خطاب مفتوح من منظمات حقوقية محلية واقليمية ودولية إلى فيس بوك وتويتر ويوتيوب:
توقفوا عن إسكات الأصوات المنتقِدة من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
موقع مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان / نشر بتاريخ الخميس 17 ديسمبر 2020 / مرفق الرابط
قبل عشر سنوات من اليوم، أضرم البائع المتجول التونسي محمد البوعزيزي (26 عامًا) النار في جسده احتجاجًا على ظلم الدولة وتهميشها له، ما أشعل الانتفاضات في تونس ومصر ودول أخرى في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
ومع إحياءنا للذكرى العاشرة لذاك الربيع العربي، نعرب نحن، الموقعون أدناه، من نشطاء وصحفيين ومنظمات حقوقية، عن إحباطنا واستيائنا من سياسات المنصات (فيس بوك، تويتر، يوتيوب) بما في ذلك إجراءات تعديل المحتوى أو حذفه بهدف إسكات الأصوات الناقدة والمعارضة، وخاصة التي تأتي من المجتمعات المهمَّشة والمضطهَدة، في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
يُعتبر الربيع العربي تاريخيًا لأسباب عديدة، ومن بين ميراثه البارز استخدام النشطاء والمواطنين لوسائل التواصل الاجتماعي كأداة للضغط من أجل صناعة التغيير السياسي وبلوغ العدالة الاجتماعية، إذ تم ترسيخ الإنترنت كعنصر أساسي في تمكين حقوق الإنسان في العصر الرقمي. وقد سبق وافتخرت الشركات المديرة لمنصات التواصل الاجتماعي بدورها في ربط الناس بعضهم ببعض خلال تلك الفترة. على النحو الذي أشار إليه مارك زوكربيرج في منشور شهير له في 2012 بعنوان “رسالة المؤسس“، قائلاً: “حين منحنا الناس القدرة على المشاركة، رأيناهم يصلون بأصواتهم إلى مساحات مختلفة عما كان ممكنًا تاريخيًا. ستزداد هذه الأصوات في العدد والحجم. ولا يمكن تجاهل هؤلاء الناس. بمرور الوقت، نتوقع أن تصبح الحكومات أكثر استجابة للقضايا والمخاوف التي تثيرها شعوبها بشكل مباشر وليس من خلال وسطاء تسيطر عليهم قلة مختارة”.
كان توقع زوكربيرج خاطئًا. إذ اختارت المزيد من الحكومات في أماكن مختلفة من العالم طريق الاستبداد، وساعدتها المنصات الالكترونية على القمع عن طريق عقد صفقات مع رؤساء دول قمعية وفتح الأبواب للطغاة؛ وفرض الرقابة على نشطاء وصحفيين مهمّين ومحاصرة صناع التغيير في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وقد حدث ذلك- في كثر من الأحيان- بأمر واضح من الحكومات نفسها. فعلى سبيل المثال؛
في تونس: في يونية 2020، عطل الفيس بوك بشكلٍ دائم أكثر من 60 حسابًا لنشطاء وصحفيين وموسيقيين تونسيين، مستندًا إلى أدلة شحيحة. وفي حين أسترد معظمهم حساباتهم لاحقًا بفضل رد فعل جماعات المجتمع المدني السريع، لم يتم حتى الآن استعادة بعض حسابات لفنانين ولموسيقيين تونسيين. ولم ينشر فيس بوك أي رد بعد أن أرسلنا له رسالتنا الائتلافية .
في سوريا: في أوائل عام 2020، اطلق نشطاء سوريون حملة للتنديد بقرار فيس بوك بحذف وتعطيل الآلاف من الحسابات والصفحات المعادية للأسد، والتي وثقت جرائم الحرب منذ 2011، وذلك بذريعة إزالة المحتوى الإرهابي. ورغم استئناف القرار، لا يزال عدد من هذه الحسابات معلقًا. وبالمثل، وثق السوريون كيف يعمل موقع يوتيوب حرفيًا على محو تاريخهم.
في فلسطين: شن عدد من النشطاء ومستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي الحملات منذ عام 2016 لرفع الوعي حول الممارسات الرقابية لشركات التواصل الاجتماعي. وفي مايو 2020، كان هناك ما لا يقل عن 52 حسابًا موقوفًا لنشطاء وصحفيين فلسطينيين، ومنذ ذلك الحين تم تقييد المزيد من الحسابات. كما علّق موقع تويتر حساب وكالة إعلامية موثقة، هي شبكة قدس نيوز، وادعى اشتباهه في ارتباط الشبكة بجماعات إرهابية. ولم يرد الموقع على طلبات إعادة النظر في هذا الأمر. وقد سبق وعبر مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي الفلسطينيون لمرات عديدة عن قلقهم من سياسات المنصة التمييزية.
في مصر: مطلع أكتوبر 2019، علّق تويتر بشكل جماعي حسابات بعض المعارضين المصريين داخل مصر وخارجها، وذلك عقب اندلاع الاحتجاجات المناهضة للسيسي في مصر مباشرة. وفي ديسمبر 2017، علق موقع تويتر حساب ناشط لديه أكثر من 350 ألف متابعًا، ولم تتم استعادة الحساب بعد. كما تم تعليق حساب نفس الناشط على فيس بوك أيضًا في نوفمبر 2017 ولم تتم استعادته إلا بعد تدخل دولي. كما أزال يوتيوب حسابه في وقت سابق من عام 2007.
