الداهوم يحتفل بخليفته في البرلمان.. المعارضة الكويتية تربح جولة شرسة
خلال مارس الماضي، كان النائب الكويتي المعارض بدر الداهوم يخوض معركة شرسة ضد قرار المحكمة الدستورية العليا في البلاد باستبعاده من مقعده البرلماني. وبعد أشهر من خسارة معركته، يحتفل الداهوم اليوم بفوز المرشح الذي فاز بمقعده الشاغر، عبيد الوسمي، وهو الذي يتبع الخط السياسي ذاته للنائب المبطلة عضويته.
وكان 3 ناخبين في الدائرة الخامسة التي ينتمي لها الداهوم، تقدموا بطعون يعترضون فيها على فوزه بالمقعد الانتخابي بسبب إدانته في قضية جنائية تمس حقوق أمير البلاد وسلطاته عام 2014.
وحين أقرت المحكمة الدستورية الشكوى وعزلت الداهوم، بدأت جولة انتخابية جديدة على مقعده الشاغر، فقرر الداهوم تخصيص مقره الانتخابي القديم للمنافس الوسمي، وتوجت جهودهما بنجاح ساحق.
فاز الوسمي بعدد قياسي من الأصوات لم يحصدها أي مرشح سابق بتاريخ الحياة البرلمانية الممتدة منذ عقود في الكويت، إذ فاق عدد المصوتين للوسمي 43 ألف شخص، وذلك طبقا لوسائل إعلام محلية، على الرغم من ترشح 15 شخص آخر في الانتخابات التكميلية.
وحصل عجمي المتلقم، وهو أقرب منافس للوسمي، على المركز الثاني بواقع 1331 صوت.
"تلاشي إثارة الطائفية والقبلية"
ويرى المحلل السياسي، مساعد العنزي، أن نتيجة الانتخابات التكميلية تعني أن الشارع الكويتي مصمم على موقفه بدعم نواب إصلاحيين للبرلمان، موضحا في تصريحات لموقع قناة "الحرة": "هذه النتيجة هي تأكيد لما قرره الشعب في ديسمبر 2020، والدفع بنواب يقرون تشريعات تكافح الفساد، بعد سنوات من سيطرة نواب يحصلون على مقاعدهم مقابل الخدمات"، على حد قوله.
ويتألف مجلس الأمة الكويتي من 50 عضوا موزعين على 5 دوائر انتخابية، ويتم انتخابهم عن طريق الاقتراع العام السري المباشر لدورة برلمانية تستمر 4 سنوات، حيث أسفرت الانتخابات الأخيرة في ديسمبر عن اكتساح المعارضة للبرلمان الذي لم تصل إليه النساء.
ويذهب المحلل السياسي، عايد المناع، في الاتجاه ذاته، ليؤكد أن الناخب يملك الرغبة بإحداث تغيير في ظل الحديث عن قضايا الفساد.
يقول المناع لموقع "الحرة" إن "اختيار الوسمي كأستاذ قانون ومعارض لدخول البرلمان هو رسالة إضافية من الناس لتغيير النهج السابق والمطالبة لمزيد من الوضوع والشفافية في القضايا وبالأخص المسائل المتعلقة بالفساد".
وكانت المعارضة وعدت منذ الجلسة الأولى بمكافحة الفساد واستجواب الحكومة.
من جانبه، أشار العنزي إلى أن "الفوز الكاسح للوسمي في هذه الانتخابات يؤكد أن كلمة الناخب الكويتي بمختلف أطيافه واحدة، وهذا أمر إيجابي"، موضحا أن التصويت الأخير شكّل "وحدة وطنية غير مسبوقة بإجمال مختلف القبائل والطوائف على الدكتور الوسمي".
ويعلق العنزي قائلا: "اللعب على وتر الطائفية والقبلية تلاشى اليوم بعد تأكيد الإجماع الشعبي على نتائج الانتخابات الأخيرة وهو ما يمثل وعي ديمقراطي عال من المجتمع".
أما المناع فيضيف: "الرغبة بالتغيير واضحة بعد قضايا الفساد والاستجوابات المتكررة لرئيس الوزراء والاضرار الاقتصادية الناجمة عن وباء كورونا (...) علاوة على زيادة الاهتمام بالخدمات العامة كالصحة والتعليم والإسكان".
ويرى المناع أيضا أن الناس فضلت المعارضة لأسباب أخرى منها التطلعات بالعفو عن الأعضاء المتهمين في قضية اقتحام المجلس، بالإضافة إلى أن "الكويتيين عاطفيين وتجذبهم قضية فلسطين التي أيضا تشهد منافسة من الحكومة".
