الأحد، 16 يناير 2022

يوم صدور حكم المحكمة الإدارية العليا النهائي فى مثل هذا اليوم قبل 5 سنوات 16 يناير 2017 برفض طعن حكومة الجنرال السيسي على حكم محكمة القضاء الإدارى ببطلان اتفاقية السيسى بإهداء جزيرتى تيران وصنافير المصريتان للسعودية

يوم صدور حكم المحكمة الإدارية العليا النهائي فى مثل هذا اليوم قبل 5 سنوات 16 يناير 2017 برفض طعن حكومة الجنرال السيسي على حكم محكمة القضاء الإدارى ببطلان اتفاقية السيسى بإهداء جزيرتى تيران وصنافير المصريتان للسعودية

حيثيات حكم المحكمة حرفيا (النص كامل)

فى مثل هذا اليوم قبل 5 سنوات، الموافق يوم الاثنين 16 يناير 2017، صدر حكم المحكمة الإدارية العليا النهائي، برفض طعن الحكومة على حكم محكمة القضاء الإدارى ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، وأيدت المحكمة الإدارية العليا حكم محكمة القضاء الإدارى ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، الموقع بين حكومة الجنرال الرئيس عبدالفتاح السيسى الرئاسية والحكومة السعودية في أبريل 2016، والذي انتقل بمقتضاه تبعية جزيرتي تيران وصنافير المصريتان في البحر الأحمر للسعودية،

وقالت المحكمة فى حيثيات حكمها، إنه بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، والاطلاع على تقرير هيئة مفوضي الدولة والمذكرات والمستندات المقدمة من أطراف الخصومة ، وبعد إتمام المداولة قانوناً، فإن المحكمة قد خلصت إلى رفض الدفع بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعويين وباختصاصها بنظرهما، إلى جانب قبول الدعويين شكلا وببطلان توقيع ممثل الحكومة المصرية على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية الموقعة فى أبريل سنة 2016 المتضمنة التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للمملكة العربية السعودية، مع ما يترتب على ذلك من آثار أخصها استمرار هاتين الجزيرتين ضمن الإقليم البرى المصري وضمن حدود الدولة المصرية واستمرار السيادة المصرية عليهم، أو حظر تغيير وصفهما بأى شكل لصالح أية دولة أخرى وذلك على النحو المبين بالأسباب وألزمت جهة الإدارة المصاريف .

وأشارت المحكمة إلى أن الجزيرتين ضمن الإقليم المصري، خاضعتان للسيادة المصرية الكاملة، ووفقًا لنص المادة (151)من دستور جمهورية مصر العربية الصادر في 18 يناير 2014 ، يحظر إبرام أي اتفاق يتضمن التنازل عن أي جزء من الإقليم المصري .

وتابعت الحيثيات: لقد سطَر الطاعنون أسباب الطعن بتقرير الطعن ومذكرات الدفاع المشار إليها، ومجمل الأسباب المشار إليها تنصرف إلى أن الحكم المطعون فيه قد صدر مشوباً بالخطأ فى تطبيق القانون فيما يتعلق بنفي صفة الخصومة عن الطاعن الثالث - بصفته - ( رئيس مجلس النواب)، ومخالفة الحكم للقانون فيما قضي به من رفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة - والقضاء عموماً - ولائياً بنظر الدعويين على سند حاصله أن المشرع أخرج الأعمال التى تتصل بسيادة الدولة سواء الداخلية أو الخارجية من ولاية المحاكم عموما، وأن قضاء المحكمة – المطعون فيه – قد خالف المستقر عليه من قضاء المحكمة الدستورية العليا والمحكمة ذاتها في منازعات مماثلة خاصة وأن طلبات المدعين فى الدعوى تتمخض عن استدعاء ولاية القضاء واستنهاض رقابته بشأن أمر يتعلق باختصاص أصيل محجوز دستورياً لمجلس النواب ويمثل تدخلاً وإهداراً لمبدأ الفصل بين السلطات، بحسبان المجلس هو الجهة الوحيدة القائمة على شئون التشريع وسن وإصدار القوانين ، والمنوط به الموافقة على ما يبرمه رئيس الجمهورية من معاهدات مع الدول الأخرى ، وإن ما قامت به الحكومة فى النزاع المطروح باشرته بوصفها سلطة حكم بخصوص ترسيم الحدود بين جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية ، وإنه أصبح محلاً للدراسة من قبل لجان مجلس النواب المختصة ( وفقاً لكتاب هيئة قضايا الدولة الذى ورد بعد حجز الطعن للحكم والمتضمن إحالتها إلى مجلس النواب).

وعقبت المحكمة بأنها سترجئ ما اُشير إليه بتقرير الطعن بشأن اختصام رئيس مجلس النواب إلى موضع اَخر فى أسباب الحكم .

وجاء في الحيثيات أن الحكم المطعون فيه، استند إلى أحكام المواد 97 ، 151 ، 190 من الدستور الحالي وفيما تضمنته من حظر إبرام أية معاهدة أو اتفاقية يتوقف عليها التنازل عن أي جزء من اقليم الدولة ، وأن مصطلح الإبرام أعم وأشمل من مصطلح إقرار المعاهدات ، وأن هذا الحظر يمتد إلى السلطة التنفيذية ويحظر عليها اتخاذ أى عمل من أعمال الإبرام بما فيها التوقيع إذا كانت المعاهدة تخالف الدستور أو يترتب عليها التنازل عن أى جزء من الإقليم وهو حظر وقائي ومطلق ، وأن لإقليم الدولة قداسة بالمعنى الوطني وحرمة بالمعنى القانوني، وأنه يشكل وحدة واحدة لا سبيل إلى التنازل عن أى جزء منه ، وأسس الدستور فكرة الاختصاص الممنوع أو المحظور على السلطة التنفيذية فى مجال ابرام المعاهدات الدولية، وخلصت المحكمة إلى أن توقيع الحكومة على الاتفاقية بما ينطوى عليه من التنازل عن الجزيرتين ( تيران وصنافير) هو عمل إدارى يخضع لولاية محاكم مجلس الدولة طبقاً لأحكام المادة (190) من الدستور باعتباره من المنازعات الإدارية ، وقضت برفض الدفع المبدى من المدعى عليهم بصفتهم بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعويين.

ومن حيث إن تقرير الطعن ومذكرات هيئة قضايا الدولة والمذكرات المقدمة من المطعون ضدهم والخصوم المتدخلين فى الدعوى قد أشارت - فى غير موضع- إلى سيادة الدولة ، والفصل بين السلطات والتوازن بينها ، وتلازم المسئولية مع السلطة ، ونظرية أعمال السيادة، ولأهمية النزاع المعروض فإن هذه المحكمة تبسط قضاءها على عُمد من التأصيل الواجب قبل أن تقطع بقضاء بات في سلامة الحكم المطعون فيه وصحة السبب أو الأسباب التى قام عليها تقرير الطعن، وتؤكد المحكمة علي أن للسيادة معنى سلبى وآخر إيجابي، والمعنى السلبى يقطع الاستقراء التاريخي له بأنها قد بدأت كفكرة سياسية ثم تحولت إلى فكرة قانونية , وينصرف إلى عدم خضوع الدولة لسلطة دولة أخرى، وعدم وجود سلطة أخرى مساوية لسلطة الدولة فى داخل حدود البلاد.

وجاء في الحيثيات أن مصر فى هذا العقد من الزمان – بعد ثورة الشعب ( 25يناير / 30 يونيو) - وهى ثورة وصفتها ديباجة الدستور بأنها فريدة بين الثورات الكبرى فى تاريخ الإنسانية، بكثافة المشاركة الشعبية التى قُدّرت بعشرات الملايين ، وبدور بارز لشباب متطلع لمستقبل مُشرق، وبتجاوز الجماهير للطبقات والأيدولوجيات نحو آفاق وطنية وإنسانية أكثر رحابة وبحماية جيش الشعب للإرادة الشعبية، وهذا الدستور استولد عنه نظام قانونى جديد ألبس الفصل بين السلطات ثوباً جديداً، وتحددت فيه حدود سلطات الدولة دون تغول من سلطة على سلطة أخرى، وأٌعلى من شأن حق الإنسان المصري فى المشاركة السياسية والاجتماعية والاقتصادية لبناء دولته الجديدة مصطحباً تاريخ مصر الخالد وحضارتها العظيمة وموقعها الجغرافي المتميز، وقدم وعراقة شعبها واَصالته، وطبيعته وطبيعة تكوينه الفريد والمتنوع والذى يمثل سمتاً من سماته ويستعذب اَصالته كل من سرى في شرايينه مياه النيل مسرى الدم، ومن أجل ذلك - وهو بعض من كل – وجب على الفكر القانوني أن يتماشى مع التعديلات التي استحدثها الدستور على النظام القانوني المصري ، ومن عموم القول السابق إلى خصوصية النزاع المعروض والمتعلق بحقوق السيادة على الأراضي المصرية ، وحدود سلطات الدولة بشأنها وفقاً للدساتير المصرية المتعاقبة بدءًا من الأمر الملكي رقم 42 لسنة 1923 بوضع نظام دستورى للدولة المصرية وانتهاءً بالوثيقة الدستورية الجديدة عام 2014 ، فقد نصت المادة (1) من دستور 1923 على أن " مصر دولة ذات سيادة , وهى حرة مستقلة, ملكها لا يتجزأ، ولا يُنزل عن شيء منه.

كما يتضح الأمر بجلاء لا لبس فيه ولا غموض عند مناقشة وإعداد المادة (145 ) والتي أصبحت فى الدستور الحالي تحت رقم المادة (151 )، وعند عرض الجزء الأول من النص الدستوري رجُح فى اللجنة أنها لا تتعلق بمعاهدات الصلح ولا التحالف أو ما يتعلق بحقوق السيادة ( فهذه يفصل فيها ويراقبها البرلمان )، أما المعاهدات الخاصة بالصلح والتحالف وما يتعلق بحقوق السيادة وجميع المعاهدات التى يترتب عليها تعديل فى أراضي الدولة ،فذهب رأى إلى وجوب موافقة الشعب أُسوة بالمادة 53 فقرة أخيرة من الدستور الفرنسي ( الاجتماع الثامن للجنة المشار إليها فى 3/8/2013 ص 68 ،69 وبدءًا من ص 73 من الاجتماع المشار إليه ) وتبلور الأمر برأي ذهب إلى أن أى شئ يتعلق بحقوق السيادة لن يكون محلاً للمعاهدات ثم تبلور الرأي إلى أن المعاهدات التى تتعلق بحقوق السيادة لا يكون لها قوة القانون إلا بعد الاستفتاء عليها وموافقة الشعب ، وقبل الاتفاق على النص الدستوري ذكر أحد الأعضاء ( المستشار ...ص 73 ، "الجزء الأول من نص المادة 145 ليس فيه أى مشكلة، الجزء الثانى تجب موافقة مجلس الشعب ( النواب ) بأغلبية ثلثى اعضائه على معاهدات الصلح والتحالف وجميع المعاهدات التى تتعلق بحقوق السيادة يتعين الاستفتاء وموافقة الشعب عليها لكى يستريح ضمير الجميع وأنا مع ....ولا يجوز إقرار أى معاهدة تخالف أحكام الدستور أو الانتقاص من أراضي الدولة لماذا ؟.

وأجابت الحيثيات لأن الحكم هنا سيكون مختلفاً عندما نقول مظهر من مظاهر السيادة مثل قاعدة عسكرية هذا نريد فيه استفتاء أما هنا فى مسألة الانتقاص من أراضي الدولة لم تعرض على الاستفتاء محرم عرضها على المجلس أو الاستفتاء كقاعدة عامة وهذه هى قيمة الإضافة وأنا أوافق على الإضافة" ثم قُرأت المادة بالصوغ الآتى : " يمثل رئيس الجمهورية الدولة فى علاقاتها الخارجية ، ويبرم المعاهدات ويصدق عليها بعد موافقة مجلس الشعب ، وتكون لها قوة القانون بعد التصديق عليها ونشرها ، وفقا لأحكام الدستور وتجب موافقة المجلس بأغلبية ثلثى اعضائه جميعاً على معاهدات الصلح والتحالف ، وبالنسبة للمعاهدات التى تتعلق بحقوق السيادة فلا يكون لها قوة القانون إلا بعد الاستفتاء عليها وموافقة الشعب على ذلك .

وإذا كان النص الدستوري للمادة (151) الذى وافق عليه الشعب قد نقل حرفياً ما انتهت إليه لجنة الخبراء بخصوص الفقرة الأولى منه وبتصرف لا يغير المعنى فى الفقرة الأخيرة ، فإن الفقرة الثانية والثالثة من الصياغة النهائية للدستور المستفتى عليها قدّمت وأوجبت دعوة الناخبين للاستفتاء على معاهدات الصلح والتحالف، وما يتعلق بحقوق السيادة ومنعت التصديق عليها إلا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء بموافقة الشعب ، وينعطف من هذه المغايرة معان قانونية ومفاهيم كثيرة يجب أن تُسجل وتُذكر :-

أولاً : أن الدستور المصري رسَخ مبدأ سيادة الشعب فى أعلى صورة فحظر أى التزام دولى على الدولة فيما يتعلق بهذه الأنواع من المعاهدات إلا بعد أخذ موافقة الشعب صاحب السيادة ومصدرها ، فالتصديق وهو من سلطة رئيس الجمهورية مشروط بموافقة الشعب عبر استفتاء واجب ، وفيه يحل الشعب محل السلطة التى تقوم مقامه بالتشريع والرقابة ، وعلى رئيس الجمهورية أن يخاطب الشعب مباشرة طالباً رأيه الفاصل والملزم فى أية معاهدة محلها الصلح أو التحالف أو تتعلق بحقوق السيادة . والترتيب المنطقى للأمور أن يتوجه رئيس الجمهورية إلى الشعب طالباً رأيه ، فإن أجاب طلبه بالموافقة استكملت إجراءات الاتفاق الدولى ، وإن كان له رأى آخر زال أى اتفاق أو إجراء سابق تم اتخاذه .

ثانياً: أن التنازل عن أى جزء من إقليم الدولة أو إبرام معاهدة تخالف أحكام الدستور المصري- فرادى أو مجتمعة - تعد من الأمور المحظور إبرام أى اتفاق دولى بشأنها ولا تعرض على الشعب الذى أعلن إرادته عبر دستوره وحاصله إنه لا يُقبل التنازل عن أى جزء من الأرض أو مخالفة أى حكم من أحكام الدستور الذى يمثل الوعاء الأصيل للنظام القانوني الحاكم من ناحية والضمان الوحيد لاستقرار نظام الحكم من ناحية أخرى.

وقد جرى نص المادة (197) من القانون رقم 1 لسنة 2016 بشأن اللائحة الداخلية لمجلس النواب - المنشور في الجريدة الرسمية في العدد (14)مكرر ب بتاريخ 13/4/2016 ليعمل به اعتباراً من اليوم التالى لنشره الموافق 14/4/2016 وفقاً للمادة الثانية من مواد اصداره على أن يبلغ رئيس الجمهورية المعاهدات التى يبرمها إلى رئيس المجلس، ويُحيلها الرئيس إلى لجنة الشئون الدستورية والتشريعية لإعداد تقرير فى شأن طريقة إقرارها وفقًا لحكم المادة (151) من الدستور، وذلك خلال سبعة أيام على الأكثر من تاريخ إحالتها إليها، ويعرض رئيس المجلس المعاهدات وتقارير لجنة الشئون الدستورية والتشريعية فى شأنها فى أول جلسة تالية ، ليقرر إحالتها إلى اللجنة المختصة أو طلب دعوة الناخبين للاستفتاء عليها بحسب الأحوال، وفى غير الأحوال المنصوص عليها فى الفقرتين الأخيرتين من المادة (151) من الدستور، يكون للمجلس أن يوافق على المعاهدات أو يرفضها أو يؤجل نظرها لمدة لا تجاوز ستين يوما، ولا يجوز للأعضاء التقدم بأى اقتراح بتعديل نصوص هذه المعاهدات ويُتخذ قرار المجلس فى ذلك بالأغلبية المطلقة للحاضرين، ولرئيس المجلس أن يُخطر رئيس الجمهورية ببيان يشمل النصوص والأحكام التى تتضمنها المعاهدة والتى أدت إلى الرفض أو التأجيل، وإذا أسفر الرأى النهائى عن موافقة المجلس على المعاهدة، أُرسلت لرئيس الجمهورية ليُصدق عليها، ولا تكون نافذة إلا بعد نشرها فى الجريدة الرسمية، ولا يتم التصديق على المعاهدات المشار إليها فى الفقرة الثانية من المادة (151) من الدستور، إلا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء عليها بالموافقة."

وبناءً على ما تقدم، فإن ما استندت إليه محكمة القضاء الإدارى فى أسباب حكمها الطعين وما أوردته هذه المحكمة من أسباب وفى أطار التوازن الدستوري بين نص المادة (97) والمادة (190) من الدستور الحالي - والتى حظرت أولها ، تحصين أى عمل أو قرار إدارى عن رقابة القضاء وأحكام الدستور فى عديد من المواد التى انصرفت إلى تعديل فى حدود السلطات الممنوحة لسلطات الدولة وبمقتضاها غدت جُلَ السلطات محددة النطاق ومشروطة الممارسة، فإن الحكم المطعون فيه فيما قضي به من رفض الدفع المبدى من – المدعى عليهم بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى – بصفتهم – فى الدعوى يكون قائماً على عُمد من الواقع والقانون ، وصادراً فى إطار أحكام القانون والدستور.

