الأحد، 23 يناير 2022

يوم اغتيال الشاعرة والناشطة الحقوقية المصرية شيماء الصباغ برصاص ضابط شرطة

يوم اغتيال الشاعرة والناشطة الحقوقية المصرية شيماء الصباغ برصاص ضابط شرطة


تحل غدا الإثنين 24 يناير 2022 الذكرى السابعة لاغتيال الشاعرة والناشطة الحقوقية المصرية شيماء الصباغ برصاص ضابط شرطة، والشهيدة الراحلة من مدينة الإسكندرية، كانت عضو في حزب التحالف الشعبي الاشتراكي المصري، لقيت مصرعها برصاص ضابط شرطة يوم السبت الموافق 24 يناير 2015 فى ميدان التحرير بالقاهرة أثناء مشاركتها مع عدد من أعضاء حزب التحالف الشعبي الاشتراكي في مسيرة سلمية لإحياء الذكرى الرابعة لثورة 25 يناير وتصدت لهم قوات الشرطة من قطاع الأمن المركزي قامت بالعمل على فض مسيرتهم السلمية بالقوة والرصاص الحى والقنابل المسيلة للدموع وسقطت شيماء الصباغ خلال معركة الشرطة ضد المتظاهرين السلميين مدرجة فى دمائها برصاص ضابط شرطة بقطاع الأمن المركزي يدعى الملازم أول ياسين حاتم، وقضت محكمة جنايات القاهرة بجلسة 19 يونيو 2017 بمعافبتة بالسجن المشدد لمدة 10 سنوات وإحالة الدعوى المدنية إلى المحكمة المختصة، ثم قبلت محكمة النقض، بجلسة اول يوليو 2020، طعن ضابط الشرطة قاتل شيماء الصباغ، على حكم السجن المشدد 10 سنوات، وقضت بإنزال العقوبة ضدة الى السجن 7 سنوات، وبذلك أصبح الحكم نهائيًا وغير قابل للطعن مرة أخرى.

الاخوان صعدوا بالسيسي الى منصب وزير الدفاع فانقلب عليهم وادخلهم السجون وصعد مكانهم للسلطة .. ثم اصبح باستبداده الحصان الأسود لعودة الاخوان من جديد للمشهد السياسي في مصر

رابط الموضوع فى حالة تجاوز حجب السلطات

الاخوان صعدوا بالسيسي الى منصب وزير الدفاع فانقلب عليهم وادخلهم السجون وصعد مكانهم للسلطة .. ثم اصبح باستبداده الحصان الأسود لعودة الاخوان من جديد للمشهد السياسي في مصر

الفراغ السياسي الذي صنعته ديكتاتورية ما بعد 30 يونيو وصلت بمنسوب الديمقراطية إلى نقطة الصفر وهبطت بمستوى المعارضة إلى مستوى العدم الكامل

الاخوان كرروا الخطأ القديم الذي ارتكبوه بعد 23 يوليو 1952 بإدارة ظهرهم للشركاء المدنيين والتحالف مع العسكريين وكرر العسكريون العواجيز بعد 25 يناير مع الإخوان التكتيكات نفسها التي سبق واستخدمها العسكريون الشبان بعد 23 يوليو


قبل عشر سنوات من الآن، وبالتحديد في النصف الأول من عام 2012، كان الإخوان على موعد استثنائي مع المقادير، كانوا على موعد يقين مع ذروة الوصول إلى كل شيء سعوا إليه، والحصول على كل شيء كافحوا لأجله منذ نشأتهم عام 1928 .

لم يلبثوا عند الذروة أكثر من اثني عشر شهرا، بعدها دخلوا في مواجهة ممتدة عبر السنوات العشر الأخيرة، ومازالت المواجهة قائمة سواء داخل مصر أو خارجها

سواء في 2012م أو في 2022م، سواء في لحظة الصعود الأخير أو في لحظة الهبوط العنيف، فإنهم كانوا ومازالوا جزءا مهما من الواقع، اختلفت مواقعهم في السلطة ومن السلطة، فانتقلوا من الشرعية إلى التوصيف بالإرهابية، وانتقلوا من السيطرة إلى الحظر، وانتقلوا من القصور إلى السجون والمنافي وتحت الأرض، وفي كل الأحوال فإن السنوات العشر الأخيرة -وبغض النظر عن موقعهم- هي سنوات الإخوان من زاويتين: من زاوية وصولهم لأعلى منصب وهو رئاسة مصر، ثم من زاوية اختيارهم لوزير الدفاع الذي حظي برضاهم ثم حل محلهم في رئاسة البلاد وأدار معهم صراعا ممتدا كان ومازال .

السؤال الذي تطرحه هذه المقالة: هل الإخوان لهم مستقبل سياسي؟

والجواب الذي تطرحه هذه المقالة: نعم لهم مستقبل سياسي بشروط، وليس لهم مستقبل سياسي إذا لم تتوفر تلك الشروط .

**********

الإخوان لهم مستقبل بالمعنى القريب، وأقصد بالمعنى القريب أن تتغير الظروف السياسية، وتظهر الحاجة لهم من جديد، سواء مصلحة الحكم أو مصالح إقليمية ودولية، فيتم رفع الحظر عنهم بمقدار الحاجة إليهم، وهم بدورهم يبدأون بالقدر المُتاح ثم يستغلون مهاراتهم الاتصالية والتنظيمية وإمكاناتهم التمويلية في إعادة بناء التنظيم من جديد من الإسكندرية إلى أسوان في أقل مدى زمني ممكن، يساعدهم في ذلك :

– الفراغ السياسي الذي صنعته ديكتاتورية ما بعد 30 يونيو التي وصلت بمنسوب الديمقراطية إلى نقطة الصفر واحتفظت بمستوى المعارضة كذلك عندى مستوى العدم الكامل .

– المظلومية السياسية التي يتقن الإخوان استخدامها في ترويج مشروعهم وذلك بتجنيد أجيال جديدة تسمع راويتهم وتصدقها وتتعاطف معها وتتبناها دون أن تشك فيها ودون أن تتساءل عن دور الإخوان في صناعة محنتهم بأخطائهم بالدرجة الأولى .

–  العاطفة الدينية لدى عموم المصريين من كافة الطبقات من أعلاها إلى قاعدة السلم الاجتماعي وبصفة خاصة الطبقة الوسطى التى تم ويتم إفقارها في السنوات العشر الأخيرة .

– التهميش الاقتصادي والاجتماعي الذي تعانيه الشرائح الدنيا من الطبقة الوسطى وخصوصا بين الطلبة والعمال والفلاحين .

– نموذج التنمية الخديوية – نسبة إلى التنمية المشوهة في الربع الثالث من القرن التاسع عشر – الذي تم اتباعه في حقبة ما بعد 30 يونيو 2013م وقد ترك خلفه غضبا كامنا لدى قطاعات واسعة من المصريين.

**********

بهذا المعنى القريب، وارد جدا، أن يعود الإخوان من جديد، وأن يبدأوا من جديد، وأن يستأنفوا مسيرتهم، وأن يصلوا من حبالها ما انقطع، وأن يكسبوا أرضا جديدة بين كافة شرائح المجتمع، ويتضخم التنظيم، ويكونوا القوة الأولى، ثم يكررون أخطاءهم، ثم يندفعون بأقوى سرعة، ويخبطون رؤوسهم بأقرب حائط، ويرتطمون فيها بعنف، حتى يتهشم كل شيء، ويتحطم كل شيء، وتنتهي الدورة التي في الغالب تسستغرق من الزمن ربع قرن أو أقل قليلا أو أكثر قليلا .

– حدث ذلك للمرة الأولى في قترة مابين الحربين العالميتين الأولى والثانية، كان للملك فؤاد ثم فاروق مصلحة في وجودهم من باب أن شعبيتهم المتزايدة تخصم من قوة الوفد خصمهما السياسي العنيد، وكانت للإنجليز فيهم مصلحة من باب أنهم ينحرفون بالقضية الوطنية من طلب الاستقلال وطرد الاحتلال إلى إعادة مجد الإسلام، وكانت لأحزاب الأقلية فيهم مصلحة يمنحونها فرص الانتشار وتمنحهم التأييد، وصل الإخوان إلى ذروة الانتشار، ووصلوا في التوقيت ذاته إلى أول حائط مسدود، وكان من نتائج الارتطام: مقتل رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي، ثم مقتل مرشد الجماعة، ثم حل الجماعة ذاتها .

– ثم حدث ذلك للمرة الثانية، مع تغير الظروف السياسية، وقيام ثورة 23 يوليو 1952م، وقد كان للثورة مصلحة في وجود الإخوان، فأعادت الشرعية إليهم، وحاكمت خصومهم، وردت الاعتبار إليهم، وألغت وجود كل الأحزاب، واستثنتهم من ذلك، وفي أقل من عامين، انقلبت العلاقة، وتم حل الجماعة، وهو الحظر الذي ظل مستمرا من 1954 إلى 2011م، من جمال عبدالناصر إلى المشير طنطاوي .

ثم حدث ذلك للمرة الثالثة، في الفترة من منتصف السبعينات وحتى قيام ثورة 25 يناير 2011م، حيث كانت للسادات ومعه السعودية مصلحة في وجودهم من باب مواجهة اليسار ومن باب الردم على إرث عبدالناصر ومن باب الود مع الأمريكان الذين بدورهم كانت لهم مصلحة مع الإخوان في إطار المواجهة مع السوفييت والشيوعيين في العالم الإسلامي.

ثم كانت لكل هذه الأسباب مصلحة لمبارك في وجود الإخوان مُضافا إليها سببا جديدا فقد كان يراهم قوة معتدلة يمكنها أن توازن الجماعات الأحدث الأكثر تطرفا، كما كان له مصلحة أخرى في وجود الإخوان وهي إضفاء المشروعية على مواجهته مع جماعات التطرف الجديدة التى تسيدت أعمال الإرهاب في عقدي الثمانينيات والتسعينيات. في عهد السادات استرد الإخوان وجودهم بعد انقطاع زاد على عشرين عاما، ثم في عهد مبارك ازدهروا كما لم يزدهروا من قبل، وفي عهده تغلغلوا وانتشروا وتمكنوا بما لم يحدث من قبل حتى في سنوات ازدهارهم الأولى خلال العشرين عاما من نشأتهم 1928 حتى مقتل مرشدهم 1849 .

