السبت، 19 يونيو 2021

بعد أهالى جزيرة الوراق وأهالى بولاق أبو العلا جاء الدور على أهالي نادى الصيد.. إخلاء السيسى منطقة «نادي الصيد» الشعبية للناس الغلابة في الإسكندرية قسرا بالقوة.. خوفًا على السّكان أم طلبًا للاستثمار


بعد أهالى جزيرة الوراق وأهالى بولاق أبو العلا جاء الدور على أهالي نادى الصيد

إخلاء السيسى منطقة «نادي الصيد» الشعبية للناس الغلابة في الإسكندرية قسرا بالقوة.. خوفًا على السّكان أم طلبًا للاستثمار


لم تكن المظاهرات والوقفة الاحتجاجية التي نظمها سكان عزبة نادي الصيد بالإسكندرية خلال الأيام الماضية رفضًا لقرار المحافظ بإخلاء منازلهم ونقلهم إلى مساكن بديلة في منطقتي «بشاير الخير 3 و5» التي أنشأتها الحكومة خلال السنوات الماضية هي الأولى من نوعها، بل سبق لهم الاحتجاج، قبل نحو ست سنوات، ضد تجاهل الحكومة لمشكلاتهم.

في 7 نوفمبر 2015، نظم بعض أهالي العزبة وقفات احتجاجية، وقطع عشرات منهم طريق قناة السويس الرابط بين وسط الإسكندرية والطريق الصحراوي، رفضًا لغرق منازلهم بمياه الصرف الصحي والأمطار وانقطاع التيار الكهربائي والمياه لمدة ثلاثة أيام متواصلة دون تدخل فوري من المسؤولين لمساعدتهم حينها. وبعد ست سنوات، عاود أهالي «نادي الصيد» التظاهر، في 4 يونيو الجاري، هاتفين «إيد واحدة مش هنمشي» رفضًا لخطة نقلهم إلى «بشاير الخير» الواقعة بالقباري غربي الإسكندرية، وعدم كشف مسؤولي المحافظة عن هذه الخطة وآلية تعويض الحالات المختلفة لساكن العزبة. وبعد لحظات من التظاهر، تواجدت قوات الأمن٬ بحسب رواية الأهالي٬ وألقت عليهم قنابل غاز مسيلة للدموع، وقبضت على عدد من المتظاهرين٬ ثم أخلت النيابة سبيلهم الخميس الماضي.

خُطط لإنشاء «نادي الصيد» عقب ثورة الضباط في يوليو 1952، وأُسست في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر باعتبارها واحدة من المشروعات القومية الهادفة لخدمة الصيادين، وذلك بتوفيرها مساكن لهم قرب بحيرة مريوط٬ مورد رزقهم، بحسب رواية أحد أعضاء مبادرة معنية بحفظ التراث في الإسكندرية الذي طلب عدم ذكر اسمه. تجاوز عدد البيوت حينها الـ 300 بيت، ولكن مع النمو السكاني في المنطقة، عُليت البيوت بشكل غير قانوني، وبُنيت أخرى جديدة من قِبل الأهالي والوافدين إلى العزبة فيما بعد. ومع هذا التوسع والنمو السكاني٬ تنوعت مجالات عمل أهالي العزبة، بعد أن ظلت لسنوات مُقتصرة على الصيادين. وبعد تراجع حرفة الصيد في العزبة، أصبحت تضم عددًا كبيرًا من المصانع الصغيرة والورش الخاصة بالنجارة والسباكة وسمكرة السيارات وغيرها. ويُقدر تعداد أهالي «نادي الصيد» حاليًا بحوالي 15 ألف أسرة.

وفي ديسمبر 2019، وبعد مرور شهر من توليه المنصب٬ وقع اللواء محمد الشريف، محافظ الإسكندرية، والمهندس خالد صديق، المدير التنفيذي لصندوق تطوير المناطق العشوائية، بروتوكول تعاون لتطوير سبع مناطق غير مُخططة بالمحافظة على رأسها «نادي الصيد»، بتكلفة تخطت 800 مليون جنيه على أن يتضمن هذا التطوير تجديد شبكات الصرف الصحي وشبكات المياه ورصف وإنارة الطرق وصيانة مرافق الكهرباء. وفي 7 مارس 2020، أطلق المحافظ إشارة البدء في أعمال التطوير في «نادي الصيد» بتكلفة 115 مليون جنيه بالإضافة إلى قراره بتوصيل الغاز الطبيعي إلى العزبة.

لكن عوضًا عن استمرار أعمال تطوير «نادي الصيد» التي يعيشون فيها، وجد الأهالي، مطلع مايو الماضي، لجنة حصر تطالبهم بالتوقيع على أوراق تنازل عن مساكنهم تمهيدًا لإجلائهم منها ونقلهم إلى أخرى بديلة في «بشاير الخير»، بحسب روايات بعض سكان العزبة لـ«مدى مصر».