وتابعت: لا يسوغ – والحال كذلك - للسلطة التنفيذية اجراء عمل أو تصرف ما محظور دستورياً ويكون لكل ذى صفة أو مصلحة اللوذ إلى القضاء لإبطال هذا العمل ، ولا يكون لها التذرع بأن عملها مندرج ضمن أعمال السيادة ، إذ لا يسوغ لها أن تتدثر بهذا الدفع لتخفى اعتداءً وقع منها على أحكام الدستور وعلى وجه يمثل إهداراً لإرادة الشعب مصدر السلطات ، وإلا غدت أعمال السيادة باباً واسعاً للنيل من فكرة سيادة الشعب وثوابته الدستورية وسبيلاً منحرفاً للخروج عليها وهو أمر غير سائغ البته ، وترى المحكمة إظهاراً لوجه الحق والقانون – وقبل التعرض للأسباب التى قام عليها تقرير الطعن الماثل - الإشارة إلى قرار رئيس جمهورية مصر العربية رقم 535 لسنة 1981 بشأن الموافقة على معاهدة فيينا لقانون المعاهدات الموقعة فى فيينا عام 1969 ، حيث نصت المادة الأولى - مادة وحيدة - من القرار المشار إليه – وكما ورد فى ديباجته – " بعد الاطلاع على الفقرة الثانية من المادة (151) من الدستور - على " الموافقة على معاهدة فيينا لقانون المعاهدات الموقعة فى فيينا بتاريخ 23/5/1969 مع التحفظ بشرط التصديق ، ومع ابداء التحفظ التالى على وثيقة الانضمام ." أن جمهورية مصر العربية لا تُعتبر منها طرفاً فى إطار الباب الخامس من المعاهدة فى مواجهة الدول التى تبدى تحفظات على وسائل التقاضى والتحكيم الإلزامية الواردة فى المادة (66) وفى ملحق المعاهدة، كما إنها ترفض التحفظات التى ترد على الباب الخامس من المعاهدة " .

وأضافت الحيثيات: كما أن الدستور المصري الساري قد حدد اختصاص مجلس النواب بشأن المعاهدات باعتبار أن موافقته واجبة على كل ما تبرمه الدولة من معاهدات حددتها الفقرة الأولي من المادة (151) من الدستور ، وإن الفقرة الثانية قصرت دور مجلس النواب على المصادقة على ما ينتهى إليه الشعب باعتباره الوكيل عن صاحب السيادة الذى اثر الدستور أن يتولاه بنفسه دون وكيل باعتبار أن موافقته الشرط الوحيد اللازم للمصادقة على الاتفاقية بعد دعوته الواجبة كما سلف البيان ,فسلطة مجلس النواب فى مسائل السيادة سلطة تقرير لإرادة الشعب ويكون رأيه متمماً لتلك الارادة يلتحم فيها الوكيل بالموكل , ويكون دور الوكيل محصوراً فى صوغ التعبير عن هذه الإرادة رفضاً أو قبولاً , فإذا ما باشرت السلطة التنفيذية اختصاصاً متصلاً بهذا النوع من المعاهدات أو تلك التى نظمتها الفقرة الاخيرة من المادة 151 من الدستور تمحور النزاع حول عمل إدارى لا يسوغ أن تتدخل فيه السلطة التشريعية طرفاً فيه كمشرع . وإذ أخرج القضاء المطعون فيه الطاعن الثالث بصفته المُمثل القانونى لمجلس النواب يكون قد التمس وجه الحق وأنزل صحيح حكم القانون والدستور ، وتطرح المحكمة - من ثم - ما ورد بتقرير الطعن من أن الرقابة على الاتفاقية المشار إليها محجوزة فقط للبرلمان بحسبان الفصل فى النزاع معقود للقضاء الإدارى ، واستقر في يقين المحكمة – كما سلف البيان – أن النزاع الماثل لم يرق إلى كونه التزاماً دولياً ، كما أنه يخرج عن نطاق تطبيق أحكام الفقرة الأولى من المادة (151) من الدستور والتى وسدّت لمجلس النواب دوراً واجباً فى الموافقة على المعاهدات فى غير الحالتين التى أشارت إليهما الفقرتين الثانية والثالثة منها .

وأشارت المحكمة إلى أنه بالرجوع إلى أعمال لجنة الخبراء العشرة والخاصة بإعداد الدستور، فإنه قد أشار أحد أعضائها ص 73 بأن " أى شئ يتعلق بحقوق السيادة لن يكون محل معاهدات " ، ومن نافلة القول الإشارة إلى أن المحكمة تقصر قضائها فى خصوص هذه المسألة على دور مجلس النواب كسلطة تشريعية تمارس دوراً فى إطار الدستور ودون تخط لآلياته الأخرى بشأن الرقابة على أعمال الحكومة ، ولايسوغ أن يكون مجلس النواب طرفاً فى الخصومة الماثلة – ومحلها – اجراء أو عمل إدارى صدر عن رئيس الوزراء على الوجه سالف بيانه ويكون إخراج الحكم المطعون فيه الطاعن الثالث بصفته ( رئيس مجلس النواب ) من الخصومة قاضياً بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذى صفه بالنسبة له ، ملتمساً وجه الحق ومنزلاً صحيح حكم القانون والدستور , فإذا ما زج به كجهة فصل فى خصومة فالبرلمان ينشئ ويقرر فى إطار دوره الدستورى , أما الفصل فى الخصومة اختصاص معقود للقضاء .

ووفقًا لم ما أبدته الجهة الطاعنة من أسباب للطعن على الحكم المطعون فيه فإن مقولة أن حق الدولة على إقليمها هو حق ملكية يمثل خلطاً بين السيادة الإقليمية وبين الملكية مرجعه أن بعض الفقه والقضاء الدولي في إطار الفقه التقليدي يذهب إلى استعارة بعض قواعد القانون الدولى من قواعد القانون الداخلى وخصوصاً ما كان ينحدر من قواعد القانون الرومانى الذى كان سبب ذلك الخلط فى التشبيه بين الموضوعين , ويبنى هؤلاء الفقهاء اعتقادهم على ما يلاحظونه من تشابه بين سيادة الدولة على إقليمها وبين الملكية، فالحق فى السيادة والحق فى الملكية كلاهما مقصور على صاحبه يخوله الحق سلطة التصرف في المال أوالشىء موضوعه ، وذلك على الرغم من أنه وفقاً للمفاهيم الحديثة لأحكام القانون الدولى المعاصر ليس هناك ما يبرر وجود هذا الخلط فالسيادة فى ضوء قواعد هذا القانون لها مدلول قانونى مجرد يقوم على اعتبار الدولة أعلى سلطة فى داخل إقليمها، وهذا الإقليم هو الإطار الذى تباشر الدولة سلطتها فيه، ومن ثم يتعذر تشبيه سلطات الدولة واختصاص هيئاتها بالملكية الخاصة للأفراد , ذلك أن حق الدولة على إقليمها ليس حق ملكية وإنما هو حق سياسى يشتمل على مجموعة من الحقوق التشريعية والتنفيذية والقضائية التى تسرى على إقليم الدولة كما سلف البيان , ومؤدى ذلك أن الإقليم هو الذي تمارس فيه الدولة سلطتها السياسية ، وهو الموضوع المباشر لسيادة الدولة التى تفترق عن حق الملكية العينية وعن سيادة الأشخاص على ممتلكاتهم الخاصة , وهذا النظر يجب أخذه بمزيد من الحذر فى مجال القانون العام ، ذلك أن السيادة هى التى تنشأ في مختلف الزمان مبتدئة ولم تشتق يوماً من سيادة دولة أخرى سواء بمفهومها السياسى أو القانونى ، ومصر – وعلى سوف ما يأتى بيانه – تمتعت عبر تاريخها وعلى اختلاف أنظمتها بأهلية قانونية دولية كاملة تجاه جزيرتى تيران وصنافير أى بالسيادة القانونية الكاملة عليهما كشخص من أشخاص القانون الدولى ، ولم يعتريها يوماً ما مانعاً يمنع من مباشرتها , وسيادتها في هذا الشأن وصفاً فى الدولة يعبر عما لها من أهلية لم تتجزأ ، فلا يوجد دولتان تقتسمان أهلية واحدة وباتت السيادة الإقليمية المصرية هى العنصر الرئيسى في تصرفات الدولة المصرية عليهما ، والتى ظهرت بها وفقاً لقواعد القانون الدولى ، وأن التطور الذى لحق به لم يغير من واقع أن السيادة الإقليمية التى لازالت هى النواة التى يدور حولها توزيع الحقوق بين الدول وهذه الحقوق القانونية للدول حسبما يعرفها القانون الدولى ترتبط ارتباطاً جوهرياً بمظاهر السيادة على الإقليم فى مقوماته الثلاثة اليابسة والبحر والجو ، وهو الأمر الذى لم ينفرط عقده لمصر على تلك الجزيرتين على الدوام والثبات ، وفى عموم القول أنه قد ترسخ فى الوجدان الدولى أن التنازل عن جزء من إقليم الدولة يجب أن تتوافر فيه الشروط الشكلية والقانونية المطلوبة لصحته من منظور القانون الدولى والقانون الداخلى .

ومن حيث إنه عن الأدلة والبراهين والشواهد التى تنطق بها أوراق الطعن بشأن الدولة التى تدخل أرض جزيرتي تيران وصنافير ضمن حدودها، فإنه يبين من اتفاقية تعيين الحدود الشرقية المبرمة بين الدولة العثمانية ومصر بشأن تعيين خط فاصل إدارى بين ولاية الحجاز ومتصرفية القدس وبين شبه جزيرة طور سيناء الواردة ضمن اتفاقية رفح 1906 لترسيم حدود سيناء الشرقية – المنشورة

فى جريدة الوقائع المصرية 10 نوفمبر 1906 السنة السادسة والسبعون نمرة الجريدة 127 - أنها جاءت خالية مما يفيد أن جزيرتى تيران وصنافير تدخلان فى ولاية الحجاز بينما تدخلهما خطوط الحدود فى الولاية المصرية وفقا لخريطة العقبة المطبوعة فى مصلحة المساحة المصرية سنة 1913 مؤشراً عليها من المندوبين المختصين وتدخل فيهما الجزيرتين السالفتين وبها علامات الحدود المصرية عليهما طبقاً للخطوط المرسومة وفقاً لمعاهدة 1906 المشار إليها مع قيد حفظ حقوق العربان , بينما حد الحجاز يبدأ من العقبة وذلك على الرغم من أن تلك الاتفاقية خاصة بالحدود البرية بين الدولتين.

وأضافت المحكمة :كما تمت مراجعة الصورة الرسمية لإتفاقية عام 1906 من الوقائع المصرية والخريطة المرفقة بالاتفاق أول أكتوبر عام 1906 من رفح شمالاً حتى خليج العقبة جنوباً المقدمة ضمن

حوافظ مستندات المطعون ضدهم بجلسة 22/10/ 2016 – مؤلف محيط الشرائع والمعاهدات الدولية المرتبطة بها مصر، انطون بك صفير المطبعة الأميرية عام 1953 ص 1617، أطلس ابتدائى للدنيا لاستعماله فى المدارس المصرية عُمل وطُبع بمصلحة المساحة والمناجم على نفقة وزارة المعارف العمومية عام 1922 وأُعيد طبعه عام 1937 موضحاً بالخريطة ص 2 منه إن الجزيرتين ضمن الاقليم المصرى لورودهما بالكتابة ضمن الجزر المصرية المقدم ضمن حوافظ مستندات المطعون ضدهم – مؤلف التطور التاريخى لجزيرتى تيران وصنافير 1906- 1950 للدكتور صبرى العدل )، ومن حيث إنه وفى ضوء فهم المحكمة للاتفاقية المبرمة 1906 وخريطة العقبة المطبوعة فى مصلحة المساحة عام 1913 ، تأكد مصرية جزيرتى تيران وصنافير , وأنه لا وجود لسيادة أخرى تزاحم مصر في هذا التواجد، بل أنه لم تكن هناك دولة غير مصر تمارس أى نشاط عسكرى أو أى نشاط من أى نوع على الجزيرتين، باعتبارهما جزءاً من أراضيها ، كما أن الملف رقم 219-1/4 المؤرخ فبراير 1950 الموجه لوزارة الخارجية أكد على مصرية هاتين الجزيرتين متضمناً أنه:" بالإشارة إلى كتاب الوزارة رقم 853 المؤرخ 3 ديسمبر سنة 1949بشأن قيام وزارة الخارجية بالاشتراك مع وزارة الحربية والبحرية بتحديد مدى المياه الإقليمية المصرية وطلب الوقوف على معلومات هذه الوزارة بشأن جزيرة تيران الصخرية الواقعة عند مدخل خليج العقبة فقد ثبت من مصلحة المساحة إنه بالاطلاع على اللوحة رقم 6 جنوب سيناء من مجموعة خرائط القطر المصرى بمقياس 1/ 500000 الطبعة الأولى لسنة 1937, أنها قد بينت على جزيرتى تيران وصنافير الواقعتين عند مدخل خليج العقبة تفاصيل الارتفاعات بكل منهما ولونت الارتفاعات بالجزيرتين بنفس الألوان التى بينت بها المرتفعات بالأراضى المصرية بتلك المجموعة بينما تركت المساحات المبينة بتلك اللوحة من الأراضى الأجنبية بيضاء دون أن تبين لها أية تفاصيل , " ويتضح ان جزيرة تيران تدخل ضمن تحديد الأراضى المصرية " مما يقطع بمصريتهما .

وتأكد ذلك بما ورد بكتاب وزارة الخارجية السرى ( رقم الملف 37/21/81-26) المؤرخ 25 فبراير 1950 الموجه لوكيل وزارة الحربية والبحرية من : " أنه بالإشارة إلى كتاب الوزارة رقم 3 سرى المؤرخ 16 يناير 1950 بشأن ملكية جزيرة تيران الواقعة عند مدخل جزيرة العقبة أرفقت كتاب وزارة المالية رقم ف 219-1/4 الذى يتبين منه أن هذه الجزيرة تدخل ضمن تحديد الأراضى المصرية " , وهو ما تأكد كذلك من كتاب قائد عام بحرية جلالة الملك المؤرخ 22 فبراير 1950 بقصر رأس التين بالاسكندرية الموجه لوزارة الحربية والبحرية عن تموين قوات سلاح الحدود الملكى المصرى الموجودة بطابا وجزر فرعون وتيران وصنافير أرفق به كتاباً سرياً لرياسة الجيش مما يدل على ممارسة مظاهر السيادة المصرية على تلك الجزيرتين ، ومن ثم فليس فى مُكنة وزارة الخارجية بخطاب من وزيرها من بعد أن تعدل عن مصرية هاتين الجزيرتين لأى سبب من الأسباب وأياً كانت الدوافع الرامية إليه ، وقد أفصحت المحكمة عن عقيدتها الجازمة فى هذا الصدد حال تعرضها لمفهوم الالتزام الدولى في أسباب هذا الحكم.

ويدعم ما سبق بشأن اعتبار أرض الجزيرتين ضمن الاراضي المصرية ما ورد على لسان المندوب المصرى أمام مجلس الأمن فى جلسته رقم 659 بتاريخ 15 فبراير 1954 أن سيادة مصر على الجزيرتين المذكورتين باعتبارهما ضمن الإقليم المصرى، وأن مصر تفرض سيادتها على جزيرتى تيران وصنافير منذ عام 1906 حيث استخدمتهما فى الحرب العالمية الثانية كجزء من نظام مصر الدفاعي وأن التحصينات فى هاتين الجزيرتين قد استخدمت لحماية سفن الحلفاء من هجمات الغواصات المعادية ، وأكد كذلك مندوب مصر أن الجزيرتين جزء من إقليم مصر وهو ما يعنى أن مصر مارست سيادتها المشروعة عليهما لمدة مائة وعشر سنوات لم يشاركها أحد فيها ,وبات جلياً حق مصر التاريخى على الجزيرتين وهو الذى ينشئ الحق ابتداءً.

وفى هذا الشأن أكد مندوب لبنان أمام ذات المجلس – على نحو ما قدمه المطعون ضدهم فى حافظة مستنداتهم بجلسة 22/10/2016- واكدته المستندات المقدمة من الحكومة بجلسة 7/11/2016" أن ما ذكره مندوب اسرائيل بشأن الجزر الواقعة فى مدخل خليج العقبة - جزيرتى تيران وصنافير - من إدعائه أنهما وقعتا تحت الاستحواذ المفاجئ لمصر وتلا تصريحاً صدر عن الحكومة المصرية فى رسالة وجهتها إلى سفارة الولايات المتحدة فى القاهرة مضمونها أن مصر لم تستحوذ على هذه الجزر فجأة بل كان ذلك الاستحواذ فى العام 1906 حيث لزم فى حينها ترسيم الحدود بين مصر والدولة العثمانية، وشرعت مصر على ضوء هذا الترسيم فى الاستحواذ على الجزيرتين لأسباب فنية وكان ذلك الاستحواذ موضوع مناقشات وتبادل فى الآراء وكذلك خطابات بين الامبراطورية العثمانية وحكومة الخديوى فى مصر وبالتالى لم يكن مفاجأة حيث تم الاستحواذ فى الحقيقة على الجزيرتين منذ عام 1906 وهذه حقيقة مؤكدة بأنهما ومنذ ذلك الوقت خاضعتان للسلطة المصرية وأنهما يشكلان جزءاً لا يتجزأ من الأراضى المصرية .

وحيث إنه وبعد الاستعراض السابق بيانه، تبين بجلاء ووضوح لا لبس فيه أو غموض أنها مظاهر للسيادة المشروعة لا تتمتع بها سوى دولة ذات سيادة على الجزيرتين ، وهكذا بقيت المراسيم والقوانين واللوائح المصرية شاخصة شاهدة ناطقة على ممارسة مظاهر كامل السيادة المصرية على الجزيرتين في ظل الأحكام المنظمة للقانون الدولى وتبعاً لذلك بقيت القواعد التى تنتظمها فى السيادة المصرية على الجزيرتين سارية المفعول على جميع السفن الاجنبية بإعتراف دولى التى تمر فى مضيق تيران للخضوع للرقابة واُنشأت محطة بحرية للقيام بهذا الغرض , بل كانت تلك اللوائح تقضى بإلزام السفن الاجنبية بإخطار السلطات المصرية قبل 72 ساعة على الأقل من المرور فى مضيق تيران والابلاغ عن وجهتها وركابها وحمولتها باعتبار أن مياه مضيق تيران مياهاً إقليمية مصرية خالصة , وهذا الإخطار السابق يماثل تماماً ذات الإخطار السابق الذى اشترطته السلطات المصرية من قبل السفن الأجنبية التى تمر بقناة السويس وكلاهما حق من حقوق مصر تستمده مباشرة من حقها فى السيادة عليهما، باعتبارهما من الإقليم المصرى وإن كانت الأخيرة استمدت كذلك من معاهدة القسطنطينية سنة 1888 الخاصة بقناة السويس، إلا أن الثانية استمدت السيادة من واقع سيطرة مصر على المضيق والجزيرتين فعلياً كما أعلنت أن منطقة شرم الشيخ ومضيق تيران وصنافير محظور فيهما الطيران إلا بإذن من مصر .