وقضية اقتحام المجلس تتمثل في دخول بعض نواب المعارضة لمبنى البرلمان عنوة عام 2011 بعد مسيرة طالب باستقالة رئيس الوزراء آن ذاك الشيخ ناصر المحمد الصباح.
وعلى إثر أحكام قضائية بالسجن جراء الاقتحام، سافر الأعضاء إلى تركيا هربا من تنفيذ الأحكام قبل صدورها، بما فيهم النائب مسلم البراك الذي يحظى بشعبية واسعة لدى الكويتيين.
وفي قاعة صباح السالم، تخلفت الحكومة عن حضور جلسة، اليوم الأحد، قبل أن يعلن الغانم رفعه الجلسة لعدم اكتمال النصاب القانوني.
وقال العنزي إنه لا يمكن ربط عدم حضور الحكومة للجلسة بنتيجة الانتخابات التكميلية، مردفا: "ربما يكون هناك فترة اتصالات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية للوصول لتفاهمات تخرج البلد من الأزمة السياسية".
لكن النائب شعيب المويزري قدم استجوابا جديدا لرئيس الوزراء، الشيخ صباح الخالد الصباح، اليوم الأحد، وفقا لما أعلنه رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم وهو الآخر يواجه نقدا متزايدا من نواب المعارضة المسيطرة على البرلمان كما هو الحال مع رئيس الحكومة.
نظام حزبي جديد
وعن مستقبل الحياة السياسية وإمكانية إيجاد حل يخرج الإمارة الخليجية من نفق الصدام بين السلطتين، يقول العنزي إنه "يختلف مع المعارضة في السلوك البرلماني، باعتبار أن الصدام الدائم غير مجد" مرجحا أن يتغير شكل المعارضة "من السلوك إلى النصوص" بعد وصول الوسمي على حد قوله.
والوسمي البالغ من العمر 50 عاما، هو محام وأكاديمي حاصل على درجة الدكتوراة في القانون، سبق أن وصل لقبة البرلمان في العام 2012 قبل أن يحل ذلك المجلس بسبب الخلافات بين الحكومة والمشرعين.
وأوضح العنزي أن التهديد بالاستجواب قبل الوصول للبرلمان ليس منطقيا، ويجب منح الحكومة الفرصة بالعمل، خاصة وأنها جاءت في فترة تعيش فيها البلاد أزمة صحية متمثلة بتفشي فيروس كورونا.
يتابع قائلا: "هناك محاولات من الحكومة للإصلاح ومكافحة الفساد ووجدنا أسماء كبيرة تمت محاكمتها، وهذا دليل على رغبة السلطة التنفيذية بالتغيير، إلا أن عملية التعاون ما بين السلطتين مفقودة وتحتاج إلى إيجاد نقاط للتفاهم والوصول لحلول".
وخلال المرحلة الماضية، أحيل عدد من الأشخاص المتنفذين إلى المحاكمة والسجن، بما في ذلك أعضاء من العائلة المالكة، في قضايا متفرقة بتهم تتعلق بغسيل الأموال والفساد.
وقال العنزي إن السلطتين "بحاجة إلى مرونة أكبر في التعاطي مع الملفات المختلفة للانتقال بالكويت إلى بر الأمان".
من جهته، يقول المناع إن الإشكالية تتمثل في "وضع بعض أعضاء البرلمان رأسهم برأس رئيس المجلس نفسه وهذا يعيق من العمل النيابي"، مضيفا: "مطلوب نظرة موضوعية لتقييم الوضع البرلماني الحالي وأن تكون هناك حكومة متناغمة مع مخرجات هذا المجلس وهذ قد يتطلب تغيير رئيس الوزراء الذي أصبح غير مرغوبا من قبل المعارضة".
وأشار إلى أن السيناريو الآخر للخروج من الأزمة السياسية يتمثل في حل المجلس وإصدار الحكومة لقرارات خلال الفترة التي تسبق الدعوة لانتخابات جديدة وعلى ضوء ذلك يوافق البرلمان الجديد بعد إحداث التغييرات.
ومن ضمن تلك التغييرات، التعديل في الدوائر الانتخابية وتغيير نظام الصوت الواحد، وهو ما حدث خلال حقبة سابقة كما يقول المناع.
لكنه يرى أن الحل الأمثل لكل هذه الإشكالية يتمثل في إصدار تشريعات جديدة تجعل البرلمان يشكل الحكومة عبر نظام حزبي، بحيث تأتي الحكومة من البرلمان نفسه وهذا ما يرى أن تنفيذه أمر ليس بالسهل.