– كان السر في تمكن وتغلغل وانتشار الإخوان في عهد مبارك أنهم أتقنوا دور القوة الإسلامية المعتدلة التربوية الإصلاحية الهادئة، وهذا ساعدهم ليس في مصر وحدها، لكن كذلك في دول الخليج دون استثناء، وقد كانت نتيجة كل ذلك أن راكموا ثروات ضخمة مكنتهم أن يكونوا في وقت واحد: قوة دعوة دينية، وقوة عمل سياسي، وقوة بيزنس ومال واستثمارات في شتى المجالات .

– وكانت الغلطة التي بدأت عندها مسيرة الهبوط ليست الترشح للرئاسة وليست الفشل في الرئاسة وليست المجهودات التي بُذلت لتفشيلهم في الرئاسة وليست ثورة 30 يونيو وليست ديكتاتورية ما بعد 30 يونيو، لم يكن شيء من ذلك هو النقطة التي بدأت من عندها مسيرة الانحدار، فمسيرة الانحدار بدأت بعد صلاة الجمعة 28 يناير 2011م، عندما تأكد سقوط النظام، وعندما تأكد فراغ السلطة، وعند لمعت أعينهم تحت إغراء السلطة الملقاة على نواصي الميادين وأرصفة الشوارع، في هذه اللحظة أقدم الإخوان على عدة أخطاء نزلت بهم من الذروة ووصلت بهم إلى ما وصلوا إليه:

– الخطأ الأول: العدول عن المنهج الإصلاحي المعتدل الذي تبنوه طوال عهدي مبارك ومن قبله السادات -والذي كان السر وراء بلوغهم الذروة- وإعلان أنفسهم قوة ثورية ظنا منهم وطمعا منهم أن ذلك من شأنه أن يمكنهم من ملء فراغ السلطة الذي أنجزته ثورة 25 يناير 2011 في المائة ساعة الأولى من الثلاثاء 25 حتى مساء الجمعة 28 يناير 2011 .

الخطأ الثاني: أنهم قرروا -بوعي أو بغير وعي-  بعد ثورة 25 يناير 2011 أن يكرروا الخطأ القديم الذي ارتكبوه بعد ثورة 23 يوليو 1952، وهذا الخطأ هو إدارة الظهر للشركاء المدنيين والتحالف مع العسكريين، وقد كرر العسكريون العواجيز بعد 25 يناير مع الإخوان التكتيكات نفسها التي سبق واستخدمها العسكريون الشبان بعد 23 يوليو، تم استخدام الإخوان في المرتين للقضاء على الخصوم والمنافسين، ثم الالتفات للإخوان والقضاء عليهم بعد أن يكونوا قد أدوا الغرض وانتفت المصلحة من بقائهم، هكذا فعل الضباط الأحرار عام 1954 ثم هكذا فعل المجلس الأعلى للقوات المسلحة عام 2013 .

الخطأ الثالث: الأسلوب الذي اتبعوه في إدارة الأزمة في 30 يونيو، فقد استندوا إلى مفهوم نظري هو الشرعية، وغفلوا عن واقع عملي وهو أن القوة التصويتية -وهي حقيقية وليست مزورة- التي جاءت بهم للرئاسة تكفي وحدها لاستمرارهم فيها ولو تحركت ضدهم قوى كثيرة ذات مصالح وذات مطامع وذات تأثير وذات نفوذ سواء داخل دولاب الدولة أو بين كافة شرائح المجتمع. القوة التصويتية كانت مهة ليصلوا للرئاسة، لكن قوى المصالح والمطامع والنفوذ والتأثير كانت أيضا مهمة حتى يستمروا في الرئاسة، وهذه القوى كانت تحتاج تكتيكات مختلفة في التعامل معها، لم تتوفر هذه التكتيكات للإخوان لسبب بسيط، فقد جاءوا للرئاسة على عجلة من أمرهم دون استعداد ذهني ودون تأهيل سياسي .

الخطأ الرابع: أنهم اعتبروا الرئاسة كل شيء، وقرروا أن يضحوا في سبيلها بكل شيء، وكان من الممكن -بعقلية سياسية وروح حكيمة- القبول بخسارة الرئاسة والاحتفاظ بكل ما دون ذلك وهو كثير، لو توفرت للإخوان قيادة تملك مثل هذه الحسابات لكان من الممكن أن يكون التاريخ قد تحرك في مسار مختلف تماما، خسارة قليلة، والاحتفاظ بكل ما أنجزوه في تاريخهم، والتريث لظروف أفضل .

الخطأ الخامس: أنهم بدل أن يتمهلوا ويعالجوا ما لحق بهم من أضرار جسيمة مادية ومعنوية انخرطوا في معركة ممتدة مع النظام الجديد في حرب استئصال جديدة فُرضت عليها وفرضوها على أنفسهم، فخرجوا من إسقاط مبارك، إلى إسقاطهم، إلى محاولتهم إسقاط خصومهم .

باختصار شديد: تكرار ازدهار ثم انكسار الإخوان دورة تاريخية ممكنة طالما بقيت الظروف تسمح بذلك، وهو نوع من الإجهاض التاريخي المتكرر، حيث يحدث الحمل ثم يسقط قبل الولادة أو يسقط – كما حدث في 2013 – بعدها بقليل.

**********

الذروة الفعلية لصعود الإخوان كانت  في عهد مبارك، وصعودهم للرئاسة بعده كان كاشفا لهذا الصعود وليس منشئا ولا مُنتجا له، بالعكس، كان الصعود للرئاسة بداية الانحدار حتى لو لم يحدث ما حدث، وحتى لو أكملوا فترتهم، وذلك لسبب جوهري: الإخوان هم أبناء القرن العشرين، استنفذوه واستنفذهم، واستهلكوه واستهلكهم، وقد فاتهم ورحل، وظلوا هم، مثلما كان  مبارك الذي ازدهروا في عهدة، حمولة زائدة على عاتق الزمن، وفائضا من فوائض التاريخ، وبقية من بواقي القرن العشرين ومخلفاته وأطلاله، يستوي في ذلك الإخوان، مع مبارك، مع حكم ما بعد 30 يونيو، مع كافة أشكال المعارضة القديمة بما فيها الوفد ومختلف قوى وفصائل اليسار .

يظل الإخوان معلما بارزا من معالم القرن العشرين، فبعد سنوات معدودة من ثورة 1919 كانت نشأتهم، وبعد سنوات معدودة من ثورة 25 يناير 2011 كانت نهايتهم، التي ربما تكون مؤقتة أي تكون نهاية لمرحلة من مراحل تاريخهم، وربما تكون نهاية دائمة حيث يشقون طريقهم إلى الاضمحلال التدريجي .

موقع الإخوان من القرن العشرين كان محوريا سواء نظرت إليه من زاوية محلية أو من زاوية إقليمية أو من زاوية عالمية .

1- من الزاوية المحلية كان الإخوان ردا جاء به القرن العشرون، على ما أصاب مصر من تغريب وأوربة واستعمار في القرن التاسع عشر.. كانت لدى محمد علي باشا المقدرة التي تمكنه من الاستفادة من أوروبا واللعب على تناقضات قواها المتنافسة والمتصارعة وفي الوقت ذاته يحمي استقلاله بمصر قدر المستطاع، هذه المواهب لم تتوفر لخلفائه من أنجاله وأحفاده، فانفتحت أبواب مصر أمام الأوربيين، يهاجرون إليها، ويقيمون فيها، ويسيطرون على اقتصادها، ويبشرون بمذاهبهم الدينية، ويسيطرون على صناعة القرار السياسي، حتى تحولت -بالفعل- إلى مستعمرة أوروبية في عهدي كل من سعيد وإسماعيل أي على مدى ربع قرن من 1854 إلى ، ثم تحولت إلى مستعمرة بريطانية بعد ذلك فقط بثلاث سنوات، ويذكر الدكتور محمد حسين هيكل في رسالته للدكتوراة في الاقتصاد حول ( ديون مصر العامة ) من جامعة السوربون بفرنسا عام 1912 أن سكان مصر في ذاك الوقت كانوا اثني عشر مليونا منهم خمسة ملايين من الأوروبيين، وبالطبع فرضوا ثقافتهم وقيمهم وعاداتهم وأخلاقهم مثلما فرضوا كلمتهم السياسية وخدموا مصالحهم الإقتصادية.  كان الإخوان جزءا من حالة دينية بزغت في نهاية القرن التاسع عشر مع جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ثم في مطلع القرن العشرين حيث ظهرت الجمعية الشرعية 1912، ثم جماعة أنصار السنة المحمدية 1926م ثم الإخوان المسلمون ثم تكاثرت الجماعات ما بين معتدلة ومتطرفة حتى زحمت المجال العام  واكتظت حياة المصريين بتخمة دينية لا ضرورة لها وإلى حالة من التشبع الزائد عن الحد بدأ يؤتي ثماره السلبية في تزهيد الناس فيها جميعا، فما بدأ في أول القرن ضرورة أصبح في نهايته زيادة لا لزوم لها .

2 – من الزاوية الإقليمية كان الإخوان جزءا من مطامح الإسلامية السياسية الطامحة للحكم، ففي العالم السني اكتمل المشروع الوهابي في الدولة السعودية الثالثة، وفي العالم الشيعي نجحت نظرية ولاية الفقيه في تأسيس الجمهورية الإسلامية في إيران، وفي جنوب وادي النيل قام نظام إسلامي -ذو جذور إخوانية- في السودان، ومن هذه التجارب وغيرها ثبت للشعوب أن فكرة الحكم الإسلامي ليست أكثر من حلم لذيذ في الخيال يتحول إلى كابوس مرير في الواقع .

3 – من الزاوية الدولية، نشأ الإخوان بعد سنوات معدودة من الثورة الشيوعية في روسيا 1917م وبداية الصراع الشيوعي – الرأسمالي، وكان الإخوان ومازالوا يُنظر إليهم بعيون الارتياح من القوى الغربية، سواء الإنجليز حين كانت الكلمة في الشرق الأوسط لهم، ثم الأمريكان من بعدهم، وقد أثبت الإخوان جدارة في هذا الصراع الدولي حيث اصطفوا مع الأنطمة المحافظة ضد ما كان يعرف بالأنظمة التقدمية، فقد انحازوا -باختصار شديد- إلى المعسكر الغربي ضد المعسكر الشرقي، وكان الإخوان وقود الحروب ضد الشيوعيين في اليمن ثم في أفغانستان.