وأضافت الحيثيات: حيث إنه لا ينال من ثبوت سيادة مصر ما قد يُستند إليه من تعطل ممارسة السلطات المصرية على مضيق تيران الفترة منذ العدوان الثلاثي سنة 1956 حتى سنة 1967 التى لم تمارس فيها السلطات المصرية حق الإشراف والرقابة على الملاحة فى ذلك المضيق، ذلك أن هذا التعطيل يعد مؤقتاً بطبيعته لأنه كان أثراً من اَثار العدوان الثلاثي وهو أمر فرضته الظروف اللاحقة على العدوان حيث رابطت قوات الطوارئ الدولية فى منطقة شرم الشيخ المصرية.

وجاء في الحي وهو الأمر الذى استعادته السلطات المصرية منذ 23 مايو سنة 1967 بعد انسحاب قوات الطوارئ الدولية بناءً على طلب مصر , بل إن اتفاق لجنة الهدنة المصرية الإسرائيلية المشتركة سنة 1953 كان على منع السفن التابعة لكل من الطرفين من الدخول فى المياه الاقليمية للطرف الاَخر إلا فى حالات الضرورة القاهرة , وأنه لا يجوز للسفن التابعة لإسرائيل الدخول فى المياه الإقليمية المصرية , ومؤدى ذلك ولازمه أنه ليس من حق السفن الإسرائيلية المرور فى مضيق تيران ، وقد تضمن نص الفقرة الثانية من المادة الثالثة من اتفاقية الهدنة المصرية الإسرائيلية ذلك , ولا يمكن وضع ذلك الاتفاق إلا لدولة تملك سيادتها على إقليمها , واَية ذلك أن السكرتير العام للأمم المتحدة " يوثانت " قدم تقريراً إلى مجلس الأمن فى 26 مايو سنة 1967 تناول فيه فى صراحة ووضوح أن موقف مصر هو أن المضيق يشكل مياهاً إقليمية لها حق مراقبة الملاحة فيها وأن إسرائيل تعتبر إغلاق مضيق تيران فى وجه السفن التى تحمل العلم الإسرائيلى وفرض قيود على شحنات السفن التى تحمل أعلاماً اَخرى سبباً للحرب وإن هدف مصر العودة إلى الأحوال التى كانت سائدة قبل سنة 1956 وإلى المراعاة العامة من الطرفين لأحكام اتفاقية الهدنة بين مصر وإسرائيل.

وقرر مندوب مصر فى الجمعية العامة للأمم المتحدة اَنذاك فى 27 نوفمبر 1956 بسيادة مصر على المضيق بعد انتهاء مهمة قوة الطوارئ الدولية بقوله " ليكن واضحاً تماماً أن هذه القوات إنما هى ذاهبة إلى مصر لمعاونتها برضاها وليس هناك أحد يمكن أن يقول أن رجل الاطفاء بعد أن يخمد النيران يمكن أن يدعى حقوقاً أو حججاً للبقاء فى المنزل وعدم تركه " إشارة منه بتمسك مصر بمصرية كامل إقليمها , كما أن السكرتير العام للأمم المتحدة اَنذاك " داج همر شولد " أوضح فى تقريره المؤرخ 4 فبراير 1957 اَنه يتعين رضاء مصر الكامل على دخول هذه القوات لإقليمها فى مضيق تيران مما لا يدع مجالاً لأى شك فى سيادة مصر على الجزيرتين حتى فى أحلك الظروف كما أورد فى تقريره المؤرخ 26 فبراير سنة 1957 أن وجود قوة الطوارئ لا يجوز أن يُتخذ ذريعة لفرض حل لأية مشكلة سياسية أو قانونية لأن وظيفة القوة هى منع وقوع الأعمال العدوانية.

وعندما دخلت قوات الطوارئ الدولية إلى شرم الشيخ فى 8 مارس 1957 أعلن السكرتير العام للأمم المتحدة فى ذات اليوم انسحاب القوات الإسرائيلية من هذا الموقع ومن جزيرتى تيران وصنافير وهو ما يؤكد - كما انتهى إلى ذلك مندوب مصر بالأمم المتحدة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة فى أول مارس 1957 عقب انسحاب اسرائيل - أن تصريحات الأخيرة لن يمس حقوق مصر على الجزيرتين، وقد أيد مندوب الهند عام 1957 موقف مصر منتهياً إلى أن مدخل خليج العقبة يقع فى المياه الأقليمية لمصر ودعا إلى عدم محاولة أى دولة أو مجموعة من الدول معارضة سيادة مصر على مضيق تيران عن طريق استعمال القوة , وأعلن الوفد السوفيتى فى الأمم المتحدة بنيويورك عام 1957 أن :"الاتحاد السوفييتى يرى أن خليج العقبة من المياه العربية الداخلية، وأن حل مشكلة الملاحة فى المياه الداخلية حق من حقوق السيادة للدولة صاحبة الشأن،أى من حق مصر", كما أكد مندوب مصر فى جلسة مجلس الأمن التى عُقدت فى 29/5/1967 أن اتفاقية الهدنة لا تبطل حقوق مصر فى تقييد الملاحة فى المضيق المذكور , كما أن عدوان سنة 1956 لم يغير المركز القانونى لحق مصر فى السيادة الكاملة على مضيق تيران باعتباره ضمن الإقليم المصرى وإنه ليس مضيقاً مستخدماً للملاحة الدولية فى مفهوم حكم محكمة العدل الدولية فى قضية مضيق كورفو CORFU الصادر في 9 أبريل 1949 وإنما هو مضيق وطنى مصرى يضم مياهاً وطنية مصرية داخلية وهو ما حظى بموافقة مندوبى عدة دول لسيادة مصر المشروعة على مضيق تيران منها الهند وبلغاريا وسوريا والعراق والاردن والمغرب والسعودية ذاتها .

( يراجع فى ذلك موافقات مندوبى تلك الدول محاضر جلسات مجلس الأمن المنعقدة فى 29 مايو 1967 )، ومن المعلوم أن المضيق الدولى كما جرى عليه العرف الدولى وما قررته محكمة العدل الدولية فى حكمها المذكور يشترط فيه توافر ركنين اساسيين هما (1) أن يكون المضيق موصلاً بين بحرين عاليين - أى جزء من اعالى البحار – (2) أن يكون المضيق مما جرى العرف الدولى على استعماله عادة كطريق من طرق الملاحة البحرية , والحق انه لم يثبت قط أن مضيق تيران اتخذ لمثل هذا الوصف لعدم استعماله كطريق للملاحة البحرية ولعدم كونه موصلاً بين بحرين وانما هو يصل المياه الإقليمية المصرية بالمياه الداخلية للدول العربية ، ومن ثم فإن سيادة مصر المشروعة على تلك الجزيرتين كاملة غير منقوصة ولم تفرط فى شبر منهما على امتداد تاريخها وراح ضحيتهما وبسببهما دماء ذكية حفاظاً على إقليمها إذ قرر المندوب الامريكى فى الاجتماع رقم 1377 امام مجلس الأمن أن إغلاق مضايق تيران كانت السبب الجوهرى لحرب 1967 وأن العودة للسلام يتطلب ضماناً لحرية الملاحة فى مضيق تيران .

وفضلاً عما تقدم، فإن مصر كانت طوال هذه الفترة فى حالة حرب مع العدو الإسرائيلي لاسترداد حقها فى المضيق وبسط سيطرتها إلى أن تم التحرير فى حرب أكتوبر عام 1973 المجيدة ، وهو ما أكده قرار مجلس الأمن بتشكيل قوة الطوارئ الدولية فى 25 اكتوبر 1973 وأن وقف اطلاق النار المتقطع بسبب انتهاكات إسرائيل المستمرة له لا يؤثر على بقاء حالة الحرب L'État de guerre رغم وقف اطلاق النار، لأن وقف القتالSuspension d'armes لا ينهى حالة الحرب , كما أن الهدنة L'armistice لا تنهى تلك الحالة لأن الحرب لا تنتهى إلا بالتوصل إلى اتفاق سلام أو معاهدة صلح traité de paix ومن ثم فلا حق لإسرائيل خلال تلك الفترة فى مرور سفنها فى مضيق تيران , ثم جاءت معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية واستخدمت المادة الخامسة فى فقرتها الثانية من تلك المعاهدة تعبير طرق الملاحة الدولية International waterways ولم تستخدم تعبير المرور العابر Transit passage وفقا لما أتت به اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار ولا مرية أن النظرة الفاحصة فى تلك المعاهدة وملاحقها تكشف النقاب عن أن أطراف المعاهدة ينظرون إلى مياه مضيق تيران بحسبانها جزءاً لا يتجزأ من المياه الإقليمية المصرية.

ووفقاً للمادة الثالثة من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار فإن النظام المقرر للمرور فى المضايق لا يؤثر على الطبيعة القانونية للمياه التى تتشكل منها تلك المضايق , وهو ما يتوافق مع مبدأ المرور العابر كما سطرته المادة 38 فى فقرتيها الأولى والثانية من اتفاقية الأمم المتحدة المشار إليها , أخذاً فى الاعتبار ما أكدته مصر فى تصديقها على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار بتاريخ 11 يوليو 1983 بقولها : " أن جمهورية مصر العربية إذ تصدق على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار والمعبر عنها فيما بعد بالاتفاقية وإعمالاً لحكم المادة(310) منها تعلن أن ما ورد فى معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية المبرمة عام 1979 من نص خاص بالمرور فى مضيق تيران وخليج العقبة يسير فى إطار التنظيم العام للمضايق كما ورد بالجزء الثالث من الاتفاقية بما يتضمنه هذا التنظيم من عدم المساس بالنظام القانونى لمياه المضيق ومن واجبات تكفل السلامة وحسن نظام دولة المضيق , وإذا كانت المادة الخامسة من معاهدة السلام قد تضمنت اعتبار الطرفين مضيق تيران من الممرات الدولية المفتوحة دون عائق أو ايقاف لحرية الملاحة أو العبور الجوى فإن ذلك لا يعنى اتفاقاً بين الطرفين على تغيير النظام القانونى للمرور أو للملاحة فى المضيق يخرجه عن نطاق تطبيق أحكام المضايق وفق الاتفاقية العامة لقانون البحار فى المادة 35/4 وبهذه المثابة فإن صفة الدولية التى أضافتها الفقرة الثانية من المادة الخامسة على تيران إنما بُغية ارساء مبدأ حرية الملاحة لا يغير من المركز القانونى للمياه التى يشملها هذا المضيق بحسبانها مياها إقليمية مصرية تمارس عليها مصر كامل سيادتها عليها ، واَية ذلك ما تضمنته الفقرة الثانية من المادة الأولى من تلك المعاهدة التى نصت على أن مصر سوف تستأنف ممارسة سيادتها الكاملة على سيناء بعد إتمام الانسحاب الإسرائيلى إلى ما وراء الحدود الدولية ، وغنى عن البيان إن سيادة مصر على سيناء تكون لأرضها وجوها ومياهها الإقليمية .

وبصفة عامة يمكن القول أن اتفاقية معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية فى مجملها وما تحتويه من تنظيم المرور بمضيق تيران بما يضمن كفالة السلامة وحسن نظام دولة المضيق تعنى التسليم لمصر بكامل سلطانها فى السيادة عليه كجزء من إقليمها ولا يمكن لدولة أن تسعى لتنظيم مرور ملاحي فى نطاق معاهدة لمضيق ليس خاضعاً خضوعاً كاملاً لها وليس من إقليمها الخالص . ومؤدى ما تقدم جميعه ولازمه أن كل تعرض أو تدخل لهاتين الجزيرتين سلماً أو حرباً لم يكن طرفاً فيه سوى دولة وحيدة هى مصر لا غيرها , الأمر الذى يستلزم مع تضافر وتكامل الأسباب الأخرى استدعاء أن السيادةعليهما ليست إلا لمصر ولمصر وحدها ، وبناءً على الاتفاقية المشار إليها اُدرجت الجزيرتان ضمن المنطقة (ج) والتى تخضع وفقاً لأحكام الاتفاقية ضمن السيادة المصرية ، ولم تتدخل المملكة العربية السعودية فى هذه المباحثات – تصريحاً أو تلميحاً – بما يقطع بأن الجزيرتين أرض مصرية وليس لدولة أخرى ثمة حقوق عليهما ، وكانت مصر ولا زالت هى الطرف المدافع عن هاتين الجزيرتين حرباً وسلماً لا باعتبارها وكيلة أو تديرها لصالح دولة أخرى .

ومن حيث إنه تأسيساً على ما تقدم ، ومتى كانت أوراق الطعن قد خلت من ثمة وثيقة أو معاهدة تشير إلى أن دولة أخري غير جمهورية مصر العربية ، قد مارست سيادتها المشروعة على جزيرتي تيران وصنافير في أى وقت من الأوقات بحسبانهما ضمن الإقليم المصرى المحظور التنازل عن أى جزء منه، كما لم يثبت على الأطلاق ممارسة المملكة العربية السعودية لأدنى مظهر من مظاهر السيادة علي الجزيرتين سواء قبل إعلان المملكة عام 1932 أو بعدها ، كما خلت الأوراق من ثمة نص فى معاهدة أو اتفاق مكتوب بين مصر والسعودية يفيد فى أى حقبة من حقب الزمان أن الأخيرة تنازلت أو سمحت لمصر بالوجود العسكرى عليهما ، خاصة إبان استيلاء إسرائيل على ميناء أم الرشراش - إيلات حالياً - عام 1949، وقواعد القانون الدولى لا تعتد إلا بالاتفاقيات المكتوبة والموقعة من الطرفين فى مثل هذه الحالات الهامة ، وبهذه المثابة يكون الإجراء الإدارى الذى سمته الحكومة المصرية في تقرير طعنها اتفاقاً مبدئياً بترسيم الحدود وما نتج عنه من تنازل عن الجزيرتين – أياً كانت المبررات الدافعة إليه – حال كونهما ضمن الإقليم المصرى مخالفاً للدستور والقانون لوروده على حظر دستوري مخاطباً به السلطات الثلاث، والشعب ذاته، ولانطوائه على خطأ تاريخي جسيم - غير مسبوق – يمس كيان تراب الوطن المملوك للشعب المصري فى اجياله السابقة وجيله الحالي والأجيال القادمة وليس ملكاً لسلطة من سلطات الدولة ، ولذا فإن الحفاظ عليه والدفاع عنه فريضة مُحكمة وسُنة واجبة ، فهذا التراب أرتوى على مر الزمان بدماء الشهداء التى تُعين وتُرسم حدوده ، باق وثابت بحدوده شمالاً وجنوباً، شرقاً وغرباً ، وسلطات الدولة متغيرة ، خاصة وأن التنازل عنه - على النحو المتقدم – سيفقد مصر حقوقها التقليدية على مياهها الإقليمية التى مارستها عبر قرون ، فضلاً عما يشكله من تهديد دائم للأمن القومي المصري ، وإضرار بمصالحها الاقتصادية في مياهها الداخلية الإقليمية 

============================

رابط موضوع الانحراف والفساد والاستبداد السياسي الذي أسفر عن تنازل حاكم البلاد عن جزء من الاراضى المصرية للسعودية

https://user11193787.blogspot.com/2022/01/blog-post_18.html

بالفيديو.. يوم صدور حكم المحكمة الإدارية العليا النهائي فى مثل هذا اليوم برفض طعن الجنرال السيسي على حكم محكمة القضاء الإدارى ببطلان اتفاقية السيسى بإهداء جزيرتى تيران وصنافير المصريتان للسعودية

بالفيديو .. يوم صدور حكم المحكمة الإدارية العليا النهائي فى مثل هذا اليوم برفض طعن الجنرال السيسي على حكم محكمة القضاء الإدارى ببطلان اتفاقية السيسى بإهداء جزيرتى تيران وصنافير المصريتان للسعودية
المحكمة ترفض المنازعة التي تقدمت بها الحكومة للمحكمة الدستورية بدعوى سيادة قرارات السيسى للتهرب من تنفيذ حكم بطلان اتفاقية السيسى بإهداء جزيرتى تيران وصنافير المصريتان للسعودية وتؤكد بأن قرار الجنرال السيسى بإهداء الجزيرتين المصريتان للسعودية قرار إداري وليس قرار سيادي لأنه لا سيادة فوق سيادة الشعب
المحكمة: ''مصر ليست نقطة في خرائط الكون أو خطأ رسمه خطاط، إنما من أكبر البلاد وأقدمها حضارة، و ثبت و استقر في وجدان المحكمة، من واقع المستندات المقدمة، بأن سيادة مصر على جزيرتى تيران وصنافير مقطوع بها، وأن الحكومة لم تقدم وثيقة تثبت ملكية الجزيرتين لغيرها، ولهذه الأسباب قضت المحكمة برفض طعن الحكومة ضد حكم بطلان اتفاقية منح جزيرتى تيران وصنافير المصريتان للسعودية''.


