة (صافي)- اللتين تعملان في قطاعات قویة (مثل الوقود والمياه) يجذب المستثمرين ممن يبحثون عن عوائد أعلى في ظل اتجاه البنك المركزي لخفض الفائدة، تشجيعا للاستثمار.

كما وصف رجل الأعمال السعودي حسين شبكشي الخطوة المصرية بـ"الممتازة"، قائلا إن الطرح يمثل حراكا لصالح المستثمرين.

وأضاف في تصريحات لموقع "الحرة": "هذه فرصة استثمارية جيدة، ننظر إلى الشركات العسكرية المصرية باعتبارها درر التاج، كباقي شركات القطاع العام في مصر التي نهتم بطرحها".

وكمستثمر أجنبي، يبدي شبكشي اهتماما بالاستثمار في الشركات العسكرية المصرية المتخصصة في قطاعات التصنيع الغذائي والتشييد والبناء التطوير العقاري والصناعات الدوائية والأسمنت والحديد.

وعلى النقيض من ذلك، يعتقد يزيد صايغ، الباحث الرئيس في مركز مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط،  أن أثر بيع الشركتين على الاقتصاد المصري "قليل نسبيا".

وأوضح صايغ، في حديثه لموقع "الحرة"، أن الحجم التجاري الفعلي للشركتين ليس ضخما "لأنهما يعملان بالتوزيع أكثر منه بالإنتاج التحويلي وزيادة القيمة المضافة".

ویمتلك جهاز مشروعات الخدمة الوطنیة، التابع لوزارة الدفاع، الوطنية للبترول والوطنیة لإنتاج وتعبئة المیاه الطبیعیة (صافي)، إلى جانب أكثر من 30 شركة في قطاعات تتنوع بين مواد البناء والغذاء والتعدین والبتروكیماویات.

وتخضع المشروعات التجارية التابعة للقوات المسلحة المصرية لثلاث جهات؛ وزارة الإنتاج الحربي التي تشرف على 20 شركة، ووزارة الدفاع التي تسيطر على العشرات، والهيئة العربیة للتصنیع المسؤولة عن 10 مصانع وشركات.

وتشرف وزارة الإنتاج الحربي على شركات (قها للصناعات الكيماوية، أبو زعبل للصناعات الهندسية، حلوان للصناعات غير الحديدية، أبو زعبل للكيماويات المتخصصة، إنتاج وإصلاح المدرعات، شركة حلوان للمسبوكات، أبو قير للصناعات الهندسية، بنها للصناعات الإلكترونية، شبرا للصناعات الهندسية، شركة المعادي للصناعات الهندسية، أبو زعبل للصناعات المتخصصة، حلوان للأجهزة المعدنية).

كما تشرف وزارة الإنتاج الحربي على عدد من المنشآت الرياضية، والنوادي الاجتماعية.

أما الهيئة العربية للتصنيع فتتولى المسؤولية عن مصانع (حلوان للصناعات المتطورة، قادر للصناعات المتطورة، المحركات، الطائرات، مهمات السكك الحديدية، الإلكترونيات) وشركات (العربية لصناعة الأخشاب، العربية الأميركية للسيارات، العربية للطاقة المتجددة، العربية البريطانية للصناعات الديناميكية).

وتزامن الإعلان عن طرح الوطنیتین للاستثمار مع تقرير حديث للبنك الدولي قال فیه إن القطاع الخاص في مصر ممنوع من الاضطلاع بدور أكبر في الاقتصاد، رغم إصلاحات نشطة للاقتصاد الكلي على مدار السنوات الأربعة الماضیة، وأن هناك حاجة إلى مساعدة حكومية.

وقال البنك الدولي: "رغم نمو السوق المحلية في مصر وقربها من الأسواق الدولیة، لم تجتذب مصر بعد تدفقات قویة من الاستثمار الأجنبي المباشر".

إما البورصة أو الاستثمار المباشر

ولم توضح مصر بشكل قاطع ما إذا كانت الوطنیة للبترول أو صافي ستعرضان أمام الإدراج المباشر  أم  الطرح عبر البورصة، لكن وكالة بلومبرغ قالت إن كلا من شركتي "أدنوك" الإماراتیة، و"طاقة عربیة" المصریة من بین مقدمي عروض شراء حصة أغلبیة من الشركة، الأمر الذي یشیر إلى احتمالیة إدراج الوطنیة للبترول أمام الاستثمار المباشر.