**********

صحيح أن الإخوان فازوا بالأغلبية في الرئاسة، وأستبعد شبهات التزوير، لأنهم لم يديروا الانتخابات، إنما أدارها المجلس الأعلى للقوات المسلحة .

لكن الصحيح كذلك، أن صناديق الانتخابات سبقتها ثلاثة تفاهمات:

1- تفاهم بين الأمريكان والإخوان .

2 – تفاهم بين الأمريكان والمجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي كان مكلفا بإدارة شؤون البلاد .

3 – تفاهم بين الجيش والإخوان .

بموجب هذه التفاهمات لم يمانع الأمريكان في أن يحكم الإخوان مصر، ولم يمانع الجيش من ترشحهم ولا من فوزهم، لكن هذه التفاهمات ضمنت لهم الوصول فقط،  ولم تضمن لهم الاستمرار، ولم تضمن لهم البقاء، ولم تضمن لهم الخروج الآمن، ولم تضمن لهم العودة إلى المشهد من جديد .

**********

العودة بالعنى القريب للعودة، أي العودة في إطار دورات الإجهاض المتكرر الواردة جدا، فكل ما تفعله ديكتاتورية ما بعد 30 يونيو هو إبقاء موقع الإخوان شاغرا، فهي تخلق فراغا مهولا ييسر لهم مهمتهم، في حال تغيرت الظروف، وفي حال تغيرت التحالفات، وفي حال عودتهم لاستئناف نشاطهم في أجل قريب أو بعيد، لكنهم -بكل يقين- سيعودوا كما كانوا بقية من بواقي القرن العشرين ومجرد فائض من فوائضه ومخلفات مهمة من مخلفاته الكثيرة.

العودة ثم الانتشار ثم الازدهار ثم السيطرة ثم الانكسار ثم الانحدار سهلة جدا، وحصلت قبل ذلك، ومن الوارد أن تحصل من جديد، مع تغير الظروف وتغير التحالفات، لكنها تظل عودة مآلها هو الإجهاض الحتمي .

**********

السؤال: لماذا الإجهاض المتكرر حتمي في المستقبل مثلما كان حتميا في الماضي؟

ثم كيف يمكن تفاديه لتكون العودة دائمة لا تنتهي بإجهاض جديد؟

الجواب: في مقال الأربعاء المقبل بمشيئة الله تعالى.

الكاتب الصحفي أنور الهواري

يوم اعتقال الفريق سامى عنان رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية الأسبق

رابط فيديو البيان

يوم اعتقال الفريق سامى عنان رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية الأسبق فى مثل هذا اليوم قبل 4 سنوات الموافق 23 يناير 2018 بعد اعلانه الترشح فى الانتخابات الرئاسية 2018 ضد الجنرال السيسى

استمع الى نص بيان القيادة العامة للقوات المسلحة بشان عنان الذى أذيع قبل لحظات من اعتقالة

فى مثل هذا اليوم قبل 4 سنوات، وبالتحديد بعد ظهر يوم الثلاثاء 23 يناير 2018، صدر بيان من القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية تم بثه فى تلفزيون الدولة الرسمي ونشر على صفحات المتحدث باسم القوات المسلحة المصرية على مواقع التواصل الاجتماعى، اتهم فية، الفريق سامي عنان، رئيس أركان حرب القوات المسلحة الأسبق، الذي أعلن قبلها ببضع أيام الترشح فى الانتخابات الرئاسية 2018، التى جرت لاحقا خلال الفترة مابين 8 فبراير 2018 حتى 8 مايو 2018 واقتصر خوضها على الجنرال عبدالفتاح السيسى وفرد كومبارس امامة ظل طوال الحملة الانتخابية يدعو الى انتخاب السيسى ويؤكد أنه سيدلى بصوته فى الانتخابات للسيسى لانة وفق كلامه أصلح منة لحكم البلاد: ''بارتكاب مخالفات قانونية صريحة لقواعد ولوائح الخدمة لضباط القوات المسلحة''، و : ''بإن عنان أعلن الترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية دون الحصول على موافقة القوات المسلحة أو اتخاذ ما يلزم من إجراءات لإنهاء استدعائها له". كما اتهم البيان عنان بـ : "التحريض ضد القوات المسلحة المصرية في بيان ترشحه للرئاسة''، و"التزوير في المحررات الرسمية وبما يفيد إنهاء خدمته في القوات المسلحة على غير الحقيقة''. وبعد فترة وجيزة من بيان الجيش ألقى القبض على عنان وقدم للمحكمة العسكرية وصدر ضدة حكم بالسجن عشر سنوات. ثم أطلق سراحه لاحقا بعد قضائه نحو عامين بدعوى مرضية مقابل التزام عنان الصمت.

وإليك محطات هذا الحدث منذ البداية:

12 يناير 2018: سامي عنان يعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية 2018

وبدأت الأزمة حين أعلن الأمين العام لحزب مصر العروبة الديمقراطي سامي بلح، فى 12 يناير 2018، أنه اختار زعيمه رئيس الأركان المصري الأسبق سامي عنان مرشحا لانتخابات الرئاسية 2018.

23 يناير 2018: بيان صادر عن القوات المسلحة بخصوص عنان

وبعد نحو عشرة أيام من إعلان عنان ترشحه للانتخابات الرئاسية، أصدرت القوات المسلحة المصرية يوم 23 يناير 2018 بيانا تتهم فيه رئيس الأركان الأسبق بارتكاب مخالفات، معلنة فتح تحقيق بشأنه. وجاء في البيان: في ضوء ما أعلنه الفريق "مستدعى" سامي حافظ عنان رئيس أركان حرب القوات المسلحة الأسبق من ترشحه لمنصب رئيس الجمهورية، فإن القوات المسلحة لم تكن لتتغاضى عما ارتبكه المذكور من مخالفات قانونية صريحة مثلت إخلالا جسيما بقواعد ولوائح الخدمة. ووجهت إليه عدة تهم هي الترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية دون الحصول على موافقة القوات المسلحة، بالإضافة إلى التحريض الصريح ضد الجيش، والتزوير في المحررات الرسمية بما بقيد إنهاء خدمته في القوات المسلحة. وقرر المدعي العام العسكري حظر النشر فيما يتعلق بالتحقيقات الخاصة برئيس الأركان السابق سامي عنان.

23 يناير 2018: اعتقال عنان وتوقف حملته الانتخابية

وفي نفس اليوم 23 يناير 2018، أكد هشام جنينة الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات وهو أحد القيادات الرئيسية في حملة عنان أنه "تم القبض على عنان من مكتبه بالزمالك واقتياده للنيابة العسكرية في مدينة نصر (بشرق القاهرة) قبل صدور بيان القيادة العامة للقوات المسلحة". وأكد محمود رفعت المتحدث الرسمي باسم المرشح للرئاسة المصرية الفريق سامي عنان اعتقال الأخير، مشيرا إلى حملة توقيفات شملت أيضا 30 شخصا من أعضاء حملته. واعتبر المتحدث أن بيان القوات المسلحة المصرية "محض أكاذيب"، نافيا التهم المعلنة جملة وتفصيلا. وحمل رفعت الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي المسؤولية الكاملة عن صحة وسلامة الفريق عنان.

24 يناير 2018: استبعاد عنان من قائمة المترشحين للانتخابات الرئاسية 2018

وأعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات المصرية يوم 24 يناير 2018 استبعاد اسم رئيس أركان الجيش السابق سامي عنان من قاعدة الناخبين ما يعني استبعاده من قائمة المترشحين للانتخابات الرئاسية 2018، مرجعة قرارها إلى أنه "لا يزال محتفظا بصفته العسكرية"، التي تحول دون ممارسة الترشح والانتخاب.

12 فبراير 2018: التحفظ على أموال سامي عنان وأسرته

فى 12 فبراير 2018 صدر قرار المدعى العام العسكرى بالتحفظ على أموال سامي عنان وأسرته. ثم صدرت تصريحات عن هشام جنينة جاء فيها تهديدا بكشف أسرار تُدين النظام الحالي في حال تعرض عنان للتصفية. وعقب تلك التصريحات من جنينة ألقي فى اليوم التالى القبض على هشام جنينة في 13 فبراير 2018.

28 يناير 2019: الحكم أمام محكمة عسكرية بسجن سامى عنان عشر سنوات سجن

أصدرت محكمة الجنايات العسكرية، في جلسة سرية مساء يوم الإثنين 28 يناير 2019، حكماً بسجن عنان لمدة أربع سنوات عن تهمة تزوير استمارة الرقم القومي، بدعوى ورد فيها أنه فريق سابق بالقوات المسلحة ولم يذكر أنه مستدعى لا يزال رغم إحالته للتقاعد على ذمة القوات المسلحة، كما قضت محكمة الجنح العسكرية بحبس الفريق عنان 6 سنوات عن تهمة مخالفة الانضباط العسكري، وذلك بالإعلان عن نيته الترشح لرئاسة الجمهورية، و تحدثه عن أحوال البلاد، ليكون مجموع الأحكام العسكرية بالسجن ضد عنان عشر سنوات.

22 ديسمبر 2019: إطلاق سراح عنان من السجن

وظل عنان الذي كان يعد المنافس الأقوى أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي قرابة العامين قيد الاعتقال حتى خرج من السجن يوم 22 ديسمبر 2019. بعد قضاء حوالي عامين سجن من حكم عشر سنوات سجن، فى افراجا مشروطا بعدم خوض عنان الحديث سواء فى ملابسات القضية التى اتهم فيها بدعوى حظر تناول تفاصيل التحقيقات فيها، أو في أمور البلاد التى تسبب تعرضة لها فى دخوله السجن، ولا يزال عنان منذ خروجه من السجن غير قادر على الكلام حتى لا يعود مجددا الى السجن.

