مصر بين أزمتي ليبيا وسد النهضة.. هل تدق طبول الحرب أبواب القاهرة؟
تمر مصر بمرحلة حرجة مع اقتراب فشل مفاوضات سد النهضة من جهة، وتعقيدات الأزمة الليبية التي لم تجد حتى الساعة طريقا لحلها بالطرق الديبلوماسية، ما رفع منسوب الحديث عن خيارات القاهرة العسكرية، لإيقاف زحف حكومة الوفاق المدعومة تركياً باتجاه حدود مصر الغربية، ولإجبار أثيوبيا على وقف ملء سد النهضة لحين التوصل إلى اتفاق يرضي جميع الأطراف.
سد النهضة
بعد 9 سنوات من المفاوضات مع أثيوبيا والسودان، لم تتوصل مصر إلى أي اتفاق بشأن سد النهضة وحماية حقوقها المائية التي تعتبرها قضية أمن قومي.
وخلال الساعات الماضية، أعلنت وزارة الموارد المائية والري المصرية "عدم تفاؤلها" بتحقيق أي اختراق أو تقدم في المفاوضات الجارية حول سد النهضة، وذلك بسبب استمرار ما وصفه بـ"التعنت الإثيوبي".
وأضافت أن تعنت أثيوبيا ظهر جلياً خلال الاجتماعات التي تعقد حاليا بين وزراء الموارد المائية في مصر والسودان وإثيوبيا.
وأشارت إلى أن مصر قبلت بورقة أعدتها السودان تصلح لأن تكون أساساً للتفاوض بين الدول الثلاث، لكن إثيوبيا تقدمت، خلال الاجتماع الوزاري الذي عقد الخميس 11 يونيو 2020، بمقترح "مثير للقلق"، وصفه الجانب المصري أنه "مخل من الناحيتين الفنية والقانونية، يتضمن رؤيتها لقواعد ملء وتشغيل سد النهضة".
ومع توقع بفشل المفاوضات هذه الجولة مثل الجولات الأخرى، بدأ المصريون يتساءلون عن الخيارات المطروحة وما هي الخطوات القادمة التي يمكن أن تتخذها الحكومة؟
خيار مدمر
أسماء الحسيني، الخبيرة في الشؤون الإفريقية توقعت أن تبدي أديس أبابا مرونة في التفاوض في الأيام القادمة، مؤكدة أن مصر مستمرة في مفاوضتها وخيارها السلمي لآخر لحظة.
وصرحت الحسيني لموقع الحرة" أنه في حال فشل المفاوضات في هذه الجولة ستلجأ مصر إلى المجتمع الدولي ومجلس الأمن والأمم المتحدة، وليس إلى السلاح.
وألمحت إلى أن القاهرة ستواصل الضغط السياسي على أديس أبابا لتظهر مرونة في التفاوض، كما ستشرك دولا عربية وإفريقية وأوروبية في المفاوضات.
أما عن الخيار العسكري، فأكدت أنه خيار مدمر وضار على جميع الأطراف سياسا واقتصاديا واجتماعيا، وأن مصر تلجأ إلى المجتمع الدولي لتجنب استخدام هذا الخيار.
وكان نائب رئيس هيئة الأركان الإثيوبي الجنرال برهانو جولا، قال خلال الأيام الماضية إن بلاده ستدافع عن مصالحها حتى النهاية في سد النهضة، وأضاف: "أديس أبابا لن تتفاوض بشأن سيادتها على المشروع الذي يثير خلافا حادا مع مصر".
كما اتهم جولا مصر باستخدام أسلحتها لتهديد الدول الأخرى لعدم الاستفادة من المياه المشتركة، وقال: "جميع مفاتيح النصر في أيدي الإثيوبيين، بالرغم من أن المصريين يمتلكون مجموعة كبيرة ومتنوعة من الأسلحة التي جمعوها لمدة 30 و40 سنة".
إعلان الحرب
من جانبه، لم يستبعد هاني رسلان، رئيس وحدة السودان وحوض النيل بمركز الأهرام احتمال لجوء مصر إلى السلاح في قضية سد النهضة.
وقال رسلان في تصريح لموقع "الحرة" إن مصر أكدت أنها ستستخدم جميع الوسائل للدفاع عن حقوقها في مياه النيل، ومنه الحل العسكري، مشيراً إلى أن موقف القاهرة الرسمي لم يستبعد الحل العسكري.