فى مثل هذا اليوم قبل 5 سنوات، الموافق يوم الاثنين 16 يناير 2017، صدر حكم المحكمة الإدارية العليا النهائي، برفض طعن الحكومة على حكم محكمة القضاء الإدارى ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، وأيدت المحكمة الإدارية العليا حكم محكمة القضاء الإدارى ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، الموقع بين حكومة الجنرال الرئيس عبدالفتاح السيسى الرئاسية والحكومة السعودية في أبريل 2016، والذي انتقل بمقتضاه تبعية جزيرتي تيران وصنافير المصريتان في البحر الأحمر للسعودية، وأكد حكم المحكمة الإدارية العليا مصرية جزيرتي تيران وصنافير، وهى الأحكام مع غيرها صدرت عن محكمة الأمور المستعجلة، قضت المحكمة الدستورية العليا، بجلسة 3 مارس 2018، ''عدم الاعتداد بها''، ليس لعدم استناد احكام مصرية جزيرتي تيران وصنافير الى أدلة مادية بخصوصها من خرائط ومواثيق ومستندات وغيرها، ولكن نتيجة قول المحكمة الدستورية العليا في حيثيات قرارها: ''بأن كافة الأحكام الصادرة بهذا الخصوص من مجلس الدولة والمحكمة الإدارية العليا ومحكمة الأمور المستعجلة بدرجتيها، لا يمكن اعتبارها صحيحة، كون هذه المحاكم غير مختصة''، ورأت المحكمة الدستورية العليا: ''إن إبرام الاتفاقية مع السعودية يعد عملا سياسيا، من أعمال السلطة التنفيذية ويخضع لرقابة السلطة التشريعية''، وهي الاتفاقية التي لم تحترم فيها السلطة التشريعية أحكام القضاء النهائية التي أكدت مصرية جزيرتى تيران وصنافير واستبقت قرار المحكمة الدستورية العليا النهائي، عبر ائتلاف الجنرال السيسى فى برلمان السيسى المسمى ''دعم مصر'' وحزب السيسي الذي يشكل الحكومات ويعدل الدساتير ويعسكر البلاد ويمدد ويورث الحكم لنفسه ويفرض قوانين الاستبداد باسمة المسمى ''مستقبل وطن'' واتباعه من أحزاب كرتونية محسوبة على السيسى فى مجلس النواب رغم أنهم كانوا اصلا خلال نظام حكم مبارك فى خندق المعارضة مع الشعب وانقلبوا خلال نظام حكم السيسي الى اعداء للشعب، وتواطئهم جميعا مع السيسى فى إهداء جزيرتى تيران وصنافير المصريتان للسعودية وتمديد وتوريث الحكم للسيسي وعسكرة البلاد وانتهاك استقلال المؤسسات والجمع بين السلطات واصطناع المجالس والبرلمانات والمؤسسات ونشر شريعة الغاب، ونشرت يوم صدور حكم المحكمة الإدارية العليا النهائى القاضى بمصرية تيران وصنافير نهائيا، على هذه الصفحة، مقال استعرضت فيه نص الحكم وحيثياته، وجاء المقال على الوجه التالى: ''[ ليس عيب إقرار الجنرال الحاكم الرئيس عبدالفتاح السيسى بالخطأ ونسبه إلى مشورة المحيطين به، وإعلانه احترامه حكم قضاء مصر العادل النهائى، الصادر عن المحكمة الإدارية العليا، اليوم الاثنين 16 يناير 2017، وأكد مصرية جزيرتي تيران وصنافير نهائيا، ويبعد عن مستشاري السوء وكوامن رغبته في المجاملات الفردية الى الدول على حساب مصر وأراضيها وشعبها، الذين يقدمون نصائحهم الغبراء وفق ما يريده الحاكم، وليس وفق ما يقضي به الحق والعدل والشعب والدستور والقانون وسلامة اراضى مصر، ولا يعترفون بخيبة مشورتهم ومطامعهم النابعة من محاولة إرضاء الحاكم وتلبية رغائبه الشخصية ابدا، عند كل كبوة يسقط فيها جواد الحاكم ناجمة عن مشورتهم التي يطبقون فيها رغبة الحاكم، ويواصلون بث سمومهم، حتى يسقط الحاكم مع جواده ونظامه سقوط لا قيام بعده فى النهاية، مثلما حدث مع مبارك ومرسى، ويهرعون عندها للالتفاف حول الحاكم الجديد والنظام الجديد، لذا لم يكن غريبا هرولة ائتلاف ''دعم السلطة''، المسمى ائتلاف ''دعم مصر''، وطفل خطيئة السيسى الوليد المسمى حزب ''مستقبل وطن'' عقب صدور حكم المحكمة الادارية العليا، بإصدار بيان تبجح فيه، بالتعقيب على حكم القضاء، بجعجعة كلامية فارغة، وعنطزة سلطوية مهلكة، وفشخرة هلامية خائبة، بادعاء: ''أن الحكم لا يغير من حقيقة أن الاختصاص الدستوري بتقرير طريقة إقرار الاتفاقية أو لكونها مخالفة لأحكام الدستور أو تتضمن تنازلاً عن الأراضي المصرية تنعقد للبرلمان وفق الإجراءات المنصوص عليها في اللائحة الداخلية للبرلمان ليقرر ما يراه في هذا الشأن والقرار في النهاية سيكون للنواب ممثلين عن الشعب القول الفصل النهائي في هذا الموضوع''. وهي ادعاءات يعمل ائتلاف وحزب السيسى بها رغم أنها تمثل اعتداء صارخا على الدستور والقانون وتدخل في اعمال القضاء وتقويض أحكامه، وتبيح لهم فى المرة القادمة إذا رغبوا، عقد اتفاقية جديدة ولكن هذه المرة مع العدو الاسرائيلي، يتم فيها التنازل عن سيناء لإقامة دولة فلسطينية بدلا من أراضيها التى تحتلها اسرائيل، بحجة انها من اعمال السيادة المختص بها رئيس الجمهورية مع الائتلاف والحزب المحسوبين عليه فى البرلمان، ولم يجرؤ الرئيس الإخواني المعزول مرسى على الهرطقة بمثلها عندما قضت محكمة القضاء الإدارى وبعدها المحكمة الإدارية العليا ببطلان قوانين مرسى وعشيرتة الاخوانية للانتخابات، ولم تشفع قبلها جعجعة مرسى وعشيرتة عن تنفيذ حكم المحكمة الدستورية بحل مجلس الشعب لانتخابه بقوانين باطلة، ولم يجد مرسى وعشيرتة سوى محاصرة المحكمة الدستورية العليا لمنعها من الانعقاد للنظر في بطلان مجلس الشورى ولجنة صياغة دستور الإخوان، وتسببت ارهاصاتهم فى إسقاطهم مع نظامهم فى الأوحال، والمطلوب الآن من الجنرال الحاكم بأمره المدعو عبدالفتاح السيسى، الوقوف فى صف الشعب وتأمين سلامة أراضى مصر، قبل فوات الاوان، وتناقلت وسائل الإعلام المختلفة نص حكم المحكمة الإدارية العليا، برئاسة المستشار أحمد الشاذلي، والذي قضت فيه بالنص حرفيا قائلا: ''برفض طعن الحكومة على حكم بطلان اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية''، وقضت المحكمة: بتأييد حكم بطلان اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية''. وقالت المحكمة: ''إنه على مدار 108 أيام، و7 جلسات، حسبت المحكمة مجموعة من المسائل أولها مسألة السيادة، وخلصت المحكمة إلى أن قرار الحكومة قرار إداري وليس سيادي، بالإضافة إلى أن الثورات المتعاقبة لمصر أقرت بأن السيادة للشعب''، ورفضت المحكمة: ''المنازعة التي أحيلت للدستورية''. وأضافت المحكمة: ''مصر ليست نقطة في خرائط الكون أو خطأ رسمه خطاط، إنما من أكبر البلاد وأقدمها حضارة، وجيش مصر حديثا وقديما لم ولن يحتل أرضا ليست تابعة له، حيث ثبت و استقر في وجدان المحكمة، سيادة مصر مقطوع بها على الجزيرتين، وأن الحكومة لم تقدم وثيقة تثبت ملكية الجزيرتين لغيرها، ولهذه الأسباب قضت المحكمة برفض الطعن''. ]''

رغم أنه يتبجح بصورة متكررة بأن مصر فقيرة جدا بلد العوز فقر الفقر ومتخلفة فى كل شى ومش لاقية تاكل


رغم أنه يتبجح بصورة متكررة بأن مصر فقيرة جدا بلد العوز فقر الفقر ومتخلفة فى كل شى ومش لاقية تاكل


حرص فى ظل قيامه بإلغاء الدعم تدريجيا على كل شئ وزيادة أسعار كل شئ وابتداع دوريا طرق جباية رسوم وضرائب جديدة يعتصرها من الشعب المطحون. على شراء طائرة رئاسية جديدة عبارة عن قصر طائر بقيمة حوالى نصف مليار جنيه مصرى. وقام بتزويدها بمنظومة صواريخ دفاع أمريكية ضد محاولة قصف الطائرة بقيمة 200 مليون دولار أمريكي. حتى تليق بقصورة الرئاسية الجديدة التي قام بإنشائها ومهرجانات تلميع نفسه على الفاضي و آخرها مهرجان اسماه منتدى شباب العالم وقبلها مهرجان طريق الكباش بالأقصر  ومهرجان المعرض العسكري بالقاهرة ومهرجان المتحف المصرى بمنطقة الهرم وغيرها من مهرجانات باذخة يقيمها كل بضع أيام بالإضافة الى مشروعاته الكبرى الخربانة ومنها تفريعة قناة السويس والمدينة الإدارية التي أهدر فيها عشرات المليارات.

السبت، 15 يناير 2022

د. محمد البرادعي : المنطقة من سيّئ إلى أسوأ.. ومن هنا نبدأ مواجهة الأخطار! جامعة الدول العربية هيكل هش خالٍ من المضمون.. ولا بد من فتح حوار شامل مع تركيا وإيران

رابط المقال فى حالة تجاوز حجب السلطات

د. محمد البرادعي : المنطقة من سيّئ إلى أسوأ.. ومن هنا نبدأ مواجهة الأخطار!

جامعة الدول العربية هيكل هش خالٍ من المضمون.. ولا بد من فتح حوار شامل مع تركيا وإيران


لعل من أكثر المفارقات حزنًا وإحباطًا في الشرق الأوسط منذ زمن ليس بالقصير، أنه على الرغم من إمكانات المنطقة البشرية والاقتصادية الهائلة فإن أهم ما “تتميز” به اليوم ويُشار إليه بالبنان، هو حجم الحروب والصراعات والمآسي التي استشرت فيها كالوباء، وما يصاحبها من غياب أي رؤية متوافق عليها لما يجب أن يكون عليه شكل المنطقة أو المقومات الأساسية لأيّ منها. فمنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية واستقلال بلدانها -شكليًّا على الأقل- لم تنعم المنطقة يومًا باستقرار أو تخلو في أي وقت من قلاقل وصراعات، سواء أكانت حروبًا بين دول عربية والدولة العبرية أو بين العراق وإيران، أم حروبًا أهلية كما رأينا في اليمن ولبنان، أم انقلابات عسكرية بتدبير من الخارج كما في إيران، أم نتيجة تنافس على السلطة كما في العراق وتركيا وسوريا.

أيًّا كان الأمر، فقد استمرت المنطقة تسير من سيّئ إلى أسوأ، مثل كرة الجليد التي تتدحرج وتزداد حجمًا بمرور الوقت، بداية بالغزو الأمريكي للعراق في أوائل هذا القرن، وصولًا إلى الإرهاب الغاشم الذي تلفّح بالدين، ووجد في التدخلات الخارجية بالمنطقة وفي الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الشعب الفلسطيني خير ذريعة ومبرر.

وعندما انتفضت بعض الشعوب العربية بعفوية، لتنفض عن نفسها الشعور الجمعي بالإهانة وغياب المساواة، وتستخلص -مثل غيرها- حقها في الحرية والكرامة، كان نصيبها الانقضاض عليها بقوة ووحشية من جانب الأنظمة القمعية التي تحكمها، وانتهى الأمر إما بحروب مشتعلة، أو بانهيار اقتصادي، أو بالمزيد من القمع، وبسرعة تحولت أجزاء كثيرة من المنطقة إلى ساحة قتال تسيطر عليها قوى من داخل الإقليم وخارجه، لتحقيق أهداف جيوسياسية لا صلة لها بتطلعات شعوب المنطقة وآمالها.

هذا ما نراه في أجزاء من المنطقة اليوم: حروب مروعة، كوارث إنسانية بشعة، أنظمة استبدادية بدرجات متفاوتة، صدامات إثنية وطائفية وعقائدية من كل نوع، وغياب أي منظومة للأمن الإقليمي. باختصار، وضع مأساوي يدفع ثمنه الشعوب.

البكاء على اللبن المسكوب

ومع ذلك، لا أعتقد أن هناك فائدة تُرجى من البكاء على اللبن المسكوب أو تبادل الاتهامات أو توزيع اللوم، وإنما نقطة الانطلاق يجب أن تكون التفكير في كيفية إخراج المنطقة من هذا الوضع البائس الذي أوصلنا أنفسنا إليه. ولا أتناول هنا الأوضاع الداخلية لكل دولة ومتطلبات الحكم الرشيد وغيرها، التي أشرت إليها في كتابات سابقة، وإنما حديثي هنا عن مصيرنا المشترك كدول عربية، وكيفية حمايتها من التفكك والانهيار.

ولعل البداية على المستوى الإقليمي، هى بناء نظام أمن جديد للمنطقة، نستطيع من خلاله إيقاف نزيف التدهور المستمر. وتأتي اتفاقية الدفاع المشترك بين الدول العربية في مقدمه التدابير التي يجب النظر فيها، وهي الاتفاقية التي أصبحت لا تساوي الورق الذي كُتبت عليه، نتيجة واقع أليم انعكست فيه الآية، فأصبحنا بدلًا من التصدي سويًّا للاعتداءات الخارجية، نقوم باستدعاء قوى خارجية للاستقواء بها ضد بعضنا، زد على ذلك الانتشار المتنامي للقواعد العسكرية في المنطقة. يتطلب هذا بالضرورة أن ننخرط في حوار شامل وصادق بشأن كثير من الأساسيات التي تاهت عنا: ما الروابط والقيم المشتركة التي تجمعنا؟ ما أوجه تعدديتنا التي تعزز قوتنا وتثري تكاملنا؟ ما مصالحنا السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي يمكن تعظيمها وحمايتها بالعمل الجماعي؟ وما الآليات المطلوبة لتحقيق ذلك؟

ولا يمكن الحديث عن اتفاقية الدفاع المشترك دون التعرض للمنظمة الحاضنة لها، وهي جامعة الدول العربية، التي أصبحت -مثل “قرية بوتومكين” في الفلكلور الروسى- هيكلًا هشًّا خاليًا من المضمون، بدلًا من أن تكون إطارًا للتجمع الإقليمي، يوثق أوجه التعاون بين دوله الأعضاء ويوسع آفاقه، ويسهم في حل خلافاتها وحماية مصالحها.

حوار مع تركيا وإيران

هناك ثلاث دول محورية غير عربية في المنطقة، تشكل جزءًا لايتجزأ من أمنها إيجابًا أو سلبًا، وقد ناديت كثيرًا -في السابق- بضرورة فتح حوار شامل مع تركيا وإيران، الدولتين اللتين تربطنا بهما كثير من الروابط التاريخية والمعاصرة، لمحاولة تصفية المشكلات العالقة، وإزالة التخوفات القائمة التي ليست بالهيّنة، خاصة ما تستشعره بعض الدول العربية من أطماع إقليمية من جانبهما، وتدخلات في شؤونها الداخلية. ولدىّ بعض الارتياح أن هناك شيئًا من التقدم في هذا الاتجاه.

هناك كذلك تخوف ملموس من برنامج إيران النووي، وقد كان رأيي منذ بداية المفاوضات بشأن هذا البرنامج، التي انتهت بالاتفاق النووي الإيراني عام 2015، أنه من الضروري أن تكون دول المنطقة طرفًا في تلك المفاوضات، نظرًا لما لها من تأثير مباشر على الأمن الإقليمي، كما كان الوضع في المفاوضات بشأن برنامج كوريا الشمالية النووي، التي ضمت دولتي الجوار -اليابان وكوريا الجنوبية- بالإضافة إلى الدول الكبرى. وللأسف لم يحدث ذلك، سواء في المفاوضات السابقة أو الحالية.

على كل حال، فإني آمل أن تسفر مفاوضات فيينا عن عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق، بعد قرار الرئيس الأمريكي السابق غير المبرر بالانسحاب منه، الذي خلق تصعيدًا وتوترات في المنطقة كان يمكن تجنبها. وما زلت أرى -بناءً على دروس كثيرة من التاريخ- أن الحوار القائم على مبدأ المساواة وتوفير الضمانات وبناء الثقة والاحترام المتبادل، هو أفضل السبل للتغلب على العقبات وإيجاد الحلول. فالاتفاق يوفر عند تطبيق كل بنوده كثيرًا من الضمانات، للتأكد من الطبيعة السلمية للبرنامج الإيراني، من خلال قيود عديدة على طبيعة المواد النووية المنتجة وكمياتها، وعلى الأبحاث ذات الصلة بالتطبيقات العسكرية، بالإضافة إلى عمليات التفتيش المكثفة وغير المسبوقة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وأيًّا كانت نتيجة مفاوضات فيينا، فإن البرنامج النووي الإيراني يبقى جزءًا أساسيًّا من مخاوف بعض الدول العربية تجاه برنامج التسلح الإيراني، وهو الأمر الذي يجب تناوله مباشرة بين الدول العربية وإيران، جزءًا من النقاش بشأن برامج التسلح في المنطقة، من أجل الاتفاق على تدابير ضرورية وإجراءات لازمة لبناء الثقة المتبادلة.

العلاقة مع إسرائيل

أما بالنسبة للعلاقات مع إسرائيل، فالوضع أكثر تعقيدًا، نتيجة المحاولات المستمرة من جانبها لتصفية قضية الشعب الفلسطيني، واستمرار التعامل معه من منطلق عنصري بغيض. وليس لديّ أدنى شك أن الإقليم لن ينعم بالأمن والاستقرار، في غياب التوصل إلى حل عادل يتمتع فيه الشعب الفلسطيني بحقه في الحرية والكرامة والمساواة، مهما استمرت الجهود المختلفة لطمس قضيته.

وفي إطار منظومة الأمن التي يجب أن تحكم العلاقات مع إسرائيل، فإنه لا يمكن بأي حال التغاضي عن سلاحها النووي، وما يترتب عليه من إخلال بالأمن في الإقليم، إذ لا يمكنني أن أتصور سلامًا مستدامًا بالمنطقة في وجود مثل هذا الخلل البيّن في منظومة الأمن، كما لا أعتقد أن دول الجوار سوف تقبل به على المدى القصير أو البعيد.