هناك أمثلة كثيرة جدًا توثق التصور المشترك على نطاق واسع بين النشطاء والمستخدمين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وجنوب الكرة الأرضية بأن هذه المنصات لا تهتم بهم، وغالبًا ما تفشل في حماية المدافعين عن حقوق الإنسان حين تُثار المخاوف حولهم.
لقد أصبح تعليق الحسابات التعسفي وغير الشفاف، وإزالة الخطاب السياسي والمعارض، سلوكًا متكررًا ومنهجيًا لدرجة لا تسمح باعتبار هذه القرارات مجرد حوادث معزولة أو نتيجة أخطاء مؤقتة في صنع القرار الآلي.
وبينما تتجاوب منصات فيس بوك وتويتر سريعًا مع احتجاج النشطاء أو شكاوى ومطالب منظمات حقوق الإنسان (خاصة في الولايات المتحدة وأوروبا)، لا يصل رد فعل هذه المنصات إلى المستوى المطلوب عندما يتعلق الأمر بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. كما لا يتم إبلاغ المستخدمين النهائيين في كثير من الأحيان بالقاعدة التي انتهكوها، ولا يتم توفير وسيلة لاستئناف القرار أو السماح بالتواصل مع المشرفين.
لا ينبغي أن يكون الانتصاف والتعويض امتيازًا مخصصًا لأولئك الذين لديهم إمكانية الوصول للسلطة، أو حكرًا على من يستطيع توصيل صوته. ولا يمكن أن يستمر الوضع القائم بحكم الأمر الواقع.
تعاني منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من أحد أسوأ سجلات حرية التعبير في العالم، وتظل وسائل التواصل الاجتماعي حاسمة في مساعدة الناس على الاتصال وتنظيم وتوثيق انتهاكات وتجاوزات حقوق الإنسان.
وعليه، نحثكم على عدم التواطؤ في الرقابة وفي محو وحظر روايات المجتمعات المضطهدة وتاريخها، ونطلب منكم تنفيذ التدابير التالية لضمان معاملة المستخدمين في جميع أنحاء المنطقة بشكل عادل، حتى يكونوا قادرين على التعبير عن أنفسهم بحرية:
الابتعاد عن التمييز التعسفي أو غير العادل. المشاركة بنشاط في مراجعة المظالم والشكاوى المختلفة من المستخدمين المحليين والنشطاء وخبراء حقوق الإنسان والأكاديميين والمجتمع المدني من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. كما يجب مراعاة السياقات السياسية والاجتماعية والثقافية الإقليمية والفروق الدقيقة عند تنفيذ وتطوير ومراجعة السياسات والمنتجات والخدمات.
الاستثمار في الخبرات المحلية والإقليمية الضرورية لتطوير وتنفيذ قرارات تعديل المحتوى القائمة على السياق والمتوافقة مع أطر حقوق الإنسان في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وتعيين وسطاء محتوى يفهمون اللهجات المختلفة والمتنوعة ويجيدوا اللغة العربية المنطوقة في 22 دولة عربية. وتزويد هؤلاء الوسطاء بالدعم المطلوب لعملهم بأمان وكفاءة وبالتشاور مع أقرانهم، بما في ذلك في الإدارة العليا.
منح اهتمامًا خاصًا للحالات الناشئة عن مناطق الحرب والصراع لضمان أن قرارات تعديل المحتوى لا تستهدف بشكل غير عادل المجتمعات المهمشة. على سبيل المثال، لابد من التمييز بين توثيق انتهاكات حقوق الإنسان كنشاط مشروع يختلف عن نشاط نشر أو تمجيد المحتوى الإرهابي أو المتطرف. كما هو مذكور في رسالة أخيرة إلى منتدى الإنترنت العالمي لمكافحة الإرهاب، كما أن ثمة احتياج لمزيد من الشفافية فيما يتعلق بتعريف وتعديل المحتوى الإرهابي والمتطرف العنيف.
الحفاظ على المحتوى المحظور المتعلق بالقضايا الناشئة عن مناطق الحرب والنزاع والتي يحظر فيس بوك الوصول إليه، إذ يمكن أن يكون هذا المحتوى دليلاً للضحايا والمنظمات التي تسعى إلى محاسبة الجناة. وضمان إتاحة هذا المحتوى للسلطات القضائية الدولية والوطنية دون تأخير غير مبرر.
الاعتذار العلني عن الأخطاء الفنية غير كافٍ طالما بقيت واستمرت القرارات الخاطئة المتعلقة بسياسة الإشراف على المحتوى. لذا يجب على هذه المنصات والشركات التي تديرها توفير قدر أكبر من الشفافية والإشعار، وتقديم نداءات هادفة وفي الوقت المناسب للمستخدمين. أخيرًا، تقدم مبادئ سانتا كلارا بشأن الشفافية والمساءلة في الإشراف على المحتوى – والتي اعتمدها فيس بوك وتويتر ويوتيوب في 2019 – مجموعة أساسية من الإرشادات التي يجب تنفيذها فورًا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.