«كل شكوانا كانت في وقت سقوط الأمطار، أننا محتاجين حل، علشان ميحصلش زي كل سنة والمنطقة تعوم ويقطعوا علينا الكهرباء بالأيام. لو كنّا عارفين أن نتيجة الشكوى المتكررة دي هي أنهم يخرجونا من بيوتنا كنّا سكتنا» تقول أمل السيد، 55 سنة، المقيمة بـ«نادي الصيد»، وتسكن في بيت عائلة مكون من أربعة أدوار وأربع شقق٬ أوراقه سليمة على حد قولها، فهم لديهم عقود ملكية وحُجة للأرض والأوراق المتعلقة بالمرافق كالكهرباء والمياه. وتواصل: «أعمال التطوير في المنطقة بدأت بالفعل من شهور، وكان العمال يوم ييجوا، ويوم لأ. وأول ما بدأوا به هو تكسير الشوارع.. كل الشوارع حتى المتسفلت منها. وكنّا مبسوطين وفاكرين إن شكل المكان هيتغيّر للأحسن. ولكن مرة واحدة وبشكل مفاجئ الشغل في الشوارع وقف ومشوا.. وسابوا التكسير».

«في بداية شهر مايو الماضي، اتفاجئنا بلجنة بتحصر عدد الوحدات السكنية والأسر داخل المنطقة، ومن وقتها فيه أخبار عن النقل والإخلاء. كنّا في البداية بنقول إشاعات لحد ما اتأكدنا وخرجنا في مظاهرة [مطلع الشهر الجاري] علشان أقل حاجة نعملها لما حد يخرجنا من بيوتنا بدون سبب مقنع نعترض، وإحنا اعترضنا [عشان] كنّا محتاجين نفهم. فضربونا وقبضوا على ولادنا، وبدل ما نفكر هنتصرف إزاي في بيوتنا ونشوف حقوقنا، بقينا بندور على ولادنا في أقسام الشرطة وفي مديرية الأمن» تقول السيد.

رغم رفض عائلة السيد الموافقة على الإخلاء، حين حضرت اللجنة الشهر الماضي، إلا أنها تفكر حاليًا في التراجع عن ذلك، حتى لا تُعتبر العائلة مُتنازلة عن حقها في الحصول على شقق «بشاير الخير» البديلة. لا يزال أمام أفراد عائلة السيد فرصة الموافقة على إخلاء بيتها، وذلك إما بالتوجه إلى مبنى المحافظة أو التواصل مع اللجنة. وبعد ذلك، سيكون على العائلة الذهاب إلى «بشاير الخير» لتسليم أوراق شقق بيتهم في «نادي الصيد». وبعد الفحص والتأكد من صحة هذه الأوراق، سوف تُجرى قرعة لتسليم هذه العائلة الشقق البديلة.

شعر عم راضي، 64 سنة، بالقهر حين علم بلزوم إجلائه هو وزوجته ووالدته وبناته من شقتهم الملِك في «نادي الصيد»، ويقول: «اللي يقهر ويزود صعوبة الموضوع أن القرار حاسم ومش قابل للمناقشة. أمر واقع علينا كلنا… اللي هيمضي وعنده شقة تمليك مهما كانت مساحتها وتجهيزه لها وفرشها، هيآخد شقة بديلة في بشاير الخير صافي مساحتها 75 متر بعفش مش عفشه، ولا يحق له التصرف فيه بعدين، ولا حتى التصرف في الشقة ذاتها وبيعها على سبيل المثال. واللي شقته إيجار قديم هنا في «نادي الصيد» سعر الإيجار بيكون زهيد، مش بيزيد عن 10 جنيه، هيروح هناك يدفع 300 جنيه مع أن المبلغ ده ممكن يعيشه هنا أسبوعين مثلًا. أما اللي شقته إيجار حديث فهيبقى في الشارع أول ما صاحبها يمضي على الإخلاء، ويستلم الشقة البديلة».

في 9 يونيو الجاري، أعلنت محافظة الإسكندرية تسليم 112 وحدة سكنية بمشروع «بشاير الخير 3»، إلى أسر «نادي الصيد»، وذلك عقب إجراء القرعة العلنية الأولى، من إجمالي 6044 أسرة ستُنقل تباعًا. وفي تصريحات تلفزيونية، قال المحافظ إن قيمة إيجار الشقة المُستلمة هناك كبديل عن شقة إيجار قديم في «نادي الصيد» تبلغ قيمتها 250 جنيهًا بالإضافة إلى 50 جنيهًا صيانة للعمارة، وأوضح أن الأسرة غير القادرة على دفع هذا المبلغ شهريًا يمكن أن تدفعه الدولة نيابةً عنها بعد إجراء بحث اجتماعي شامل يثبت عجزها عن توفيره. كما أعلن المحافظ أن أي شخص يمتلك أرض فضاء في «نادي الصيد» سوف يحصل على ثمنها من الدولة بالسعر الحالي، وذلك بشرط أن تكون مسجلة وأوراقها صحيحة، وإن لم يتوفّر فيها هذا الشرط فستُعتبر هذه الأرض ملِكًا للدولة. وبعد ذلك بدأت أعمال الهدم في «نادي الصيد» الثلاثاء الماضي.

