الأحد، 5 أبريل 2020

من وراء القضبان.. هكذا يعيش أهالي قرية «الهياتم» في الحجر الصحي.. مأساة اهالى إحدى مناطق العزل الصحى فى مصر


هكذا يعيش أهالي قرية «الهياتم» في الحجر الصحي

مأساة اهالى إحدى مناطق العزل الصحى فى مصر

لم تستطع أشجان سيد السقا، وهي أم لطفلين، أن تصرف مبلغًا ماليًا أرسله لها زوجها على مكتب بريد قرية الهياتم بمدينة المحلة الكبري بمحافظة الغربية، بسبب غلق مكتب البريد، بعد أن عُزلت القرية خلال الأيام الماضية. يعمل زوج أشجان عاملًا في ليبيا، وهي تعيش هُنا في «الهياتم» مرافقة للطفلين. 

جاء قرار عزل قرية بعد اكتشاف عشر حالات إيجابية بفيروس كورونا المُستجد «كوفيد 19»، وتطبيق الحَجر الصحي لمدة 14 يومًا مع إلزام المواطنين بالعزل المنزلي. وتظهر ملامح العزل في غلق مداخل ومخارج القرية بواسطة القوات الأمن التي تمنع خروج أي حد منها أو دخول أي شخص لها، وتستمر الحياة داخل القرية حتى الساعة الـ7 طبقًا لقرار حظر التجوال. تخلل عزل القرية حالة من التكافل الاجتماعي بين الأهالي. 

بدأت الأزمة عندما ظهرت الأعراض على أحد شباب القرية الذي يعمل مديرًا في مطعم «بيتزا هات» بمدينة طنطا، بحسب عبدالقادر الشيخ، الذي يعمل مدرس لغة إنجليزية في القرية. «الشاب المُصاب جار لنا، وبدأت عليه أعراض كحة وسخونية وقرر عزل نفسه بالمنزل حتى اشتدّت عليه الأعراض»، يقول الشيخ. وحينما توجهت أسرة الشاب إلى مستشفى الصدر اكتشفوا إيجابية تحاليله، ومن ثم بدأ رصد التاريخ الحركي له والكشف على المخالطين به واكتشفوا إصابة ثمانية من أفراد الأسرة نفسها، وعُزلوا جميعًا في المستشفيات الستة المخصصة للعزل. 

الدكتور عبدالناصر حميدة، وكيل وزارة الصحة بمحافظة الغربية، يقول لـ «مدى مصر» إن قرار العزل الكامل لـ«الهياتم» جاء في المقام الأول للتغلب على الفيروس بعد ظهور حالات بها، مشيرًا إلى أنه منذ اللحظة الأولى والمديرية وفرت الأدوية وزيادة عدد الأطباء بالوحدة الصحية بالقرية. أكد حميدة تخصيص غرف عزل بجميع مستشفيات المحافظة لحجز الحالات المُشتبه بها لحين ثبوت إيجابيتها، ثم تُنقل إلى مستشفيات العزل، موضحًا أن جميع العينات المسحوبة من القرية منذ تطبيق العزل هي سلبية، مشيرًا إلى أن «الغربية» تضم 19 حالة إيجابية، عشر منها من «الهياتم»، وحتى الآن «نتائج العينات العشوائية التي نسحبها من القرية سلبية».

تحكي أشجان عن ملامح القرية وهي تحت العزل قائلة: «كلنا في بيوتنا. الناس خايفة تنزل. مافيش حد بيخرج ولا بيدخل. أنا حتى أسرتي من قرية مجاورة، بيحاولوا يجيبوا لي أكل أو يدخلوا لي فلوس ومش عارفين».

تحاول الأم العشرينية ترشيد إنفاقها الآن بعد قرار العزل الأخير. «بقيت بستغنى عن حاجات كتير، بطّلت أجيب فاكهة وحلويات لأولادي. بجيب السلع الأساسية بس، محدش عارف اللي إحنا فيه ده مكمل لغاية إمتى، وكل مخاوفي دلوقتي أن محصل الكهرباء والغاز ييجوا لأخد القرايات.. في أوقات زي دي مش مفروض حد ياخد مننا فلوس».

حالة تكافلية انتشرت بين أهالى القرية، بحسب الشيخ: «إحنا قرية آه، بس فيه عائلات كبيرة هنا.. وعندنا أطباء ومهندسين وناس في كل المجالات وعندنا برضه عمال وفلاحين، أشغالهم بره القرية، دول أكتر ناس اتأثرت بقرار العزل، وإحنا هنا اللي معاه بيكب على اللي ممعهوش. كل مجموعة بيوت في منطقتهم بيعملوا كده».

