تهديد صفقة موانئ دبي المزدوجة مع شركة إسرائيلية بخصخصة ميناء حيفا وفتح خط شحن مباشر بين جبل علي وميناء إيلات إيرادات قناة السويس
في السنوات الأخيرة، شهدت حركة التجارة زيادة مطردة للشحن بالحاويات عبر الخطوط الملاحية، فبرزت الحاجة لموانئ ذات تكنولوجيا وكفاءة عالية، تقول موانئ دبي العالمية إنها توفرها عبر دورها "السريع" في تقديم الخدمات اللوجستية، لكن يبدو أن هذا الدور يكون "أسرع" عندما يتعلق الأمر بعقد صفقات تمكنها من إدارة أكثر الموانئ حيوية في العالم.
فبعد يوم من توقيع الإمارات وإسرائيل اتفاقا تاريخيا لتطبيع العلاقات، قالت موانئ دبي العالمية إنها ستدخل في شراكة مع مجموعة دوفرتاور الإسرائيلية، تشمل التقدم بعرض مشترك في خصخصة ميناء حيفا المطل على البحر المتوسط.
كما ستدرس موانئ دبي العالمية، المملوكة لحكومة دبي، فتح خط شحن مباشر بين جبل علي وميناء إيلات، الأمر الذي أثار المخاوف من أن تطيح هذه الصفقة المزدوجة بعوائد قناة السويس التي يمر عبرها نحو 10 في المئة من حركة التجارة العالمية.
وتعد قناة السويس ثالث أكبر مصادر النقد الأجنبي لمصر، بعد تحويلات المصريين في الخارج والسياحة، على الترتيب، وبلغت إيراداتها 5.9 مليار دولار في العام المالي الماضي.
مزيد من الإيرادات
إلا أن المحلل وأستاذ العلاقات الدولية في جامعة نافارا في إسبانيا، مايكل تانتشوم، يقول إنه "إذا بدأت موانئ دبي العالمية في إدارة جزء من العمليات في ميناء حيفا، قد يكون هذا مفيدا جدا لمصر وقناة السويس، مما يعزز عمليات موانئ دبي في السخنة".
ويعمل ميناء حيفا كمركز إقليمي لعبور الشاحنات، وهو أكبر الموانئ البحرية الثلاث في إسرائيل، والآخران هما أشدود وإيلات.
ويتاخم الميناء قناة السويس في مصر، وهي أكثر طرق الشحن ازدحاما والممر المائي الأبرز في العالم.
وأضاف تانتشوم لموقع "الحرة": "موانئ دبي تحاول إنشاء شبكة من منافذ الشحن العابر (الترانزيت) في جميع أنحاء حوض البحر المتوسط وممر البحر الأحمر من إسبانيا إلى القرن الإفريقي".
وتدير موانئ دبي ميناء السخنة، القريب من المدخل الجنوبي لقناة السويس على البحر الأحمر، وهو ميناء يتميز بموقع استراتيجي للتعامل مع البضائع العابرة خلال أكثر الممرات المائية التجارية ازدحاما في العالم.
وتقول موانئ دبي العالمية، على موقعها، إن "السخنة هو ميناء لعبور البضائع للموانئ المصرية الأخرى وكذلك إلى وسط القارة الإفريقية".
ويوضح تانتشوم أنه بالنظر لإدارتها ميناء ياريمكا في تركيا، ثم حيفا الذي يتوسط ساحل شرق المتوسط، إلى جانب ميناء السخنة في مصر، ستمثل الصفقة الجديدة لموانئ دبي "مكسبا استراتيجيا، وبالتالي زيادة حركة المرور في السخنة والمزيد من الإيرادات لمصر".
ويتفق الباحث الاقتصادي بمركز "الإنذار المبكر"، ومقره أبوظبي، مجدي عبد الهادي مع تانتشوم في التأثير الإيجابي للاتفاق الإماراتي-الإسرائيلي، قائلا: "هذا الخط التجاري الجديد سيحول بعض خطوط التجارة الإسرائيلية الأخرى الأكثر تكلفة لهذا البديل الأرخص؛ فيزداد المرور من الخط الملاحي لقناة السويس، ومعه الطلب على خدماتها اللوجيتسية".
وأضاف لموقع "الحرة": "يترتب على ذلك بعض المنافع المادية والنوعية لأطراف التبادل ووسيط المرور، كما قد تستفيد مصر تجاريا ببعض الشراكات المحدودة مع وبين الطرفين".
أما من جهة توزيع المنافع النسبية، يقول عبد الهادي، إنه سيكون لصالح إسرائيل بشكل أكبر بسبب التقدم النسبي لاقتصادها مقارنة بالاقتصادات العربية، فضلا عن تعزيز صادراتها بشكل غير مباشر لباقي الدول العربية عبر الشراكات متعددة الجنسيات التي ستترتب على الاتفاق، إضافة لفتح الباب لشراكات مشابهة مع دول عربية أخرى.
الطريق إلى إيلات
إلا أن كارولين روز، الباحثة بشركة "Geopolitical Futures"، ومقرها تكساس، تخالفهما الرأي بقولها إن الصفقة الإمارتية "يمكن أن تقلل من الحركة التجارية عبر قناة السويس المصرية".
وتقول لموقع "الحرة" إن الصفقة المزدوجة، بما تشمله من خصخصة حيفا أو فتح خط شحن مباشر مع ميناء إيلات، قد تؤدي إلى إنشاء مراكز تجارية جديدة تعيد تحديد المشهد الاقتصادي للمنطقة.