خطأ الدول العربية

وإذا كان هناك قلق مشروع من حصول إيران على السلاح النووي، فمن المنطقي والطبيعي أن يكون هناك تخوف من احتفاظ إسرائيل بترسانتها النووية، ذلك أن السلاح النووي يشكّل تهديدًا وجوديًّا أيًّا كان مالكه، واحتمال استعماله، عمدًا أو عن طريق الخطأ، فهو تهديد وخطر دائم لا يمكن إغفاله. وقد ارتكبت الدول العربية خطأ جسيمًا عندما انضمت إلى اتفاقية منع انتشار السلاح النووي دون أن تشترط انضمام إسرائيل إليها. وقناعتي أنه قد حان الوقت وأكثر، للبدء في مفاوضات جدية بين كل دول المنطقة وإسرائيل، تتعدى البيانات والقرارات التقليدية، للتوصل إلى اتفاقية ملزمة لإخلاء الشرق الأوسط من السلاح النووي وجميع أسلحة الدمار الشامل، في إطار المفاوضات الخاصة بالتوصل إلى سلام عادل ومستدام وبالتوازي معها. هناك كثير من التفاصيل التقنية والفنية التي يجب حسمها قبل التوصل إلى تلك الاتفاقية، ومن الضروري البدء في التفاوض بشأنها في أقرب وقت ممكن.

وفي ضوء التطورات الأخيرة بالمنطقة، وتطبيع العلاقات رسميًّا أو فعليًّا بين إسرائيل وعدد من دول المنطقة -في مشهد يشوبه التخبط- لم يعد مقبولًا أن ترفض إسرائيل حتى مجرد الحديث في الموضوع.

يعلّمنا التاريخ أن السلام المستدام والأمن الحقيقي، يقومان على التزامات متبادلة ومتكافئة، وليس على اتفاقيات إذعان، وليس من المعقول أن يستمر الوضع الحالي، الذي تتمتع فيه إسرائيل بكل ثمار الأمن والسلام مع دول عربية عدة، في حين يستمر أصحاب القضية الأصلية يرزحون تحت وطأة الاحتلال، وتستمر الدول التي عقدت اتفاقيات سلام، تعيش في ظل منظومة “أمنية” تهدد أمنها.

وعلى الرغم من كل هذا، فما زال يراودني بصيص من الأمل -بعد عقود من الإخفاقات المريرة محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا- أن نتمكن من تغيير الوضع الجائر الحالي، من أجل الوصول إلى سلام قائم على العدالة والمساواة، يفتح الطريق أمام شعوب المنطقة كافة، للعيش في أمن وسلام، والإسهام بصورة أكثر إيجابية في ركب الحضارة. يقيني أننا نستطيع، إذا راجعنا سياساتنا الداخلية والخارجية ومكّنا شعوبنا ووحّدنا صفوفنا وأخذنا زمام المبادرة.

المصدر : الجزيرة مباشر

المعهد المصري للدراسات : تحليل الأكاديمي روبرت سبرنجبورج : الدولة المصرية المُتسْوِلَة ـ حقيقة جمهورية السيسي التي أغرقها في الديون وحولها الى خرائب دولة متسولة

رابط التحليل فى حالة تجاوز حجب السلطات

المعهد المصري للدراسات :

تحليل الأكاديمي روبرت سبرنجبورج : الدولة المصرية المُتسْوِلَة ـ حقيقة جمهورية السيسي التي أغرقها في الديون وحولها الى خرائب دولة متسولة


يقول بهى الدين حسن رئيس مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان اللاجئ السياسي هربا من بطش الجنرال السيسى فى المنفى بالخارج وصدر ضده فى مصر العام الماضي من محكمة استثنائية حكما بالسجن 15 سنة بدعوى انه ارهابى. على صفحته بتويتر أن: تحليل الأكاديمي روبرت سبرنجبورج هام لكل مصري بما في ذلك العسكريون. يرصد فيه النتائج الكارثية للامتزاج بين ديكتاتورية فرد  لايخضع للمحاسبة من شعبه أو من مؤسسات الدولة، وبين جنوحه الجنوني للتسول بلا حساب بحيث أغرق مصر فى قروض غير مسبوقة تحتاج الى مائة سنة لسدادها بشرط عدم الاقتراض خلالها. وانفاق السيسى بشراهة علي مشاريع ذات تكلفة طائلة، لم تجر دراسة لجدواها، ولا تلبي إلا الاحتياج للفشخرة، بينما يتعاظم فقر المصريين، الذين يتعرضون لمزيد من الاعتصار بسبب رفع الدعم وزيادة الضرائب.ة ويقارن روبرت سبرنجبورج مصر بلبنان المفلسة، لكنه يعتقد أن السيسي يراهن علي أن الغرب لن يتركه يغرق! ''.


تحليل الأكاديمي روبرت سبرنجبورج :

''نشر موقع مؤسسة مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط (بوميد) في 7 يناير 2022 دراسة لروبرت سبرينجبورج، أستاذ الدراسات الدولية المرموق في جامعة سيمون فريزر والباحث في المعهد الإيطالي للشؤون الدولية بعنوان “تتبع مسار المال لتعرف حقيقة مصر السيسي”، حيث يتناول فيها الحال الذي وصل إليه الاقتصاد المصري، الذي “أصبح يعتمد على الدعم الخارجي والقروض أكثر من أي وقت مضى”.

وقد عمل روبرت سبرينجبورج حتى 2013 أستاذاً لشؤون الأمن القومي في كلية الدراسات العليا البحرية الأمريكية ومديراً لبرنامج الشرق الأوسط بمركز العلاقات المدنية العسكرية. وعمل كذلك مديراً لمركز الأبحاث الأمريكي في مصر، حيث يُعتبر سبرينجبورج أحد اهم الخبراء العالميين البارزين في الشأن المصري وله العديد من المؤلفات عن مصر. وبالإضافة إلى ذلك، فقد عمل سبرينجبورج كمستشار في إدارة وسياسة الشرق الأوسط لصالح الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، ووزارة الخارجية الأمريكية، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والعديد من الإدارات الحكومية في المملكة المتحدة.

 يقول سبرينجبورج في دراسته المركزة بلغة قوية وعبارات مركزة شديدة الدلالة، إن سياسة السيسي الاقتصادية تعتمد على محاولة تحقيق حالة “إبهار” مُلفتة من “خلال المشاريع الضخمة وشراء الأسلحة لتعزيز شرعيته، حيث جاء إلى السلطة عبر انقلاب” على الحكومة الشرعية. وفي سبيل تحقيق ذلك، تضغط الحكومة على المواطنين من خلال التخفيض المستمر للدعم وفرض المزيد من الضرائب وزيادة رسوم الخدمات العامة، بالرغم من الدعم الأجنبي الهائل الذي تلقاه السيسي والاقتراض الكثيف لنظامه من الداخل والخارج، حيث “يبلغ إجمالي حجم الدين القومي الآن 370 مليار دولار” ، بحيث أصبحت مصر حسب تعبيره “دولة متسولة”؛ وتضغط الحكومة أيضاً على القطاع الخاص بطرق شتى ليس أقلها “استحواذ الجيش على العديد من المؤسسات الخاصة المربحة”. والأخطر فيما توصلت إليه دراسة سبرينجبورج هو أن “هناك أوجه تشابه بشكل ملحوظ بين الفشل المريع الذي شهده الاقتصاد اللبناني والواقع الحالي للاقتصاد المصري المتعثر”، مما يُنذر بعواقب وخيمة على مصر والمنطقة إذا لم يتم تدارك الأمر واتخاذ الدول الصديقة خطوات تصحيحية لإنقاذ مصر من هذا المصير، “بدلاً من الاستمرار في الانغماس في دعم نظام السيسي”. وقد قام المعهد المصري للدراسات بترجمة هذه الدراسة الهامة على النحو التالي.

يُصَدِّر روبرت سبرينجبورج ورقته بعرض ملخص لأهم ما توصلت إليه الدراسة من نتائج، وذلك على النحو التالي:

– أصبحت مصر في عهد عبد الفتاح السيسي دولة متسوّلة، حيث يعتمد اقتصادها أكثر من أي وقت مضى على تلقي الدعم من الخارج، وخاصة القروض.

– يدير السيسي السياسة الاقتصادية لمصر كما لو كانت البلاد واحدة من الدول الريعية الغنية بالنفط، على غرار المملكة العربية السعودية؛ أو دولة تجارية ناجحة تحت حكم أوتوقراطي، على غرار الصين، على الرغم من أن مصر ليست هذه ولا تلك.

– شراهة نظام السيسي لإنفاق المال كبيرة، لكن الكماليات، وليست الضروريات الأساسية، هي التي تلتهم الجزء الأكبر من إيرادات الدولة، بالرغم من تزايد عدد السكان. حيث يعتمد السيسي، الذي وصل إلى السلطة عبر انقلاب، على عامل “الإبهار” من خلال المشاريع الضخمة وشراء الأسلحة بهدف تعزيز شرعيته.

– وحتى تتمكن من سداد تكاليف هذا السَّرَف في الإنفاق (على تلك المشاريع الضخمة وشراء الأسلحة)، تضغط الحكومة على المواطنين من خلال خفض الدعم، والضرائب التنازلية ( حيث تمثل الضريبة التنازلية عبئاً أكبر على الفقراء، بالنظر إلى مواردهم مقارنة بالأثرياء)، وزيادة رسوم الخدمات “العامة”. حيث يعاني المصريون من ركود الأجور وارتفاع الأسعار وارتفاع معدل البطالة، حيث يبلغ دخل حوالي 30 مليون مواطن أقل من 3.20 دولار في اليوم.

– ولتوفير الإيرادات اللازمة، يضغط النظام أيضاً على القطاع الخاص، من خلال أوجه عديدة، بما في ذلك استحواذ الجيش على العديد من المؤسسات الخاصة المربحة.

– ولذلك، فمن أجل حماية الاقتصاد من الانهيار، فإن مصر السيسي مضطرة إلى الاعتماد بشكل متزايد على الائتمان الأجنبي. حيث تضاعف إجمالي الدين القومي لمصر، الذي يبلغ الآن 370 مليار دولار، أي أربع مرات منذ عام 2010. ويلتهم سداد فوائد الدين المحلي والأجنبي أكثر من ثلث ميزانية مصر، أي أكثر من ضعف المبلغ الذي كان يستهلكه في عام 2009.

– هناك أوجه تشابه ملحوظة بين الفشل الذريع الذي آل إليه الاقتصاد اللبناني والوضع المتعثر للاقتصاد المصري حالياً. لكن العواقب الوخيمة لانهيار الاقتصاد اللبناني ستكون أسوأ بكثير إذا تكررت حالة الفشل الاقتصادي تلك في مصر. لذلك، فَحَريّ بالدول “الصديقة” لمصر أن تتخذ خطوات تصحيحية لهذا الوضع قبل حدوث ما لا تُحمد عقباه، بدلاً من الاستمرار في تكريس دعمها لنظام السيسي.

المقدمة

من الطبيعي أن تبحث جميع الحكومات عن موارد لتسيير شؤونها، حيث تتمايز هذه الحكومات بطبيعة الحال حسب حجم هذه الموارد ومصادرها وأنواعها. ولكن الأوضاع في مصر في ظل حكم عبد الفتاح السيسي غير عادية، إن لم تكن فريدة من نوعها، حيث يتطلب نموذج الاقتصاد السياسي الذي تتبناه الحكومة موارد لا تتناسب البتة مع قدرة الاقتصاد على توفيرها. فحكومة السيسي تتصرف كما لو كانت تدير دولة ريعية تمولها صادرات الهيدروكربونات (النفط والغاز) مثل المملكة العربية السعودية، أو دولة تجارية استبدادية تستفيد من ميزان تجاري مُواتٍ ومستدام يُغذّيه توسعها في الصادرات المصنعة، مثل الصين الشعبية.

وهذا بالرغم من أن مصر ليست دولة ريعية (كالسعودية) ولا دولة استبدادية تجارية ناجحة (كالصين)، حيث تعاني بشكل مزمن من عدم قدرة صادراتها من جميع السلع والخدمات على تحقيق فائض في الميزان التجاري. وعلى مدى العقد الماضي، قفز العجز التجاري السنوي ليصل إلى ما بين 28 و 44 مليار دولار[1]. وجاءت مصر في المرتبة الـ 135 من بين 213 دولة[2] بالنسبة لنصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي – والذي يتراوح ما بين الـ 3,000 إلى 4,000 دولار في العام. وقد استغرق الأمر 20 عاماً حتى يتضاعف نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في مصر، وهو معدل نمو أبطأ من مثيله في المغرب التي يبلغ الناتج المحلي الإجمالي فيها حوالي الثلث من الناتج المحلي الإجمالي المصري البالغ 360 مليار دولار.

الشهية الفرعونية

لكن في ظل حكم السيسي، أصبحت شراهة الحكومة المصرية لإنفاق المال (على المشروعات الضخمة وشراء الأسلحة) هائلة. وفي المقابل، فإنها تنفق جزءا صغيرا نسبيا من مواردها المالية على الاحتياجات الأساسية للسكان الذين يتزايدون باستمرار ويعيشون على رُقعة محدودة من الأرض تشح فيها المياه. ولا تستطيع الحكومة تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء، حيث تنتج البلاد حوالي ثلث الغذاء الذي تستهلكه فقط، ولذلك فهي تستورد القمح بكميات تفوق أي دولة أخرى في العالم.

والحقيقة أن الكماليات، وليست الضروريات الأساسية، هي التي تلتهم الجزء الأكبر من الإيرادات المتاحة في البلاد. فقائمة الاستحواذات التي تتسم بالبذخ منذ استيلاء السيسي والجيش على السلطة في 2013 تتعاظم بشكل مذهل، على الرغم من أن قيمة معظمها تُعتبر رمزية ولا تمثل قيمة اقتصادية كبيرة. ومن الأمثلة على ذلك:

1- إنفاق 58 مليار دولار على العاصمة الإدارية الجديدة التي يجري إنشاؤها في الصحراء خارج حدود القاهرة؛

2- عمليات شراء للأسلحة لا يعرف أحد ثمنها الحقيقي، حيث تُعتبر مصر السيسي من بين أكبر خمسة دول في معدلات شراء الأسلحة في العالم؛

3- الاتفاق على إنشاء مفاعل النووي بقيمة 25 مليار دولار لإنتاج الطاقة، في دولة بها فائض في إنتاج الكهرباء؛

4- توسيع القدرة الاستيعابية لقناة السويس بقيمة 8 مليارات دولار، والتي لم تحقق بعد أي زيادة ملحوظة في رسوم عبور القناة، حيث ارتفعت من 5.6 مليار دولار في عام 2017 إلى 5.8 مليار دولار فقط في عام 2020؛

5- إنشاء العديد من “أكبر” المشروعات في إفريقيا أو حتى في العالم، بدءاً من “أطول” مبنى في القارة و”أكبر” كنيسة في القارة إلى “أكبر” مزرعة سمكية في العالم – على الرغم من أن مثل هذه المزرعة (التي يديرها الجيش) حلّت محل مزارع على غرارها كانت موجودة بالفعل ويديرها مالكوها من الأفراد[3].

ويُثير هذه الإسراف سؤالين وجيهين في هذا الخصوص، هما:

السؤال الأول: لماذا؟ فبالتأكيد هناك طرق أفضل لإنفاق كل هذه الأموال، إذا كان يجب بالفعل إنفاقها من الأساس. لكن هذا الجواب يعكس منطقاً اقتصادياً، وليس منطقاً سياسياً فاعلاً. فكما يحدث في الدول الريعية، وبدرجة أقل في الدول التجارية الاستبدادية، فقد سعى السيسي إلى محاولة خلق حالة “إبهار” لجماهير الشعب، بهدف كسب إعجابهم، وبالتالي رضوخهم التام له. وفي هذا السياق، يُذكرنا نهج السيسي بالاستراتيجيات التي اتبعها هتلر وستالين وموسوليني، الذين سعوا لإضفاء الشرعية على حكوماتهم من خلال الحداثة ومظاهرها المتمثلة في العمارة والنقل وحتى في الفن والأدب. ففي كل هذه الحالات، كان هناك إضفاء لهالات من الدعاية لتلميع الدولة باستخدام أدوات براقة تهدف إلى وضع الدولة وحاكمها في مرتبة تعلو على المواطنين واحتياجاتهم. وفي ظل غياب الكاريزما أو الشرعية الديمقراطية، قام السيسي بتحييد المؤسسات السياسية مثل البرلمان والمجالس المحلية ووسائل الإعلام شبه المستقلة، واختار الاعتماد على العمل على صُنع حالة “إبهار” من خلال المشاريع الضخمة وشراء الأسلحة في غياب مصادر أخرى للشرعية. فهو لم يجعل “القطارات تنطلق في مواعيدها” (تعبير دعائي إيطالي يرجع لعهد موسوليني، يشير حرفياً على دوره المزعوم في ضبط حركة القطارات ومجازيا للترويج لكفاءة أداء حكومته)، سواء كان ذلك بالمعنى الحرفي للعبارة أو بالمعنى المجازي لها، حيث لم يفلح نظامه في تحقيق أي تحسن في الأحوال المعيشية للسواد الأعظم من سكان مصر البالغ عددهم 102 مليون نسمة.

تمويل حالة “الإبهار”

السؤال الثاني: (سؤال المليون دولار، أو بالأحرى سؤال مليارات الدولارات) وهو: من أين تأتي الأموال التي تُدفع ثمناً لهذا الإسراف؟ الجواب: من الداخل والخارج، بمعدل متساوٍ تقريباً، كما يُشير إلى ذلك حجم الدين المحلي وحجم الدين الخارجي. ولا يُنبئ الدين المحلي العام للنظام المصري إلا عن جزء يسير من المآسي المترتبة على توفير التمويلات اللازمة لتلك المشروعات، حيث تشبه لحد كبير عمليات النهب من حيث: التفنن، والشمول، والأنانية، والإضرار باقتصاد البلاد.