طفل الخطيئة

طفل الخطيئة


الخطورة الكبرى على مصر وشعبها ايها السادة ليست فى انحراف الجنرال الحاكم عبدالفتاح السيسى عن دستور الشعب الصادر فى يناير 2014 وسلب مستحقات ثورة 25 يناير الديمقراطية والاجتماعية وتلاعب في الدستور والقوانين ووضع دستور على مزاجه وتمديد وتوريث الحكم لنفسه ومنع التداول السلمى للسلطة وعسكرة البلاد وانتهاك استقلال المؤسسات والجمع بين السلطات واصطناع المجالس والبرلمانات والمؤسسات ونشر حكم القمع والاستبداد وخراب البلاد وإغراقها فى الديون الاجنبية الغير مسبوقة. لأن الجنرال السيسى مهما عظم جبروتة واستبداده فهو فى النهاية كومبارس. ولكن الخطورة الكبرى على مصر وشعبها تكمن فى قوى الظلام الجهنمية الخفية الأساسية التي عملت منذ البداية من خلف الكواليس. وبالتحديد عقب 30 يونيو 2013 مباشرة. وحتى قبل ان يدفعوا الجنرال السيسى الى ترشيح نفسه لمنصب رئيس الجمهورية والحكم وفرض الدساتير والقوانين والقرارات الاستبدادية والفاسدة والمنحلة باسمهم. لأنها تناهض إرادة الشعب المصرى فى تحقيق الحريات العامة والديمقراطية والتداول السلمي للسلطة ومدنية الدولة التى سوف تسلب هيمنتها الخفية على السلطة وتحرمها عبر العسكرة من غنائمها وتمنعها من ضرب الشعب المصرى بالجزمة بعد ان تمتعت بكل تلك السفالات عقودا من الزمن فى ظل أنظمة الحكم العسكرية المتعاقبة. مع كونها ترى بأن الشعب المصرى يجب حكمة بالعسكرة والمعتقلات والكرباج و ضرب الجزمة. وإذا لم يكن الجنرال السيسى قد رشح نفسه مدفوعا منها لاعادة مصالحها فى الانتخابات الرئاسية 2014 لكانوا قد وجدوا كومبارس غيره يحقق مآربهم الشيطانية. وكان السيسى كل امله بعد 30 يونيو 2013 ان يظل فى منصب وزير الدفاع أطول فترة ممكنة كمكافأة نهاية الخدمة لة. ودفع الجنرال السيسى ممثل الجيش فى اللجنة التأسيسية لإعداد الدستور لاقتراح مادة دستورية شاذة اسماها انتقالية غير موجودة فى دساتير كوكب الأرض بأن يظل وزير الدفاع في منصبه بعد الانتخابات الرئاسية لفترة دورتين رئاسيتين مدتهما 8 سنوات. بدعوى أنه يخشى انتخاب رئيس يقوم بالإطاحة به من منصب وزير الدفاع فور انتخابه. لذا عملت قوى الظلام الجهنمية الخفية الأساسية عقب 30 يونيو 2013 مباشرة. في تمهيد الأرض المحروقة لدسائسها الشيطانية. وشرعت بهمة لا تعرف الكلل. فور أداء المستشار عدلى منصور رئيس المحكمة الدستورية العليا حينها اليمين الدستورية أمام المحكمة الدستورية العليا فى 4 يوليو 2013 كرئيس الجمهورية الانتقالي المؤقت لمدة سنة. الذي كلف لاحقا الدكتور حازم الببلاوى فى 13 يوليو 2013 بتشكيل الحكومة الانتقالية المؤقتة لمدة سنة. فى تأسيس ائتلاف سياسي صورى فى قبو جهاز سيادى كبير أطلق عليه مسمى تسويقي يتمسح فى اسم مصر بوهم التغرير بالدهماء وهو ''دعم مصر''. و اسم دلع وهو ''فى حب مصر''. والذي انبثق عنه لاحقا مثل أذناب الاخطبوط الشيطانى حزب ''مستقبل وطن''. وأرجأ إنشاء صندوق مالي يستغل أمواله فى تسويق شعوذته ودعم استبداده تحت مسمى ''تحيا مصر''. الى حين وصوله للسلطة. وتم في البداية تكليف الدكتور كمال الجنزورى رئيس وزراء مصر الأسبق الراحل خلال نظام حكم الديكتاتور مبارك. قبل ان يخلفه جنرال راحل. ليكون ''متعهد'' التعاقد مع الفلول والاتباع وتجار السياسة والانتهازيين للانضمام للحزب الاستخباراتى الوليد تحت مسمى انتقالي مؤقت وهو ائتلاف ''دعم مصر''. قبل ان يتحول لاحقا الى اسم حزب ''مستقبل وطن''. والذي أطلق عليه الشعب المصرى مسمى ''طفل الخطيئة''. لما صاحب مسيرة ولاده حزب ''مستقبل وطن'' وتأسيسه و وصوله للسلطة و حوزته من العدم بقدر قادر على الأغلبية البرلمانية فى انتخابات برلمان 2015 وبرلمان 2020 ومجلس شيوخ السيسى 2020 الصورية وقيادته ورئاسته العديد من احزاب الهوان السياسية فى البلاد وبعضها ظلت منذ تأسيسها تتاجر في مبادئ المعارضة الوطنية. ليكون مع تشكيلة غريبة من تلك الأحزاب الانتهازية مطية للجنرال السيسى فى البرلمان الصورى لتحقيق مآرب قوى الظلام الجهنمية الخفية الأساسية عبر الجنرال السيسي. وأصبح ''طفل الخطيئة''. صاحب الأغلبية البرلمانية والكلمة العليا فى مصر. واستنسخ عنة مسمى ''برلمان السيسى واحد'' و''برلمان السيسى اثنين'' و ''مجلس شيوخ السيسي''. وقائد مسيرة أحزاب الهوان فى الطبل والزمر وتمرير الدساتير والقوانين المصطنعة للسيسي. وقيام الجنرال السيسى بتشكيل الحكومات الرئاسية بالنيابة عنه. و كما انه جرى من خلالة تقديم ''دستور السيسى'' الاستبدادى الباطل. و سيل ''تعديلات و قوانين السيسي'' الاستبدادية الباطلة. ورئيس وقائد التحالف السياسي المكون من 11 حزبا سياسيا من بينها احزاب ظلت معارضة أربعين سنة قبل ان تبيع القضية الوطنية مع مبادئها السياسية والشعب المصري للسيسي وشلته من قوى الظلام الخفية وخاض ما سمي انتخابات مجلس الشيوخ فى أغسطس 2020. وكذلك خاض ما سمى انتخابات برلمان 2020 في أكتوبر 2020. واصبح ''طفل الخطيئة'' لقوى الظلام الشيطانية الخفية واجهة حكم مصر بالجزمة ومنبع الساسة والحكام والوزراء والمحافظين والمسئولين فى مصر. وواجه مصر السياسية و الحضارية أمام العالم.

السبت، 22 يناير 2022

كتاب «في قلب الأحداث» لوزير الخارجية المصري الأسبق نبيل فهمي: الادارة الأميركية قبل الربيع العربي فضلت عمر سليمان كخليفة لمبارك بالمقارنة مع عمرو موسي وجمال ومبارك؟


كتاب «في قلب الأحداث» لوزير الخارجية المصري الأسبق نبيل فهمي: الأميركيون بحثوا عن خليفة لمبارك يضمن «المصالح» و{الاستقرار»

الادارة الأميركية قبل الربيع العربي فضلت عمر سليمان كخليفة لمبارك بالمقارنة مع عمرو موسي وجمال ومبارك؟

فهمي يستعرض في كتابه نصف قرن من التطورات الدولية والإقليمية والمصرية


القاهرة: صحيفة «الشرق الأوسط» الدولية

«في قلب الأحداث» كتاب لوزير الخارجية المصري نبيل فهمي يستعرض فيه نصف قرن من الأحداث الدولية والإقليمية والوطنية، تابعها عن قرب بصفته مواطناً طموحاً وشاهداً مباشراً وممارساً دبلوماسياً ومسؤولاً سياسياً.

«الشرق الأوسط» تنشر فصولاً من الكتاب في ثلاث حلقات؛ تتناول الأولى معايشة فهمي من منصبه كسفير لبلاده في واشنطن، تجارب الإدارات الأميركية في البحث عن خليفة للرئيس المصري حسني مبارك بعد اعتداءات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 ومع تقدمه بالعمر.

ومن قلب الحدث، يسرد فهمي ما لمسه من المسؤولين الأميركيين في تقييمهم للمرشحين المحتملين لخلافة مبارك، وسط تجاذب بين «نشر قيم الديمقراطية» من جهة، والحفاظ على المصالح الأميركية واستقرار النظام المصري من جهة ثانية.

وهكذا يحكي فهمي كيف سقطت أسهم عمرو موسى، إذ كان شخصية قيادية ذات نزعة استقلالية، ما يجعل التعامل معه صعباً. إضافة الى مواقفه القوية المؤيدة للفلسطينيين.

بعده، ارتفعت أسهم اللواء عمر سليمان، رئيس جهاز المخابرات، ذي التوجه الوسطي مع نزعة براغماتية قوية، والذي حظي بمكانة جيدة لدى واشنطن، قبل أن تبرد الرغبة الأميركية به.

ثم حاول الأميركيون الرهان على جمال مبارك لخلافة والده، لكن لقاءً مباشراً معه مع الرئيس جورج بوش بدعوة شخصية من الأخير، أسقط هذا الرهان.

ودائماً كانت جماعة «الإخوان المسلمين» ورقة عند الأميركيين منذ بدأوا تقبل «الإسلام السياسي»، فنسجوا علاقات متعددة المستويات معهم، مثيرين حساسية نظام مبارك.

بسبب تشابك العلاقات الاقتصادية والسياسية الكبيرة في الشرق الأوسط في نهاية القرن العشرين، كانت الأطراف العربية والأفريقية والدولية تتابع عن كثب ما يحدث بمصر في السنوات الأخيرة من حكم الرئيس مبارك. وكان هناك اهتمام غربي، خصوصاً من الولايات المتحدة، بالأوضاع السياسية في مصر. وكانت واشنطن تسأل بشكل مباشر، وأحياناً علناً، عن خليفة مبارك المنتظر. وازداد هذا الاهتمام مع تنامي القلق الأميركي من تطورات الأوضاع في الشرق الأوسط، بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001.

كانت الفكرة السائدة في واشنطن هي أن انتشار الديمقراطية أفضل وسيلة لحماية المصالح الأميركية في الخارج على المدى البعيد. وبعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول)، أصبحت التحركات لنشر الديمقراطية في العالم أقوى وأشرس.