وفي هذا الإطار، قالت هالة السعید، وهي وزيرة التخطيط أيضا، في تصريحاتها الأخيرة، إن حصص الوطنية للبترول وصافي قد ُتعرض في بادئ الأمر على مستثمرين استراتیجیین على أن تباع النسب المتبقية في طرح عام أولي.

ويستلزم الطرح الأولى، وهو طرح الأسهم العادية لإحدى الشركات في سوق الأوراق المالیة (البورصة) أن تفصح الشركات عن میزانیتها لعدد من السنوات الماضیة، وكذلك عن وضعها القانوني والإداري.

ولا تنشر مصر میزانیة وزارة الدفاع التي يناقشها مجلس الدفاع والأمن القومي برئاسة رئیس الجمهورية. ولا تعلن المؤسسة العسكریة في مصر عما تملكه من أصول، ومصادر التمویل، أو ما تحققه من أرباح.

وتقول یعقوب إن الطرح في البورصة یحتاج إلى النظر في ثلاثة عوامل رئیسة؛ التوقیت والترويج وسعر الطرح، مشيرة إلى الأثر السلبي لأزمة جائحة كورونا على أسواق الأسهم مقابل الملاذات الآمنة التي لجأ إليها المستثمرين.

وأضافت "الطرح عبر البورصة قد لا یكون الخیار الأمثل، بینما الاستثمار المباشر هو الخيار الاستراتيجي الآن".

ويعتقد صايغ ذلك أيضا، قائلا: "التفضيل سيكون للشراكات الاستراتيجية (مثلا مع أدنوك) قدر المستطاع، وذلك لتفادي متطلبات الكشف المالي الكامل والحوكمة المطلوبة للطرح في البورصة".

لماذا الآن؟

وفي أكتوبر 2019، قال الرئيس عبد الفتاح السیسي إنه ينبغي السماح للشركات المملوكة للجيش بطرح أسهمها في البورصة، جنبا إلى جنب مع شركات حكومية أخرى يجري إعدادها للخصخصة.

وعن أسباب الطرح الآن، بعد مرور عام على تصريحات الرئيس المصري، قال صايغ: "السيسي يبحث عن سبل لزيادة رأسمال الشركات العسكرية، دون تحميل خزينة الدولة ذلك العبء، خاصة أنه والحكومة يبحثان عن سبل ترشيد الإنفاق العام، وتقليص خسائر الشركات المملوكة للدولة".

وأضاف صايغ "القطاع الخاص يشتكي من المزاحمة العسكرية في قطاعات إنتاجية كان يسيطر عليها (إلى جانب بعض شركات قطاع الأعمال العام)، ومن ممارسات تتيح للجيش احتكار سعر البيع وسعر الشراء في آن".

ويرى الباحث الرئيس في مركز مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط أن بيع الوطنية للبترول وصافي لا يعني تفكيك الاقتصاد العسكري مطلقا، بل رسملة بعضه بطرق جديدة.

وفي أكتوبر الماضي، أصدر صايغ تحليلا بعنوان "المؤسسة العسكرية المصرية كرأس حربة لرأسمالية الدولة"، قال فيه إن الإدارة المصرية تحمِّل مستثمري القطاع الخاص جزءا من عبء تركيزها على الأنشطة التي تقودها الدولة ذات الكثافة الرأسمالية.

وأضاف "خفضت الحكومة بشكل كبير الإنفاق على دعم الطاقة والغذاء وأجور القطاع العام، وخفضت نسبة القروض المتعثرة. كما وافق مجلس النواب على بيع الشركات المملوكة للدولة التي تتعرض إلى خسائر تزيد على نصف رأس مالها".

لكن هذه الإجراءات لم تكن كافية لتوليد رأس المال بالحجم الذي يسعى إليه الرئيس، حسبما يقول صايغ، مما أجبر الحكومة على الاقتراض ورفع نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 90.3 في المئة بحلول يونيو 2019 والدين الخارجي إلى 112.7 مليار دولار بحلول ديسمبر.

الدور الاقتصادي للجیش

وفي السنوات الأخیرة، تعالت الأصوات المنتقدة للدور الاقتصادي للقوات المسلحة، مما دفع الرئيس المصري في 2016 إلى قوله إن نسبة مشاركة المؤسسة العسكرية في الاقتصاد القومي تبلغ ما بين 1.5 و2% على أقصى تقدير.

وفي افتتاح منشأة عسكرية لإنتاج الكلور لأغراض تنقية المیاه، نفى السیسي ما تردد عن أن اقتصاد القوات المسلحة یمثل 20 أو حتى 50 في المئة من الاقتصاد، قائلا: "یا ریت القوات المسلحة كانت تمتلك 50 في المئة من اقتصاد مصر".