وأضافت "أعتقد أن خطط الإمارات لإنشاء طريق تجاري مباشر مع ميناء إيلات جنوب البلاد الذي يقع على رأس خليج العقبة، وهو المنفذ الوحيد لإسرائيل على البحر الأحمر، سيكون ذات تأثير سلبي أكثر على قناة السويس" مقارنة بخصخصة ميناء حيفا.
وتابعت "أصبح حجم السويس ضيقا جدا بالنسبة للعديد من ناقلات النفط والسفن التجارية، في حين أن رسوم عبور القناة لا تشجع السفن التجارية على استخدامها، حتى أن البعض اختار أن يسلك طريق رأس الرجاء الصالح، خاصة مع تراجع أسعار النفط".
وقناة السويس، هي ممر مائي اصطناعي بطول 193 كيلومترا يربط البحر الأحمر بالمتوسط، وتنقسم عرضيا إلى ممرين في أغلب أجزائها لتسمح بعبور السفن في اتجاهين في نفس الوقت بين كل من أوروبا وآسيا، وتعتبر أسرع ممر بحري بين القارتين.
وفي 2014، ضمن مشروع توسعة القناة، الذي يعرف في مصر باسم مشروع قناة السويس الجديدة، مجرى ملاحي مواز للقناة القديمة بطول 35 كيلومترا وبعرض 317 مترا وبعمق 24 مترا ليسمح بعبور سفن بغاطس يصل إلى 66 قدما.
ورغم ذلك، نشرت شركة "ألفالاينر"، وهي شركة متخصصة في الملاحة البحرية وعبور السفن، في مايو الماضي، دراسة أفادت بارتفاع عدد الحاويات، التي اختارت استخدام طريق رأس الرجاء الصالح وتجاوز قناة السويس، إلى أعلى مستوى تاريخي في وقت السلم، بما في ذلك 20 رحلة على الأقل من وإلى آسيا وأوروبا وأميركا الشمالية، بسبب انخفاض أسعار النفط ورسوم عبور القناة.
وفي أبريل الماضي، قال تحالف CMA-CGM الملاحي إنه اختار طريق رأس الرجاء الصالح، رغم أنه أطول بنحو ثلاثة آلاف ميل بحري، قائلا إنه بالنظر إلى تراجع أسعار النفط الذي تستهلكه السفن، وغلق بعض الموانئ، وتراجع الطلب الأوروبي، فإن الوقت ليس عاملا أساسيا لحسم اختيار الطريق البحري، بل النظر إلى التكلفة.
وفي المقابل، تقول كارولين، يعد خليج العقبة (بعرض 24 كم) أكثر استيعابا للسفن الكبيرة، مضيفة "إذا كان ميناء إيلات يمكن أن يتوسع لاستيعاب كمية أكبر من السفن التي تحمل صادرات الخليج، أعتقد أن العديد من الشركات ستبدأ في التحول من السويس إلى إسرائيل".
لكنها عادت لتقول: "لا أعتقد أن حيفا أو إيلات أو أي ميناء إسرائيلي آخر يمكن أن يحل محل قناة السويس بالكامل. تاريخيا، كانت السويس بمثابة البوابة بين البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط ، وبالتالي بين آسيا وأوروبا، وستواصل القيام بذلك، حتى مع روابط الموانئ الجديدة في شمال وجنوب إسرائيل".
خط إيلات-عسقلان
وفي وقت سابق من شهر سبتمبر الجاري، نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا قالت فيه إن اتفاق التطبيع بين إسرائيل والإمارات يحيي آمال الأولى في تحقيق حلم خط أنابيب النفط الذي يربط بين ميناء إيلات على البحر الأحمر ومحطة ناقلات النفط بعسقلان المطلة على البحر المتوسط.
وتعليقا على ذلك، قال كارولين: "إذا شاركت الإمارات ودول خليج أخرى إسرائيل في خط أنابيب النفط الذي يربط البحر الأحمر بجنوب أوروبا، فإن ذلك سيحول مسار نفط الخليج من السويس إلى شركة خط أنابيب آسيا الإسرائيلية".
ومع ذلك، لاتزال العديد من دول الخليج التي تواصل رفض تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وتعتمد على أوروبا كسوق تصدير مهم. وبالتالي ستستمر قناة السويس في تأدية مهامها، على الرغم من أن أهميتها، باعتبارها شريان الحياة لسوق النفط في المنطقة، قد تتضاءل، بحسب الباحثة بشركة "Geopolitical Futures".
وترى كارولين أنه يتعين على إسرائيل أن تتصرف بحذر عند جذب الاستثمارات الخليجية وتحولها لمركز إقليمي للتجارة والمال على حساب قناة السويس، مضيفا "مصر هي أول دولة عربية أقامت علاقات رسمية مع إسرائيل، ويشترك البلدان في علاقة أمنية عميقة".
وتابعت "لا تريد إسرائيل، جارة مصر وشريكها الأمني الوثيق، أن تتعرض القاهرة لضربات اقتصادية قد تؤثر على أمنها الداخلي وبالتالي تؤثر عليها، كما أنها لا تريد عزل مثل هذا الحليف التاريخي".
ويوافق عبد الهادي الرأي مع كارولين فيما يتعلق بالتأثير السلبي لخط إيلات-عسقلان على قناة السويس، لكنه استبعد تنفيذه في الوقت بالنظر إلى سماه بـ"الإمكانية السياسية"، قائلا إن هذا الخط التجاري بحاجة لاتفاقات تطبيع مع السعودية وأي دولة أخرى يمر بها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.