نور٬  21 سنة٬ من سكان العزبة٬ تقول: «إحنا مش رافضين أننا نروح لمكان أفضل زي ما بيقول المحافظ، وبعض الإعلاميين، لأننا بالفعل عايشين في مكان كويس وآدمي. بالنسبة لنا «بشاير الخير» مش خرافية ولا مثيرة للانبهار، هي في النهاية مساكن، وإحنا مش ساكنين في بدروم علشان ينتشلونا منه. عندنا شقق بمساحات كبيرة، وبعض العمارات فيها اسانسير، وآخر عمارة اتبنت من سنوات في أرض النادي تكلفتها 2 مليون جنيه». وبالمثل ترفض السيد تصنيف «نادي الصيد» بـ«العشوائية»٬ وتقول: «مش عايزين نسمع كلمة عشوائية دي تاني. إحنا مش عشوائيات.. إحنا مساكن شعبية. فيه شوارع عندنا بتكون ضيقة، وبتكون البيوت قريبة من بعضها وده مش عيب ولا غلط. لو عايزين يعملوا تنظيم جديد للبيوت هيهدوا مصر كلها، ويبنوها من أول وجديد».

ويعتبر عم راضي ما نُشر في وسائل الإعلام المختلفة من صور تظهر انتشار القمامة في شوارع العزبة تلفيقًا للواقع عبر تسليط الضوء على بعض الشوارع فقط، موضحًا أنه إذا كان الغرض من نشر الصور في هذا التوقيت هو الخوف فعلًا على صحة السكان كان الأولى إرسال عربات لجمع القمامة من «نادي الصيد»، بدلًا من الهدم وإجلاء السكان.

تتساءل نور٬ وكانت نشأتها في «نادي الصيد» وجميع ذكرياتها من الطفولة للشباب تكوّنت هناك، عن السبب في صمت الحكومة عن عشوائية العزبة طوال تلك السنوات، وتتابع: «إن كانت عشوائية ليه مدخل عداد كهرباء وعداد ميّه لكل شقة وبنتحاسب عليه كل شهر؟ إن كانت عشوائية ليه وافقت على تركيب التليفونات الأرضي وتوصيل النت القانوني لأغلب الشقق؟ إن كانت عشوائية ليه فيه مطافي ونقطة شرطة مخصصة للمكان وتابعين لها؟ إن كانت عشوائية فكيف آمنت على وجودنا الملاصق لمعسكر الأمن المركزي؟ إن كانت عشوائية ليه سمحت بإنشاء نادي الصيد في قلب المنطقة ومدارس ابتدائية وإعدادية وثانوية مهنية وفنية وفندقية؟».

ويقول عم راضي: «الخوف على السكان نغمة مش قادرين نصدقها لأن الأرض مكسب بكل المقاييس لاستثمارات هتتعمل عليها. إحنا على بُعد أمتار من مطار النزهة وقريبين جدًا من منطقة الداون تاون وهي أهم مناطق الإسكندرية من حيث الاستثمار والاقتصاد». وهو ما تؤكده نور بقولها: «المسؤولين مصحوش من النوم فجأة فاكتشفوا عشوائية نادي الصيد، ولكن كل الأمر أنه من شهور باعوا أرض المطار ومنطقة الداون تاون وأرض نادي أكاسيا فمبقاش فاضل غير أرضنا للبيع علشان يكملوا التخطيط لمشاريع استثمارية منعرفش عنها حاجة وعلشان يبقى هدم بيوتنا بالقانون قالوا عنها عشوائية، ولكن هي شعبية زي مناطق  كثيرة في إسكندرية».

وبحسب  تصريحاته لـ«مدى مصر» سابقًا، أوضح هيثم الحريري، عضو مجلس النواب السابق عن محافظة الإسكندرية، أن «نادي الصيد» تقع في المنتصف ما بين الـ«داون تاون» التي أُخليت من سكانها مؤخرًا، ومنطقة مطار النزهة، وهذه المناطق الثلاث -وإلى جانبها عزبة المطار ومنطقة أبيس العاشرة- سوف تُخصص لتكون منطقة أعمال للمستثمرين بحسب خطة «تطوير» المحافظة التي أعلنها وزير الإسكان أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي، في مايو من العام الماضي. كما رجح الحريري أن تكون شركة هشام طلعت مصطفى هي الجهة التي ستشتري تلك المنطقة. «نحن أمام نموذج مُشابه لما حدث في جزيرة الوراق.. أرض عجبتنا فقررنا نمشي الناس منها» هكذا وصف الحريري ما يحدث حاليًا في «نادي الصيد».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.