وأرجعت رانيا یعقوب هذه الانتقادات إلى "التوقیت"، قائلة إن الجيش تدخل في الوقت الحرج، حيث كانت مصر تعاني اضطرابات ما بعد انتفاضتي (25 ینایر 2011، و 30 یونیو 2013) من احتكار السوق، وعدم وضوح الرؤية الاقتصادیة، مثلما فعل خلال أزمتي نقص حليب الأطفال والسكر في 2016.

وأضافت "تدخل الجيش لحماية الاقتصاد المرتبط بالأمن القومي. ولمنع الممارسات الاحتكاریة؛ قام ببناء الصوامع والمصانع والمجمعات الاستهلاكیة، وتحكم في بعض المشروعات الزراعية. وبعد استقرار الأوضاع حالیا یعلن طرح بعض شركاته".

وكثيرا ما أعرب بعض رجال الأعمال المصريين والمستثمرين الأجانب عن انزعاجهم من دخول الجيش في أنشطة مدنیة، والامتيازات الضریبیة الممنوحة لشركاته. وكانت تصريحات ساويرس التي كررها في أكثر من لقاء خير دليل.

وفي سبتمبر 2017، حذر صندوق النقد الدولي من أن تطوير القطاع الخاص وخلق الوظائف "قد تعوقهما مشاركة كيانات تخضع لوزارة الدفاع".

ويقول رجل الأعمال السعودي حسن شبكشي، لموقع "الحرة" إن الدور الاقتصادي للجيش كان يمثل نوعا من التكامل و"الإضافة المهمة" للاقتصاد المصري، وأحيانا المنافسة لبعض الشركات الخاصة.

وفيما يتعلق بتنامي الانتقادات الموجهة للمؤسسة العسكرية بهذا الخصوص، قال رجل الأعمال السعودي إنه "تم تسييس" الدور الاقتصادي للجيش، مضيفا أنه على غرار القطاع الخاص، ضم القطاع العام، بما يشمله من أنشطة تابعة للقوات المسلحة، شركات ضعيفة وقوية".

حصص الصندوق السيادي

وعن اهتمام شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) بشراء الحصة الأكبر في الشركة الوطنية للبترول، قالت یعقوب لموقع الحرة: "هذا ما تسعى إليه الدولة وخطة الإصلاح القویة التي أعدتها الحكومة؛ مشاركة الشركات الأجنبية والاستثمار الأجنبي المباشر".

وكان الصندوق السيادي المصري أعلن أن القاهرة تخطط لعرض حصص تصل إلى 100٪ لنحو 10 شركات يمتلكها جهاز مشروعات الخدمة الوطنية.

وحاليا یساعد الصندوق السيادي جهاز مشروعات الخدمة الوطنية في اختیار أصوله وترويجه للمستثمرین، وربما المشاركة في استثمارها عن طريق الحصول على حصص أقلية.

وتأسس صندوق مصر السيادي عام 2018، فيما أقر السیسي تشكيل مجلس إدارته في 2019، برأسمال بلغ 12 مليار دولار.

ومن المقرر أن يشارك صندوق مصر السيادي الجهة الاستثمارية التي ستفوز بعطاء الشركة الوطنية للبترول، وهي شركة توزيع وقود تابعة للجیش، تمتلك أكثر من 200 محطة وقود.

وفي هذا الإطار، تقول یعقوب: "الصندوق يساعد في عمليات الاستحواذ، ويسعى لبروتوكولات تعاون وجذب مستثمرين عرب وأجانب لبعض الأصول الحكومیة، وقد يتقاسم مجموعة منها، مما يعظم استفادة الشعب المصري، وهذا أمر إیجابي، في ظل رقابة خبراء ومتخصصين".

بينما يرى صايغ أن مشاركة الصندوق السيادي للفائز بعطاء الوطنية تعني أن "صانعي القرار المعنيين لا يريدون خصخصة كاملة، بل جزئية فقط، لكي تظل السيطرة الفعلية بين أيدي الدولة، كما حدث مع الشركات العامة التي خصخصتها الحكومة جزئيا بعد عام 1991".

وكان الرئيس التنفيذي لصندوق مصر السیادي، أیمن سلیمان، أشار إلى أن إن الوطنیة "اجتذبت الكثير من المستثمرين"، لكنه امتنع عن تحديد هويتهم. بينما استبعدت یعقوب أن یكون لدى مصر "أفضلية" لشركات معینة في خیارات عطاء الوطنیة.