الضغط على المواطنين

لقد تم سحق الشعب المصري ما بين الدخول الراكدة والنفقات المتزايدة على الحاجات المعيشية. فمنذ عام 2019، ظلت نفقات الحكومة على الأجور والرواتب، كأكبر جهة توظيف في البلاد، ظلت ثابتة، مما يعكس واقع النمو الضئيل أو المعدوم في التوظيف العام وفي رواتب موظفي الخدمة المدنية[4]. وأدت عمليات الخصخصة أو الإغلاق للمؤسسات المملوكة للدولة، مثل مصنع الحديد الصلب التاريخي بحلوان والذي كان يُشغّل حوالي 7,000 عامل، إلى زيادة الضغط التنازلي على المعدل الإجمالي للعمالة، العامة والخاصة[5]. وقفزت البطالة ما بين 7% و 10% منذ عام 2019، لكن هذا الرقم الجيد نسبياً هو مقياس غير دقيق لأسواق العمل. حيث يتم تقييم صحة سوق العمل بشكل أكثر دقة من خلال معدل بطالة الشباب، الذي يتجاوز 25%، ومعدل مشاركة القوى العاملة – نسبة من هم في سن العمل – التي انخفضت إلى 42% في عام 2021 مقارنة بـ 49% منذ عقد من الزمان[6]. ووفقاً للبنك الدولي، فإن معدل مشاركة القوى العاملة في مصر أقل من المتوسط العالمي البالغ 59%، والمعدل في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا البالغ 46%، ومتوسط البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل البالغ 58%[7].

وقد تسبب التضخم في تعريض عموم المصريين لمزيد من الآلام. وكان التضخم قد انخفض من 9% إلى 5% بين عامي 2019 و 2020 قبل أن يرتفع مرة أخرى إلى 8% في خريف 2021[8]، حيث يفوق ذلك معدل التضخم في الاقتصادات الناشئة هذا العام[9]، والذي بلغ 5%. وساهم نظام السيسي في خفض القوة الشرائية في البلاد من خلال القيام بإجراءات شاملة تستهدف خفض الدعم على استهلاك الوقود والمياه والطاقة والنقل والغذاء.

واستهدف خفض الدعم، حتى على الخبز أهم المواد الغذائية الضرورية – والذي كان يمثل على مدى عقود الالتزام الرمزي والفعلي للحكومة تجاه عموم الشعب المصري، وخاصة الفقراء منهم، حيث يمثل دعم الخبز، المستحَق لحوالي ثلثي المصريين، أكثر من نصف إجمالي قيمة دعم المواد الغذائية[10].

وكان قد تم تقليص حجم الرغيف لأول مرة في عام 2014، ثم مرة أخرى في أعقاب اتفاق صندوق النقد الدولي لعام 2016 في مصر، والذي اشترط إجراء إصلاحات في مجال الدعم. وانخفض حجم الرغيف وعدد الأشخاص الذين لديهم إمكانية الحصول على الخبز المدعوم مرة أخرى أثناء جائحة كورونا، وفي أوج انتشارها، في (2020-2021)، حيث لم تنفق الحكومة مخصصات الدعم في الميزانية. ومن المنتظر أن تشمل الموازنة العامة لمصر (2021-2022) تخفيضات حقيقية في النفقات على الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية. في الوقت الذي لا تفي فيه اعتمادات الميزانية للتعليم والصحة بالحد الأدنى للمخصصات المنصوص عليها في الدستور[11].

وجاءت الزيادات في قيمة الرسوم الحكومية لتمثل استنزافاً إضافيا لدخل الأسرة، وكان ارتقاع الرسوم الخاصة بالتعليم “العام” هو الأمر الأكثر إثارة للجدل. فقد شهد العام الماضي ارتفاع رسوم الالتحاق بالمدارس العامة والكتب المدرسية، بالإضافة إلى زيادة القدرة الاستيعابية للفصول الدراسية بسبب تجميد توظيف المعلمين وبناء المدارس على مدى خمس سنوات؛ حيث زاد متوسط استيعاب الفصل من 44 إلى 49 طالباً (حسب البيانات الرسمية) وتحولت معظم المدارس العامة إلى نظام الفترتين[12]. (لاحظ أن متوسط استيعاب الفصل الدراسي في دولة مثل بنجلاديش، التي يبلغ نصيب الفرد فيها من الناتج المحلي الإجمالي نصف نظيره في مصر، يبلغ  45 طالبا[13]، مقارنة بـ ٤٩ طالباً في مصر). وأدت الظروف التعليمية المتدهورة إلى اندلاع أعمال عنف من قبل الآباء والطلاب في مدارس مختلفة في بداية العام الدراسي 2021. ونية الحكومة الواضحة في هذا الأمر هي حث الآباء على نقل أطفالهم إلى المدارس الخاصة، حيث تستثمر الحكومة الأموال العامة من خلال العديد من الشراكات الناشئة بين القطاعين العام والخاص بالاشتراك مع شركات دولية من مزودي الخدمات التعليمية. وبالإضافة إلى ذلك، فقد أسس الجيش مدارس نخبوية لتدريب الكوادر للالتحاق بالمراتب القيادية في الخدمة المدنية، بما في ذلك في مجالات الأمن والمخابرات[14].

وكذلك يتضح من خلال الإيرادات الضريبية أن المصريين في ظل حكم السيسي يدفعون أموالاً أكثر ويحصلون على خدمات أقل من حكومتهم، حيث من المقرر أن يرتفع إجمالي الإيرادات الضريبية في عام 2022 إلى 13.9% من الناتج المحلي الإجمالي، مقابل 12.7% قبل عامين[15]. كما أصبحت الضرائب أكثر تنازلية بشكل مطرد (بحيث تؤثر على الفقراء بشكل أكبر) – حيث يتم تحصيل دخل ضريبي أكبر من المواطنين ذوي الدخل المنخفض مقارنة بالأثرياء – مع زيادة حصة ضريبة القيمة المضافة من إجمالي الضرائب. وفي الوقت نفسه، فإن سقف الـ 25% على الدخل الشخصي وضريبة الشركات لم يتم المساس به.

ومن بين العواقب المترتبة على ركود سوق العمل وتدهور الموارد المالية للأسرة المصرية هو تصاعد الفقر. فقد تضاعف معدل الفقر في مصر تقريباً بين عامي 2000 و2018، من 16.7 إلى 32.5 في المائة. ثم انخفض بعد ذلك بشكل طفيف، على الرغم من أن ذلك كان فقط بسبب انتعاش قيمة الجنيه المصري، مما أدى إلى زيادة دخل الأسرة بالدولار، وهي العملة التي تُحسب بها معدلات الفقر عالمياً[16]، حيث يعيش حوالي 30 مليون مصري في حالة فقر، حيث يقل دخلهم عن 3.20 دولار في اليوم[17].

وفي ظل حكم السيسي، فرغم الجهود المبذولة لإضفاء الطابع الرسمي على الشركات، توسّع قطاع الأعمال غير الرسمي – الذي يعمل بمثابة إسفنجة تمتص نسبة كبيرة من العمالة، لكنه يقدم رواتب ضعيفة ومزايا أقل ويفتقر للحماية التوظيفية. وبحسب ميريت إف مبروك من معهد الشرق الأوسط، فإن حوالي 63%  من القوى العاملة في مصر يعملون في القطاع غير الرسمي، الذي يمثل حوالي 40%من الاقتصاد بشكل عام، وهو أعلى معدل للاقتصاد غير الرسمي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا[18]. ويمثل هذا زيادة بنحو 5% في حصة القطاع غير الرسمي مقارنة بالسنوات الأخيرة من عهد مبارك، على الرغم من وجود  العديد من المشاريع التي يرعاها البنك الدولي ولكنها لا تهدف إلى مكافحة هذا الارتفاع في معدل الاقتصاد  غير الرسمي[19].

وتوقعت وكالة التصنيف “موديز” عواقب سلبية محتملة لتزايد ضغط الحكومة على المواطنين للحصول على الأموال، حيث ذكرت في صيف عام 2021 أنها تتوقع ارتفاعاً في احتمالية “تعرض مصر لمخاطر اجتماعية… حيث تفاقمت هذه المخاطر بسبب التكاليف الكبيرة للإصلاحات الاقتصادية التي تحملها المستهلكون في السنوات القليلة الماضية “. وأضافت وكالة موديز أن نطاق التغطية لشبكة الأمان الاجتماعي المتفق عليها كجزء من برنامج صندوق النقد الدولي لعام 2016 “لا يزال ضيقاً نسبياً”[20]. لكن الضغوط المالية على المواطنين والمحفوفة بالمخاطر السياسية قد يتم مضاعفتها بشكل أكبر. حيث لا يزال عجز الميزانية المزمن في مصر أعلى من المستوى المستدام حسب اعتبارات المقرضين الدوليين، على الرغم من انخفاضه من 12% من إجمالي الناتج المحلي في 2016 إلى 7% حالياً[21].

وبالإضافة إلى خفض الإنفاق وارتفاع الأسعار والإيرادات، كثّفت الحكومة جهودها لحصد الإيرادات من مصادر أخرى غير تقليدية. ففي صيف عام 2021، أدخلت الحكومة تشريعات تسمح لمقدمي الخدمات والمرافق المملوكة للدولة – بما في ذلك الكهرباء والمياه والغاز والاتصالات والطرق ومترو الأنفاق والقطارات والصحة والتعليم والإسكان – بـ “تحويل إيراداتهم المستقبلية إلى سيولة نقدية يمكن الاتجار بها وبيعها للمستثمرين.”[22] ويجادل المتحدثون الرسميون باسم الحكومة بأن ذلك م شأنه تحسين الجودة، على الرغم من أن الشركات العامة غارقة الآن في الديون[23]. ويرى المراقبون أن هذا التوريق المالي للأصول العامة سيؤدي حتماً إلى ارتفاع التكاليف التي يتحملها المصريون مقابل السلع والخدمات الحيوية.

الضغط على القطاع الخاص

تلعب الشركات المملوكة للجيش بالفعل دوراً مهماً في اقتصاد السيسي، حيث توجد حوالي 80 شركة مملوكة للجيش، تنتج بشكل أساسي سلعاً مدنية، بما في ذلك الأجهزة، والملابس، والأغذية، والمشروبات، والتبغ، والسيارات، ومعدات تكنولوجيا المعلومات، وتشارك كذلك في البيع بالتجزئة، بالإضافة لوسائل الإعلام والترفيه، والأهم من ذلك، المقاولات العامة[24]. ولكن حتى مع اتساع نشاطها كما يتضح مما سبق، فإن الشركات المملوكة للجيش تسعى الآن إلى تحقيق مزيد من العائدات من خلال مصادر جديدة. ففي فبراير 2020، ذكرت صحيفة فاينانشيال تايمز أن صندوق مصر السيادي، الذي تأسس في 2018 “لجذب الاستثمارات الخاصة لمصر وتشجيع الاستثمار المشترك في الأصول المملوكة للدولة”، سيسعى للحصول على مستثمرين أجانب ومحليين للمشاركة في 10 شركات من جهاز مشروعات الخدمة الوطنية، والذي يُعتبر الذراع الاقتصادي للجيش المصري[25]. وفي عام 2021، دفعت الحكومة بتشريع برلماني يقنن الإعفاءات الضريبية الموجودة بالفعل لصندوق تحيا مصر، الذي تم إنشاؤه في عام 2014 تحت رعاية السيسي بشكل مباشر – وحسبما أُعلن “لتحسين الظروف المعيشية للأسر الأولى بالرعاية”، ولكن في حقيقة الأمر ليكون بمثابة صندوق طائش يديره السيسي بلا رقيب. وتم توسيع نطاق إعفاءاته الضريبية لتشمل رسوم الدمغة وضريبة القيمة المضافة ورسوم التسجيل العقاري وغيرها. وأصبح صندوق تحيا مصر يمتلك مجموعة متنوعة من الأصول وله الحق في تأسيس الشركات أو شراء الأسهم في شركات قائمة بالفعل في كل من القطاعين العام والخاص[26].

وقد استحوذ الجيش على العديد من الشركات الخاصة المربحة، بما في ذلك مزارع الأسماك، وشركات تعدين الذهب، وشركات التنقيب عن الرمال السوداء، بحجج واهية في كثير من الأحيان[27]. ويقال إنه يحاول الآن الاستحواذ على شركة جهينة، وهي شركة ألبان وعصائر رائدة في السوق المصري. حيث قامت الأجهزة الأمنية بسجن مؤسس جهينة المُسن صفوان ثابت ووضعه في الحبس الانفرادي، قبل سجن نجله وخليفته كرئيس تنفيذي للشركة، بسبب صلات مزعومة بجماعة الإخوان المسلمين[28]، في حين أن التقارير تشير إلى أن السبب الحقيقي وراء ذلك هو أن عائلة ثابت قاومت الضغوط التي مورست عليهم لتسليم أصول الشركة إلى الدولة والجيش[29].

هذه الخطوات والممارسات المختلفة تشكل ضغوطاً على القطاع الخاص تماما كما تُشكّل السياسات المالية والاقتصادية للحكومة تُشكل ضغوطاً على عامة الناس. وانعكاساً للضغوط التي يمارسها النظام على القطاع الخاص بشكل أساسي، يتراجع ترتيب مصر في مؤشر الحرية الاقتصادية الذي تصدره مؤسسة التراث الأمريكية (هيريتيج فاونديشن) حيث احتلت المركز 130 من أصل 178 دولة[30]. بالتأكيد ليس هذا هو القطاع الخاص القوي الذي تحاول الولايات المتحدة والدول المانحة الأخرى المساعدة في إنشائه منذ عقود[31]. حيث يؤدي استهداف القطاع الخاص، خصوصاً؛ وقطاع الأعمال العام، بشكل عام، بُغية الحصول على المزيد من الإيرادات –  بشكل مباشر إلى خفض الطلب.

ويتجلى ذلك في انخفاض واردات الخدمات وكذلك السلع الرأسمالية والوسيطة والاستهلاكية. ففي عام 2020، شكل إجمالي الواردات 20% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي أقل نسبة منذ عام 1973 وأكثر بقليل من نصف الواردات في عام [32]2008. ولكن على الرغم من الانخفاض الكبير في الواردات، فإن الانخفاض في الصادرات الذي تزامن مع ذلك يعني أن الميزان التجاري لمصر لم يتحسن[33]. فقد سجل عام 2020 زيادة قدرها 10 مليارات دولار في المنطقة الحمراء مقارنة بعام 2010 وزيادة (في المنطقة الحمراء) قدرها 5 مليارات دولار مقارنة بعام 2016، وذلك عندما بدأت مصر في إجراءات الإصلاح التي اشترطها صندوق النقد الدولي[34]. وهناك مؤشر آخر على تراجع الطلب وهو مؤشر مديري المشتريات، وهو مقياس قائم على استطلاع آراء رجال الأعمال بخصوص ظروف السوق. حيث تعكس النتيجة ما فوق 50 درجة حالة التفاؤل التجاري. ولكن منذ عام 2016، كان متوسط مؤشر مديري المشتريات في مصر أقل بكثير من 50 درجة، بينما كان متوسط المؤشر أعلى من نقطة التعادل[35] في الفترة من 2012 إلى 2016، باستثناء الأشهر القليلة التي سبقت وأعقبت انقلاب يوليو 2013 مباشرة.

على خُطى النموذج اللبناني

يؤكد تحليل للباحث إسحاق ديوان للأداء الاقتصادي لمصر في عهد السيسي على الأثر السلبي العميق لتوسيع سيطرة وملكية الجيش. حيث يرى ديوان أن الاقتصاد العسكري أقل قدرة إلى حد كبير على تحقيق النمو الاقتصادي المناسب في اقتصاد تسيطر عليه المحسوبية التي سادت في ظل نظام مبارك. ويجادل ديوان بأن السبب في ذلك هو أن ضباط الجيش يحتكرون الأسواق والموارد أكثر من المحاسيب من المدنيين؛ في حين أن شركاتهم أقل كفاءة حتى من الشركات المملوكة للمحاسيب الكبار؛ مما يخيف المستثمرين من القطاع الخاص؛ بالإضافة إلى أن خوف الضباط من الاضطرابات الشعبية يدفعهم إلى جعل صنع القرار الاقتصادي والسياسي أكثر مركزية[36].

ويشير تحليل ديوان إلى أن التدهور الاقتصادي في مصر تحت حكم السيسي هو في الحقيقة بنيوي بطبيعته – وليس نتيجة تباطؤ مؤقت في التوظيف والإنتاج والطلب – وبالتالي فإنه من غير المحتمل أن تنعكس النتيجة حتى لو أصبحت البلاد نموذجاً حقيقياً لتطبيق الإجراءات الإصلاحية لصندوق النقد الدولي. وعلى الأقل من أجل تقديم دعم مفاهيمي للحجج التي يسوقها الباحث، فإن هناك أوجه تشابه ملحوظة بين الاقتصاد اللبناني المنهار بشكل كبير هذه الأيام والاقتصاد المصري المتعثر حالياً.

فقد اعتمد النموذج الاقتصادي اللبناني الذي ظهر في أعقاب الحرب الأهلية (1975-1990) على ربط العملة المحلية بالدولار؛ وعلى معدلات فائدة تتجاوز التضخم المرتفع بهدف جذب الودائع المصرفية وعمليات شراء الدين الحكومي من قِبل المواطنين بالداخل، والأجانب، والمواطنين المغتربين؛ وعلى “الهندسة المالية” التي يقوم بها البنك المركزي، الذي شارك أيضاً بشكل كبير في اقتراض العملات الأجنبية. وفي نهاية المطاف، فشل هذا النموذج في لبنان لأن الثقة بخطة بونزي هذه (تتمثل في وعود بأرباح كبيرة، بينما يتم تمويل هذه الأرباح من تدفق رؤوس الأموال) قد تم تقويضها بمجرد أن غضبت المملكة العربية السعودية، المصدر الرئيسي للأموال في لبنان، على البلاد وأوقفت المساعدات والاستثمار بها، مما أدى إلى تجفيف تدفق “الدولارات الجديدة” اللازمة للحفاظ على مخطط بونزي في البلاد. والسؤال الذي يجب طرحه هنا عن النسخة المصرية من هذا النموذج اللبناني هو ما إذا كان بإمكان لمصر أن تنجو من مصير لبنان، باعتبارها “أكبر من أن تفشل”[37] (كما يقول البعض).