مع تقدم مبارك في السن، لم تعد واشنطن تراهن عليه، كجزء من مستقبل الشرق الأوسط. وهي كانت محبطة لعدم وجود خطة واضحة لانتقال السلطة أو لخلافته وفق جدول زمني مقبول. لذا أصبحت حريصة على متابعة كل ما يتردد في مصر من شائعات بشأن ترشح مبارك من عدمه في الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في منتصف عام 2011، أو الشخصية المرشحة لخلافته إذا قرر التخلي عن السلطة. وقد رصدتُ لائحة لمرشحين محتملين لدى دوائر صناعة القرار في واشنطن. وأنا لا أستبعد أن يكون الأميركيون دعموا بعضهم، لكني لا أمتلك دليلاً مادياً على ذلك.

وفي أواخر التسعينات من القرن الماضي وأوائل عام 2000، كان عمرو موسى أول اسم مطروح لخلافة لمبارك، إذ كان يحظى بشعبية واضحة لدى مختلف قطاعات المجتمع المصري، لكنه لم يكن يحظى بدعم المؤسسات السياسية في الدولة، مثل الحزب الوطني الحاكم وأجهزة الأمن. ولو أجريت الانتخابات في 2000 و2005 بنزاهة ومن دون مشاركة مبارك، لكانت فرص فوزه كبيرة.

كسفير لمصر في واشنطن، كنت ألمس أن الأميركيين لا يحبون موسى. فقد كانوا يعتبرونه شخصية قيادية ووطنية ذات نزعة استقلالية، ما يجعل التعامل معه صعباً. إضافة إلى مواقفه القوية المؤيدة للفلسطينيين. وظهر هذا الموقف بوضوح في زيارته الأخيرة كوزير خارجية إلى واشنطن، قبيل انتقاله إلى جامعة الدول العربية في مارس (آذار) 2001.

وكان فريق عملية السلام في إدارة الرئيس بيل كلينتون أبلغ فريق خليفته جورج بوش، بأن وزارة الخارجية المصرية تتبنى مواقف متشددة وحماسية في الدفاع عن الحق الفلسطيني، وتعرقل الضغط على الفلسطينيين للقبول بما يُعرض عليهم لتسوية النزاع. لذلك كان عمرو موسى الأكثر استهدافاً من قبل الأميركيين والإسرائيليين.

بدا تأثير رسالة إدارة كلينتون واضحاً على تعامل مستشارة الأمن القومي الجديدة كونداليزا رايس مع موسى في أول لقاء لهما بعد تنصيب إدارة بوش. فقد تعاملت رايس معه بخشونة واضحة، وألقت عليه محاضرة سخيفة ومتعالية في طبيعة المشهد السياسي والمستقبل في الشرق الأوسط. وفوجئت شخصياً بصبر موسى وهدوئه، وتجنبه الدخول معها فيما يراه جدلاً لا طائل منه، مفضّلاً التركيز على التعاون المستقبلي مع واشنطن كأمين عام للجامعة العربية. وبعد هذا الاجتماع، أبلغت بوريس رايدل، الذي احتفظ بمنصبه كمساعد شخصي للرئيس وكبير مديري إدارة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي الأميركي، بأن لقاء موسى ورايس كان سيئاً وغير مجدٍ، وبأن المستشارة أخطأت بحق مصر وبحق موسى كثيراً.

المرشح الثاني لخلافة مبارك كان اللواء عمر سليمان، رئيس جهاز المخابرات العامة، وهو صاحب «خلفية عسكرية» وله خبرة كبيرة في العمل المخابراتي. وبناء على تعليمات مبارك، تواصل سليمان مع كثير من الشخصيات الدولية والأميركية بشكل خاص، من خلال منصبه كمدير للمخابرات.

عمر سليمان، ذو التوجه الوسطي مع نزعة براغماتية قوية، حظي بمكانة جيدة لدى واشنطن. وهو لعب دوراً مهماً في كثير من المواضيع المتصلة بالحرب على الإرهاب والعلاقات الفلسطينية - الإسرائيلية، وبالتالي كان له دور مهم بالنسبة للعلاقات العربية - الإسرائيلية.

المهم بالنسبة للأميركيين كان إيمان عمر سليمان بأهمية العلاقات المصرية - الأميركية. وكانوا يفضلونه كخليفة لمبارك، مع أنهم لم يصرحوا ولم يوحوا بذلك أبداً في حدود معلوماتي، إلا أنني كنت أشعر بذلك من خلال الطريقة التي كانوا يسألون بها عنه. وعلى الرغم من أنه لم يكن الخيار المفضل من منظور التحول الديمقراطي المنشود في مصر، فإن العقلية الوسطية القادرة على قيادة المجتمع المصري والحفاظ على المصالح كانت أهم لدى الأميركيين من الديمقراطية.

سليمان اعتاد زيارة واشنطن منفرداً مرة كل عام على الأقل، في إطار التعاون مع نظيره في وكالة المخابرات الأميركية، فيلتقي مسؤولين أميركيين يتم تحديدهم حسب التطورات الدولية والاقليمية وتطور العلاقات بين البلدين. وكنتُ أحضر لقاءاته كافة، بما في ذلك مقابلاته مع نائب الرئيس ديك تشيني أو رايس، أو أعضاء الكونغرس، لكن ليس لقاءاته مع مسؤولي أجهزة المخابرات، مكتفياً في هذا الصدد بما يقدمه من ملاحظات لاحقة عن هذه اللقاءات في إطار التعاون العام مع السفارة المصرية في واشنطن.

في زيارة له إلى واشنطن عام 2004 وبعدما استمع مني عن تركيز مراكز البحث الأميركية الحديث عن الاحتمالات المختلفة لمرحلة ما بعد الرئيس مبارك، في ضوء اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في مصر، مع مرور أكثر من عقدين على تولي مبارك السلطة، قال سليمان إن الأمور غير واضحة وكل شيء قابل للتغيير حتى آخر لحظة في مثل هذه الأمور، قبل أن يختم كلامه بأن الشائعات الخاصة بتعيينه نائباً لرئيس الجمهورية خلقت بلبلة وحساسية، وأن من الأفضل أن يعلن الرئيس قراره في هذا الشأن لتهدأ الأمور بصرف النظر عما سيتقرر لاحقاً بالنسبة لمنصب الرئيس. ومع مرور الوقت، تلاشت فرص سليمان وهدأت الشائعات مثلها مثل الشائعات التي سبقتها حول عمرو موسى.

المرشح الثالث المحتمل والأشد إثارة للجدل لخلافة مبارك، كان نجله جمال، باعتباره شخصية مثالية لـ«الأجندة الديمقراطية» الأميركية. فقد تلقى تعليماً غربياً وهو مؤيد للقطاع الخاص، وأصبح بدءاً من 2002 شخصية بارزة في الحزب الوطني الحاكم الذي يرأسه والده.

ولم يكن الأميركيون، الذين لا يحبون عمرو موسى وغير المتيّمين بعمر سليمان، حددوا موقفهم من فكرة وصول جمال مبارك إلى الحكم خلفاً لوالده. وكسفير لبلادي في واشنطن، كنت على تواصل دائم مع مراكز الأبحاث والمحللين في الولايات المتحدة لمتابعة النقاشات بشأن مصر، بما في ذلك ردود الأفعال على الشائعات بشأن المرشحين المحتملين للرئاسة. وكان المحللون الأميركيون يسألونني باستمرار عن المرشحين الثلاثة. وكما أتذكر، لم يسألني أي مسؤول أميركي حكومي عن جمال، مع أنهم بالتأكيد كانوا يتابعون صعوده السياسي الظاهر للعيان.

جمال مبارك زار الولايات المتحدة في مناسبات عديدة، أولاً كعضو غير رسمي أثناء زيارات والده السنوية، ثم كعضو في وفود غير حكومية خصوصاً تلك التي تمثل مجتمع الأعمال المصري. كما كان يأتي منفرداً في زيارات خاصة، ولكن بشكل نادر. وبمرور الوقت، لاحظت التغير في مزاجه العام ونبرته خلال هذه الزيارات. كان دائماً مهذباً، ومتحفظاً في حديثه عن الأحداث في مصر على مر السنوات. كما لاحظت أنه تحوّل من كونه محفزاً للتغيير، إلى شخص يؤكد الحاجة إلى استقرار نظام الحكم وأمنه. وفي واحد من آخر اللقاءات بيننا في واشنطن، سألته عن زيادة تركيزه على الأمن وما إذا كان ذلك يعكس هاجساً موجوداً في مصر، فلم يرد على السؤال بشكل مباشر، لكنه تحدث عن المخاوف من صعود التيارات الإسلامية وفي مقدمتها الحركات السلفية.

وخلال زياراته للولايات المتحدة، كانت سفارة مصر في واشنطن تراعي أنه نجل رئيس الجمهورية وتجنبه التعرض لمواقف حرجة، وتقدم له الخدمات والمجاملات المعتادة والعادية التي تقدمها السفارة لشخصيات المجتمع المدني المصرية التي تزور واشنطن. ولم يكن يطلب أكثر من ذلك، كما أنه لم يكن يحظى بأي معاملة استثنائية، أو يتم التعامل معه كشخصية رسمية، وأقصى صفة رسمية تم التعامل بها معه كانت باعتباره قيادياً في الحزب الحاكم.

ومع تجنب السؤال رسمياً عن مستقبله، لوحظ تنامي اهتمام المسؤولين الأميركيين بترتيب لقاءات مع جمال مبارك لتقييم توجهاته السياسية، أو لنقل رسائل غير رسمية لوالده.

وفي مايو (أيار) 2006، زار جمال مبارك الولايات المتحدة لتجديد رخصة طيرانه. وكما كان يفعل باستمرار، طار من القاهرة إلى مطار دالاس في واشنطن، ثم استقل طائرة في رحلة طيران داخلية إلى وجهته ثم اتخذ المسار نفسه في طريق عودته إلى مصر. وكان جمال مبارك يتصل بي عادة قبل وصوله إلى واشنطن، في طريق الذهاب والعودة. وفي زيارته تلك، تلقيت اتصالاً هاتفياً من مستشار الأمن القومي الأميركي ستيفن هادلي يطلب فيه مقابلة مبارك الابن عندما يصل إلى واشنطن في طريق عودته إلى القاهرة.