بينما أكد الدكتور أيمن شبانة، مدير مركز البحوث الأفريقية بجامعة القاهرة، أن إقدام أديس أبابا على ملء السد هو بمثابة إعلان الحرب على مصر لأنه سبب في تهديد حياة المصريين.
الملف الليبي
أما الملف الآخر الشائك والذي لا يقل أهمية عن أزمة سد النهضة هو الملف الليبي، بسبب الحدود المشتركة بين الدولتين التي تصل إلى 1200 كيلومترا.
ومنذ 2015 تدعم مصر قوات المشير خليفة حفتر التي تسيطر على شرق ليبيا الحدودية مع القاهرة، ضد حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا.
كما أن تدخل أنقرة، التي احتدم الخلاف بينها وبين القاهرة بعد اسقاط الرئيس المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي في 2013، في الصراع الليبي ودعمها لحكومة الوفاق ومساعدتها في استعادة طرابلس ومدينة ترهونة، جعل الأزمة أكثر تعقيدا وحساسية بالنسبة للنظام المصري.
وفي الأيام الماضية، أجرت القوات التركية مناورات "البحر المفتوح" في المياه الدولية بالبحر الأبيض المتوسط، وأعلنت وزارة الدفاع التركية، في بيان، أن المناورات التي أجرتها وحدات تابعة لقيادتي القوات الجوية، والبحرية تمت إدارتها من مراكز عمليات في تركيا.
كما نشرت وزارة الدفاع فيديو للمناورات يظهر رسما لمقاتلات حربية تحلق من تركيا وصولا إلى الأجواء الليبية، وهو ما اعتبره الكثير من المراقبين استفزازا لمصر.
وكانت مصر حاولت حل الأزمة دبلوماسيا بإعلانها عن "مبادرة القاهرة" في 6 يونيو الجاري، التي تتضمن إعلانا دستوريا وتفكيك الميليشيات وإعلان وقف لإطلاق النار في ليبيا، إلا أن سرعان ما أعلنت حكومة الوفاق رفضها للمبادرة وشنت هجوما على مدينة سرت الليبية، وأكدت أنها لن تتوقف حتى تسيطر على المدينة.
وفي هذا السياق، كشفت صحيفة بلومبيرغ نقلا عن مصادر أوروبية أن "مصر حذرت أنها ستصعد في حالة تجاوزت تركيا شرقاً باتجاه حدودها".
وكان موقع "ديفينس بلوغ" المعني بالشؤون الأمنية، أفاد الأسبوع الماضي أن القوات المسلحة المصرية نشرت دبابات أبرامز القتالية على الحدود مع ليبيا.
ونشر الصحفي ومحلل الطيران العسكري باباك تغافي على حسابه في تويتر مقطع فيديو يظهر ما قال إنها قافلة عسكرية مصرية مع 18 دبابة قتال رئيسية من طراز M1A2 أبرامز، بالقرب من الحدود مع ليبيا.
كما التقى محمد فريد رئيس أركان حرب القوات المسلحة الأربعاء الماضي، بعدد من القادة والضباط وضباط الصف وجنود المنطقة الغربية العسكرية المسؤولين عن تأمين الحدود المصرية مع ليبيا، وفقاً للمتحدث العسكري المصري، وقال إن "القوات المسلحة المصرية في أعلى درجات الجاهزية والاستعداد القتالي لمواجهة كافة المخاطر والتحديات، وصون مقدساته وتأمين حدوده على كافة الاتجاهات الاستراتيجية"، وأشاد "بحماة البوابة الغربية وما يبذلونه من جهد في تنفيذ مهامهم الموكلة إليهم، والتصدي للعناصر الإجرامية وعصابات التهريب والمتسللين، وتأمين وحماية الوطن وسلامة أراضيه".
من جانبه، وتعليقا على موضوع التصعيد المحتمل على الحدود المصرية الليبية، قال اللواء المتقاعد نصر سالم، وهو خبير استراتيجي، إن طرح الحل العسكري سابق لآوانه، ولن تفكر مصر فيه إلا إذا اضطرت إلى ذلك.
وأضاف سالم في تصريحات لموقع "الحرة" أن مصر تؤيد الحل السلمي والسياسي للأزمة الليبية ومبادرة القاهرة تؤيد ذلك، متسائلا: "كيف يمكن أن تنادي مصر بخروج جميع القوى الأجنبية من ليبيا ثم تتدخل هي عسكريا؟"، مشيراً إلى أن وجود قوات مصرية بالقرب من الحدود الليبية هو لتأمين حدودها الغربية فقط.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.