بدأت الحالة التكافلية التي تشهدها القرية في تنظيم نفسها أكثر عن طريق تنظيم لجان طوارئ تطوع بها شباب القرية الجامعيين والخريجين، بحسب بسام أبو الحسن٬ من أهل القرية ويعمل موظفًا بالصرف الصحي٬ وانقسمت هذه اللجان إلى لجنة إعاشة مسؤولة عن جمع السلع الغذائية من الأهالي التي تريد التبرع، ومن ثم يتمّ توزيعها في كراتين، ثم تستلمها لجنة التوصيل المكونة من الشباب أيضًا، وتكون مهمتها توصيل السلع الغذائية إلى الأسر بطريقة آدمية: «واخدين إذن من قوات الأمن، آخر اليوم بنلف نوزع السلع الغذائية في صمت، وبنسيبها على باب المنزل وبنمشي عشان منجرحش مشاعر الأهالي، وإحنا عاملين قائمة تضمّ كافة الأسر التي تضررت بقرار العزل».

أما اللجنة الطبية فشُكلت من 13 طبيبًا من أبناء القرية بحسب أبو الحسن: «مهمة اللجنة دي هي متابعة الوضع الطبي للأهالي، بيلفوا على البيوت بشكل يومي عشان لو حد تعبان، وبيراجعوا معاهم التعليمات والإجراءات الاحترازية الوقائية ويساعدهم أيضًا بعض الشباب في توزيع الكمامات والجوانتيات والمطهرات على المنازل وعلى المارة في الشوارع».

كما شهدت القرية منذ اللحظة الأولى تصرف أهلها بشكلٍ واعي، فهم قاموا برش شوارعها وتعقيمها بجهود ذاتية بحسب حسن الزيات، الذي يعمل مهندسًا: «من اللحظة الأولى لمّا عرفنا أن فيه إصابات، كل الناس طلعت تعاونت لرش الشوارع وتعقيمها، وجبنا ميكروفون وكنّا بنمشي في الشارع نوصي الناس بإنها لازم تلزم بيوتها.. وإن الحجر ده لصحتنا كلنا. بعد كده الطب الوقائي نزل برضه يرش الشوارع». 

مساء يوم الأربعاء الماضي، خرج العشرات من أبناء القرية في مسيرة مرددين هتافات «مش عاوزين الكرتونة، الهياتم مافيهاش كورونا». يحكي الزيات أسباب خروج تلك المسيرة قائلًا: «من اللحظة الأولى، وأهل القرية بينفذوا قرارات الحكومة في وعي كامل، حتى أتت سيارات بها كراتين غذائية وعليها لافتات حزب «مستقبل وطن» و[صندوق] «تحيا مصر»، وجاءت بعد الساعة 7 أثناء فترة حظر التجوال، ووقفت في مكان عام وبدأت تنادي على الأهالي يطلعوا ياخدوا وجبات غذائية»، لافتًا إلى أن الطريقة التي وُزعت الوجبات بها كانت طريقة غير آدمية، وهو ما استفز كرامة بعض الأهالي ودفعهم ذلك للخروج في مسيرة والهتاف بـ«إننا مش عاوزين كراتين». ويوضح: «أنا طبعًا مش موافق على اللي حصل، بس الدولة لو عاوزة توزع أكل على الناس مفروض تلف على البيوت وتسيب لهم الكراتين أمام باب المنزل، زي ما أهل القرية بيعملوا مع بعض. إحنا هنا من وقت بداية العزل، بنساعد بعض، وبنودي لبعض حاجات، بس بنختار الطريقة اللي نتعامل بيها من غير ما تكون السبب في التجريح».

تابع عدد كبير من أهالى القرية رد الفعل على المسيرة التي انطلقت، مما دفع شباب من القرية لتنظيم حملة على الفيسبوك بعنوان «#أنا من قرية الهياتم.. أنا ملتزم بالعزل». يقول الزيات: «اللي خرجوا [في مسيرة الأربعاء الماضي] عشرات من قرية يبلغ تعداد سكانها ما يُقارب الـ70 ألف نسمة ملتزمين بقرار العزل، والناس بدل ما تشتمنا تعرف الأول [إن] اللي حصل داس على كرامة الأهالي، واستغلال حاجتهم وأزمتهم بشكل غير إنساني».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.