ونظراً إلى أن هذه المقابلة اتخذت طابعاً رسمياً، لأنني تلقيت طلباً بها من مسؤول أميركي، وبعد الحصول على إذن من الرئيس مبارك، رتبت الاجتماع، وذهبت مع جمال لمقابلة هادلي. ولم يكن هناك أي شيء سري في اللقاء. وكانت أغلب الأسئلة التي طرحها هادلي تتعلق بتطوير الحزب الوطني ودور القطاع الخاص في مصر. مع ذلك، سبّبت هذه الزيارة مهاترات عديدة وواسعة في القاهرة مع نشر تقارير إعلامية عما وصف بأنها المحادثات السرية التي أجراها جمال خلال وجوده في واشنطن. وزادت حدة الشائعات عندما قال البيان الصادر عن البيت الأبيض إن جمال مبارك كان في أميركا لتجديد رخصة طائرته وليس رخصة طيرانه. وتلقيت اتصالات هاتفية عديدة من وسائل الإعلام المصرية تسأل لماذا لم أصدر بياناً عن الاجتماع كما فعل البيت الأبيض، وكان ردي في ذلك الوقت وكما الحال دائماً: «أنا لا أصدر بيانات عن مقابلات المواطنين المصريين غير الرسميين في أميركا»، وأضفت أن «الأمر متروك لتقدير البيت الأبيض وللطرف المصري الآخر في اللقاء لإصدار بيان من عدمه». حينها أدركت أن الأميركيين باتوا يتعاملون مع جمال مبارك بصورة أكثر جدية، على الرغم من عدم طرح أي أسئلة مباشرة عن مسألة خلافة الرئيس.

وبعد عامين، وفي 2008 تحديداً، تلقيت اتصالاً هاتفياً غاضباً من الرئيس مبارك متحدثاً عن الهواة ومعدومي الخبرة من المسؤولين الأميركيين، الذين يعتبرون جمال خليفة له في الرئاسة. وبحرص، هدأتُ الرئيس لكي أفهم منه سبب غضبه، وأشار إلى وصول دعوة أميركية إلى جمال لزيارة البيت الأبيض ومقابلة الرئيس بوش. وبطريقة مهذبة، لكن صريحة، قلت له إنه لا فكرة لدي أبداً عن الدعوة واقترحت عليه سؤال جمال عنها. وبهدوء غيّر مبارك مجرى الكلام، وقال إن بوش أرسل الدعوة إلى جمال. وسألني عن كيفية التعامل معها. وبعدما تلقيت صورة من الدعوة من الرئيس، أدركت أنها كانت رسالة مكتوبة بخط اليد على أوراق بوش الشخصية.

وخلال دقائق عاد مبارك واتصل بي مرة أخرى وسألني عن رأيي، فأبلغته بأنها دعوة شخصية من حيث الشكل والمضمون، لذلك فإن قبولها أو رفضها يجب أن يكون من جانب جمال، وإن الزيارة إذا تمت فيجب أن تكون «زيارة شخصية»، حيث يلتقي جمال بمضيفيه من دون مرافقة أي مسؤول مصري من السفارة في واشنطن، فتريث الرئيس في الرد وأبلغني بأنه سيعاود الاتصال لاحقاً.

وبعد يومين، اتصل بي مبارك مجدداً، وقال إن جمال سيأتي إلى أميركا في «زيارة شخصية»، مشدداً على أنه يريد مني تحديد ما أعنيه بإجراءات زيارة شخصية، وبالتحديد التعامل معه بالمطار. وبدا في هذه المكالمة كأب وهو يسأل عن الجوانب اللوجيستية للزيارة. وشرحت له أن المساعدة التي ستقدمها السفارة ستكون فقط في حدود ترتيبات التنقلات بين المطار والفندق، كجزء من إجراءات المجاملة التي تقدمها السفارة لأي شخصية عامة مصرية تأتي لزيارة أميركا. وأوضحت له أن حصول أي مسافر على معاملة دبلوماسية في المطارات الأميركية يحتاج إلى حمله تأشيرة سفر دبلوماسية، أما في غير هذه الحالة فإن الشخص سيتلقى معاملة عادية، وقد يتعرض للتفتيش الذاتي من جانب رجال الأمن في المطارات.

وتمت الزيارة كما كان مخططاً لها من دون مشاركة من السفارة المصرية. وبعد انتهاء اجتماعاته مع بوش ونائبه ديك تشيني، وربما بعض المسؤولين الأميركيين الآخرين، اتصل بي جمال وطلب مقابلتي قبل عودته إلى مصر بعد ظهر اليوم التالي، فدعوته إلى الغداء في أحد مطاعم ميريلاند، ولم أسأله عن الاجتماعات، كما لم يتحدث هو عنها بالتفصيل، واكتفى بالقول إن الأميركيين طرحوا أسئلة عامة عن مستقبل مصر وليس عن أي شيء محدد. بالخبرة أدركت أن الأميركيين كانوا يريدون تقييمه.

وبعد أيام قليلة من الزيارة، تراجع الحديث داخل مجتمع مراكز الأبحاث الأميركية، أو على الأقل داخل المؤسسات البحثية المحترمة، عن خلافة جمال مبارك المحتملة لوالده. بالنسبة لي، كان الأمر بمثابة إشارة إلى أنه في حين كان الأميركيون يميلون إليه باعتباره شخصية ليبرالية مدنية، فإنهم بعد اللقاء أدركوا أنه لن يكون قادراً على إدارة دولة معقدة مثل مصر، في بيئة مضطربة مثل الشرق الأوسط، وأن المصالح الأميركية في الشرق الأوسط أكبر من أن تتم المخاطرة بها من أجل القيم الليبرالية. وأصبحوا يميلون إلى وجود مرشح قوى لخلافة مبارك يمكنه حماية مصالحهم في المنطقة، أياً كانت توجهاته.

وكان آخر الاحتمالات لخلافة مبارك بالنسبة للأميركيين يتمثل في جماعة «الإخوان المسلمون» وليس شخصاً محدداً. فقد أصبحت الإدارة الأميركية في عهد بوش، وبعده باراك أوباما، متقبلة لفكرة الإسلام السياسي، باعتباره مكوناً لا غنى عنه في المشهد السياسي بالشرق الأوسط. وباستثناء المحافظين الجدد، فإن كل أميركا في تلك اللحظة كانت مستعدة لاستيعاب الإسلاميين من دون دعمهم بشكل كامل. وازداد عدد أعضاء «الإخوان المسلمين» الذين يترددون على مراكز الأبحاث الأميركية ويشاركون في مؤتمرات حول أوضاع الشرق الأوسط، وأغلبها كان يعقد في قطر.

وتطورت علاقة السفارة الأميركية في القاهرة مع «جماعة الإخوان». فمنذ أوائل الثمانينات، ومع بداية حكم مبارك، بدأ اتصال السفارة بالجماعة عبر عناصر المخابرات، وبعد ذلك بدأت تختبر الموقف بشكل عرضي من خلال الدبلوماسيين التقليديين. وبمجرد قبول أوراق مرشحي الجماعة في انتخابات البرلمان المصري عام 2000، تغير الوضع وبدأ توجيه الدعوات للإخوان لحضور لقاءات في السفارة بشكل رسمي. المفارقة أن الحكومة المصرية التي تجاهلت الاتصالات الأولية بين السفارة والجماعة، بدأت تشكو منها عندما ازدادت اتصالات أعضاء البرلمان المرتبطين بالجماعة بالسفارة.

هذا التطور الجديد عزز نظريات المؤامرة لدى القيادة المصرية الأشد حساسية، في ظل تنامي حضور الإخوان السياسي. وأصبحت علاقة أميركا بالجماعة مصدر غضب للرئيس مبارك الذي أصبح أكثر تشككاً في نوايا الأميركيين. وازدادت الشكوك المصرية مع تصاعد دعوات الرئيس بوش إلى الإصلاح السياسي في مصر، وضرورة تغيير أنظمة الحكم في أماكن أخرى. وخلال سنواتي الأخيرة كسفير في واشنطن، زار مسؤولون مصريون كبار واشنطن بشكل متكرر، لسؤال الأميركيين مباشرة عن علاقاتهم بالإخوان. وعندما استقبل بوش رئيس الوزراء أحمد نظيف في المكتب البيضاوي في مايو (أيار) 2005، سأل الأخير الرئيس الأميركي عن الاتصالات مع الإخوان. وكان الأميركيون يراوغون وينفون وجود أي تقارب مع الجماعة، وهو أمر أبعد ما يكون عن الحقيقة.

بعد ذلك أصبح ملف الإخوان حاضراً على جدول أعمال أي مسؤول مصري يزور أميركا. وكانت برقياتي للقاهرة تؤكد باستمرار أن واشنطن في الواقع لديها قنوات اتصال مع الإخوان. وأعدت تأكيد أن أميركا غيّرت طريقة تعاملها مع الدول الصديقة بعد الإطاحة المفاجئة بحكم الشاه في إيران عام 1979، فبدأت تتواصل مع الجميع. ونتيجة ذلك وبعد وقت قصير من زيارة نظيف لواشنطن عام 2005، عقد مبارك اجتماعاً رفيع المستوى مع المسؤولين المصريين، الذين زاروا الولايات المتحدة لمناقشة علاقة أميركا بالإخوان. كان مبارك منزعجاً جداً من التناقض بين الموقف الأميركي المعلن بعدم التواصل مع الإخوان، والاتصالات القوية السرية بينهما. وأمر مبارك السفير سليمان عواد الذي كان يشغل منصب المتحدث باسم الرئاسة، أن يتصل بي بشكل عاجل ويطلب مني إرسال مذكرتين؛ الأولى بشأن العلاقات بين أميركا والإخوان، والثانية كانت خاصة بالتعاون العسكري. وعندما سألته عن سبب العجلة في هذا الطلب، قال إن الرئيس يريد أن يناقش مع المسؤولين المصريين تقييمي لهذه العلاقة إلى جانب معلومات أجهزة المخابرات المصرية حولها.