ومن الواضح أن مصر تعتمد في سداد خدمة الدين على “الدولارات الجديدة” تماما مثل لبنان. إن مثل هذه الاعتمادية، والتي تفوق الإيرادات المحلية نفسها، هي التي دفعت السيسي لممارسة المزيد من الضغوط المالية على الشعب. فمصر في حاجة إلى الوصول لمستوى عجز مقبول في الميزانية، وتوازن في الميزان التجاري، ورصيد من العملات الأجنبية، ومعدلات تضخم تسمح بمواصلة جذب العملات الأجنبية ومنع أقساط تأمين المخاطر من رفع تكلفة تلك الأموال المقترضة وصولا لمستويات غير مستدامة. وبالنظر إلى أن خدمة الديون تستهلك بالفعل حوالي 36% من الميزانية السنوية وتفوق إجمالي الإيرادات الحكومية، فإن أي زيادة كبيرة في أسعار الفائدة  في مصر، التي هي بالفعل من بين الأعلى في العالم، ستمثل تهديدا لقدرة اقتصادها على الصمود، بغض النظر عن كونها عميلاً نموذجياً لصندوق النقد الدولي.

والحقيقة أنه سيظل اقتراض الأموال في مصر بهذا الشكل، لعدم وجود مصادر أخرى كافية للتمويل الخارجي ولأن الاقتصاد المصري بعيد كل البعد عن تحقيق فوائض أو حتى الوصول إلى الاكتفاء الذاتي. وباستثناء قطاعي الهيدروكربونات (النفط والغاز) والعقارات، فإن مصر تجذب القليل نسبياً من الاستثمار الأجنبي المباشر؛ وحتى بالنسبة لهذين القطاعين الرائدين، فإنهما يشهدان تراجعاً في ظل حكم السيسي. فقد انخفضت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى مصر – كحصة من إجمالي الناتج المحلي –  من أكثر من 8% في (2005-2006) إلى أقل من 2% منذ انقلاب [38]2013. وبحلول عام 2020، كان الاستثمار الأجنبي المباشر – كحصة من الناتج المحلي الإجمالي – أقل من نصف ما كان عليه في عام [39]1979.

ومن بين مصادر العملات الأجنبية الأخرى، باستثناء القروض، فإن تحويلات العمالة المصرية بالخارج  (خاصة في دول الخليج) إلى مصر قد حازت على حصة متزايدة باستمرار. حيث تبلغ قيمة التحويلات المالية للعمالة المصرية بالخارج الآن 30 مليار دولار سنوياً، وتمثل أكثر من إجمالي المصادر الثلاثة الرئيسية الأخرى للعملة الأجنبية منذ فترة طويلة: عائدات قناة السويس، وصادرات النفط والغاز، والسياحة. وهذا في الحقيقة يُعتبر نعمة ونقمة في آن واحد. فهذه التحويلات نفسها تستخدم بشكل كبير في شراء السلع الاستهلاكية (من قِبل متلقيها)، لذلك فقد تساهم في النمو الاقتصادي والاستثمار، ولكن بشكل غير مباشر فقط. في حين أن التحويلات التي تمر عبر القنوات المالية الرسمية توفر رأس المال للائتمان، حيث أصبحت البنوك المصرية، مثلها في ذلك مثل البنوك اللبنانية، تعتمد بشكل كبير على الحكومة كعميل رئيسي لها. وانخفضت حصة القطاع الخاص المصري من الائتمان من 55% في عام 2001 إلى 34% في عام 2016 إلى 27% في عام 2020، بينما بلغ المتوسط العالمي 59% العام الماضي[40]. وتوفر الودائع البنكية الناتجة عن التحويلات ائتماناً للحكومة يفوق كثيرا ما توفره لعملاء القطاع الخاص.

مشكلة ديون السيسي

إن مصر السيسي، التي تشبه إلى حد كبير مصر في عهد الخديوي إسماعيل في الستينيات من القرن التاسع عشر، ستكون مجبرة أكثر من أي وقت مضى على الاعتماد على الائتمان الأجنبي للاستمرار في نهج الإسراف في الإنفاق. فمصر، بالإضافة إلى المغرب،  تعد من أكبر الدول اقتراضاً من الخارج في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

ففي عام 2021، بلغ الدين الخارجي لمصر 137 مليار دولار، أي ما يقرب من ضعف ما كان عليه عندما قرر صندوق النقد الدولي في عام 2016[41]  تمديد قرضه البالغ 12 مليار دولار لمدة ثلاث سنوات. وبلغ إجمالي الدين القومي، الذي يشمل الاقتراض المحلي والخارجي، نحو 370 مليار دولار، حيث تضاعف أربع مرات منذ عام 2010، مع زيادة بنسبة تزيد عن 100%  بين عامي 2017 و 2020. ومن المتوقع أن يرتفع إجمالي الدين إلى 557 مليار دولار بحلول عام [42]2026. وقد بلغ نصيب الفرد من الدين 3,238 دولاراً في عام 2020 مقارنة بـ 2,032 دولاراً في عام 2010. وفي عام 2021، احتلت مصر المرتبة 158 بين 189 دولة في نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي والمرتبة الـ 100 في نصيب الفرد من الديون[43]. وتبلغ نسبة الدين الحكومي إلى الناتج المحلي الإجمالي في مصر حالياً 91.6%، مقارنة بـ 87.1% في عام 2013، عندما قاد السيسي الجيش للاستيلاء على السلطة في البلاد[44].

ولكن نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي – المرتفعة بطبيعة الحال – تقل فعلياً عن الرقم الحقيقي، حيث تبتكر الحكومة المصرية، مثلها في ذلك مثل لبنان، عمليات محاسبية إبداعية تقوم بموجبها بتحويل الدين العام إلى دفاتر لكيانات أخرى مملوكة للدولة. حيث يُنسب 54% فقط من الدين الخارجي لمصر رسمياً إلى الحكومة حالياً، بينما هناك 25% أخرى مستحقة على البنك المركزي و 23 مليار دولار أخرى على بنوك مملوكة للدولة ومؤسسات أخرى. وفي عام 2010، تجاوزت الحصة الرسمية للحكومة من الدين الخارجي 90%. ولكن حتى استناداً إلى حجم الدين الخارجي للحكومة الذي يتم خفض قيمته حالياً بشكل كبير، فقد تضاعف هذا الدين على أساس نصيب الفرد خلال العقد المنتهي في عام 2021.

لقد أصبحت مصر أكبر عميل لصندوق النقد الدولي بعد الأرجنتين، حيث حصلت على 20 مليار دولار من خلال ثلاثة قروض رئيسية منذ عام 2016، وهو ما يتجاوز بكثير حصة صندوق النقد الدولي، وبالتالي فإنه يتم فرض رسوم إضافية على أسعار الفائدة. كما يتم دعم مصر من خلال ائتمان بمليارات الدولارات: من البنك الدولي (600 مليون دولار)، وبنك التنمية الأفريقي (300 مليون دولار)، ومجموعة من الدول المقرضة الأخرى (بشكل ثنائي أو متعدد الأطراف)[45]، حيث تبلغ حصة ألمانيا وحدها مبلغ 2.8 مليار دولار من القروض التي قدمتها لمصر والتي لم يتم تسديدها بعد[46].

ولإشباع شهيتها الشرهة للاستدانة تُضطر الحكومة إلى الاعتماد بشكل أكبر على المقرضين الأجانب من القطاع الخاص. ففي ديسمبر 2021، قيّمت مجلة الإيكونوميست البريطانية الاقتصاد المصري باعتباره ثالث أكثر الاقتصادات عرضة لارتفاع أسعار الفائدة على مستوى العالم، بعد الأرجنتين وسريلانكا[47]. ويتم كذلك شراء نسبة كبيرة ومتنامية من الديون “المحلية” الصادرة بالجنيه المصري من الخارج: ففي نهاية عام 2020، كان الأجانب يمتلكون ما قيمته 21 مليار دولار من أذون الخزانة والسندات المقوَّمة بالجنيه المصري، أي نحو 10% من الإجمالي[48]. وفي عام 2021، كان غير المصريين يمتلكون 26 مليار دولار من أذون الخزانة القابلة للسداد بالدولار ولكنها غير مدرجة في إجمالي الدين الخارجي[49]. ومن المحتمل أن يكون عامل الجذب (الخطير) للمقرضين هو أسعار الفائدة التي تُعتبر من بين الأعلى على مستوى العالم. حيث تأتي أسعار الفائدة في مصر، والتي تزيد عن 12% سنوياً، على رأس قائمة بلومبرج للفوائد التي تدفعها 50 دولة من دول الاقتصاديات الناشئة[50]. وحتى الآن كان هناك كثير من المقرضين الراغبين في الإقراض (مع استثناء ملحوظ لربيع 2020، عندما انتشر الذعر بينهم بسبب المخاوف من أن جائحة كورونا قد تدخل مصر في حالة إعسار؛ حيث سحبوا في غضون أسابيع 18 مليار دولار، أو حوالي 60% من الأموال التي استثمروها في أذون الخزانة المصرية).

ويستهلك سداد فوائد١ض الديون المحلية والأجنبية الآن أكثر من ثلث ميزانية مصر، أي أكثر من ضعف المبلغ في عام [51]2009. ويعتمد البنك المركزي على قروضه بالعملة الأجنبية لدعم سعر الصرف وبالتالي جذب التدفقات الائتمانية الخارجية. وهذا السلوك أيضاً يشبه الممارسات التي يقوم بها مصرف لبنان. وأحد مظاهر المحاسبية الإبداعية في مصر هو عرض احتياطيات العملات الأجنبية التي يحتفظ بها البنك المركزي، والتي يُزعم حالياً أنها تتجاوز 40 مليار دولار. ولكن الحقيقة أن أكثر من نصف هذا المبلغ مستحق لسداد القروض قصيرة الأجل، مما يشير إلى أن غطاء الواردات الحقيقي للبلاد هو نصف مدة الأشهر الثمانية المزعوم تغطيتها، أي أربعة أشهر فقط – وحتى تغطية ثمانية أشهر تُعتبر أقل من المستويات التي يوصى بها.

وباختصار، فإن الاقتصاد المصري يشهد  انحداراً يشبه في ذلك التدهور الاقتصادي الذي أدى إلى كارثة لبنان. فقد  أدى الحفاظ على سعر صرف مبالغ فيه للسيطرة على التضخم، إلى جانب أسعار الفائدة العالمية التي تؤدي إلى تحويل الجزء الأكبر من الائتمان المحلي إلى الحكومة، مما نتج عنه تآكل القطاع الخاص في كلا البلدين. وأدت سياسات السيسي أيضاً إلى التدني في: نسبة الطلب المحلي، نسب فرص العمل المتوفرة، ونسبة صادرات السلع والخدمات. ورفعت الحكومة من معدل الاعتماد على التدفقات الوافدة لرأس المال، والتي تشكل التحويلات المالية نسبة كبيرة منها. لكن هذه التحويلات تنجذب أيضاً إلى أسعار الفائدة المرتفعة، تماما كما حدث في لبنان، لذا فهي أيضاً عرضة للاضطرابات المفاجئة.

أكبر من أن تفشل؟

لكن مصر ليست لبنان، بالنظر لأحد الجوانب الحاسمة في ذلك: حيث يُنظر إلى مصر على نطاق واسع على أنها أكبر من أن يُسمح لها بالفشل، في حين أن لبنان أصغر من أن تضمن الحصول على الدعم الخارجي المناسب. وتنعكس الأهمية الجيوستراتيجية لمصر بالنسبة للولايات المتحدة وأوروبا وروسيا، وحتى للصين بشكل متزايد، في النسبة الأعلى التي تحصل عليها من الائتمان الخارجي المقدم من المؤسسات العامة متعددة الأطراف والوطنية، مقارنة بما كان عليه الحال في لبنان، والذي كان أكثر اعتماداً على تدفقات رأس المال الخاص.

ومن واقع إدراكه الجيد للمزايا الجيوسياسية لمصر، فقد ركز نظام السيسي على استخدام سياسة التلويح بالجزرة والتهديد بالعصي تجاه داعميه الأجانب أكثر من التركيز على تصحيح أوجه القصور في اقتصاد البلاد. فبالنسبة للجزرة الذي يقدمها نظام السيسي فتأتي في شكل خدمات دبلوماسية يوفرها لهذه الدول، كما كان الحال في أحداث فلسطين وإسرائيل أو الوضع في ليبيا، وحتى في مناطق أبعد من ذلك، في اليمن وسوريا، بالإضافة إلى تنويع مشتريات الأسلحة، مما يكاد يجعل الجيش المصري تحت قيادة السيسي بمثابة أمم متحدة حقيقية بالنسبة لتنوع المعدات العسكرية. وتتمثل أكبر عصا في يد السيسي في التهديد الواضح من حين لآخر بإغراق أوروبا بالمهاجرين غير الشرعيين. وقد رفع السيسي هذا الرهان مؤخراً من خلال الزعم بأن مصر تستضيف ستة ملايين لاجئ، داعياً إلى دعم مالي إضافي من الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء به وغيرها من الدول[52].

لقد أصبحت مصر السيسي دولة متسوّلة، بعيدة كل البعد عن الماضي القريب نسبياً للبلاد، ناهيك عن وضعها إبان عهد عبد الناصر، عندما كانت تلعب دوراً أكثر استقلالية وحسماً في المنطقة وخارجها. أما فيما يخص السؤال حول ما إذا كان هذا النموذج مستداماً بشكله الحالي أم لا، فهو في الحقيقة سؤال مفتوح الإجابة. فالتهديد الأساسي باحتمالية استمراره هو حالة التبعية والركود للاقتصاد، حيث يعتمد أكثر من أي وقت مضى على الدعم الأجنبي بشكل متزايد. لقد أثبت الحال الذي وصل إليه اقتصاد لبنان بالفعل المخاطر المترتبة على مثل هذا النموذج. وفي الحالة اللبنانية، قررت دول العالم المعنية بالأمر أن دعم 6.7 مليون مواطن لبناني لا يستحق التكلفة، مقارنة بالمكاسب الجيوستراتيجية الهامشية المتواضعة التي قد تتحقق هناك. ولكن من الواضح أن الحفاظ على 102 مليون مواطن في مصر، والذي ينمو سنوياً بمقدار مليوني نسمة، سيتطلب التزامات أكبر بكثير من الحالة اللبنانية. ومن المشكوك فيه ما إذا كان “أصدقاء” مصر سيستمرون في رؤية هذه الالتزامات بأنها جديرة بالاهتمام لأسباب غير اقتصادية في المستقبل غير المنظور. وفي اللحظة التي سيبدو فيها “أصدقاء” مصر مترددين في تقديم الدعم لها، فإن المستثمرين من القطاع الخاص في الائتمان المصري سوف يندفعون بحثاً عن مخرج للهروب، كما فعلوا في مصر في ربيع عام 2020، وفي لبنان من قبل.

لقد كانت عواقب انهيار الثقة في لبنان مدمّرة، لكنها لن تكاد تُذكر إذا تكررت هذه المأساة على النطاق المصري. لذلك، فمن الأفضل أن يتخذ داعمو مصر خطوات تصحيحية للأوضاع في البلاد قبل حدوث ذلك، بدلاً من استمرارهم في الانغماس في دعم خديوي مصر المعاصر''.

بعد دفن أحزاب المعارضة المصرية بتواطؤ رؤسائها وقياداتها فى مقابر الجنرال السيسي.. السيسى نجح فى مسح نضال أحزاب المعارضة المصرية باستيكة وجعلها ألعوبة فى خدمة ماربة الاستبدادية الشخصية بعد ان فشل قبلة طغاة سابقين فى ترويضها


رابط الموضوع فى حالة اجتياز حجب السلطات

بعد دفن أحزاب المعارضة المصرية بتواطؤ رؤسائها وقياداتها فى مقابر الجنرال السيسي..

السيسى نجح فى مسح نضال أحزاب المعارضة المصرية باستيكة وجعلها ألعوبة فى خدمة ماربة الاستبدادية الشخصية بعد ان فشل قبلة طغاة سابقين فى ترويضها


الكاتب الصحفى أنور الهواري يكتب: شماتة الأموات في الأموات

قررت حقبةُ ما بعد 30 يونيو 2013م أن تصل بمنسوب الديمقراطية إلى نقطة الصفر ونجحت في ذلك. وبالتوازي مع ذلك، قررت أن يكون منسوب المعارضة عند نقطة الصفر ونجحت في ذلك كذلك. استغرقت هذه العملية ما يقرب من ست سنوات من منتصف 2013م إلى منتصف 2019م.

فعلى مدى اثنين وسبعين شهرًا تم -بنجاح- مسح المعارضة من جذورها، سواء معارضة دينية أو مدنية، وسواء كرتونية مستأنسة أو فعلية حقيقية، وسواء يمينية أو يسارية، بما في ذلك المعارضة التي درجت الأجهزة الأمنية على تصنيعها ورعايتها وكفالتها من الباطن حسب رؤية كل جهاز وحسبته ومصالحه، يستوي في ذلك المعارضات القديمة التي تعود إلى القرن العشرين أو المعارضات التي استجدت مع الحراك الاحتجاجي منذ مطلع القرن الحادي والعشرين.

عجزت كل أنواع المعارضة عن مواجهة هذا الاجتثاث بما ينطوي عليه من استئصال كامل، فانطقأت فاعليتها بصورة كاملة، ولم يتبق منها غير اللافتات والأسماء والعناوين التي أصبحت بمثابة شواهد فوق قبور تضم أعظم ورفات كيانات معارضة طالما ملأت السياسة المصرية صخبا وضجيجا.

هذا العجز مستمر، وسوف يستمر، طالما بقيت ديكتاتورية ما بعد 30 يونيو مطمئنة مستقرة، وهي بالفعل مطمئنة مستقرة سواء بدواعي القوة الخشنة التي تلجأ إليها لقمع كل مبادرة يلوح منها بصيص المعارضة، أو بدواعي ما توفره من أمان واستقرار وانتظام عمل المرافق والمؤسسات وبسط النظام وفرض القانون، أو بدواعي ما تنجزه من مشروعات تستفيد منها قطاعات متزايدة من قوى الانتفاع ومن جموع المواطنين، حتى لو كان تنفيذ هذه المشاريع يتم بدون شفافية ولا مساءلة ولا محاسبة، وسواء كانت تتم بديون أجنبية واستدانة غير مسبوقة في تاريخ المالية العامة المصرية، وفضلا عن ذلك كله، فإن ديكتاتورية ما بعد 30 يونيو سوف تظل مطمئنة مستقرة طالما بقي الإقليم من حولها مضطربا بين جكومات عاجزة ومعارضات ضالة سواء في الشق الآسيوي من العالم  العربي أو في الشق الأفريقي منه.