والحقيقة أن قراءتي العامة للموقف الأميركي أثناء حكم الرئيس بوش الابن تجاه القيادة المصرية، وقبل عشر سنوات من خروج مبارك من الحكم، كانت تشير إلى أن الأميركيين كما هم دائماً نفعيون للغاية. ومع بداية القرن الحادي والعشرين، ووصول مبارك إلى سن 72 عاماً، كانت أميركا تستعد لمرحلة ما بعد مبارك. ولإنجاز هذه المهمة، بدأ الأميركيون يتابعون أي مرشح محتمل لخلافة مبارك ويمكنه حماية مصالحهم، بغض النظر عما إذا كان ديمقراطياً أم لا. وكان هذا هو سبب تفضيلهم لعمر سليمان على كل من عمرو موسى وجمال مبارك.

وكانوا يرون أنه في حال عدم وجود مرشح من المؤسسة الأمنية، سواء من الجيش أو الشرطة، فستكون أمام جماعة الإخوان فرصة جيدة للوصول إلى السلطة بفضل قدرتها على الحشد وقاعدتها الشعبية الواسعة. وهذا هو السبب الرئيسي الذي جعل الرئيسين كلينتون وبوش يتابعان ثم يتقربان بحذر من الجماعة.

لعنة العسكر فى التمديد والتوريث تطارد الشعب المصرى!! هل يفلح محمود السيسى فيما فشل فيه جمال مبارك؟! هل يطلُ مخطط التوريث برأسه مرة أخرى؟!


لعنة العسكر فى التمديد والتوريث تطارد الشعب المصرى
!!
هل يفلح محمود السيسى فيما فشل فيه جمال مبارك؟!

هل يطلُ مخطط التوريث برأسه مرة أخرى؟!


استوقفنى شاب فى نهاية الثلاثينيات من العمر:

هل انت د. القزاز؟

 نعم.

لكن شكلك تغير.

السن وحكمه.

لا.. بل الظلم وعمايله..

عقدت الدهشة لسانى. تسمرت فى مكانى. توقف عقلى عن التفكير والرد. يبدو انه لاحظ اندهاشى. انفجر مستغلا صمتى: مش حرام عليك اللى عملته فى الرئيس د. محمد مرسى، دم رابعة فى رقبتك.. اللى وقفت معاه مارحمكش.. وحسنته الوحيدة معاك وامثالك انه سجنكم.. يا اللا.. دوقوا.. اديكم مارضيتوش بمرسى ولا جمال مبارك.. أهو جاى لكم محمود ابن عبدالفتاح السيسى يشكمكم.. ويعلمكم الأدب اكتر واكتر.. المرة دى مش هتقدروا تقولوا "كفاية" ولا "لا للتمديد لا للتوريث" ولا ارحل يامرسى. الرئيس مرسى اعتمد على الاخوان مانفعهوش.. جمال مبارك اعتمد على الامريكان مانفعهوش.. ده بيعتمد على الأقوى.. على اسرائيل، كل شويه عنديهم بترتيبات.

 كلماته طلقات رصاص سريعة كسرعة طلقات البندقية الآلى، لم استطع ايقافها والرد عليها. أنهى كلامه" تقدر تعمل حاليا اللى كنت بتعمله ايام مبارك والدكتور مرسى!!  أجبت بسرعة دون أن أدرى: لا. تركنى وانصرف وهو يدعو لى باتقاء الله فى أيامى الأخيرة، ولا أعرف ان كان يواسينى او يشمت فى وهو يشد انتباهى لضعف بصرى.

لا أنكر ان المفاجأة قيدت خطواتى، وجعلتنى اتكأ على سور حجرى، عليه بقعة شمس مسروقة من ضباب الشتاء القارس وظلمة النهار. حاولت استعادة ذهنى وترتيب افكارى. النتيجة ان البدايات متشابهة للواء محمود عبدالفتاح السيسى والسيد جمال مبارك، الفارق ان محمود السيسى توجه للخارج مباشرة وجمال مبارك توجه للداخل. كون جمال مبارك شلة من أصدقائه معاونين له، عمدت على اقصاء والده وإدارته إقصاءً ناعما، وحكمت باسمه الدولة. بات مبارك الرئيس الصورى وأصبح ابنه جمال الرئيس الفعلى، بعدما توسعت سلطات جمال مبارك وتغلغل نفوذه في مفاصل الدولة صار هدفا سهلا لنيل المعارضة منه نكاية فى والده. توالى الخراب، ثم كانت ثورة  25 يناير 2011 ، بعد ثلاثين عاما زال ملكهم، وأدينوا في قضية مخلة بالشرف بحكم قضائى.

فى هذه الأوضاع البائسة مصر لا تحتمل ثورة ولا تحتمل سياسات النظام الحاكم. ولأننى من المؤمنين بأن التاريخ يكرر نفسه مهما تغيرت الأزمنة إذا تشابهت الظروف فى الظلم، أرى أن الانفجار قادم سواء فى ثورة أو انقلاب أو انتفاضة شعبية أو انفلات أمنى وفوضى.

شواهد الانفجار كالبركان لايُعرف موعده، وشواهده؛ ارتفاع الأسعار وزيادة الفقر، عسكرة الحياة المدنية وتحميل الجيش ما لا يطيق، مما قد يؤدى إلى قطيعة ومواجهة -لا قدر الله- بينه وبين الشعب، بالرغم من أن الجيش جيش الشعب، والشرطة شرطة الشعب والقضاء قضاء الشعب، بعبارة أخرى كلهم أبناء هذا الشعب، يعملون لصالحه ولم يأتوا من خارجه. زيادة مستنقع الديون الخارجية والداخلية لدرجة تغرق مصر فيه، فتخسر استقلالها وحرية قرارها. التفريط فى الأرض والنهر. تجريد المصريين من ممتلكاتهم الخاصة والعامة، وفرض الأتاوات تحت مسمى المصالحات، ونقص الخدمات، وصفحات التواصل الاجتماعى تعج بالكثير ألما وشكوى. والأخطر أو المعجل بالانشطار النووي والانفجار الشعبى، هو ولوج اللواء محمود عبدالفتاح السيسى من ثقب الباب خلسة لصدارة المسرح السياسى وتوليه أو الاستيلاء على الملف الأمنى مع العدو الإسرائيلى لمصر (اتمنى ان ينفى او يوضح متحدث رئاسة الجمهورية ما ينشر). قد يكون محمود السيسى مؤهلا مهنيا لما يقوم به لكن فى النظام الحمهورى ظهور ابناء الرؤساء بخطى واسعة عن احجامهم غير وارد، ونذير شؤم على ابائهم وعلى استقرار دولهم، فابن الرئيس ليس بوريث ولا ولى عهد الرئيس يقوم بمهام نيابة عنه كما في النظام الملكى. فى الجمهوريات الغربية التوريث غير موجود، ونحن نرفضه، وكما قال احمد عرابى زعيم الثورة العرابية -أو لم يقلها كما يدعى البعض- للخديوى توفيق، فها نحن أحفاده نقولها، ونضيف عليها بملء الفم عن رضا وقناعة وتحمل النتائج مهما كانت: "نحن لسنا تراثا ولا عقارا ولن نورث بعد اليوم حتى لو كنا فى السجون أو داخل القبور، وما الحياة إلا لحظة حرية بكرامة".

لماذا لم يتعلم الحكام العرب الدرس ممن سبقوهم مباشرة ويصرون على تكرار نفس الخطايا وأكثر؟! هل هو غرور فرعون أم غباء وجهل هتلر؟! هل يستعين محمود السيسى بإسرائيل كما يستعين بها أمراء الخليج لتثبيت نفوذ اسرهم وتوريثهم الحكم؟

 قد لا ينجح الشعب المصرى في حكم نفسه مدنيا ديمقراطيا لكنه ينجح في الإطاحة بمستبديه. مصر ليست مملكة ولا مشيخة صنعتها الامبرياليات الغربية في غفلة من الزمن تتحكم فيها وتغير عاداتها وتقاليدها ودينها، مصر أقدم دولة وأعرق حضارة في التاريخ وان عانت. مصر هِبِة المصريين وليست هبة بريطانيا ولا أمريكا ولا فرنسا.

الوضع أخطر مما يتصوره عاقل، والمجتمعات المنقسمة على نفسها لا تعرف الثورات الهادفة، بل تعرف معارك الثأر والانتقام وتصفية الحسابات. ولخطورة الوضع يرى د. حسن نافعة أن الحل الآمن يأتي بالتغيير من داخل النظام تجنبا للفوضى، وقد يكون بنى موقفه (افتراضية منى؟) على مبادرة المشير السيسى في الاحتفالية الرابعة (يناير 2022) لشباب العالم بعمل حوار داخلى مع القوى المدنية. الحوار الجاد مطلوب بين مكونات الشعب، لتشخيص الوضع والاعتراف بالأخطاء، وصياغة عقد اجتماعى جديد، يحدد طريقة الحكم، يكون الجيش جزءً منه لا مسيطرا عليه. هذا الطرح لن تقبله السلطة لثلاثة أسباب: الأول أنها تحتكر الحقيقة والصواب وتعشق العناد ولديها غرور القوة، والثانى وجود الانقسامات الحادة في المجتمع بل وفى الحزب الواحد، ثالثا النخب المضَلِلة أصحاب المصالح في كل زمان ومكان. السببان الثانى والثالث يمكن تخطى عقبتهما لو كانت السلطة جادة في حوار منقذ، وعقد اجتماعى جديد، وديمقراطية حقيقية محدودة المدة ومحددة الفترة تسمح لأى مواطن بالترشح للرئاسة سواء ابن العامل البسيط في الأرض أو ابن الرئيس الأجير عند الشعب.

أعرف أنه نظام عنيد لا يستجيب إلا لوحيه، وهو المسؤول الأول والأخير عن الخنقة التى ستفجر الدولة عاجلا أو آجلا، وله في مصير مبارك عظة وعبرة.. ينتفض الشعب وإن أخفق يستلم الجيش.. تغيير رأس برأس. الجيش عرفناه وطنيا لاينحاز لأفراد حتى وان كان القائد الأعلى للقوات المسلحة. اللهم احفظ مصر وشعبها، واهدنا جميعا سواء السبيل.

 #المقاومة_هى_الحل

د. يحيى القزاز

رابط الموضوع

https://www.masafapress.com/2022/01/blog-post_601.html

محور الشر .. التحالف المتنامي بين القاهرة وباريس الذى وصل الى العملية سيرلى لقتل المدنيين فى صحراء مصر الغربية بزعم انهم ارهابيين وفرض منظومة تجسس واسعة النطاق ضد المصريين أدى إلى تنسيق كبير في السياسة الخارجية وتداعيات سياسية واقتصادية خطيرة في كل من مصر وفرنسا

رابط التقرير

مركز كارنيغي للشرق الأوسط - مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي '- 'الأمريكي'':

محور الشر .. التحالف المتنامي بين القاهرة وباريس الذى وصل الى العملية سيرلى لقتل المدنيين فى صحراء مصر الغربية بزعم انهم ارهابيين وفرض منظومة تجسس واسعة النطاق ضد المصريين أدى إلى تنسيق كبير في السياسة الخارجية وتداعيات سياسية واقتصادية خطيرة في كل من مصر وفرنسا


في الحادي والعشرين من نوفمبر ، قامت المنظمة الفرنسية غير الحكومية Disclose بتسريب مجموعة من الوثائق الاستخبارية والعسكرية الفرنسية السرية ، والتي كشفت عن تحالف واسع بين الدولة الفرنسية والحكومة المصرية. كشف التسريب ، الذي أطلق عليه اسم " جريدة مصر " ، عن كشفين رئيسيين: الأول يتعلق بعملية سيرلي ، التي بدأت في 13 فبراير 2016 ، في الصحراء الغربية بالقرب من الحدود الليبية. وبحسب الوثائق ، فإن ضباط المخابرات والطيارين والفنيين الفرنسيين اندمجوا في صفوف القوات المسلحة المصرية بهدف معلن هو محاربة المسلحين المشتبه بهم الذين تسللوا إلى حدود 1200 كيلومتر مع ليبيا. 

وفقًا للوثائق الفرنسية المسربة ، أدت العملية أيضًا إلى انتهاكات لحقوق الإنسان ، والتي أكدتها أيضًا تقارير وسائل الإعلام المحلية التي وثقت حالة قتل فيها ثلاثة مدنيين في غارة جوية في الصحراء الغربية في يوليو 2017 وكذلك مقتل 21 مكسيكيًا . سائح في عام 2015 ، أيضًا في غارة جوية في الصحراء الغربية. يدور الكشف الثاني حول نشر أنظمة المراقبة الإلكترونية المتقدمة للغاية Nexa Technologies و Ercom و Suneris و Dassault Systèmes - وكلها شركات فرنسية. تمت الموافقة على البيع ، في عام 2014 ، من قبل وزارة الاقتصاد الفرنسية ، برئاسة الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون في ذلك الوقت. 

يقوم التحالف بين الدولة الفرنسية والحكومة المصرية على مجموعة معقدة من المصالح المالية ، وأهداف السياسة الخارجية الموازية ، والصلات الأيديولوجية. وعلى وجه الخصوص ، تشمل هذه المصالح المالية المشتركة صفقات أسلحة ضخمة بين القاهرة وباريس. بين عامي 2016 و 2020 ، زادت صادرات الأسلحة الفرنسية بنسبة 44 في المائة مقارنة بالفترة 2011-2015 ، حيث حصلت مصر على 20 في المائة من صادرات الأسلحة الفرنسية - مما يجعلها ثاني أكبر عميل للأسلحة الفرنسية بعد الهند. كانت أغلى عمليات الشراء حتى الآن هي طائرات رافال الفرنسية ، التي تم شراؤها في صفقتين كبيرتين للأسلحة في عامي 2015 و 2021 ، بقيمة 5.2 مليار يورو .و 4.5 مليار يورو على التوالي. وتجدر الإشارة أيضًا إلى هيكل صفقات الأسلحة هذه: يتم تمويل بعض أكبر عمليات نقل الأسلحة من خلال قروض فرنسية ، بما في ذلك قرض بقيمة 3.2 مليار يورو في عام 2015 بالإضافة إلى قرض لم يتم الإفصاح عنه لتمويل آخر صفقة بقيمة 4.5 مليار يورو في عام 2021 . طبيعة النظام الضريبي المصري ، حيث تتحمل الطبقات الدنيا والمتوسطة العبء الضريبي ، يعني أن هذا الترتيب ينقل بشكل فعال الثروة من الطبقات الدنيا والمتوسطة إلى صناعة الأسلحة الفرنسية.

وهذا يعني أيضًا أنه إلى جانب الأرباح من صفقات الأسلحة ، فإن مدفوعات الفائدة توفر وسيلة أخرى للربح للدائنين الفرنسيين ، بما في ذلك الدولة الفرنسية. انعكست أهمية صفقات السلاح هذه للدولة الفرنسية في هيمنة الجيش الفرنسي ، وليس وزارة الخارجية الفرنسية ، في إدارة علاقة الدولة بالحكومة المصرية.   

لا يقتصر هذا النمط من التمويل على صفقات الأسلحة ، حيث استثمرت فرنسا 4.6 مليار يورو في مشاريع البنية التحتية للحكومة المصرية. تم التوقيع على الصفقة في 14 يونيو ، وتشمل 800 مليون يورو في شكل قروض حكومية ، و 1 مليار من الوكالة الفرنسية للتنمية ، ووكالة التنمية الفرنسية ، و 2 مليار يورو في شكل قروض بنكية بضمان الدولة الفرنسية. سيتم تنفيذ المشاريع من قبل شركات فرنسية.

بالإضافة إلى تسهيل تدفقات رأس المال وتحويل الثروة إلى فرنسا ، تمتلك فرنسا ومصر أهدافًا متشابهة في السياسة الخارجية ، وعلى الأخص في ليبيا. قدم كلا الحزبين الدعم للجنرال الليبي ، والمرشح الرئاسي الآن ، خليفة حفتر في جهوده لانتزاع السلطة من حكومة الوفاق الوطني في طرابلس ، التي كانت في ذلك الوقت الحكومة المعترف بها دوليًا في طرابلس (بين 2019- 2020). أدت هذه السياسة ، من بين عوامل أخرى ، إلى تفاقم الحرب الأهلية في البلاد وشجعت الجنرال على محاولة الاستيلاء على طرابلس بالقوة ، الأمر الذي أدى في النهاية إلى نتائج عكسية .نتيجة للتدخل التركي المكثف في يناير 2020. كما يعارض الحليفان بشدة الوجود التركي في ليبيا ؛ بعد هزيمة حفتر في طرابلس ، هدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالتدخل العسكري المباشر وأعلن أن أي محاولة من قبل قوات حكومة الوفاق الوطني المدعومة من تركيا للسيطرة على مدينة سرت ستكون بمثابة تجاوز للخط الأحمر بالنسبة للأمن القومي المصري. وردد ماكرون هذا الشعور ، حيث صرح في يونيو 2020 أن فرنسا "لن تتسامح مع دور تركيا في ليبيا" ، ودعا تركيا إلى سحب قواتها. وتجدر الإشارة ، مع ذلك ، إلى أن العلاقات المصرية التركية أظهرت منذ ذلك الحين بوادر تحسن. على الرغم من تهدئة التوترات هذه ، إلا أن تركيا رفضت ذلك دعوات السيسي وماكرون لسحب القوات الأجنبية من ليبيا. نتائج التقارب لا تزال غير واضحة ، وتخفيف المواقف لا يزال يلوح في الأفق.

أخيرًا ، أظهر كل من ماكرون والسيسي تشابهًا أيديولوجيًا ملحوظًا فيما يتعلق برغبتهم في "إصلاح" الإسلام ، وبالتالي ، معارضتهم الشديدة للإسلام السياسي. ومن المثير للاهتمام أن كلاهما يهدف ، في سياقات مختلفة ، إلى ملاءمة الخطاب الإسلامي المُسيَّس وإخضاعه لسيطرة الدولة. على سبيل المثال ، في أكتوبر 2020 ، وصف الرئيس ماكرون الإسلام بأنه "دين في أزمة" ، بينما أعلن نية حكومته إصدار قانون لمكافحة "الانفصالية الإسلامية". تلا ذلك صدور قانون في كانون الأول (ديسمبر) ، عزز ذلك إشراف الدولة على المدارس والمساجد والأندية الرياضية ، مما سمح للمسؤولين الحكوميين بإغلاق المساجد وحل المنظمات الدينية دون أمر من المحكمة. على الرغم من أن الإسلام لم يذكر صراحةً في القانون ، فليس هناك شك في أنه يستهدف المسلمين الفرنسيين. يجب النظر إلى هذا التغيير في السياسة في سياق المنافسة المتزايدة بين ماكرون واليمين المتطرف في مجال السياسات النووية - وبشكل أكثر تحديدًا تلك التي تتعلق بالهجرة والأقليات ومكان الإسلام والمسلمين في فرنسا. من ناحية أخرى ، قام الرئيس السيسي مرارًا وتكرارًادعا إلى التجديد الإسلامي في محاولة لترسيخ سيطرة الحكومة على الخطاب الديني والقضاء على المراكز الاجتماعية المتنافسة: الأزهر ، المؤسسة الدينية الرائدة في البلاد. يمكن فهم محاولات الحكومة لفرض سيطرتها على الخطاب الديني في سياق محاولتها لمركزية السلطة الاجتماعية وخلق نسخة من الإسلام ترعاها الدولة وترسخ في روح اجتماعية محافظة بشدة. على الرغم من اختلاف السياق ، فإن هذا التطابق الأيديولوجي لافت للنظر ، لأنه يوضح جزئيًا التبرير الأيديولوجي للدعم الفرنسي لحكومة ذات سجل فظيع من انتهاكات حقوق الإنسان.

قد تهدد تداعيات التحالف بين ماكرون والسيسي الاستقرار الإقليمي طويل المدى لكل من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأوروبا. إن الدعم الفرنسي للحكومة المصرية لا يقلل من القمع ويساهم في إفقار الطبقات المتوسطة والفقيرة في مصر. من المهم أيضًا ملاحظة أن التحالف بين السيسي وماكرون جزء من سياسة أوروبية أوسع، مع دول مثل إيطاليا وألمانيا تتبع إجراءات متشابهة جدًا من حيث صادرات الأسلحة والمعاملات المالية ، وإن كان ذلك بطريقة أقل وضوحًا. إذا استندت هذه العلاقات إلى سياسة تجاهل انتهاكات حقوق الإنسان والضغوط الاقتصادية ، فلن تؤدي إلا إلى زيادة الاضطرابات الاجتماعية والتطرف العنيف وربما تشجع تدفق اللاجئين بسبب تفاقم القمع وتدهور الظروف المعيشية.