ففي مثل هذا السياق المحلي والإقليمي تبدو ديكتاتورية ما بعد 30 يونيو ضرورة وجودية سوف تستمر موجودة ما بقيت دواعيها، وسوف تستمر طالما بقيت الديكتاتورية بما تنطوي عليه من جبر وقهر أحفظ لتماسك الدول والمجتمعات من الديمقراطية المستجدة الناشئة بما تنطوي عليه من اختيارات يغلب عليها التجريب، وبما تنطوي عليه من حريات لا تجد من يحسن استخدامها ولا من يوظفها في خدمة المصالح العامة بتدرج ورشد ونضج وعقل.

**********

نجحت ديكتاتورية ما بعد 30 يونيو 2013م في أن تقلب تاريخ المعارضة المصرية في القرن الحادي والعشرين من النقيض إلى النقيض، من ذروة الازدهار في السنوات العشر الأولى والتي توجت بثورة 25 يناير 2011م، إلى الاضمحلال التدريجي في العشرية الثانية فلا تكاد تسمع للمعارضة صوتا ولا همسا.

وبدل أن تتوقف المعارضة مع نفسها، وتدرس لماذا وكيف حصل ما حصل لها من الهزيمة، وكيف ومتى يمكن الخروج منها، بدلا من ذلك ذهبت تنساق لمزاج الهزيمة وما يصاحبه من تأزمات نفسية وضلالات ذهنية تصور الواقع على غير ما هو عليه، وتضل عن دراسة الأسباب والنتائج، وتنكر مسؤوليتها عما لحق بها، وتتمادى في الضلال النفسي والذهني وتبحث عمن تلقي عليه باللائمة وتحمله مسؤولية إخفاقها وعجزها وفشلها.

عقلية الهزيمة -التي لم تكن متوقعة- امتلأت بالمرارة والحزازات والضغائن والأحقاد بصورة أعمت البصائر قبل الأبصار، ومن ثم وقع العقل تحت ضغط أسوأ أنواع الانفعالات العصبية التي فقد أصحابها القدرة على التحكم فيها، مثلما فقدوا القدرة على التفكير بمعزل عن تأثيرها وتضليلها، فذهبوا يصنعون عداوات لا لزوم لها، وذهبوا يهدرون طاقاتهم في معارك لا طائل منها، وذهبوا يسرعون الخُطى على طريق الاضمحلال، سواء كان اضمحلالا مؤقتا أو كان اضمحلالا دائما.

**********

من السابق لأوانه حسم ما إذا كان اضمحلال المعارضة مؤقتا بوجود ديكتاتورية ما بعد 30 يونيو 2013م أو أنه اضحلال نهائي مستمر بعدها .

وبكل يقين، فإن الديكتاتورية إذا كانت قد نجحت في استئصال المعارضة إلا أنها لم تنجح ولن تنجح في استئصال دواعي الغضب في نفوس قطاعات واسعة من الشعب، هو -بسطوة القمع- غضب صامت وكامن وعاجز، ولكن دوام الحال من الحال، وفي أجل قريب أو بعيد، سوف تتوفر لهذا الغضب الصامت الكامن العاجز العوامل ليكون غضبا ناطقا ظاهرا قادرا، وساعتها ربما تجدد المعارضات التي اضمحلت وجودها من جديد، وربما تنشأ معارضات جديدة تحمل صفات المستقبل، وربما يحوي المشهد المقبل خليطا من القديم والجديد .

ولكن إلى أن يحدث ذلك في أجل غير معلوم، فسوف يظل رفات المعارضة المضمحلة ينتج أسوأ الظواهر المرضية السقيمة البائسة التعيسة ومنها تلك الظاهرة الصاخبة: شماتة الأموات سياسيا – وأغلبهم من المعارضة الدينية وبعض المعارضة الثورية- فيمن يتوفاهم الموت من خصومهم السياسيين .

لست أتكلم هنا من منظور الأخلاق، فأخلاق الجميع محل احترام وتقدير، لكن النقاش هنا يتركز على السياسة، فهذا الشماتة هي سلوك سياسي بالدرجة الأولى، وهي مظهر من مظاهر الصراع، وربما يكون الأداة الأخيرة في يد الأطراف الأضعف، وربما يكون الأداة الوحيدة لتنفيس ما في الأنفس من قهر، وربما يكون الأداة الوحيدة للتعبير عما أدرك العقول من ضلال في التفكير، وربما تكون آخر ما تملكه قوى الاضمحلال من مشاريع وأفكار تكشف ما أدرك هذه القوى من تكسير وصل إلى حدود التكسيح وربما الشلل الكامل .

*********

الشماتة التي تُبديها بعض الأصوات الشبابية من قوى الثورة يفسرها حداثة التجربة ونقص الخبرة وصدمة التجربة المباغتة بين النجاح المباغت للثورة ثم الارتداد العنيف عليها، وأغلب هؤلاء شباب كانوا فوق العشرين ودون الثلاثين، ولم يزاولوا العمل العام إلا قبيل 2011م أو معها أو بعدها. الارتجاج النفسي والذهني هنا مبرر ومفهوم وله شرح وتفسير، فقد تم رفعهم في السماء أيام 25 يناير مع ألقاب يحبونها مثل الثوار والنشطاء إلى آخره، ثم بعد 30 يونيو تم تجريدهم من كل فضيلة ونُسبت إليهم كل نقيصة وعن قصد وعمد خُططت ومُولت ونُفذت حملات إعلامية ضخمة لتشويههم ونزع كل غطاء وطني أو أخلاقي أو إنساني عنهم .

ويظل هؤلاء الشباب -من قوى الثورة- رغم قلة عددهم ورغم نقص خبرتهم ورغم أنهم لم يعمروا في السياسة أطول من برهة قصيرة خاطفة، رغم ذلك كله فإنهم كانوا ومازالوا الهاجس الأكبر في دماغ ديكتاتورية ما بعد 30 يونيو، فهي تريد أن تطمئن إلى أن مثل هذه النوعية من الشباب -الذين كانوا طليعة الاحتجاج في سنوات ما قبل ثورة 25 يناير- قد اختفت بذورها وتم اقتلاعها من جذورها، وأنهم كظاهرة ثورية لن ينبتوا من جديد أبدا .

***********

الشماتة التي تُبديها القوى القديمة لا تقتصر على الإسلاميين وحدهم، لكن الإسلاميين هم القوة الغالبة فيها، ثم هم يجعلون منها حربا بين الحق والباطل، وليست مجرد مشاعر سلبية تتشفى فيمن قد مات، ولذلك -من الناحية الفعلية- تُنسب لهم وحدهم، وليس في ذلك تجنيا عليهم ولا مجافاة للموضوعية في الكتابة أو الشهادة، فهم لا يمارسون الشماتة كمجرد التعبير عن الارتياح السلبي لموت هذا الخصم أو ذاك، ولكن هم يستغلونها لحظة حرب يمارسون فيها كل أشكال الانتقام التى تجرد من قد مات من كل خلق ومن كل فضية وتنزع عنه رداء الستر والتوقير والاحترام.  فالشماتة -عند الإسلاميين- هي استباحة كاملة لكل حرمات من قد مات، استباحة لسمعته وشرفه وكرامته ولكل ما أمرت الأديان والأعراف والأخلاق بحفظه وصيانته 

هذه الشماتة من الإسلاميين في موت خصومهم لا يسهل تبريرها، إذ الإسلاميون مروا بتجارب كثيرة بين صعود وهبوط وبين تقدم وتراجع وبين عافية ومحنة على مدى يقرب من قرن من الزمن، والطبيعي أن تكون هذه التجارب قد زودتهم وزانتهم  بالحكمة والبصيرة ليحسنوا التعامل مع ما تسمح به الأيام أو ما تكشف عنه الأيام من عسر ومحنة. صحيح أن الإسلاميين مروا في السنوات العشر بأعنف المحن، فمن ذروة الذروة إلى قاع القاع، ومن قمة المجد إلى قاع الإنحدار، أخذوا كل شيء في غفلة من الزمن ثم فقدوا كل شيء في الغفلة ذاتها، فلم يأخذ الزمن فرصته ليرمش بعينيه، في لحظة خاطفة تزاوج الحلم والكابوس، وفي لحظة واحدة كانت قدم في القصور والقدم الثانية في زنازين السجون، في لحظة واحدة صعدوا سابع سماء لتنخسف بهم سابع أرض. هنا -كذلك- الارتجاج العصبي والذهني والنفسي وارد تماما، خاصة أنهم تعرضوا لحملات غير مسبوقة من الاتهام والتجني والتشويه والاستئصال الكامل ليس في مصر وحدها ولكن في عدد كبير من الدول العربية .

***********

الشماتة ليست هي الخطر الأكبر في سلوك الإسلاميين، الخطر الأكبر هو ما تكشف عنه هذه الشماتة من عقليتهم السياسية، وأقصد بالعقلية السياسية قراءتهم غير الواقعية لما يمرون به من تجارب، وخاصة تجربة الصعود السريع ثم السقوط السريع، الاستحواذ الكامل على كل شيء ثم الفقد السريع لكل شيء، الارتفاع إلى سابع سماء ثم الانخساف تحت سابع أرض .

عقلية الإسلاميين السياسية هي مركب ذهني – نفسي متصلب، ينسب كل ضرر وقع بهم إلى غيرهم، ولا ينسبونه إلى أنفسهم، ما يقع بهم من ضرر هو مؤامرة من الآخرين .

هذه العقلية تنكر أن يكون ما أصابها هو من نتاج ما تتبناه من تصورات للواقع، وهو نتاج لما ينبني على هذه التصورات من قرارات، وهو نتاج لما ينبني على هذه القرارات من سياسات عملية في الواقع، ونتاج لاصطدام هذه السياسات -المبنية على تصورات وقرارات خاظئة- بالواقع الذي يتصورونه كما يرغبون وليس كما هو على وجه الحقيقة .

من هذه السلسة تنشأ محنة الإسلاميين: تصورات للواقع غير مطابقة للواقع، ثم قرارات مبنية على تصورات خاطئة، ثم سياسات مبنية على قرارات خاطئة، ثم اصطدام ذلك كله -في نهاية المطاف- بالواقع كما هو وكما خلقه الله وليس كما يتصورونه وهم قابعون في الخلايا التربوية التي هي ليست أكثر من كهوف ومعازل عن الواقع وليست منه في شيء .

***********

عقلية الإسلاميين -كمركب ذهني ونفسي- تتشكل في معازل أشبه ما تكون بالكهوف عبارة عن خلايا تحمل كل واحدة منها اسم “الأسرة” مكونة من خمسة أفراد يجتمعون بانتظام، بصورة دورية، وبصورة سرية غير معلنة، وعليهم مرشد يحمل لقب نقيب الأسرة، يحفظون آيات من الذكر الحكيم وبعض الحديث الشريف ويقرأون بعض الفصول من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم ينسجون من ذلك كله عالما متخيلا، عالما كله خيال محض، يقوم على توهم أنهم -في معزلهم هذا- يمثلون الإيمان، وهم امتداد نضالي للمؤمنين الأولين الذين حملوا أمانة الدين الجديد وصمدوا بها في وجه المشركين في مكة والكفار في جزيرة العرب والعالم .

في داخل هذه العقلية، عقلية الخلية الضيقة، أو عقلية الكهف السري المنعزل، تتشكل البنية الذهنية – النفسية لأجيال من الإسلاميين يحملون تصورات غير مطابقة للواقع عن ذواتهم الفردية والجماعية ثم عن زمانهم ومكانهم ثم عن الدين ذاته ثم عن السياسة ذاتها ثم عن التاريخ الإنساني منذ كان، هذا العقلية – كمركب ذهني – نفسي – تنتج لأصحابها ما يرغبونه ويحبونه ويتمنونه ويشتهونه من واقع وأفكار وعوالم وسرديات تسعدهم وتمنحهم الرضا واليقين، وليس مهما إذا كانت خاطئة، فالخطأ عندهم غير وارد وحل محله اليقين المطلق.. فهم يعيشون باليقين المحض الذي لا شك فيه أنهم على صواب، وأن تنظيمهم خير تنظيم، وقيادتهم محل ثقة، وجماعتهم خير جماعة، وطريقهم هو الطريق الوحيد الذي لا بديل عنه ولا شك فيه من قريب ولا من بعيد .

***********

هذه العقلية، بهذه المواصفات، اندفعت بعد 25 يناير 2011م، دون احتراس، ودون حذر، ودون شك، ودون أدنى تقليب للأمور على كل وجوهها، اندفعت -تحت إغواء فراغ السلطة – إلى الوقوع في كل الفخاخ، وهم يتصورون أن التاريخ قد دانت مقاليده بين أيديهم، ولم يراودهم الشك أن التاريخ هو سلطان المكر وملك الدهاء .

كان العقل الطبيعي  يقتضي أن يقضموا ما يستطيعون مضغه، ثم يمضغوا ما يستطيعون بلعه، ثم يبلعوا ما يستطيعون هضمه، ثم يهضمون ما تستطيعه معدتهم، ثم ما يستطيعون تصريفه دون مضاعفات تضر بهم .

لكن عقل الخلية، أو عقل الكهف، قادهم في سياق ينتقلون فيه من تصورات خاطئة إلى قرارات خاطئة إلى سياسات خاطئة ثم إلى أكبر وأضخم صدام -في تاريخهم- مع الواقع الصحيح الذي لم يكونوا يعرفونه على حقيقته .

كان العقل الطبيعي يقتضي التريث وليس الاندفاع إلى أبعد حدود الاندفاع  بحيث تتم إدارة عملية انتقال هادئ منظم تدريجي :

– من وضع كانوا فيه ممنوعين من الاعتراف القانوني منذ صدامهم الأول مع الملك فاروق 1948م ثم صدامهم الثاني مع ثورة 23 يوليو في أزمة مارس 1954م .

– كانت الخطوة الأولى إذن الحصول على اعتراف قانوني بشرعيتهم داخل نظام الحكم .

– ثم تكون الخطوة الثانية تأهيل النفس وتدريبها على الحياة الطبيعية العلنية فوق الأرض بعد عقود من العمل السري تحت الأرض .

ثم تكون الخطوة الثالثة توسيع نصيب المشاركة السياسية في البرلمان والنقابات دون السعي للغلبة والاستحواذ .

ثم تكون الخطوة الرابعة تأجيل إغراء الترشح للرئاسة تأجيلا كاملا والاكتفاء بتأييد هذا أو ذاك 

ثم تكون الخطوة الخامسة تطبيعا هادئا للعلاقات مع عموم الشعب بكل نسيجه القومي .

ثم تكون الخطوة السادسة بتجديد الأفكار وتطوير التنظيم في اتجاه الحرية والديمقراطية .

ثم تكون الخطوة السابعة تذويب الشكوك المتبادلة مع الدولة وأجهزتها .

ثم تكون الخطوة الثامنة علاج مخاوف شركاء الوطن .

ثم تكون الخطوة التاسعة الخروج الآمن كهوف التنظيم إلى رحابة الوطن .

ثم تكون الخطوة الأخير تمصير المنظومة كلها والدخول في صميم الإطار الوطني .

***********

لم تسلك عقليةُ الخلية أو عقلية الكهف المنعزل ما يقتضيه العقل الطبيعي .

– ذهبت تكرر الأخطاء القديمة بحذافيرها، منحت نفسها للعسكريين حتى يتخلصوا من خصومهم ثم يستديرون للتخلص منها بسهولة ويُسر .

هذه العقلية لم تمارس ما يمارسه العقلاء من شك حين منحهم من أداروا الفترة الانتقالية بعد 11 فبراير 2011م من مزايا، فلم يساورهم الشك في: لماذا يُقبل ترشحهم ويُرفض ترشح اللواء عمر سليمان؟ ولماذا يُعلن فوزهم وليس فوز الفريق أحمد شفيق؟

***********

بكل يقين، الإسلاميون في محنة يتمزق لها قلب كل ذي ضمير حي.

وبكل يقين كذلك، هذه المحنة هم صانعوها وليس أحد سواهم .

وبكل يقين ثالثا، وهم -دون غيرهم- المسؤولون عن محنتهم، وعليهم يقع اللوم، ما بين قيادة اختارت الاندفاع في قلب المجهول، وما بين قواعد اندفعت وراء القيادة، بموجب ما لها عليهم من حق البيعة وواجب الطاعة، وهما معا: البيعة والطاعة فكر سياسي قديم لا يصلح لهذا العصر، لأنه لا يأتي بغير الكوارث على من بايع وبويع وعلى من أمر وعلى من أطاع .

**********

بإختصار شديد: شماتة الأموات سياسيا فيمن يتوفاهم الموت هي عنوان سياسي على ما هو أخطر :

وهو الاضمحلال التام والذي قد يكون مؤقتا وربما يكون دائما.

الجمعة، 14 يناير 2022

"ارحل يا سيسي" يتصدر ترند مصر بعد تعهده بالاستجابة


"ارحل يا سيسي" يتصدر ترند مصر بعد تعهده بالاستجابة
تصدر هاشتاغ "ارحل يا سيسي" قائمة الترند في موقع التواصل "تويتر" في مصر، ليل الخميس، عقب ساعات من تصريحات رئيس النظام في مصر بأنه على استعداد للرحيل الفوري من منصبه إذا كانت هناك رغبة شعبية في ذلك.
وقال السيسي خلال "منتدى شباب العالم": "أنا دايما بقول أنا مستعد في كل سنة أعمل انتخابات في مصر بشرط واحد. إن ثمن تكاليف الانتخابات ادفعوها انتوا -يقصد المجتمع الدولي- والناس لو قالت لأ هسيبهم وأمشي".
وأضاف السيسي: "مش هو ده المعيار ولا إيه، إرادة الناس في مصر هي المعيار. الناس في مصر مش عايزاني أو مش عايزانا نمشي علطول ويجي حد تاني".
ولم تمض ساعات كثيرة حتى وتصدر وسم "ارحل يا سيسي" في مصر.